لكن المعلم الأول قد أومأ إلى المعني الذى ذهبنا إليه ولنعبر عنه كما ينبغى حتى تفهم أن سياقته ليست على ما ذهبوا إليه. قال: ليس كلما يقال له ممكن أن يوجد أو يمشى فيجب أن يكون معنى الإمكان فيه متضمنا لما هو مقابل لذلك، حتى يصدق مع ذلك ممكن أن لا يوجد. فإن هاهنا أشياء لا يصدق فيها المقابل، فإن الأشياء التى تكون الممكنة فيها متعلقة بقوة لا نطق فيها ولا اختيار فإنها تسمى قوى وإمكانات، وليست تكون على الأمر وعلى خلافه، بل تسمى قوة وإمكانا وينحى بها نحو أمر واحد: هذا إن كانت القوة فاعلية، وأما إن كانت القوة استعدادية فلا يتعين لها فى نفسها أحد الأمرين، بل تقبل المتقابلين معا، وليست الأخرى التى فى جهة الفاعل تفعل المتضادين معا، إن تعطلت ولم يكن قابل واجتماع لم تكن تفعل، ومع ذلك فيسمى حال الفاعل إمكانا وحال المستعد للأمرين إمكانا. فالإمكان مشترك فى الاسم إذا كان يقال على الذى يمشى حين يمشى، وعلى الذى يقوى على أن يمشى وهو لا يمشى، فالأول يقال على الفعل والآخر على القوة، والذى بالفعل تشترك فيه الأزليات والمتغيرات؛ والآخر يختص بالمتغيرات. ويجب أن تفهم أنه ليس يجب من قوله يقال عليه أن يفهم أنه اسم مرادف ، بل الأولى أن نظن أن معنى قوله يقال عليه هو أن يقال عليه بمعنى يخصه، كمن يقول إن الحيوان أو الأبيض يقال على الإنسان ليس بمعنى أنه مرادف له با أنه محمول عليه. فالممكن الذى يقال فى المتغيرات أى الذى يليق بها من حيث هى متغيرة ليس يصدق على الواجب، وأما على الوجه الآخر فيقال، ولم يبين ذلك الوجه، ثم قال: ولكن الكلى محمول على الجزئى، والممكن محمول على الواجب. ويشير بهذا إلى أن للممكن معنى يفهم عنه أكثر وأعم من معنى الواجب، فيكون كليا بالقياس إلى الواجب والواجب جزئى تحته. وذلك المعنى هو أنه ليس بممتنع والواجب بعض ما ليس بممتنع. فلما قال المعلم الأول هذا، عطف فقال: يجب أن نتدارك ما قلناه، يعنى ما قاله فى اللوازم على سبيل التشكيك، ويجب أن يعلم من أمر هذا الفاضل المعلم الأول أنه لم يؤثر التشكيك وتأخير الكشف، وفى كثير من الأمور قد يمضى على قانون الشك. ثم يكر آخر الأمر فيحل، وربما تساهل فى أمور هو نفسه يعلمنا ما يقتضى ترك التساهل فيها، وأيضا فى تساهله إيانا فيتفق أن يبادر الناظر فى كتبه إلى اعتقاد ما تساهل فيه وغتر بظاهر كلامه ولا يفحص ولا يبحث، ثم يأخذ فى التعصب لمفهومه من غير استقصاء فيكون قد ضلل نفسه. واعلم أن هذا الفاضل قد قصد فى كثير من الأمور إخفاء الحق ضنا به ليفوز به من له منة الوصول إليه عن كثب. فلنتكلم الآن فى المتلازمات، فنقول: إن المتلازمات منها ما ينعكس ومنها ما لا ينعكس، والمتعاكسات هى التى كل واحد منها فى قوة الآخر، والتى لا تتعاكس فهى التى إذا وضع بعضها لزم الآخر وليس كلما وضع الآخر لزمه الأول. فقولنا: واجب أن يوجد، يلزمه وينعكس عليه: ممتنع أن لا يوجد، وليس بممكن أن لا يوجد، أعنى العامى. ونقائض هذه يلزم قولنا: ليس بواجب أن يوجد. وأما قولنا واجب أن لا يوجد، فيلزمه وينعكس عليه قولنا: ممتنع أن يوجد، وليس بممكن أن يوجد العامى. ونقيضاهما يلزمان قولنا: ليس بواجب أن لا يوجد. فلم يوجد إذن من باب الممكن الخاصى شىء يلازم شيئا من باب الواجب، والممتنع منعكسا عليه. وهذه صورة ما ذكرناه: طبقة واجب أن يوجد ليس بواجب أن يوجد الموجبات متلازمة ممتنع أن لا يوجد ليس بممتنع أن لا يوجد والسالبات متلازمة ليس بممكن أن لا يوجد العامى ممكن أن لا يوجد العامي طبقة أخرى واجب أن لا يوجد ليس بواجب أن لا يوجد الموجبات متلازمة ممتنع أن يوجد ليس بممتنع أن يوجد والسالبات متلازمة ليس بممكن أن يوجد العامى ممكن أن يوجد العامى وأما الممكن الخاصى فلا يلزمه شىء منعكسا عليه إلا من بابه. فقولنا ممكن أن يوجد يلزمه ممكن أن يوجد، ويلزم نقيضه نقيضه، فيلزم قولنا: ليس بممكن أن يوجد الخاصى قولنا: ليس بممكن أن لا يوجد الخاصى. فطبقات المتلازمات إذن ست، ولكل واحد منها لوازم غير متعاكسة، ولنذكرها فى كل طبقة.
( ا ) طبقة الواجب أن يوجد وما معها.
( ب ) وأما طبقة ليس بواجب فلا يلزمها شىء غير ما ينعكس عليها.
( ج ) وأما طبقة واجب أن لا يوجد فيلزمها: ليس بممتنع أن يوجد ليس بممتنع أن لا يوجد ممكن أن يوجد العامى ممكن أن لا يوجد العامى ليس بممكن أن يوجد الخاصى ليس ممكنا أن يوجد الخاصى ليس بممكن أن لا يوجد الخاصى ليس بممكن أن لا يوجد الخاصى ( د ) وأما طبقة ليس بواجب أن لا يوجد فلا يلزمها شىء غير ما ينعكس عليها.
( ه ) وأما طبقة ممكن أن يكون الخاصى فيلزمه: ليس بواجب أن يكون ليس بواجب أ، لا يكون ليس بممتنع أن يكون ليس بممتنع أن لا يكون ممكن أن يكون العامى ممكن أن لا يكون العامى ( و ) وأما طبقة ليس بممكن أن يكون الخاصى فلا يلزمها الانعكاس.
الفصل الخامس (ه) فصل في بيان أن التقابل بين الموجبة والسالبة أشد أم التقابل بين موجبتين محمولاهما متضادان
Bogga 200