129

Sinima Wa Falsafa

السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى

Noocyada

كيف تكتسب فضائل الشخصية؟ يجيب أرسطو على ذلك قائلا إننا نبدأ في اكتسابها منذ الطفولة عبر التعود. على سبيل المثال الأطفال ليسوا كرماء بطبيعتهم، لكن عبر دفعهم إلى التصرف كما لو كانوا كرماء، حتى وإن كرهوا ذلك، سوف يعتادون على فعل الكرم. وفي النهاية قد يكتسب الطفل جوانب نفسية محورية من جوانب الفضيلة؛ أي الاستجابة للمواقف بالمشاعر المناسبة واستمداد المتعة من التصرفات السليمة. إذا رغبنا في أن ينمو الطفل ليصبح شخصا ناضجا فاضلا حقا، لا بد أن يكتسب نوع الحكمة العملية أو الذكاء الذي يمكنه من الاستجابة للمواقف استجابة سليمة. وكما ذكرنا بالأعلى، يطلق أرسطو على هذا النوع تحديدا من الفضيلة الفكرية «فرونيسيس»، وامتلاكها أمر لا غنى لنا عنه كي نكتسب فضائل الشخصية كاملة. على سبيل المثال، لا يهب الشخص الناضج الكريم أمواله ووقته عن طيب خاطر وبكل سرور فحسب، بل يراعي الحكمة في ذلك فيهبها عندما يدرك أنها ستحدث فارقا بالفعل.

هذه هي رؤية أرسطو لفضائل الشخصية أو الفضائل الأخلاقية. وهي رؤية عظيمة التأثير، لكنها كذلك رؤية خلافية.

7

ضمت قائمة أرسطو للفضائل الشجاعة وضبط النفس واعتدال المزاج والعدل والشهامة (وهي أعظم فضائل الوجاهة، والرجل الشهم هو الرجل الكريم الأبي ذو القلب الكبير والمكانة العالية في مجتمعه). حديثا، تبدو القائمة متواضعة بعض الشيء؛ فهي محدودة ومتحيزة. بل إن فضيلة الشهامة التي يعرضها أرسطو تبدو مقززة إلى حد ما في أعين الكثيرين. لقد كانت آراء أرسطو في النساء متحيزة جنسيا تحيزا يتعذر تجاوزه، وآراؤه في العبيد وغير الإغريقيين عنصرية. رغم ذلك، يأمل العديد من منظري الفضيلة المعاصرين في استخلاص جوهر رؤية أرسطو حول الفضيلة وتعديله بحيث يتكيف مع الرؤى الأخلاقية الحديثة، تاركين خلفهم تحيزاته الضيقة والمتعصبة جنسيا التي عفا عليها الزمن.

تنطوي نظرية أرسطو على جانب آخر مثير للجدل تجسده رؤيته النظرية حول كيفية اكتساب الفضيلة؛ فهو يرى أن الفضائل تعتمد على سمات الشخصية (لكن من المهم تذكر أنها تتضمن ما هو أكثر من سمات الشخصية: التفاؤل والطبع الاجتماعي الودود سمتان شخصيتان معتادتان، لكن الشجاعة والكرم سمتان فاضلتان نموذجيتان). على سبيل المثال، الشخص المندفع الذي يفتقر إلى التبصر بالأمور ويعجز عن كبح جماح نفسه، من المستبعد أن يكتسب فضائل أرسطية مثل ضبط النفس والاعتدال. هل نكتسب سمات شخصية مثل الاندفاع عبر التعود في فترة الطفولة؟ تشير الأدلة إلى أن قدرا لا بأس به من شخصيتنا موروث لا مكتسب.

