162

ولحكمة بالغة ربما كانت آخر ساعة من حياة الرسول (ص) مع الكثير من المؤمنين من أصحابه لان يرشدهم إلى أن عليا هو مرجعهم الفكري والاجتماعي بعده دون سواه ، لأنها تكاد تكون ساعة وداع ، ومثل تلك الساعة غالبا ما تكون ذات عاطفة ونكهة خاصة ، بحيث لا تنسى وقائعها عند البشر ، فربما ينسى الناس هذا الأمر ، لو أن الرسول (ص) قد بلغهم به قبل سنوات ، أو يفقد حرارته ، ولكنه (ص) وبأمر من الله تعالى جعله آخر ما عهد للناس به ، إذ ربطه بعبارات الوداع لكي يثبت في وجدان الامة ، ويكون حيا في ذاكرتها .

فوقف رسول الله (ص) على رحال جمعت له حتى يراه جميع الناس ، ويسمعوه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

« أيها الناس ! يوشك أن ادعى فاجيب ، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟

قالوا : نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ، ونصحت فجزاك الله خيرا . فقال أليس تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن جنته حق وأن ناره حق ، وأن الموت حق ، وأن البعث حق بعد الموت ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ؟

قالوا : نشهد بذلك .

قال : اللهم اشهد .

ثم قال : أيها الناس إن الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه .

أيها الناس ! إني فرطكم وأنكم واردون علي الحوض ، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضة ، وإني سائلكم حين تردون علي ، عن الثقلين كيف تخلفوني فيهما ، الثقل الاكبر : كتاب الله عز وجل ، سبب طرفه بيد الله تعالى ، وطرفه

Bogga 70