Shuhada Tacassub
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Noocyada
قال: لقد فهمت، فإنها معدة لذلك الشيخ اللعين جسبار، زعيم تلك الطائفة الممقوتة ونصيرها.
ورجع جاليو إلى الفندق يفكر في ذلك الذي يسمونه عدلا. ثم تقلد سلاحه وعول على مفارقة البلدة ليلقى أمير كوندة ويحذره، وفيما كان راحلا عن أورليان دخلها الملك في موكبه الحربي الذي أحزن أهل باريس، وكان فيليب دي مرسيلي، صديق الدوق دي جيز، قد أقام حراسا في كل شارع وساحة من ساحات المدينة، وشمل الرعب أهل المدينة كما شمل نواب الأقاليم الذين وفدوا ليحضروا مجتمع الحكام.
فلم يهتف للملك أحد، واستقبل جلالته مختار البلد، واسمه جيروم جروسو، وهو رجل كان متهما بالاشتراك في مؤامرة أمبواز، فقال له: «إذا لم تصلح سيرتك عاقبناك معاقبة يعتبر بها الآخرون.» وكان جيروم هذا قد هيأ خطابا ليلقيه بحضرة الملك مضمونه احتجاج السكان على هذه المعاملة، وإظهار إخلاصهم للملك. فعلم فيليب دي مرسيلي، رسول الدوق بالخطاب، فلما وقف جيروم ليلقيه صاح: هذا هو قائد البروتستانت!
فذعر جيروم المسكين، وعظم ارتياعه لما رأى ما في نظرات الملك من الشراسة، فاضطرب وتلعثم، وللحال اتهمه فيليب دي مرسيلي أمام الملك بأنه اعترضه في نزع سلاح السكان، فقال الملك: لقد بلغني سوء تصرف هذا المختار من زمن طويل، فاطرحه يا مسيو دي مرسيلي في السجن، ولينظر القضاة في قضيته غدا.
وهكذا كانت فاتحة عمل الملك الأمر بالقبض ظلما على ذلك الرجل الشهم، وتهيأ الحراس للهجوم والدفاع كأنهم في مدينة عاصية يحاولون إخضاعها.
هذا وأمير كوندة قضى شهورا وهو يشاور نفسه في الأوبة إلى بلاط الملك وإجابة الدعوة، ولا يدري هل يذهب وحده أو يستصحب أصدقاءه ورجاله، وكان الملك قد كتب من فونتنبلو إلى ملك النافار شقيق أمير كوندة يطلب إليه أن يستصحب أخاه ليبرر نفسه من التهم الملقاة على عاتقه. ثم إنه أرسل إلى غاسقونيا رسولا، هو الكردينال دي بوربون، وألحقه بآخر هو البارون دي كرسول، وأكد الاثنان لأمير كوندة أن حقوقه كأمير من الأسرة المالكة أو الدم الملكي ستحفظ وتراعى، وكانت لزوجة أمير كوندة وحماته مراسلات مع نساء البلاط، فأشارتا على الأمير بألا يلبي تلك الدعوة، وحذرتاه من الانقياد إلى ملك فرنسا. إلا أن أخاه ملك النافار أقنعه بالذهاب معه. فسافرا معا، وهما لم يقرا كيفية دخولهما على بلاط الملك، ولحق بهما بضعة آلاف من الأشراف إلى ليموج، ووعدهما زعماء المذهب البروتستانتي بجيش مؤلف من ستة آلاف رجل، إلا أن وصولهما على تلك الصورة يدل على معنى الحرب والتأهب للنضال. وجاءهما رجل اسمه أرميناك يزعم أنه قريبهما، وهو في الحقيقة مأجور من الدوق دي جيز، فأكد لهما حسن نية الملك فرنسوا الثاني. فأكره ملك النافار الأمير أخاه على عدم استصحاب رجاله وأصدقائه بحجة ألا حاجة إليهم.
وأرسل الدوق دي جيز الماريشال دي ترم لاستقبالهما فتلقاهما بالاحتفاء المشكور، فأولاهما ذلك ثقة وحسن ظن، ولما لقي أمير كوندة جاليو في ضواحي أورليان، كان ممتلئا بالآمال الحسنة. فوقف جاليو أمامه ففرح بلقياه، وقال له: حياك الله يا جاليو!
فأجابه: لقد سرني لقاؤك يا سيدي.
قال الأمير: لقد ظننتك سجينا أو ميتا؛ لأنني لم أتلق خبرا عنك، وبت أسأل نفسي عما إذا كنت قد هجرتني. - معاذ الله أن أتركك يا مولاي. - وماذا جرى للفيكونت دي شارتر المسكين، ألم تفلح في إنقاذه من محبسه؟
فتعجب جاليو من شهامة الأمير؛ لأنه لم ينس صديقه السجين، وهو أجدر منه بالإنقاذ من كيد الماكرين، فأجابه: ليس غرضنا الآن يا مولاي إنقاذ الفيكونت دي شارتر، وإنما إنقاذك أنت! ولا يزال في الوقت متسع لرجوعك، فعد إلى غاسقونيا، واجمع أصدقاءك، ولا تأت إلى أورليان إلا وحولك جيش قادر على حمايتك.
Bog aan la aqoon