8

ربما أفرط أرسطو في تفاؤله حيال مدى قدرة الآباء والآخرين على تشكيل شخصيات الأطفال الذين هم في رعايتهم (وهي حقيقة سيتفق معها أي أب وأم). مع ذلك أفرط أرسطو في تشاؤمه من جهة أخرى. قد تبدو القدرة على تبديل سمات شخصية جوهرية في سن النضوج أمرا مستبعدا، رغم ذلك يبدو أننا قادرون على النمو أخلاقيا حتى في سن النضوج. وهو أمر نفعله جزئيا عندما نبذل محاولات واعية كي نصبح أشخاصا أفضل عبر الممارسة وعبر مواءمة عاداتنا وفهمنا لذاتنا مع مواطن القوة في شخصيتنا. على سبيل المثال إذا كنت شخصا اجتماعيا ذا طبع ودود منطلق فربما تستغل هذه السمة الشخصية كي تصبح شخصا مستبدا، فتستخدم مواهبك الاجتماعية الفطرية في اكتساب مكانة وتطويع دعم الآخرين في تحقيق أهدافك الشخصية. على الجانب الآخر، نحن قادرون على التأقلم مع السمة الشخصية نفسها بطرق في غاية الاختلاف، عبر التحول مثلا إلى قائد ناجح وحكيم يرشد الآخرين. من المستبعد أن يتبنى شخص شديد الانطوائية دور القائد، ومن المشكوك فيه أن يتمكن من تحويل نفسه إلى شخصية انبساطية بقوة الإرادة أو الممارسة. لكن الفضائل تعتمد على ما نفعله بسماتنا الشخصية لا على نوع السمات الشخصية التي تصادف أن وهبنا إياها. واحتمالية أن نستطيع في بعض الأحيان تأسيس هوية أخلاقية لأنفسنا حتى في سن النضوج وفي مواجهة تنشئة كارثية، تبدو قائمة رغم تركيز أرسطو على التدريب في مرحلة الطفولة المبكرة.

تذكر مناقشتنا لشخصية ويسلر في «حياة الآخرين» (الفصل الثاني عشر)، لقد جسد صورة لشخص غير من منهجه الأخلاقي الرئيسي في الحياة بينما هو في كامل نضجه. إنها قصة استثنائية، بل مستبعدة الحدوث، لكنها ليست مستحيلة. وقد التقينا مجددا بشخصية أخرى من هذا النوع في «أن تحيا» (الفصل العاشر)، شخصية السيد واتانابي. في فيلم «الوعد» نقابل إيجور المراهق، الذي تخطى بالفعل مرحلة الطفولة، ورغم ذلك نجده عازما على السير في الطريق الذي رسمه لنفسه. تبدأ الشخصيات الثلاث كلها عملية تحول ذاتي أخلاقي نتيجة حدث عرضي مثل تعرف ويسلر الحميمي والمتلصص على دريمان وزيلاند، وتشخيص حالة واتانابي بأنه يعاني سرطانا لا شفاء منه، والوعد الذي قطعه إيجور لرجل يحتضر. والفكرة الباعثة على التأمل في حالة كل منهم هي مدى اعتماد تحولهم على الصدفة. ماذا لو لم يكلف ويسلر قط بالتجسس على الحبيبين المشتغلين بالفن؟ ماذا لو لم يعرف واتانابي قط حقيقة تشخيص حالته (لا تنس أن الأطباء بذلوا كل ما في وسعهم لإخفاء الحقيقة عنه)؟ ماذا لو لم يتمكن من استخلاص وعد أخير من إيجور؟ ربما كانت كل شخصية منهم لتستمر في المسارات الموحشة التي اتخذتها حياتهم.

نظرية الفضيلة والفعل الصائب

في الفصل السابق، حيرتنا حالة ركاب العبارتين في فيلم «فارس الظلام»، وتساءلنا عما يجعل فعلا ما صائبا أو خاطئا، ما دفعنا إلى التركيز على الأفعال وخصائصها وتحري نوعين من الخصائص: العواقب والمبادئ. حسب النظريات العواقبية يصبح فعلا ما صائبا، تقريبا، إذا تمخض عنه ما يعد أفضل العواقب الممكنة من منظور غير متحيز. أما نظريات أخلاق الواجب، فتدفع بأن الفعل يصبح صائبا إذا اندرج تحت مبدأ أو قاعدة أخلاقية مناسبة. ما العلاقة بين مناقشة الفصل السابق لمفهوم الفعل الصائب ومناقشتنا الحالية للفضيلة؟ توجد أربعة مواقف فلسفية رئيسية يمكننا تبنيها هنا.

Bog aan la aqoon