Sinima Wa Falsafa
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
Noocyada
وعلى نفس القدر من الأهمية، فإن تقدير بعض القضايا المطروحة حول السينما يدعم التجربة السينمائية، مثلما يساعدنا الإلمام بعض الشيء بطبيعة الموسيقى أو الفن الحداثي على شحذ مهاراتنا النقدية وانتباهنا في تلك المجالات. وإلى جانب دعم التجربة السينمائية، قد يؤدي الاطلاع النقدي على السجالات الفلسفية المثارة حول السينما، كما هي الحال مع الفنون الأخرى، أحيانا إلى تغيير طريقة مشاهدتنا للأفلام ونظرتنا إليها؛ فهو قد يغير من عادات مشاهدة الأفلام، وربما ينشأ عن ذلك، لحسن الحظ أو لسوئه (لا لحسن الحظ فقط)، وجهات نظر وأنماط جديدة للاستمتاع.
بعض القضايا الفلسفية المحورية المطروحة حول السينما تثار كذلك حول أشكال فنية أخرى، مثل الكتابة الروائية، والمسرح والتصوير الفوتوغرافي والفن والموسيقى، وكلها أشكال فنية توظفها السينما. وما يطلق عليه «مفارقتا» الخيال والرعب - وكلتاهما غير حقيقية كما سنرى لاحقا - له حضور مماثل في الأشكال الفنية الأخرى (مثل الرواية والمسرح). لا يقلل هذا من أهمية أي من القضايا المطروحة، لكنه يساعدنا على تذكر أنه مع كون السينما شكلا فنيا فريدا من نوعه يتجاوز كثيرا مجموع عناصره والأشكال الفنية المساهمة به، فإنها، كما لاحظنا في الفصل السابق، تتألف كذلك من العديد من الفنون المميزة. وعندما دفعنا بقدرة السينما على ممارسة الفلسفة زعمنا عدم وجود ما يبرر الإصرار على أن مساهمة السينما الفلسفية تنتج عن سمة متأصلة في طبيعتها لا توجد في أي شكل فني آخر. وكذلك لا يوجد ما يبرر الإصرار على أن القضايا الفلسفية التي تثيرها السينما والتي تثار حولها ترتبط جميعها بالطبيعة الأصيلة والفريدة للسينما.
لا ينبغي اعتبار أن أيا من محتوى الفصلين الأول والثاني يملي مناهج للتحليل السينمائي. ولا ينبغي اعتبار المحتوى الفلسفي للأفلام الذي سنناقشه في الفصول اللاحقة هو التحليل النهائي لتلك الأفلام، سواء من وجهة النظر الفلسفية أو من وجه نظر النقد السينمائي عامة. يمكن مناقشة الكثير من الأفلام من منظور مجموعات مستقلة نسبيا من القضايا الفلسفية. فيقدم فيلم «حياة الآخرين» (ذا لايفز أوف أذرز) تجسيدا قويا لمشكلة «الحظ الأخلاقي». لكن يمكن كذلك الاستشهاد به في مناقشة قضايا مثل الحرية والفساد والسلطة السياسية والحرمان والخوف والتعذيب، وفي مناقشة الوضع البشري عموما. وقد نوقش الفيلم، مثلا، من منظور الكيفية التي يلعب بها المعمار الذي نشاهده في الفيلم دورا مهما من الناحية الفلسفية.
إن فكرة وجوب تفسير بعض الأفلام بطرق متنوعة - طرق تعددية إذا كنت تفضل هذا المصطلح - ووفقا لشروط خاصة بها، تتفق جيدا مع زعمنا في الفصل الأول بأن قدرا كبيرا من الاستقصاء الفلسفي ينتج عن اشتباك دائم ومركز مع الحياة كما نعيشها. ينبغي أن تتمكن الأفلام الجيدة في بعض الأحيان من تقديم رؤى جديدة، وتوليد اهتمام وإثارة غير مألوفة، وإتاحة مناهج فلسفية متنوعة، بل ومتباينة، لمعالجة محتواها . وهو ما تحققه جزئيا عبر قدرتها على إبراز الطبيعة السياقية متعددة الأوجه لمختلف المشكلات، وأيضا عبر استثارتها كثيرا لأفكارنا وتحريكها لمشاعرنا، وقد تولد من الاستجابة العاطفية والإمتاع ما يكفي لأسر انتباهنا.
والآن لننظر عن كثب إلى بعض القضايا الفلسفية البارزة التي أثيرت حول طبيعة السينما. وهي قطعا ليست المسائل الوحيدة المهمة فلسفيا، بل قد لا يعتبرها الجميع من أهم المسائل. لكنها رغم ذلك من بين أكثر القضايا نقاشا على نطاق واسع في الكتابات الفلسفية.
