Xusuusta Shuhadada Cilmiga iyo Qurbaha
ذكرى شهداء العلم والغربة
Noocyada
ودخل الفقيد مدرسة القربية الأميرية فأكبر آية ذكائه معلموها، ومكث بها حتى نال الشهادة الابتدائية، ثم التحق بالمدرسة السعيدية الثانوية ففاز على زملائه في جميع الفصول حتى حصل على شهادتي الكفاءة والبكالوريا.
وكان الفقيد ميالا للرياضيات، وحل ما فيها من المعضلات، فالتحق بمدرسة الهندسة السلطانية فكان موضع تجلة أساتذتها واحترامهم الفائق، ثم دفعه شغفه بارتضاع أفاويق العلم الصحيح إلى الانضمام للقافلة العلمية المهاجرة إلى بلاد الألمان، فشمر عن ساعد الجد والعزيمة مغتربا عن زوجه وولده الوحيد محمد الذي كان يبلغ من العمر حينذاك نصف العام، وسافر - رحمه الله - مودعا من عائلته الكريمة، مزودا بإكبارها لهمته وإعجابها بإقدامه. وأقلعت الباخرة حلوان بتلك القافلة، وكان أولئك الشبان المصريون موضع إكرام المسافرين وتبجيلهم، وكانوا يملئون الباخرة حياة وسمرا، بل كانوا كالحمائم في الحنين إلى عشها وكأنهم بمظهرهم هذا كانوا يودعون الحياة ويقضون ما بقي من أيامهم في التزود من انشراح الصدر وترك حبل الأقدار على غاربها.
وما هي إلا أيام كانت عائلة الفقيد فيها تتلهف على أخباره وتترسم آثاره حتى جاءها نبأ وصوله سالما إلى «تريستا»، وما كادت تحمد الله على سلامته وتحمل أجنحة النسيم تحياتها إليه حتى جاء الخبر المفجع، فانقلب سرورها حزنا وضحكها بكاء، وتوافد أهل البلاد المجاورة على صهرجت لتعزية أشقائه وعائلته الأسيفة لفقد فرع من تلك الدوحة العظيمة.
ومما يؤثر عن الفقيد أنه كان لا يتعاطى المسكر، ولا يميل إلى سفاسف الأمور، وكان لا يترك فرائضه الدينية، وكان يعطف على الفقراء والمساكين ويمدهم بما يوفقه الله إليه. (4-3) الاحتفال بجنازة الفقيد
نقلت جثة الفقيد بعد احتفال الإسكندرية إلى بنها، فاحتفل بتشييعها احتفالا مهيبا في موكب كبير يتقدمه رجال الطرق الصوفية حاملين أعلامهم، فالموسيقى، فالجنود ركبانا ومشاة، فطلبة مدارس بنها الذين عطلوا الدراسة للاحتفال بأخيهم الراحل، فنعش الفقيد ملفوفا في علم مصري، فجمهور من كبار الموظفين والأعيان يتقدمهم سعادة المدير نائبا عن عظمة السلطان، فالعلماء الأعلام، فالآباء الروحيون، فكثير من المشيعين من وطنيين وأجانب. وظل الموكب سائرا على هذا الترتيب مخترقا شوارع المدينة - وكانت حوانيتها مغلقة والأعلام منكسة عليها - حتى وصل إلى محطة الدلتا فنقلت الجثة إلى مركبة ألحقت بقطار سافر إلى صهرجت، ورافقها كثيرون من المشيعين. (4-4) الاحتفال بصهرجت الكبرى
ما كاد يصل القطار المقل لجثة الفقيد إلى صهرجت حتى كانت الألوف قد اجتمعت هناك من العمد والأعيان، ولما حان موعد تشييع الجنازة إلى مقرها الأخير عقد موكب كبير يتقدمه موسيقى كوم النور، والعلماء، والقسس، والموظفون، وتلاميذ مدارس ميت غمر وصهرجت، ونعش الفقيد محمولا على الأعناق يتبعه أعيان البلدة والعمد، حتى ووري التراب مأسوفا على شبابه وحرمان الوطن من ثمرة اجتهاده.
وكان الشيخ الوقور صاحب السعادة محمود باشا سليمان قد أوفد صاحب العزة محمود بك عبد النبي العضو بمجلس مديرية الدقهلية وأحد أعضاء لجنة الوفد المصري إلى ناحية صهرجت الكبرى مقر عائلة المرحوم، فاستقبله صاحب العزة عبد الله بك شريف وحضرات إخوة الفقيد وجميع أصهاره وأقاربه، فأبلغهم حضرته أنه موفد بالنيابة عن الوفد المصري لتعزيتهم. ثم تلا عليهم آيات بينات ومأساة بليغة مرسلة من ذلك الأب الرحيم والشيخ الجليل، فكانت على نفوسهم المجروحة وأفئدتهم الموجعة مرهما شافيا، فأثلجت الصدور ونفثت عنهم لوعات تلك النازلة التي لولا وقوعها موزعة على جميع طبقات الأمة لعز احتمالها.
فرحم الله الفقيد رحمة واسعة، وألهم عائلته الصبر الجميل! (4-5) حفلة تأبين الفقيد بصهرجت الكبرى
لم تكد جثة الشهيد توارى في ثرى مسقط رأسه «صهرجت الكبرى» وما كادت تخفت زفرات النادبين وحسرات الباكين، حتى وقف الأستاذ الفاضل الشيخ بكري هندي بين الجموع المحتشدة فألقى كلمة مؤثرة استجمع فيها ما يسر الله له من الرثاء والتعزية، فكانت بردا وسلاما على القلوب المشتعلة بنار الحزن.
ثم تلاه الأديب الفاضل السعيد أفندي حبيب، من نجباء طلبة المدارس الثانوية بالقاهرة، فألقى هذه الكلمة الطيبة التي أسالت الدموع وحركت الشجون، قال:
Bog aan la aqoon