Sinima Wa Falsafa
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
Noocyada
من إذن أقرب للصواب: المتشائمون مثل أدورنو أم المتفائلون مثل بينجامين؟ من الصعب حقا الإجابة عن هذا السؤال. فلنتأمل مثالا محددا، وليكن قوة الخطاب السياسي مقابل القوة السياسية للسينما. هل من المحتمل، بشكل أو بآخر، أن تتمكن حجة سياسية شفهية من تغيير المواقف مقارنة بمشاهدة فيلم سياسي؟ خطبة شابلن السياسية في نهاية فيلم «الديكتاتور العظيم» (ذا جريت ديكتاتور) (1940) تجسد مثالا مثيرا للاهتمام في هذا الإطار؛ فقد تمتعت بتأثير جدير بالاعتبار، وكثير من الناس يتذكرونها بإعجاب بعد مشاهدة الفيلم. لكن الهدف الصريح للفيلم عام 1940 كان تبديد بقايا أي انجذاب محتمل لدى جمهوره ناحية أدولف هتلر والفاشية القومية عموما، وقد حقق هذا الهدف دون الاستعانة إطلاقا بالخطبة؛ فالجانب الأكبر من التأثير الفعلي للفيلم يتحقق عندما يلعب شابلن - الذي يؤدي دور أدنويد هاينكل، ديكتاتور تومانيا - ببالون يجسد خريطة العالم ضاربا إياه بمؤخرته، وهي وسيلة مذهلة في فاعليتها للسخرية من أحلام السيطرة على العالم، أما ما إذا كانت ترقى لأن تصبح مادة لنقد فلسفي قوي للفاشية فتلك قضية أخرى.
إن السينما بطبيعتها وسيلة عظيمة القيمة لطرح موضوعات فلسفية ومناقشتها، لكن من المهم إدراك الأخطار الكامنة داخلها. قد تتسبب الأفلام في قدر من التشويش والارتباك عبر طريقة صياغتها وتصويرها، ونتيجة تلاعبها بالمشاعر أو مغازلتها لشتى الأهواء. واقتفاء أثر هذا التشويش يجسد جزءا مهما من أي منهج للتحليل الفلسفي للسينما. كثير من الأفلام تغذي تحيزات ورغبات غير واعية أو بغيضة، وتتغذى عليها وعلى الإشباع الرمزي لرغبات مكبوتة. ويعتقد أن نجاح الفيلم يعتمد غالبا على نجاحه في تلبية تلك المتطلبات (تأمل على سبيل المثال أفلام الانتقام مثل «هاري بروان» (2009)، و«أمنية الموت» (ديث ويش) (1974)، و«ذات مرة في الغرب» (وانس آبون آتايم إن ذا ويست) (1968)). وكما نصدق عادة ما نرغب في تصديقه (أو ما نتمنى تصديقه) بدلا مما يدفعنا المنطق إليه، فنحن غالبا ما نصدق أشياء معينة لأن مشاعر معينة تنتابنا. تؤثر المشاعر على ما نعتقد، مثلها مثل الرغبات، وتلك حقيقة غالبا ما تستغلها السينما وتفسر إلى حد كبير قدرتها على اجتذاب الجمهور. ولهذا تمدنا الأفلام بمعلومات خاطئة وتضللنا من المنظور الفلسفي في كثير من الأحيان، بقدر ما تطلعنا، في أحيان أخرى كثيرة أيضا، على قضايا فلسفية وتعمق معرفتنا بها.
أحد أعظم مناقب السينما هو قدرتها على الجذب والتسلية، وهي نقطة سعينا جاهدين من أجل توضيحها. هذا ما يميز السينما قطعا عن معظم الكتابات الفلسفية، التي غالبا ما تكون جافة كرمال الصحراء. وفي الوقت نفسه يظل قرب السينما (ووسائل الإعلام عموما) من الجماهير، وقدرتها على الجذب والتأثير، وعلى التلاعب بنا عاطفيا وفكريا وعلى «بث الاضطراب في نفوسنا» في صميم ما ذكرناه بالأعلى من المخاوف الأخلاقية التي أثيرت حول وسائل الإعلام، مثل تلك التي طرحها أدورنو وهوركهايمر (1990) وغيرهما. ورغم ذلك، فالاشتباك الفلسفي مع السينما ليس دوما إيجابيا. وكما أشار فرويد، قد يقدم الفن سبيل العودة من الخيال إلى الواقع؛ فللسينما فائدتها في سبر أغوار العديد من الجوانب التي تغطيها الفلسفة وليس جميعها. وتعالج أفلام بعينها موضوعات في الأخلاقيات والميتافيزيقا والدين وعلم الجمال إلى جانب موضوعات في الفلسفة الاجتماعية والسياسية. وقد يبرز جانب بعينه من بين تلك الجوانب؛ فمثل الروايات، تصور الأفلام غالبا جوانب من العلاقات البشرية الكثيرة وتستكشفها فلسفيا، لا سيما الحب والصداقة. وتلك حقيقة لا تبعث على الدهشة بالنظر إلى مدى انغماسنا عموما في الموضوعات التي تجذبنا من الناحية العاطفية مقارنة بأي موضوعات أخرى.
