تقول الجازية من قلب محرق
أيا حيف الزمان أحيف عليا» «فلما فرغت الجازية من كلامها، أطرب الفرمند من نظامها، وشرب الكأس عن اسمها، وهو يتأمل في محاسنها وبياض جسمها، ثم أمر قشمر أن يملى له كأسا آخر، فملأه وناوله إياه، فأخذه وتقدم وطفا بنت الأمير دياب، وقال غني على هذا الكأس يا بنت الأمجاد، فجعلت تغني وتقول:
تقول وطفا فؤادي اكتوى
بدمع جرى فوق الخدود غزار
يا أمير مصر اشرب واسكر بالهنا
وانظر بناتا تشبه الأقمار»
حتى إذا ما وصل حاكم مصر إلى أقصى نشوته، وضعن له البنج أو العقاقير، وأخرجوا فرسانهم من داخل الصناديق، بحسب الحيلة الطروادية الشهيرة، ودارت معركة داخل مخدع فرمند ذاته، تذكرنا بذات الخدعة التي أحدثها كليب الفلسطيني بمشاركة خطيبته الجليلة بنت مرة داخل مخدع التبع الغازي للشام وفلسطين، حسان اليماني.
إلا أن الحيلة هذه المرة لم تأت فعلها السريع، فامتدت الحرب بين الهلالية وفرمند مصر وابن أخته الأمير محمود، إلى أن قتل أبو زيد محمودا، وسقطت القاهرة في أيدي الهلالية الدخلاء.
وتستطرد السيرة في تقديم محصلة من المعلومات - الإثنوجرافية - المفيدة للمصريين وطبائعهم في ذلك العصر الوسيط.
وكذا المسجد الذي شاده الذي شاده السلطان حسن الهلالي بها والذي ما يزال موجودا إلى اليوم. «فلما رأى المصريون تلك الأحوال خابت منهم الآمال، وأيقنت الهلاك والوبال، واجتهدت أن تخلص جثة ملكها فما قدرت، وقد أهالها ما رأت وأبصرت وامحلت عزايمها، وتأخرت واشتد عليها الحصر، وخاب أملها في النصر، فرجعت وطالت مصر، وهي على أسوأ حال لا تعرف اليمين من الشمال، فتبعتهم بنو هلال على الأقدام، وفي مقدمتهم أبو زيد ودياب وزيدان شيخ الشباب، وحكموا فيهم ضرب السيف القرضاب على الأجسام والرقاب، حتى دخلوا البلد وهم في حالة الذل والنكد، فلما رأت أكابر المدينة والأعيان ما جرى، وكيف أن الفرمند شرب كأس الهوان، وما خرجوا إلى عند السلطان حسن بن سرحان، وطلب منه العفو والأمان، فأجابهم إلى ذلك الشأن، وأوصى الأبطال والفرسان، لا ينهبوا من أمتعة المدينة لا رخيصة ولا ثمينة، بل يكونوا في هدوء واحتشام إكراما لمزارات الأولياء، ومقامات العلماء والعظماء، وكان للفرمند، ولد مقتدر اسمه الأمير منذر، فأحضر إليه قبلة بين عينيه، ثم ولاه مكان أبيه بحضور أكابر البلد والذوات والعمد بعد أن أوصاه أن يتصرف بحسن السلوك، ويتخلق أخلاق الملوك، ثم قامت الأفراح، وزالت الهموم والأتراح، وكان السلطان حسن قد استحسن مصر كل الاستحسان لكبرها، وما فيها من الأبنية الحسان، فصمم أن يبني له فيها على اسمه جامعا ليكون ذكرى له على طول الزمان، فأمر البنايين والمهندسين ببناء الجامع المذكور في ظرف ستة شهور، فأجابوه إلى ذلك المرام، وبعد أن تم بتمام، أمر أن يفرشوه بنفيس الفرش، وينقش حيطانه بأحسن النقش، فامتثلوا أمره في الحال كما قال، فكان جامعا عظيم المنال، يزهو كالهلال، وكان مكتوب على بابه بالذهب هذا جامع الأمير حسن الهلالي سيد العرب.»
Bog aan la aqoon