ولما وصل الشريف السيد شرف الدين إلى رأس الجبل لقيه السلطان الكبير مجاهد بن سليمان فسلموا للإمام موضعا لهم يسمى بيت العدن، وتقدم إلى بيت ريب فلقيه السلاطين الأجلاء أولاد بارك بن صعصعة بن محمد بالترحيب والتسهيل وسلموا حصن بيت ريب وحسنت طاعتهم وظهر صلاحهم، واجتمع بعد ذلك العسكران في بيت ريب، وأزمع الناس على هبوط المغرب، وقصد عمارة بن علي والي السلطان في الحصون المخلافية واللاعية لما قد ألحق الناس من الهوان والجراءة على كبائر العصيان من شرب الخمور، ونكح الذكور، والتهتك الذي لم يسمع بمثله في سالف الدهور، فلما عزم الأمراء المذكورون على ذلك أمروا أن توقد النار في ريب لكونه حصنا مشرفا على أكثر المغرب ليعرف المجيب إلى النصرة، فلما لاحت النار لم تمضي ساعة حتى أوقدوا أهل الحصون المغربية وأهل الجبال العالية والقرى فكانت السماء مبسوطة في الأرض وكأن النيران نجومها، ثم هبط العسكر المنصور وقد سار في مقدمته السلاطين الأجلاء آل محمد بن حليف وسائر بني عبد الحميد لينتقموا من عمارة بالثأر؛ لما قد كان نال منهم بالقيود والنكال، فلما أن وصل العسكر إلى مغربة عولي خرج اليهم الشيخ أحمد بن مسعود القدمي وهو يومئذ كبير قدم وشيخها والذي يرجع إليه رأيها، وقد كان في خاطر المقدمين أن يقسموا العسكر إلى لاعة والمخلافة، فلما بذلك هذا الشيخ شق عمامته وأغرى بالمحطة على الموقر فرجع الناس لذلك واجتمعوا وتذامروا وأقبلوا كالبحر الزخار يغشون السهول والأوعار لا يكاد يضبطهم العدد لكثرتهم، فهبطوا من نقيل الحطب، وأمسى الناس في الواسطة ونواحيها، ولما رأى السيد شرف الدين يحيى بن القاسم وكثرتهم وكونهم يغشون الجبال وهم لا تتسع لهم الطريق قال ارتجالا:
عمارة جاءتك الكتائب جهرة
أتتك جنود الله من كل بلدة
فخل الحصون الشامخات لماجد
حرام عليك اللهو في أرض شاور
ولا عرفت في مجلس لك قينة
ألم تر أن الله أيد أحمدا ولا الموقر الحصن المنيع بنافع
Bogga 126