وهذا الشك ينحل من وجوه ثلاثة: أحدهما أنه يجب أن تعلم أنه ليس كل معنى اقترن بمعنى يوجب أن يجعل له ذاتا أحدية تصلح أن تجعل مستحقة الوقوع فى جنس مفرد أو لحصوله جنسا مفردا. فإذا كان هذا غير مسلم، لم يلزم ما ذهب إليه المتشكك. ومما يتضح به أن هذا غير مسلم فهو من وجهين: أحدهما أنه لو كان هذا حقا، لكان الإنسان مع البياض، بل الإنسان مع الفلاحة، سيصير ذاتا متحدة، وهى كلية، ويجب لها أن تكون نوعا يجب له أن يصير الإنسان جنسا. والثانى أنه لو كان هذا حقا، كان يكون الجوهر مأخوذا مع كل مقولة مقولة تحدث على حدة غير المقولات الأخرى، إذ كان ذلك لا يقال عليه شىء من المقولات التسع قول التواطؤ؛ فإن ذلك ما كان يكون كيفية، ولا يحد بحدها، وإن كان يكون مكيفا، ولا كمية، ولا يحد بحدها، وإن كان يكون ذا كم؛ فإن الذات إذا حصلت بالفعل، فما يلحقها لا يحدث لها نوعية مخصوصة، ولا جنسية مخصوصة، لأن ماهيتها الذاتية تكون واحدة مستقرة، ولا يصير لها ماهيات أخرى بالنسب والإضافات العرضية.
وأما الوجه الثانى من الأوجه الثلاثة الأول فهو أنا إن وضعنا أن مجموع جوهر وكيفية يستحق أن يكون واقعا فى مقولة، فليس بصحيح ما قالوه من أن الأبيض، من حيث هو ذو بياض، فهو من مقولة الكيف. فإن الكيف إن عنى به ذو كيف، فليس البياض فى هذه المقولة، وذلك لأنها كيفية، لا ذات كيفية، وإن عنى بها الكيفية، فليس المكيف بالبياض، وهو الأبيض، داخلا فى هذه المقولة دخول ما يدخل فى المقولة، إذ لا تجد المكيف الأبيض محدودا بالكيفية والبياض.
وأما الثالث فإن المكيف، وإن كان له، من حيث هو مكيف، حقيقة وحدانية، فلا يحتاج إلى أن يقع فى غير مقولة الجوهر؛ فإن الشىء الذى هو المكيف قابل لرسم الجوهر؛ إذ الجملة الواحدة الحاصلة من جسم وكيف، إن كان يصلح لها اتحاد حقيقى، فإنها، من حيث هى واحدة، موجودة لا فى موضوع؛ وليس يمنع كون الجسم، الذى هو جزء الجملة، من مقولة الجوهر، أو موجودا لا فى موضوع، أن يكون المجموع كذلك؛ ولا يوجب أن يكون الجزء الثاني، وهو الشكل، كذلك.
فلا يمتنع أن يكون جزء الشىء يدخل فى المقولة التى يدخل فيها الشىء. وكيف، ومن المشهور أن أجزاء الجواهر جواهر؛ ومن المتيقن أن الخمسة جزء العشرة، وهى من العدد كالعشرة؛ والخمسة جزء الستة، وهى والستة عدد، ولا يجب ذلك أيضا ضرورة، فإن الجزء الثانى من الستة، أعنى الواحد، ليس بعدد. وكذلك إن كانت الجسمية لازمة للأبيض؛ فليس يمنع ترك الالتقات إليها أن يحمل جنسها على ملزومها حمل مقوم غير لازم، فيكون الأبيض، وهو شىء ذو بياض مقوما له أنه موجود، لا محالة، لا فى موضوع.
لكن لقائل أن يقول: إن هذا يكون لازما له ولا يكون مقوما لما هيته، لأنا لا نمنع أن يكون الشىء ذو البياض ليس بجوهر، بل هو عرض؛ وأن يكون العرض قد يعرض للعرض. وقد اتفقنا فيما سلف على أن ما كان كذلك فهو غير مقوم؛ بل ربما كان لازما.
وإذا كان مانحن فى ذكره ليس مقوما للشىء، بل هو لازم لماهيته؛ لم يكن جنسا له؛ فلا تكون الجوهرية جنسا للشىء ذى البياض؛ كما لم يكن الجسم.
فإن قال قائل هذا، وقال الحق، فالمعتمد فى جوابه أنه ليس يجب أن يكون لكل شىء جنس ومقولة؛ بل ما يكون له وجود متحد نوعى ويشاركه فى بعض ذاتياته شىء آخر.
وإذا شئت أن تعلم أن كون الشىء ذا بياض ليس يؤدى إلى اتحاد، فانظر هل كون الشىء ذا بياض يجعل الشىء محصلا موجودا بالفعل، فعل فصل اللون باللون وفعل فصل الحيوان بالحيوان، فتجد الشىء إنما يتحصل شيئا بأن يصير جسما أو كيفية أو شيئا آخر، فحينئذ يلزمه أو يعرض له أنه ذو بياض؛ ولو لا انضياف الجسمية إليه لما تحصل.
Bogga 75