وهو يروي ما قال(1) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسناده الصحيح، وما كان مأثورا في الوضوء وبعده، ومن الصلوات فهو يفعله، ويلاحظ عليه ، ويسأل عنه علماء الحديث، ويباحثهم عن سندهم، ثم يستقبل الصلاة في وقت الضحى في الحضر والسفر لا يتركها فيما أعلم، فيصلي اثنتي(2) عشرة ركعة، في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وآية الكرسي مرة، وسورة الإخلاص عشر مرات، ثم بعدها صلاة التسبيح بالجرز(3)، ويس، وحم السجدة، وحم الدخان، ثم لايزال قائما يصلى حتى تكون الشمس على الرأس، ثم يدعو ويبتهل ويستغفر، ثم يأخذ مما عنده من الكتب فيقرأ ما تيسر، ثم يقيل يسيرا تارة مضطجعا، وتارة قاعدا، وكان يقول: أصحابنا عندهم إن(4) اعتقاد صلاة الضحى بدعة والصلاة خير موضوع وهذا وقت الغفلة اشتغال الناس بأسواقهم ومعايشهم، وأنا أروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:((ثلاث علي واجبة(5) وعليكم سنة: الضحى، والأضحى، والوتر))(6). قال رحمه الله تعالى(7): ومن البعيد أن يكون ماهو واجب على حبيب الله ورسوله بدعة، ثم يقوم عند الزوال يأخذ سواكه ويتوضأ، وكان إناءوضوئه لايزال عنده في منزله ليلا ونهارا إلا إذا كان يشمسه فعلى باب منزله وفوقه(1) وموضع خلواته(2)، فيتوضأ كما مر، وكان له قبقبان(3) يغسلهما ويدخل بهما إلى موضع صلاته، ثم يصلي صلاة الزوال بحسن قنوت ويدعو فيهما(4) ويتضرع ويبتهل ويستجير من النار، ويروي فيها خبرا ((إن النار تسعر في هذه الساعة فأكثروا عنده من إلاستجارة بالله من النار)) ثم يصلي بعد هذه الأربع ثمان ركعات، ثم يؤذن إذا سمعه السامع ظن أعضاءه قد تقطعت من إعظام الله، ثم يصلي ركعتين خفيفتين، ثم يدعو بين الأذان والإقامة بدعوات مخصوصة، ثم يقيم الصلاة ويقوم بين يدي الله - تبارك وتعالى - ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، وهو يطرق ببصره مرة بعد مرة، وكأنه سارية أو أصل شجرة، فيتوجه بسكينة وخضوع وإطراق وقبل التكبيرة يعتقدها آخر صلاة يصليها، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا أنس، صل صلاة مودع، ترى أنك لا تصلى بعدها أبدا))(5) وهو يطرق ببصره نحو السماء بتحرير النيات المقربة إلى الله تعالى، مع ما خالطه من الهيبة لعظمة الله تعالى والخوف الشديد، كأن قدميه على الصراط يريد الجواز، وكأن النار قدامه يريد الوثوب عليها فيكبر تكبيرة جهرية، يظن أن قلبه قد انصدع، وصدره انشق من سمع تكبيرته انزعج قلبه وطاش لبه، وقال: - سبحان الله - أين(6) يستقيم روحه مع هذا الخوف العظيم الباهت لمن رآه وسمعه، فيقرأ فاتحة الكتاب بتدبر وتفهم وترتيل وسورة معها، ويركع بتعظيم وخضوع ويرتفع بسكينة(7)، ويهوي بخشوع، ويسجد سجود من كأنه بين يدي المعبود، ويسبح بترتيل، يقف عند كل لفظة، ويضع كفيه حذاء خديه، كاشفا لكفيه، فإذا أتم صلاته وقعد للتشهد الأخير وأراد أن ينطق بالشهادة انضربت أعضاؤه، وتململت جنوبه، وكان يستقل(1) من الأرض كأنه غصن شجرة في يد جاذب قوي يهزه، فينطق بالشهادتين بصوت خاشع يكاد ينفلق الصخر عند سماعه، فيسلم على السكينة والهيبة العظيمة فإذا نظرت إلى وجهه عند فراغه فكأن وجهه طلي بالزعفران، ثم يمد كفيه ويبتهل بالأسماء الحسنى، ويدعو ويتضرع إلى الله، ثم يسبح التسبيح والتحميد والتكبير المأثور، ويقرأ آية الكرسي، وشهد الله إلى آخر الآية هكذا في ابتداء أمرة ثم بعد انتهائه، إذا فرغ من صلاة الفريضة يبست أعضاؤه، وتقلصت شفتاه، ويخر مغشيا عليه ساعة