وفي تلك السنة بالذات فكر وزير الداخلية فؤاد سراج الدين في اتخاذ جملة خطوات مشئومة، ليست لتقييد حرية الصحف فقط بل أيضا لإخفاء جرائم فاروق ورجال قصره الدنس حتى لا يقف الجمهور المصري على الحقائق السوداء التي تمس رجال الحكم في القصر، وذلك بأن أعد مشروعا لمنع الصحف من نشر أخبار القصر ، أي أخبار فاروق ونازلي وبولي وكريم ثابت، وأخبار الراقصات اللائي كن يرافقن فاروق في رحلاته إلى الإسكندرية أو الصحراء، وينزل معهن في الأوبرج بالفيوم أو غير هذا الفندق في الأماكن الأخرى.
وأذكر أنه جيء بي من بورسعيد محروسا برجل البوليس إلى القاهرة؛ كي تحقق معي النيابة العامة بشأن جملة وردت في مقال لي بجريدة «الشعلة» هذه كلمتها بالنص: «الأوبرج وما أدارك ما الأوبرج»!
وكان المحقق الأستاذ إسماعيل عوض الذي استطاع أن ينقذني، ثم ينذرني. وكانت كلمة الأوبرج من الكلمات الحساسة عند فاروق لما كانت قد شاع وقتئذ لأنه يسلك سلوكا شائنا في هذا الفندق.
ولما هاج الصحفيون في شجاعة وشهامة على مشروع هذا القانون، فكر فؤاد سراج الدين في مشروع آخر في 1950 أيضا هو «قانون الاشتباه السياسي» كي يصبح الصحفي مشتبها حين لا يمكن إثبات تهمة عليه، واستطاع الصحفيون أيضا أن يئدوا هذا المشروع.
وأذكر أن إحدى الشركات التي كانت تطبع الكتب الشهرية قد تعاقدت معي حوالي 1948 بشأن كتاب قديم لي كانت دار الهلال قد نشرته سنة 1926، فلما كان بالمطبعة يجري طبعه، أوقف الطبع بدعوى أن الكتاب واسمه «أشهر قصص الحب التاريخية» يحتوي فصلا عن حب الملوك، وأن في هذا تعريضا بفاروق.
وفي سنة 1945 ألفت كتيبا بعنوان «حرية العقل في مصر» دعوت فيه إلى منع مثل هذا العنت في معاملة الصحفيين والأحرار والمؤلفين.
وعلى القارئ لهذا الفصل أن يذكر أسماء الصحف المكافحة التي ماتت جميعها لأن المستبدين والمستعمرين لم يطيقوا صدورها، وقد ماتت بمثل هذه المعاكسات، في حين أن الصحف المتفرجة، التي لم تكن تبالي فحش فاروق، أو سرقات الوزراء، أو نهب الاستعمار لكنوز بلادنا، أو تأخر بلادنا في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذه الصحف عاشت وأثرى أصحابها حتى أصبحوا يملكون من العقارات وغير العقارات ما تبلغ قيمته مئات الألوف من الجنيهات.
الفصل الرابع
كيف أفسدت الحكومة الصحافة المصرية
كانت الحكومة المصرية أيام الاستعمار والاستبداد تمارس ألوانا من الفساد أو الإفساد الصحفي يتجاوز الخيال، وهو فساد أو إفساد لم تعرفه أمة أخرى في هذا العالم كله.
Bog aan la aqoon