Taariikhdii Boqorradii Tabaacinada
سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا
Noocyada
كان الوادي الأخضر هائل الشجر والإثمار الذي استقر رأي التبع ذو اليزن على النزول على رءوس جباله وروابيه السندسية الحانية، وضفاف أنهاره العذبة العميقة الزرقة ذات الخرير الشجي.
وكان الوادي بالإضافة إلى جماله الباهر الأليف يفيض ويموج بمختلف أنواع الحيوانات والطيور وقطعان الماشية من جمال وأبقار وأغنام وأيائل برية.
ورغم خلوه من السكان، إلا من بضعة رعاة فرادى، فإنهم فروا الأدبار هربا عندما وقعت عيونهم على جيش ذو اليزن الجرار المدجج بالسلاح.
وكان التبع ذو اليزن لا يزال يعاني طيلة الطريق من بعلبك إلى أفريقيا، مما اضطره ودفعه دفعا إلى تحديات ملك بعلبك ومنازلته إلى أن أرداه قتيلا بحسامه على مرأى من أمرائه وأقاربه وذويه، فما فكر على الإطلاق أن ينازله حتى الموت، إلا أنه ما إن رأى رجاله يهوون صرعى نتيجة أكلهم السم في تلك الليلة الليلاء، حتى أدرك الخيانة من قبل ملك بعلبك، فكانت المبادرة بالتحدي والمبارزة معه أسلم الحلول بدلا من رفع السلاح وإحداث مجزرة رهيبة يسيل لها الدم مدرارا على السهول والروابي ويذهب ضحيتها الأبرياء قبل الأعداء.
ولقد حاول الوزير «يثرب» كلما حاول الملك مفاتحته في أمر ما جرى، تهوين الأمر عليه، بأن «البادئ بالشر هو عادة الظالم».
بل إن التبع ذاته كان ينوي الرحيل بجيشه عن بعلبك بعد أيام معدودة، دون أدنى أطماع أو نية سيئة تجاه ملكها الكريم الشمائل، الذي رحب بهم في البداية خير ترحيب، إلا أنه سرعان ما استهوته هذه البلاد الحارة المتفجرة بالعطاء الذي تفصح عنه طبيعتها السخية.
وتملكه الحماس أكثر حين تبين له مدى كثرة الماء ومجاريه على طول ذلك الوادي، بما يسهل له ممارسة هوايته وتحقيق أهدافه خاصة بحثه عن «كتاب النيل» الذي يؤرقه البحث عنه وحل طلاسمه وألغازه.
فانشغل الملك ذو اليزن في أبحاثه وأسفاره ما يعن له من ملاحظات حول الماء ومصادره، وكيفية التحكم فيه، خاصة النهر العظيم، نهر النيل.
حتى إذا ما انتهى ركب ذو اليزن من حط رحاله في ربوع تلك البلاد والغابات، أقيمت المضارب والخيام وبيوت الشعر، وبدأ بتشييد قصر التبع ووزيره يثرب على سفوح أعلى الجبال المحيطة بالوادي الفسيح وغاباته الكثيفة.
وانخرط الملك من فوره مستغرقا في أبحاثه المضنية عن منابع النيل؛ حيث سافر المسافات الطويلة بصحبة حراسه ومساعديه، وسأل كتبته تدوين ملاحظاته وما توصل إليه، بل بعث بإحضار بعض مراجعه ومخطوطاته ومدوناته السابقة من مأرب وسبأ وصنعاء.
Bog aan la aqoon