هذا مع طلاقة وحسن خلق وإكرام الناس وآداب وسعة صدر، وتعظيم لشأن العلماء، وكان بعض العلماء يأتيه على خفية يسأله عن شيء من لطيف العلم ودقيق الكلام ظنا منه أنه لا يجيب فيه، فيأتي وعنده في ذلك جلاء كل شبهة، وحل كل عقدة، وكان آخر الأمر أن طلبوا اختباره بموطن من مواطن الحرب فأجابهم إلى ذلك، وقال: إني لم أقم إلا لبذل نفسي في سبيل الله وإحياء دين الله فهل ترون أن من يدعو إلى ذلك يكون جبانا كلا وحاشى أو كما قال، فنهض من يومه ذلك إلى حصن حلب وهو لسلطان اليمن عمر بن رسول وقد أعد فيه من أعداء الله سبحانه وأعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الباطنية والمجبرة وغيرهم خلقا كثيرا أهل بأس وشدة، وعديد وعدة، قتقدم الإمام بنفسه عليه السلام ونهض المسلمون وشابك الأقران، واشتد الحرب وحمي الوطيس، وتقدم الإمام عليه السلام بنفسه ومعه نفر قليل كأنه الأسد الباسل فبلغ إلى موضع في ذلك المأزق المتضايق لم يبلغه سواه، والناس حينئذ قيام ينظرون فرأوا من شدة بأسه وشجاعته وإقدامه وثباته ما علموا منه أنه وحيد العصر وغرة وجه الدهر، وكان ذلك يوم الخميس، واستشهد جماعة من المسلمين في سبيل الله في ذلك اليوم رحمة الله عليهم، وكان اليوم الثاني يوم الجمعة فاجتمع من خلق الله مالم يشاهد مثله، وخرج أمير المؤمنين للصلاة فلما دنى من صحراء ثلاء موضع المسجد نزل من فرسه وسار حافيا إلى المسجد كل ذلك تواضعا لله، واتباعا لسنة جده صلى الله عليه وآله وسلم فخطب الناس ووعظهم وذكرهم بالله حتى وجفت من كلامه القلوب، وذرفت العيون بالدموع، وأتم الصلاة وصلى ركعتين بعد الصلاة، ثم صعد المنبر أخرى وتقدم الشيخ العالم جمال الدين أحمد بن محمد الرصاص فبايعه وتحدث على المنبر، ثم جرى العلماء في سلك واحد فبايعوه، وتكلم بعظهم بكلام في مناقبه ولم يبق بعد ذلك شك لمرتاب ولاعلة لمتعلل، وهذه نسخة خطبته في صلاة الجمعة قال بعد التسليم:
Bogga 97