قوة السينما
ينطوي الحديث عن «قوة السينما» على التباس بين معنيين أولهما احتمالية تأثير أفلام بعينها على المشاهدين الأفراد تأثيرا قويا، وثانيهما التأثير الاجتماعي والسياسي الذي قد تفرضه أفلام معينة أو السينما بوجه عام على جماهير عريضة، وكذلك فيما يتعلق بالمعتقدات والقيم الشخصية. من يتفقون مع وجهة نظر أدورنو وهوركهايمر (1990) - الذين كانوا على حق في مخاوفهم (حتى وإن لم تكن تلك المخاوف دائما في محلها) حيال التأثير السلبي المحتمل للفن الجماهيري على جماهير سلبية تفتقر إلى الحس النقدي - تقلقهم قوة السينما بالمعنى الثاني. رغم ذلك، من الواضح أنه في حال استبعاد قدرة السينما على فرض تأثير قوي على الأفراد ستتلاشى تقريبا الحاجة إلى طرح أنواع القضايا التي تثير قلق أدورنو وهوركهايمر. سوف نبحث مسألة قدرة السينما على تحريك مشاعر المشاهدين الأفراد عبر التحليل النقدي لأحد أبرز الآراء في هذا الإطار، وهو رأي نويل كارول.
يقول كارول (2004أ: 486-487): «تتألف قوة الأفلام من عنصرين: الجذب واسع النطاق والجذب القوي ... أسعى إلى شرح العنصر الأول من منظور السمات التي تجعل الأفلام مفهومة إلى حد بعيد لنطاق عريض من الجماهير.» قد يبدو ذلك غريبا بعض الشيء. فلماذا يعتقد كارول أن تفسير قوة السينما يكمن في كونها سهلة الاستيعاب لدى جماهير عريضة بدلا من قدرتها على اجتذاب الجمهور بقوة؟ إن كون السينما متاحة ومفهومة على نطاق واسع شرط ضروري للجذب واسع النطاق - فنادرا ما ينجذب الأفراد إلى قصص لا يفهمونها - لكن لماذا يعتقد أن سهولة فهم الجمهور للفيلم يفسر قوة انجذابه له؟ تصبح رؤية كارول عرضة لمزيد من التساؤلات عندما يحاول تفسير «قوة جذب الأفلام عبر تحري تلك السمات التي تمكنها من تجسيد درجة عالية جدا من الوضوح ... تكمن قوة الأفلام في وضوحها الذي يسهل على الجماهير العريضة استيعابه.» فالوضوح - وما يعنيه كارول ها هنا هو الوضوح السردي؛ أي القدرة على عرض عناصر القصة بدقة ووضوح عفوي - لا يبدو أنه السمة الصحيحة لتفسير التأثير العاطفي، في حين يشكل التأثير العاطفي جزءا لا يتجزأ من قوة الأفلام. يجسد كثير من الأفلام والكتب والمسرحيات وغيرها من الأشكال الفنية السردية قصصا بالغة الوضوح وسهلة الاستيعاب دون أن تتمتع بجاذبية أو تأثير خاص.
لا يوجد سبب يستدعي القلق حيال تأثير الفن الجماهيري، مثل السينما، إذا كان عديم القوة. وما لم تستطع السينما، في المقام الأول، التأثير بقوة على الأفراد على المستوى الشخصي، سيظل الوسيط السينمائي - حتما - وسيطا عاطلا وعاجزا على المستوى الاجتماعي والسياسي. ومن ثم فإن السؤال الأول الذي نطرحه حول قوة السينما هو كيف تستطيع ممارسة ذلك التأثير على المشاهدين الأفراد؟ لم نترك دور العرض السينمائي ونحن نبكي أو نشعر بالإحباط أو الانتشاء أو الرضا أو الخوف أو القلق؟ في معظم الأحيان، تكون هذه التأثيرات، بصرف النظر عن نوعها، مؤقتة. لكن لماذا بعد مشاهدة أفلام بعينها نكتسب عزما وإصرارا في جهودنا الرامية إلى «تغيير أنماط حياتنا» وولاءاتنا، وطريقة تفاعلنا مع الآخرين، بل وأحيانا حياتنا؟
إن قدرة السينما على التأثير علينا لا تكمن بالضرورة كليا أو حتى بدرجة أساسية في العناصر التي تنفرد بها السينما. فلنتأمل في هذا السياق التفسيرات القائمة على طبيعة السرد في حد ذاته؛ أي قدرة السينما على توليد مشاعر قوية لأسباب لا تختلف كثيرا (ولم يجب أن تختلف؟!) عما نجده في الأدب الروائي. يقدم التحليل النفسي كذلك بعض التفسيرات المحتملة، مثل قدرة السينما على الإشباع المؤقت للرغبات والتفكير القائم على الأمنيات.
Bog aan la aqoon