ولا عيش لي بعد الحبيب يطيب» «فلما فرغت هذه المرثية جعلت تبكي وتنوح من فؤاد مجروح، وتلطم على خدودها من شدة الأسف، وتقول: والله لقد انهدم شبيب العز والشرف. فبكت الناس لبكاها، وعزوها على ما دهاها، ثم أجلسوا شبيب على كرسي من الذهب الأصفر، مرصع بالدر والجوهر، وألبسوه عدة الحرب، وبكوا على ملكهم حتى كثر الصياح، وارتفع البكاء والنواح، وتكسرت السيوف والرماح، ثم تقدمت جنوده وهي ترقص بالسيف.»
وتوغل السيرة في سردها لتفاصيل الأحزان التي عمت دمشق، وطقوس الدفن واستخدام الإيقاعات العنيفة من سيوف ودفوف، عبر طقوس الانفصال، كما أسماها فان جنب، أي انفصال - روح - الميت عن الأحياء.
فلقد وصلت المناحة إلى حد رصد السيرة عبر ما تقدمه وتسوقه إلينا من معلومات إثنوجرافية تلقي المزيد من الضوء القوي على الكثير من الممارسات الشعبية التي ما يزال جانبها الأعظم سائدا لدى مجمل شعوبنا وكياناتنا العربية، منها الكيفية - الآسيوية - التي انتحرت بها تلك الزوجة النائحة «جنوب»، حين وضعت رأس السيف في بطنها، بينما قبضته في الأرض، وظلت ترقص في عنف من حوله، ثم انكبت عليه، فخرج يلمع من ظهرها، عندئذ ضج الجميع بالعويل.
الهلالية في القدس وغزة
وعندما استقر الرأي للهلالية في حكم دمشق، ولى السلطان حسن الهلالي الأمير صقر أمرها بدلا من أبيه التبع.
ثم أمر بدق طبول الارتحال، فهدمت الخيام والمضارب، وركب الفرسان باتجاه القدس وفلسطين التي وصلوها بعد ستة أيام، فنزلوا خارج المدينة، وزاروا الأماكن المقدسة، ومنها رحلوا بعد عشرة أيام باتجاه «غزة بقلوب معتزة.» «إلى أن عملت طلائعهم على جمع المعلومات عن ملكهم السركسي بن قارب، وهو صاحب جيوش ومواكب، وعنده خمسمائة ألف من الأبطال، والذي ما إن بلغ خبر اجتياح الهلالية لبلاده فلسطين، حتى تكدر واستشار وزيره وقائد جنده الأمير راشد.»
وبدور حاكم غزة، أرسل عيونه وبصاصيه لمعرفة قوة وحجم الجيش الغازي لبلاده، وعاد إليه من يخبره بما عنده من الخيل والجمال والأموال، «فعددهم أربع تسعينات ألوف من الذكور، وبناتهم مثل البدور»، وعلى عادة ما هو متبع بالنسبة لسيرتنا هذه، طالبهم السركسي بعشر المال:
إلى حسن أمير قيس وعامر
أمير البوادي في الملوك جليل
فأرسل لنا عشر المال مع الغنم
Bog aan la aqoon