ولو كانت النقطة يمتنع أن تشارك المقادير فى الجنس الأعلى، الذى هو الكم، بسبب المبدئية لكان الخط أيضا يمتنع أن يشارك السطح والجسم فى الجنس الأقرب، الذى هو المقدار. ولذلك كانت العشرة يمتنع أن تشارك المائة فى الجنس الأقرب؛ الذى هو العدد؛ فإن العشرة من المائة كالوحدة من العشرة. نعم، ههنا شك واحد فى حله قانون مفيد يعرفك من أحوال المقولة وأحوال ماهو محمول بالمعنى وليس بمقولة، ما تحتاج إليه ضرورة، وهو أن لقائل أن يقول: إنكم قد قلتم إن الموجود ليس بجنس؛ لأن وقوعه على ماتحته من المقولات بتقدموتأخر واختلاف. فيجب أن لايكون أيضا الجوهر جنسا للهيولى والصورة والجسم؛ فإن الهيولى والصورة أقدم بالطبع من الجسم؛ فليس قول الجوهر عليها بالسوية؛ بل هو بتقدم وتأخر.
وقد يعرض هذا التشكيك أيضا فى غير ذلك؛ فإنه قد يعرض بسبب أن بعض الكميات قبل بعض، كالخط فإنه قبل السطح، والثلاثية فإنها قبل الرباعية؛ وكذلك عسى أن يكون الأمر فى أنواع أخرى من مقولات أخرى.
فيكون حينئذ ليس المانع من كون الهيولى والصورة في جنس الجسم هو حال مبدئية أولا مبدئية بالقصد الأول، بل قول الجنس عليهما وعليه بغير السوية فنقول: إن التقدم والتأخر جزئيات يشملها معنى واحد لا يخلوان إما أن يكونا فى المفهوم لهما من ذلك المعنى أو تلك المقولة أو فى مفهوم آخر. أما الذى يكون فى المفهوم من ذلك المعنى، فمثاله تقدم الجوهر على العرض فى المعنى المدلول عليه بلفظة الوجود، إذا قيل لهما موجودان؛ فإن الوجود للجوهر قبله للعرض؛ وهو، أعنى الجوهر، علة لأن كان العرض موجودا حاصلا له المعنى المفهوم من الموجود. وأما الثانى فمثل تقدم الإنسان الذى هو الأب على الإنسان الذى هو الابن، اللذين هما تحت نوع الإنسان معا؛ فإن الأب يتقدم بالزمان وينقدم بالوجود؛ وليس الزمان هو داخلا فى معنى الإنسانية ولا الوجود داخلا فيها. فأما حد الإنسان، فإنه من حيث حد الإنسان، فهو لهمل بالسواء؛ وإن كان وجود الإنسانية لهذا قبل بالزمان، وللآخر بعد، لا فى أنها إنسانية بل فى أنها موجودة. وأما بحسب النظر فى الإنسانية، فليس أحدهما فى أنه إنسان قبل الآخر فى أنه إنسان وعلة له، لست أقول فى أنه موجود إنسانا.وبالجملة فلا شئ جعل زيدا، الذى هو ابن عمرو، إنسانا؛ فإنه لماهيته إنسان؛ فإنه مستحيل أن لا يكون زيد إنسانا؛ ولذلك لا علة له فى أنه إنسان؛ لا أبوه ولا غيره. وليس بمستحيل أن لايكون موجودا؛ فلذلك له علة فى أنه موجود. وكذلك البياض ليس إلا لذاته هو لون؛ لكنه ليس لذاته موجودا.
ومن حق الجنس أن يقال على أنواعه بالسوية فتشترك فى هذا المعنى المفهوم عنه؛ وأما إن اختلفت بالتقدم والتأخر فى مفهوم آخر غيره، فليس ذلك بممتنع ولا مانع أت تتشابه الشركة فى مفهوم الجنس؛ فيكون الجنس جنسا. ولذلك لا يجب أن يباين الأب الابن فى مقولة الجوهر أو نوع الإنسان؛ لأن الأب أقدم منه بالعلية أو الزمان. وليست إنسانيته أقدم من إنسانيته فى أنها إنسانية ولا علة لها.
وكذلك الحال فى نسبة الهيولى والصورة إلى الجسم؛ فإن الهيولى والصورة ليستا بسببين لكون الجسم جوهرا؛ فإن الجسم لذاته، لا لعلة من العلل ولا لسبب من الأسباب ، ما هو جوهر ومقول عليه معنى الجوهر؛ لكنه فى وجوده محتاج ألى أسباب فى وجوده. ولا جوهرية شىء، فى أنها جوهريته، تكون علة لجوهرية شىء حتى يصير الجسم لجوهرية المادة والصورة جوهرا، لست أقول جوهرا موجودا. ولا الثلاثية أيضا، فى أنها عدد تكون علة كون الرباعية عددا، لست أقول كونها عددا موجودا، بل كل واحد من المثالين علة لما بعده فى الوجود، فقد يكون وجود شىء علة لوجود شىء، وإن لم تكن الماهية له أولا ونسبته للآخر ثانيا؛ فتكون تلك الماهية إنسانيته؛ لأن هذه ماهية إنسانيته؛ كما يصح أن يكون العرض موجودا لأن الجوهر موجود؛ ولذلك ما يمنع أن يكون الموجود جنسا، إذ كان معناه يوجد للجوهر وبتوسطه للعرض؛ ولذلك ليست الهيولى ولا الصورة أخلق بأن تكون موجودة لا فى موضوع من الجسم، ولا شك فى ذلك، وإن كانا أخلق بالوجود منه وأشد فيه.
Bogga 73