وما أن استقر به المقام بترج حتى أرسل أخاه إلى مكة بهدية عبارة عن فرسين وبغلتين لشريفها السليماني شكر بن أبي الفتوح، أمير مكة. وكان شكر من أصدقاء الأسرة، لذا فقد كاتبه الشريف الفاضل أثناء الصراع مع الصليحي طالبا مساعدته لكنه لم يحظ بجواب(1). سار ذو الشرفين ومرافقوه قاصدين مكة عبر تربة وذات عرق في رجب 452ه/ أغسطس 1060م(2). ثم أدوا العمرة وانتظروا فلما حضر الحج أدوا الفريضة أيضا. وفي النهاية استقبلهم الأمير شكر بالترحاب، ومنحهم ذهبا وهدايا أخرى مقابل هديتهم. كما أرسل رسالة إلى الشريف الفاضل مع ذي الشرفين لم تذكر السيرة محتواها. لكن يبدو أن الشريف شكر أبدى في الرسالة رغبة في أن يزور الشريف الفاضل مكة في موسم الحج المقبل، لأن الفاضل عبر - عقب قراءته للرسالة - عن الأمل في تغيير الأمور حتى الموسم المقبل. وربما عني الفاضل بذلك ما كان الشريف شكر متورطا فيه، إذ نعلم من مصادر أخرى أن شكرا قام عام 453ه/ 1061م بقطع الخطبة للفاطميين بمكة، وتعرض من جراء ذلك لمضايقات وتهديدات من جانب الصليحي(3). لكن شكرا ما لبث أن توفي(4) قبل حلول موعد الحج المقبل، وعندما وصل الشريف إلى مكة للحج في العام التالي كانت الخطبة قد عادت للخليفة الفاطمي بالحرم(1). واعتزم الشريف الفاضل أن يمضي من مكة إلى الكوفة، واتفق مع أحد بني هلال أن يكون دليله عبر الصحراء. لكن الجمال التي كان ينبغي أن تحمل الشريف وصحبه تأخرت في الوصول من عرفات فمضى الهلالي وتركهم مما أدى إلى تحول عزم الشريف عن السفر إلى الكوفة واعتزامه العودة إلى ترج. وفي ترج انهمك الشريف في إقامة مشروع زراعي إذ كان مغرما بالعمل في الأرض، وهو ميل ربما ورثه عن جده القاسم بن علي(2). وقد عمد الشريف في البداية إلى إحياء الأرض التي كان قد مهدها جده. لكن سيد ترج خشي على الشريف من أهل الناحية التي كان قد ازدرعها فعرض عليه قطعة أرض أخرى وبئرا كان يملكهما، فانصرف الشريف وأتباعه إلى استغلال تلك القطعة الممنوحة.
Bogga 18