(1) قال أبو عبد الرحمن هذا محض افتراء، وإنما الذين قاموا بقتله حثالة ورعاع الناس ومن في قلبه حقد تجاه الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه. وإننا لو حللنا شخصية الذين قاموا بذلك لتوصلنا إلى تلك النتيجة التي ذهب ضحيتها عثمان رضي الله عنه. من أولئك: محمد ابن أبي بكر، عمير بن ضابئ، عمرو بن الحمق، محمد بن أحذيفة ربيب عثمان بن عفن، مالك بن الحارث الأشتر وغيرهم، وسوف نحاول بإيجاز تحليل دوافع أولئك، ليمكننا بعد ذلك التوصل إلى تقرير أن قتل عثمان رضي الله عنه بأيدي أناس موتورين حاقدين أرادوا الانتقام لأنفسهم وليس لصالح الأمة كما يدعون.
فأما محمد بن أبي بكر، فقد ذكر الطبري في تاريخه 4/399-400، وابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" ترجمة "عثمان بن عفان" ص302، والمالقي الأندلسي في "التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان" ص94، سبب نقمة محمد بن أبي بكر. عن مبشر قال: سألت سالم بن عبد الله عن محمد بن أبي بكر: ما دعاه إلى ركوب عثمان؟ فقال: الغضب والطمع، قلت: ما الغضب والطمع؟ قال: كان من الإسلام بالمكان الذي هو به، وغره أقوام فطمع. وكانت له دالة فلزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره، ولم يدهن، فاجتمع هذا إلى هذا، فصار مذمما بعد أن محمدا.
وذكر ابن عساكر في ترجمة "عثمان بن عفان" ص302: عن عمرو بن محمد قال: بعثت ليلى بنت عميس ومحمد بن جعفر فقالت: إن المصباح يأكل نفسه ويضيء للناس فلا تأثما في أمر تسوقانه إلى من لا يأثم فيه، فغن هذا الأمر الذي تحاولون اليوم لغيركم غدا، فاتقوا أن يكون عملكم اليوم حسرة عليكم غدا، فلجا وخرجا مغضبين يقولان: لا ننسى ما صنع بنا عثمان. وتقول: ما صنع بكما إلا ما ألزمكما الله ....
ويقول الدكتور محمد السيد الوكيل في كتابه القيم "جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين" ص406: ولعل محمدا كان يعتقد أن منزلة أبي بكر في المسلمين ستمنع الخلفاء المسلمين من إلزامه بالحقوق سواء ما كان الله - عز وجل - أم ما كان للمسلمين فاغتر بذلك وأعجب فلما بدا تقصيره لم يتركه الخليفة فعظم ذلك في نفسه، كان ذلك سببا في الخروج على الخليفة - رضي الله عنه.
وأما عمير بن ضابئ فكان عمله انتقاما لأبيه الذي مات في السجن من جراء فعلته، فقد ذكر الطبري في تاريخ 4/402: استعار ضابئ بن الحارث البرجمي في زمان الوليد بن عقبة من قوم من الأنصار كلبا يدعى قرحان، يصيد الظباء، فحبسه عنهم، فنافره الأنصاريون، واستغاثوا عليه بقومه فكاثروه، فانتزعوا منه وردوه على الأنصار، فهجاهم وقال في ذلك:
تحشم دوني وفد قرحن خطة
تضل لها الوجناء وهي حسير
فباتوا شباعا ناعمين كأنما
جباهم ببيت المرزبان أمير
فكلبكم لا تتركوا فهو أمكم
فإن عقوق الأمهات كبير
فاستعدوا عليه عثمان، فأرسل إليه، فعزره وحبسه كما كان يصنع بالمسلمين، فاستثقل ذلك، فما زال في الحبس حتى مات فيه. وقال في الفتك يعتذر إلى أصحابه:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني
فعلت ووليت البكاء حلائله
وقائلة قد مات في السجن ضابئ
ألا من لخصم لم يجد من يجادله
وقائلة لا يبعد الله ضابئا
فنعم الفتى تخلو به وتحاوله
ولم ينس عمير تعزير عثمان رضي الله عنه لأبيه، وظلت تلك الحادثة في أعماق عمير، ينتهز أدنى فرصة للانتقام، حتى تحينت له الفرصة ولكن بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه حينما وضع ليصلي عليه، فقام هذا الحاقد ونزا عليه فكسر ضلعا من أضلاعه، وقال: حبست ضابيا حتى مات. ولقي عمير حتفه على يدي الحجاج بن يوسف الثقفي.
وأيضا عمرو بن الحمق فقد كان حاقدا على ذي النورين رضي الله عنه ويبدو ذلك واضحا جليا حينما طعن عثمان رضي الله عنه تسع طعنات بقوله: "فأما ثلاث منهن فإني طعنتهن إياه لله، وأما ست فإني طعنتهن إياه لما كان في صدري عليه". (انظر الطبري 4/394 وابن الأثير 3/179) ويعلق فضيلة الدكتور محمد السيد الوكيل على كلام هذا الحاقد فيقول في كتابه القيم "جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين" ص407-408: وإنك لتدرك من الوهلة الأولى عندما ترى عمرا يطعن الخليفة ثلاث طعنات لله - إن كان صادقا - ثم يشفي صدره بست طعنات أي بضعف ما جعله لله عز وجل - مدى ما كان في قلب ابن الحمق على الخليفة من الغل والبغضاء. أنا لا أشك في أن عمرو أعلن أن الطعنات الثلاث لله ليستر بها شيئا من الجرم الذي أقدم عليه في حق الخليفة بغير ما مبرر، ولو كانت غضبته لله بحق لجعل التسع كلهن لله - تعالى - أما أن يجعل لله نصف ما يجعله لنفسه فذلك دليل واضح على أنه يجعل لله ما يكره أن يكون لنفسه، وليس هذا إلا ثلمة في إيمانه تجعل المحقق يشك في إخلاصه إذا لم يتأكد من عدمه.
وأما محمد بن أبي حذيفة فقد كان ربيبا لعثمان رضي الله عنه فكان سببه أنه طلب من ذي النورين أن يوليه عملا من أعمال الدولة الإسلامية، فرفض ذو النورين رضي الله عنه ذلك لمعرفته بعدم أهلية محمد بذلك، خاصة وأنه قد أقام عليه حد شارب الخمر (انظر تحليل شخصيته "جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين" للدكتور الوكيل ص408-409 فإنه أجاد وأفاد جزاه الله خيرا) وانظر تحليل شخصية مالك بن الأشتر ص410-411 من الكتاب السابق للدكتور الوكيل.
Bogga 17