159

وهذا الكلام يفهم على وجهين: أحدهما أن يعنى بالإيقاع الإيجاب الذى للحملى فقط فيكون النزع هو السلب الذى للحملى، كأنه لم يتعرض لغيره، ويكون القول المركب يصلح أن يعنى به الشرطى، ويصلح أن يعنى به القياسى، ويصلح أن يعنى به كلاهما. والوجه الثانى أن يعنى بالإيقاع الإيجاب بالحمل والدلو، كقولك فى الإيجاب الحملى زيد حيوان، وفى الإيجاب الشرطى المتصل: إذا كان كذا كان كذا، فقد أوجب فيه تلو التالى للمقدم وأوقع عليه. ويعنى بالنزع السلب والعناد جميعا. أما العناد فكقولك إما أن يكون كذا وإما أن لا يكون كذا، وذلك فى الشرطى المنفصل. وأما السلب، فأما فى الحملى كقولك زيد ليس بحى. وأما المتصل فكقولك ليس كلما طلعت الشمس كان غيم. يبقى ها هنا سلب العناد كقولك: ليس إما أن يكون الإنسان ناطقا وأما أن يكون ضاحكا. فإن أريد أن يفهم وجه يحتمل دخول هذا أيضا. مما ذكر أمكن على أحد سبيلين إما أن يجعل هذا الإيقاع إيقاعا بالفعل أة بالقوة، فيكون السالب المنفصل داخلا فى الإيقاع بالقوة لأنه كما تبين لك بعد فى قوة حملى ما موجب، وأنت تعلم هذا فى موضعه، فهذا وجه، أو يفهم من الإيقاع كل إيقاع بحمل أو اتصال أو انفصال ويجعل النزع كل سلب لهذا الإيقاع. ونحن لا نبالى أى المعانى يكون قد عنى بهذا القول، لكنه إن كان المراد هو ما يطابق الاعتبار الثانى لزم منه أن يكون المراد بقوله. والمؤلف من هذه هو القياس، لكن أظهر الوجوه هو الوجه الأول، فيكون الحكم البسيط هو الذى يدل على أن شيئا موجودا لشىء أو ليس بموجود له. وأما فى اللغة اليونانية فلا بد من أن يقترن بذلك لفظ يدل على زمان. والإيجاب من ذلك هو الحكم بوجود شىء لشىء آخر والسلب هو الحكم بلا وجود شىء لشىء آخر وليس ما يرجم به التعليم الأول فقيل إن السلب حكم بنفى شىء عن شىء بشىء فإن النفى والسلب واحد فيكون كأنه قال: إن السلب حكم لسلب شىء عن شىء، أو يعنى بالنفى ما هو أعم من السلب، حتى إذا قيل لا إنسان، يكون قد نفى الإنسانية من غير نسبة إلى منفى عنه. لكن التوقبف لم يدل على أن السلب موضوع لغير ما وضع له النفى بوجه ولا هو الاصطلاح العامى بل يجب أن يقال كما قلنا: وهو الحكم بلا وجود شىء لشىء. ولما كان كل ما يوجبه موجب فغير متعذر أن يسلبه سالب، وما سلبه سالب فغير متعذر أن يوجبه موجب، سواء كان زمانيا أو غير زمانى، فبين أن لكل إيجاب سلبا يقابله، ولكل سلب إيجابا يقابله. وهذا هو التناقض، أعنى أن يكون إيجاب وسلب متقابلين بالحقيقة. وإنما يكون هذا التقابل متقررا إذا كان المعنى فى الإيجاب محصلا من كل جهة، فيكون السلب قد تناول كل ذلك بعينه. أعني أن يكون الموضوع معنى واحدا وكذلك المحمول وأن يكون الجزء الذى يتوجه إليه القصد فى الموضوع أو المحمول محفوظا بعينه، لا كما إذا قيل الإنسان يبصر أى بعينه، ثم قيل بعده أى الإنسان لا يبصر أى بيده، ظن ذلك مقابلا له. أو قيل إن الحبشى أسود أى فى بشرته، ثم قيل ليس بأسود أى فى لحمه، ظن أن هناك تقابلا. وإن أخذ أحد المعنيين فى أحدهما بالقوة فيجب أن يؤخذ فى الآخر بالقوة، كقول القائل: إن المسكر محرم ويعنى ما يسكر بالفعل، وكقول الآخر: إن المسكر ليس بمحرم ويعنى ما فى طبعه أن يسكر ولم يسكر بعد، ظن أن هناك تقابلا وأن يكون المكان أن كان مكان، أو الزمان إن كان زمان، أو الجهة والاعتبار والإضافة إن كانت جهة واعتبار وإضافة واحدا. مثال الجهة أن يقال إن الجسم مكيف أى بلونه ليس بمكيف أى بمقداره. ومثال الإضافة أن يقال إن الثلاثة نصف أى للستة، وليس بنصف أى للعشرة. بل القضية لا تكون صادقة أو كاذبة البتة فى المعنى الذى يقصد بها ولا مسلمة ولا منكرة بل ولا متصورة فضلا عن أن تكون متقابلة إذا لم تحصل جميع الإمور المتعلقة بمعناها مما ذكرناه. فإذا كان إيجاب على وجه من هذه الوجوه فيجب أن يكون سلبه على ذلك الوجه، ثم إن لحقه سور وجهة مما سنذكره اقتضى أن يكون السلب يقابله فى ذلك، وسنؤخر الحكم فيه إلى ما بعد. وهذه الأشياء إذا أهملت فى القضايا عرض منها مغالطات كثيرة فى القياسات على نحو ما سنذكر فى تعليمنا تبكيت المغالطين.

الفصل السابع (ز) فصل في تعريف أصناف القضايا المحصورة والمهملة والمخصوصة وتعريف التقابل الذي على سبيل التناقض والتقابل الذي على سبيل التضاد وتعريف التداخل وإيراد أحكام للقضايا من جهة ذلك

Bogga 168