وأيضا فلو قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”إن المدينة تنفي خبثها وينصع طيبها“(1). وقال: ”لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيرا منه“ أخرجه في الموطأ(2). كما في الصحيحين عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”إنها طيبة (يعني المدينة) وإنها تنفي الرجال كما تنفي النار خبث الحديد“، وفي لفظ: ”تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة“(3)، وقال: إن عليا خرج عنها ولم يقم بها كما أقام الخلفاء قبله، ولهذا لم تجتمع عليه الكلمة.
لكان الجواب: إن المجتهد إذا كان دون علي لم يتناوله الوعيد، فعلي أولى أن لا يتناوله الوعيد لاجتهاده، وبهذا يجاب عن خروج عائشة رضي الله عنها. وإذا كان المجتهد مخطئا فالخطأ مغفور بالكتاب والسنة.
وأما قوله: "إنها خرجت في ملأ من الناس تقاتل عليا على غير ذنب".
فهذا أولا: كذب عليها. فإنها لم تخرج لقصد القتال، ولا كان أيضا طلحة والزبير قصدهما قتال علي، ولو قدر أنهم قصدوا القتال، فهذا القتال المذكور في قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 9-10] فجعلهم إخوة مع الاقتتال، وإذا كان هذا ثابتا لمن هو دون أولئك المؤمنين فهم به أولى وأحرى.
وأما قوله: "إن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان".
فجابه من وجوه: أحدها: أن يقال أولا: هذا من أظهر الكذب وأبينه، فإن جماهير المسلمين لم يأمروا بقتله، ولا شاركوا في قتله، ولا رضوا بقتله.
أما أولا: فلأن أكثر المسلمين لم يكونوا بالمدينة، بل كانوا بمكة واليمن والشام والكوفة والبصرة وخراسان، وأهل المدينة بعض المسلمين.
Bogga 29