ما العلاقة بين الفلسفة والسينما؟
لقد اندمجت السينما والفلسفة لتشكلا مجالا مستقلا، وهو مجال يشهد نموا. إنه جزء من اتجاه نحو توسيع نطاق الموضوعات الصالحة للاستقصاء الفلسفي الجاد. وقد صاحب توسيع نطاق الموضوعات الفلسفية إدراك أن السينما وغيرها من أشكال وسائل الإعلام والترفيه قد تصبح أدوات فعالة لنقل الأفكار. وكثير من تلك الأفكار مثير للاهتمام من الناحية الفلسفية، وهي متأصلة في حياتنا اليومية، مثلها مثل الصداقة والحب والموت والهدف والمعنى. كون الحياة اليومية مصدرا للموضوعات الفلسفية ليس باكتشاف جديد؛ فطالما عرف الفلاسفة القدماء ذلك، وإن أدى إضفاء الطابع المهني الاحترافي على الفلسفة في القرن العشرين أحيانا إلى حجب هذا التركيز على الحياة اليومية. لقد شهدنا زيادة كبيرة في أعداد الكتب والمقالات التي لا تتناول الفلسفة والسينما فحسب، بل تتناول، من منظور أعم، الفلسفة والثقافة. ويركز بعضها على الفلسفة والقضايا المعتادة كما تظهر على شاشة التليفزيون (كشكل من أشكال السينما) وفي الموسيقى المعاصرة، بينما يركز البعض الآخر على قضايا فلسفية - أخلاقية وسياسية ومعرفية واجتماعية ونفسية - أكثر تقليدية، كما تظهر في أفلام الاتجاه السائد.
تمد السينما - لا سيما في جانبها الروائي - الفلسفة بمواد تصلح للبحث والتدقيق (سيناريوهات ودراسات حالة وقصص وفرضيات وحجج). إن القصص التي ترويها الأفلام، والتأكيدات التي تقرها، والفرضيات التي تطرحها أو تلمح إليها، تمد الأفراد - ومن ثم الفلاسفة - بمواد للتقييم النقدي. والأفلام تصلح كموضوعات مباشرة للاستقصاء الفلسفي. على سبيل المثال، فيلم «انتصار الإرادة» (ترايمف أوف ذا ويل) (1935) للمخرجة ليني ريفينشتال - الذي يصور مؤتمر الحزب النازي الذي انعقد في نورنبيرج عام 1934 - يقدم لنا مادة غنية بموضوعات صالحة للتأمل الفلسفي، من بينها العلاقة بين القيمة الجمالية والأخلاقية للفيلم. (غالبا ما تعتبر أفلام ريفينشتال تحفة جمالية لكنها ساقطة أخلاقيا.) ومشاهدة فيلم «انتصار الإرادة» تستدعي حتما أسئلة حول مسئولية الفنانين الأخلاقية عن إنتاجهم الفني. رغم ذلك لا تصبح الأفلام ببساطة ذات محتوى فلسفي خاص لمجرد كونها مادة صالحة للتدقيق الفلسفي (مثل طاولة أو قلم أو سحابة أو كاتدرائية)؛ فعادة ما يصبح شيء ما مادة للتدقيق الفلسفي عبر تمثيل نوع محدد من الخبرات أو الظواهر التي تحيرنا وتتحدانا فلسفيا. وتصبح الأفلام فلسفية من زاوية أكثر اكتمالا وإثارة للاهتمام عندما تفعل ما هو أكثر من ذلك. إنها تصبح فلسفية عندما تدفعنا للتأمل الفلسفي ونحن نشاهدها.
ما هو السبيل الأمثل لفهم العلاقة بين السينما (صناعة الأفلام) والفلسفة (التفلسف)؟ هل بوسع الفيلم أن «يصبح» نصا فلسفيا، بدلا من كونه مجرد مصدر للفلاسفة؟ أمن الممكن أن «تصبح» صناعة الأفلام نوعا من التفلسف؟ أمن الممكن أن تصبح مشاهدة الأفلام نوعا من التفلسف؟ ربما يعتمد الأمر ببساطة على مدى رحابة وشمول مفهومنا عن ماهية الفلسفة.
3
يقول موراي سميث، أحد منظري الفلسفة والسينما، (2006: 33): «إن قدرة الأفلام على أن تصبح، من منظور عام، فلسفية أمر لا خلاف عليه نسبيا في رأيي. تلك حقيقة لا تبعث على الدهشة إذا نظرنا إلى كل من السينما (بوصفها شكلا فنيا) والفلسفة كامتدادات لقدرة البشر على الوعي بالذات؛ أي قدرتنا على تأمل أنفسنا.» إذا فكرنا في الفلسفة ببساطة باعتبارها تعبيرا عن قدرة البشر على التأمل، فإن الأفلام تشترك بجلاء في هذه القدرة، لكن لهذه القضية أبعادا أكبر من هذا.
كيف نفهم الإمكانات الفلسفية للسينما؟ يصوغ بازلي ليفينجستون (2008: 3) هذا السؤال على نحو مفيد فيما يطلق عليه «الفرضية الجريئة»:
Bog aan la aqoon