وتارة ساعتين وتارة بين الصلاتين، فإذا حضره بعض إخوانه ربما نعشه وكالمه لكي يعقل(2) عما كان فيه، فربما ينتعش(3)، فيقوم، ثم يصلي السنة، وبعدها صلاة كثيرة مأثورة إلى زهاء خمسين ركعة، فتارة يصل بين الصلاتين بالصلوات(4)، وتارة يفتر قليلا قبل صلاة العصر، وأكثر حالاته إحياء ما بين الصلاتين بالصلوات الطوال، ثم يصلي قبل أذان العصر أربع ركعات[مأثورات يقرأ في الأولى بالزلزلة مع الفاتحة، وفي الثانية بالعاديات، وفي الثالثة بالقارعة، وفي الرابعة بالهاكم، ثم يصلي أربع ركعات](5) في كل ركعة بالفاتحة وآية الكرسي وسورة الإخلاص ثلاث مرات، وهو يرويها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يحث عليها، ويقول: ادخلوا في دعوة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: ((رحم الله من صلى قبل العصر أربع ركعات)) (6) ثم يصلي العصر على ما وصفت، وفوق ما وصفت، ووصفي دون ماحكيت، وفي قلبه ما لا يحيط به إلا الله، وما حكيت إلا قطرة من مطرة، ولايعلم ذلك إلا الله والراسخون في العلم {قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون}[المؤمنون:1، 2] الآية الكريمة، ثم يبسط (1) في الدعاء والثناء على الله تعالى ساعة، وقد كان إخوانه يدخلون عليه بعد هذه الصلاة، وكان يحب ذلك فيأخذ مسبحته بيده ويقعد بين أيدي إخوانه كأن وجهه القمر، وهويبتسم سرورا في وجوه إخوانه ويفاكهم ويسائلهم عن أحوالهم، ولسانه رطب من ذكر الله، وطرفه يطرق(2) إلى السماء للمراقبة في الخطرات واللحظات، ثم يزلجهم إلى باب المكان الذي هو فيه مسجدا وغيره ويصافحهم، ويقول: أستغفر الله لي ولكم ولمن ذكرنا، وقد أبرأت ذمتي يا فلان، وأنت يا فلان، يدعو كلا باسمه من غير كنى، ويحب من يناجيه باسمه يا إبراهيم، هكذا في كل موقف في الأغلب، ثم يوصيهم بالدعاء [في الحياة وبعد الممات](3) ويقول: يا فلان، قد جعلت لي شيء(4) من حسناتك، قد وصلتني بشيء من صدقاتك، فإني فقير ما أملك شيئا وقد فزتم بالصدقات أيها المياسير علينا وعلى غيرنا، ثم يستقبل الوضوء فيتوضأ قبل غروب الشمس بساعتين أوساعة، فيستغفر ما شاء الله ويوحد الله كثيرا، ويقرأ سورة الإخلاص مائتي مرة(5) وآية الكرسي مائة مرة، فإذا غربت الشمس قال: غربت الشمس، وارتفعت الأعمال وعظمت ذنوبي وعفو الله أعظم من ذلك، ويستغفر الله له ولإخوانه ولكافة المسلمين خمسا وعشرين مرة، يرويها مأثورة، عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يؤذن بأذان من سمعه، وله قلب كاد يذهب عقله، ثم يصلي المغرب كما مر ويحي ما بين العشاءين بالصلوات المأثورة، وهي موجودة في كتبه بخطه، وكان يؤخر صلاة العشاء حتى يذهب بعض الثلث الأول من الليل، ولا يتكلم فيما بين الصلاتين إلا بمهم يفوت عليه فضله، ثم يصلي العشاء الآخرة، ويطول في قرأتها، ويدعو بعدها طويلا، ويفطر على حبات قليلة(1) أو شيء يسير، ثم يتوضأ ويستقبل الليل صلاة، وذكرا ودعاء وتفكرا ومحاسبة لنفسه، وتلاوة للكتاب العزيز بصوت حسن خاشع فوق المخافته ودون الجهر الكثير، إذا تلاه غيبا رتله ووقف عند عجائبه، فإذا كان آخر الليل أوتر، وتعشى عشاه، وتوضأ، وصلى صلاة الانتباه، ركعتين، ثم ركعتين، ثم أربعا، ثم ركعتين، كلها مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يزال في التضرع والبكاء حتى يطلع الفجر، فإذا طلع صلى ركعتين خفيفتين بالفلق والناس، ثم يؤذن كما وصفت، ثم يصلي الفجر، ويستقبل النهار بذكر الله وعبادته. هذا في سائر الايام والشهور.
Bogga 108