أشباح آثامي، لا يا بني، أشباح مجد أبيك. ها هم، قفوا، قفوا! (يهم بالخروج)
إليكم عني أيها الملاعين! يا الله! وهل أنتم في كل مكان؟ أتسدون في وجهي كل مهرب وكل ملجأ؟ ربي! أرى الأشباح السوداء تذوب حولي، أراها تزيد حولي كالأمواج الهائجة، أراني في بحر من الزفت المشتعل، بل في بحر من اللهيب. إنما أنت واهم يا رجل، أنت الآن في ألاتيني، أنت في السجن، ولكن ما هذه الأمواج التي تلطم خدي؟ ما هذه الأمواج التي تزبد فوق رأسي؟ لا لا، إنما هي محض أوهام، أنا عبد الحميد! أنا في قصري الآن، أجل أنا في يلدز، بل أنا في ... يا الله! ما هذه القصور التي أراها على ذلك الشاطئ بين تلك البساتين الغناء، إنها قصورك، يا عبد الحميد. نعم، وهذه بساتينك تغرد فيها الطيور، ويداعب أغصانها نسيم الربيع، فكأنها لا تعرف الأحزان ولا تشعر بالهجران، كأنها تسخر من هذه الأمواج السوداء ومن هديرها.
آه! أين أنا يا ربي. ربي، أين أنا؟ أديوان في القصر هذا، أم قارب في البحر؟ هل أنا أمام شواطئ أرضي وفي ظل بساتيني؟ هل تلك هي قصوري؟ إذن أنا في البوسفور، أنا في قبضة الأمواج، هي ذي الأشباح ترقص حولي طربا، أراها تسخر مني. أراها تشير إلي إشارة الازدراء. ربي، ارحمني، بل أغرقني ربي في لجج البوسفور أمام القصور التي لعبت فيها صغيرا وخرجت منها حقيرا، ولم؟ ألأنني كنت في يد الأقدار أعمل مأمورا كأصغر عبيدي؟ ألأنني سجنت ثلاثين سنة فاستحال نهاري ليلا وليلي جحيما؟ ألأنني كنت بين وزرائي كوزير بين السلاطين؟ ألأنني ما أكلت مرة وكنت أمينا من العيش بعدها؟ ألأنني ما نمت ليلة وتأكدت أني سأستيقظ حيا؟ لا. لا، بل لأنك أعطيت ملكا فلم تحسن سياسته؛ لأنك طردت من ضميرك روح الحق والإنسانية، وخنقت في قلبك جنين رحمة الله، وأطفأت في نفسك نور عدل الله.
صوت في الظلمة :
إيه عبد الحميد!
عبد الحميد :
رحماك ربي. أواه! ... اصرف عني هذه الأشباح، لا تسمعني اليوم هتافها وقد أسمعتني بكاءها بالأمس، أواه! أتتزاحم حولي كلما استرحمت وكلما تأوهت؟ أتسخر من دموعي؟ أويضحكها بكائي؟ اخسأ. أتلطم خدي أيها اللعين؟! أتبصقون في وجهي أيها الأخساء الأشقياء، ولم لا تقتلوني بعد هذا؟
صوت في الظلمة :
الانتقام، الانتقام! ...
عبد الحميد :
Bog aan la aqoon