Taariikhdii Boqorradii Tabaacinada
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Noocyada
ولم يمض وقت طويل، حتى توافدت جماعات المقاتلين وفيالقهم وكتائبهم من كل مكان مشهرة سلاحها، إلى عاصمة التبع، بانتظار إشارته بالحركة والخروج للقتال.
وكان كلما تضاعف حماس المحاربين واشتد، أثنى عليهم الملك التبع؛ مقربا مستبشرا فاتحا لهم ذراعيه وقلاعه وبساتينه ومخازن مؤنه، مغدقا عليهم العطاء السخي المشجع لقدوم وفود جديدة من كل قبلية وموطن تحت حكم «حمير» الشاسع.
حتى إذا ما حاول الوزير «يثرب» مفاتحة الملك في هذا الأمر وعواقبه، قاربه الملك نازلا عن عرشه، ممسكا في رفق بذراعه باتجاه شرفات القصر الحاكم مشيرا إلى الناس، بنفس ما فعله سابقا مع عمته البسوس قائلا: «إنما أنا أسير؛ حيث تسير جموع الناس.»
تراجع الوزير مفكرا وقد أحاطت به الوساوس من كل جانب، خاصة عندما أصبحت وفود المحاربين وفيالقهم في الأيام الأخيرة لا ينقطع لها تواصل، حتى ضاقت مدينة التبع، على الرغم من رحابتها، بهم، غمغم الوزير لنفسه في أسى: حقا إنه إرث التباعنة الذي لا مهرب منه، لا حياة بلا حرب أو قتال وأنهار دم.
وتساءل يثرب بينه وبين نفسه في حسرة: ألا يكفي ما فعلته البسوس في إشعال نيران الحرب الضارية في ربوع الشام ولبنان وفلسطين، بعدما أوقعت بينهم بفتنتها التي أصبحت اليوم وبعد مقتل جساس بن مرة لكليب بن ربيعة التغلبي، تحصد الجميع حصدا؟ ألا يكفي؟
إلا أن التبع سرعان ما انخرط بنفسه بين صفوف جيشه المتعاظم مشرفا ومنظما على تدريباتهم ومؤنهم جالبا السلاح والعتاد من كل مكان.
والوزير الحصيف «يثرب» يستشف ببعد بصيرته نهاية كل ذلك. - الحرب وأنهار الدم، تلك التي لا مهرب من أوارها وهكذا تحقق حدس الوزير، بحلول ذلك اليوم المشئوم الذي أقام فيه الملك ذو اليزن حفلا كبيرا شغل قاعات قصره «الحصن» واستغرق الإعداد له أياما طوالا.
ودعي إلى هذا الحفل كبار قواده ومستشاريه وشيوخ القبائل والأمراء والحكام، امتد فيه السمر وتبادل الآراء والمشورة بين الجميع، حول ما يحدث ويجري داخل مختلف الأقوام المتاخمة لحمير والمناوئة لها، بما قد يشكل خطرا في المستقبل.
وفجأة قدم إلى ذلك الحفل شخص غريب، في هيئة مسكين أو سائل، وينم مظهره بكامله - وكما أجمع الجميع - على أنه غريب، لم تألفه عين من قبل.
وحينما دفعت السماحة بالملك إلى الترحيب بالغريب وسؤاله عن حاله، أخبره بأنه مجرد سائح جوال في بلاد الله الشاسعة، خبر أحوال البلاد والعباد، مدونا أخبار ما يسمعه ويراه، ولا أكثر.
Bog aan la aqoon