Silsilat Al-Adab - Al-Munjid
سلسلة الآداب - المنجد
Noocyada
الاستئذان عند الانصراف إذا كان في اجتماع
وهناك استئذان آخر عند الانصراف، يكون الإنسان في بيته شخص زائر مثلًا أو في مكان اجتماع، أما إذا كان في مكان اجتماع فيه الخليفة أو إمام المسلمين فإنه لا ينصرف إلا باستئذان لقوله ﷿: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور:٦٢] فهذا نوعٌ من الأدب أرشد إليه ربنا ﷿ عباده المؤمنين، وهو الاستئذان عند الانصراف، كما أمرهم بالاستئذان عند الدخول، ومدح الله من تأدب بهذا الأدب الرفيع، فكل من كان قائمًا على أمر، أو أميرًا على جماعة مثل أمير السفر مثلًا، فأراد إنسان أن ينصرف أو يغادر فيستأذن منه؛ لئلا ينفرط عقد الجماعة أو يكون هناك اختلال في الإمرة أو الواجبات ونحوها، وأما بالنسبة للزيارة العادية فإن النبي ﵊ أرشد إلى أن الإنسان إذا زار أخاه فلا يقومن حتى يستأذنه.
فإذا كنت عند شخص في زيارة، فالأدب إذا أردت الانصراف أن تستأذن قبل أن تقوم وليس أن تقوم وتمشي، فهذا احترام لصاحب الدار ولأخيك المسلم، ويكون هذا الاستئذان مصحوبًا بالسلام؛ لأنه ﵊ قال: (إذا انتهى أحدكم إلى مجلسٍ فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثم إذا قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة).
ولذلك روى البخاري ﵀ في الأدب المفرد: باب إذا جلس الرجل إلى الرجل يستأذنه في القيام، وعن أبي بردة بن أبي موسى قال: جلست إلى عبد الله بن سلام فقال: إنك جلست إلينا وقد حان منا القيام، فقلت: فإذا شئت، فقام، فتبعته حتى بلغ الباب.
فإذًا: عرفنا الآن التحية عند دخول البيوت، والتحية عند الانصراف، ولنعلم كذلك بأن هذا الأدب وهو أدب الاستئذان بنوعيه العام والخاص، أدب كريم، أجمع العلماء على أن الاستئذان مشروع، وتظافرت في ذلك دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فقال بعض العلماء: إنه مستحب، وقال بعضهم: إنه واجب بنوعيه الخاص والعام، قال ابن مفلح: فيجب في الجملة، وأدلة الوجوب كثيرة مثل: الأمر أو النهي، والأصل في الأمر الوجوب، والأصل في النهي التحريم، والنبي ﷺ قال: (الاستئذان ثلاثًا، فإن أذن لك وإلا فارجع) وهذه اللام في قوله: (ليستأذنكم) هي لام الأمر، هذا ظاهره يدل على الوجوب ثم ستر العورة واجب، والنبي ﵊ قال: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) والاطلاع على العورة محرم، فالمسألة كبيرة.
1 / 8