وأحس دياب إعجابا شديدا بدينا التي لم يكن رآها إلا في ليلتهم هذه، وقد استطاع في لباقة أن يبدي إعجابه في كلمة عابرة وفي الاهتمام الشديد بما تقول.
21
حرص مراد في مهرجان الانفتاح ألا يغامر بأمواله مطلقا، كما حرص ألا يفتح أبوابا جديدة من التجارة، ولكنه حرص على توطيد علاقاته وصداقاته برجال البنوك الكبار والاقتصاديين، منتسبين إلى الحكومة كانوا أم كانوا من العاملين في الميادين الاقتصادية أو التجارية العامة والخاصة على السواء، وقد اتخذ لنفسه موقفا صلبا وهو ألا يشارك أصحاب الملايين أو رجال الأعمال في مشروعات اقتصادية مطلقا.
وكثيرا ما ألح عليه أصحاب مشروعات ضخمة أن يشترك معهم فكان يأبى هذا؛ لأنه يرى أن كل مشروع يحتمل المكسب والخسارة، وهو لا يريد أن يخسر مطلقا.
وكان المال موفورا لديه وقابلا للزيادة. فقد كان رجال الأعمال هؤلاء يلجئون إليه في كثير من الأحيان لتسهيل أمور لهم لدى الحكومة ولدى البنوك. وكان لا يتأخر عن قاصد مطلقا ما دام يقدم له الهدية التي نسميها نحن الرشوة.
وقد كان محصول هذا الرشى ضخما إلى حد بعيد. فقد كانت الرشوة تبدأ حيث تبدأ، وقد تنتهي بنصف مليون أو ربعه.
فما بعجيب منه إذن أن يرفض الدخول في مشروعات قابلة لكسب أو لخسارة. فهو مهما يكسب منها لن يصل كسبه إلى دخله من باب الرشوة.
قصده عبد الحميد عنارة رجل الأعمال الكبير، والذي يعمل في الاستيراد والتصدير. والاستيراد طبعا أكثر من التصدير وكان عنارة يستورد فيما يستورد الحديد بجميع أحجامه وأنواعه. وقال عبد الحميد لدياب: أمامي صفقة عمر. - خيرا. - حديد. - بكم؟ - بمائة مليون جنيه. - يا واقعة سوداء! - يا رجل حرام عليك قل بيضاء إن شاء الله. - بيضاء بيضاء إن شاء الله. والمطلوب مني؟ - تدخل معي. - أين. - في العملية. - حرام عليك. الرقم وحده أصابني بالرعب. فكيف أتصور أن أشارك في عملية بهذا الحجم؟ - إنها مضمونة كما أنك تراني الآن. - مبروكة عليك. - دخولك أساسي. - لماذا؟ هل تعتقد أن أموالي كلها ذات قيمة في مثل هذه المبالغ؟ - ليس مالك هو المطلوب، هل تعتقد أن عندي ما يواجه مبلغا كهذا؟ لو كان عندي لاعتزلت العمل. - إذن ماذا تريد مني؟ - ألا تعرف؟ - لا بد أن تقول. - مساعدتك. - مساعدتي أنا؟! فيم؟ - لا يا مراد بك أنت لا تحتاج إلى شرح. - ربما كنت غير محتاج إلى شرح، ولكن لا بد أن تكون المسائل واضحة تماما حتى لا يحصل لبس. - تساعدني في الحصول على المبلغ من البنك. - على مائة مليون؟ - لا على ثمانين فقط. - والله الأمر يتوقف ... - على ماذا؟ - على ما تعرضه أنت علي. - كم يكفيك؟ - في عملية كهذه، لا أقل من مليونين. - لا، لا، لا يمكن، هذا كثير. - أمرك، أنا لن أقبل أقل من هذا مليما واحدا. - ألا يكفيك مليون؟ - لا يكفيني أقل من المليونين بعشرة جنيهات. - أنت متشدد جدا. - وعلى شرط. - وشرط أيضا؟ - ألا أتكلم في الموضوع قبل أن أحصل على حقي. - أنت سميته حقك؟! - أنت تعرف الجهد الذي أبذله في حياتي لتصبح وساطتي مقبولة. فهو حقي لا شك. - فلنقل نصفه قبل موافقة البنك و... - لا تكمل، لن أخطو إلى البنك خطوة قبل أن آخذ حقي كاملا. - اتفقنا. - على بركة الله.
وفعلا ذهب مراد مع عنارة إلى البنك، وقدمه إلى رئيس البنك وأوصى بكل حماس. وكان من الذكاء بحيث استأذن أن ينصرف لموعد مهم، مقدرا أن رئيس البنك ربما يريد أن ينال حقه هو أيضا.
22
Bog aan la aqoon