قال الراوي: وبلغني من طرق شتى وسمعت أمير المؤمنين عليه السلام يحكي معنى ذلك، ورأيت كتابا وضع عليه السلاطين الأجلاء بنو شهاب خطوطهم ومن حضر من كبار الشرف وذلك أنهم رأوا وسمعوا من الأمراء الحمزيين من الكلام المتضمن للفساد على أمير المؤمنين والعمولة في محطته أو معنى ذلك مما يوجب بعدهم ومباينتهم أصنافا من الكلام، وكان بعضهم ربما ينزل إلى القاع للغارة فيلتقي بالغز ويخالطهم، ويلقي إليهم الأسرار والأحاديث، فبلغ أمير المؤمنين عليه السلام حتى لم يبق عنده شك فعند ذلك لم يستحسن مكاشفتهم، بل عدل إلى شيمته من الصبر والتعمد، وأسر إليهم الكلام أنه قد تحقق ما قد فعلوه، فحينئذ لم يقر بهم قرار، وخافوا أن يقع بهم بنو شهاب وغيرهم، فنهضو راجعين إلى الظاهر وظهر للناس ما كانوا يكيدونه ويرومونه من مكيدة أمير المؤمنين عليه السلام وأسمعهم الناس في طريقهم الكلام القبيح بغير أمر أمير المؤمنين في ذلك، وهبط أمير المؤمنين بعد ذلك إلى هجرة سناع، واستقر رباط الثغر هناك، وأسرى السرايا، ووصل إليه شيء من المال من الزيدية بصنعاء وكانوا يأمرون بالدراهم والفضه والثياب والمنافع سرا لما يحاذرونه من سطوة الغز، ووصل إليه أكثر القبائل، فأقام عليه السلام باقي شهر رجب وبعض شعبان لا تنقطع الغزوات والوقائع والحرب بينه وبين الغز، وبلغ العلم أمير المؤمنين أن الأمير شمس الدين جهز الأمير بدر الدين عبد الله بن الحسن بن حمزة إلى بلاد عمه في بلاد حمير وغيرها؛ لأن الناس لم ينقادوا لهم لما حاربوا أمير المؤمنين وظاهروا الغز، فتقدم الأمير عبدالله بن الحسن بن حمزة إلى بلاد حمير في عسكر فأخرب قارن وحلملم وغيرهما، ثم نزل المغرب إلى جهة حجة وقد كان قوم من أهل تلك النواحي من بني واشح وغيرهم لزموا موضعا يسمى الحسكي غربي حصن ظفر وبنوه وأثاروا الحرب منه، فنزل الأمير عبدالله بن الحسن والأمير أحمد بن يحيى بن حمزة في عسكر عظيم وحاربوا على ذلك الموضع، فأخذوه بالسيف وأسروا الشيخ المجاهد منصور [50أ-أ] بن إبراهيم بن حجاج صاحب الظفير، وقتلوا جماعة، ثم عاث العسكر في تلك البلاد فأخربوها ونهبوها وهتكوا الحريم وفعلوا من الأفاعيل في النسوان ما لا يليق ذكره بكتابنا فيما بلغ.
فلما بلغ العلم إلى أمير المؤمنين بذلك وكان في شهر رمضان المعظم من السنة المذكورة غمه ذلك غما عظيما وشكى على المسلمون ما بلغ إليه وقال: إن هؤلاء الأمراء لم يبرحوا يحاولوننا بالمهر حتى نهضنا إلى هذه الجهات، ثم فعلوا معنا ما فعلوا، ثم رجعوا عنا وخرجوا لبلاد المسلمين فأخربوها واهتضموا أهلها، وهاهم يستغيثون بنا، ونحن كما رأيتم من سداد هذا الثغر الأعظم ودفع الخطب المهم، فماذا ترون؟ فأجابوه بالامتثال لما يصوبه ويراه، وكان ذلك في حال تفرق الناس خصوصا أهل البلاد الظاهرية لما أعلن الأمراء بنو حمزة بالحرب لإمامهم، وبقي أمير المؤمنين عليه السلام متردد الخاطر هل يعود فمن بالثغر الذي هو فيه أو يقف فإن الأمراء يستأصلون شأفة كل من قد مال إليه وعاضده، وعرض في خلال ذلك وجع عظيم وهو ضرب من القلاع في فمه وحرارة عظيمة، فعرضت الحمى حتى استفرغ الدم واستعمل شيء من الأدوية لذلك وسكنت سورة المرض، وصاحب صنعاء الأمير أسد الدين محمد بن الحسن بن رسول الحرب بينه وبين الإمام سجالا.
Bogga 158