وأما الحمليات فقد كان الحكم فيها كذلك فى لغة اليونانيين، فكانوا يضطرون الى أن يقولوا: زيد كان كذا ويكون كذا، وكأنه ليس يجب ذلك فى لغة العرب. فأما الذى يجب بحسب الأمر فى نفسه فهو أن القضية الحملية تتم بأمور ثلاثة فإنها تتم بمعنى الموضوع ومعنى المحمول وبنسبة بينهما. وليس اجتماع المعانى فى الذهن هو كونها موضوعة ومحمولة فيه، بل يحتاج إلى أن يكون الذهن يعتقد مع ذلك النسبة التى بين المعنيين بإيجاب أو سلب. فاللفظ أيضا إذا أريد أن يحاذى به ما فى الضمير يجب أن يتضمن ثلاث دلالات: دلالة على المعنى الذى للموضوع، وأخرى على المعنى الذى للمحمول، وثالثة على العلاقة والارتباط الذى بينهما. فليس يجب من اجتماع الإنسان والحيوان فى الذهن والنظر فيهما، من حيث هذا إنسان وذلك حيوان، أن يكون حاصل ذلك أن أحدهما محمول، أو أنه موضوع، أو مضاف بالجملة إلى شىء؛ فإن تركت اللفظة الدالة على هذه العلاقة، فإنما تترك اعتمادا على الذهن أو تعويلا على حال من الأحوال اللفظية التى تلحق أحدهما أو كليهما لحوقا يدل على هذا المعنى؛ وحينئذ يكون قد دل على هذا المعنى بدلالة لفظية، وإن لم تكن بلفظة مفردة مخصوصة بها. وأما نفس تلو لفظ للفظ فى زمان قصير فليس بدال على حال أحدهما عند الآخر دلالة تحصل بالاجتماع، فإن التركيب الذى فى الحدودأيضا لولا شىء زائد يقترن به لما كان يجب لنفس تلو بعض أجزائه لبعض أن يكون دالا على اجتماع ووحدة، بل إنما صار قولنا حى مشاء ذو رجلين يدل على معنى واحد بالاجتماع، لأنك تعنى به الحى الذى هو المشاء الذى هو ذو رجلين وتدل عليه هيئة التركيب فتصير الجملة واحدة، لأنك تعد أوصاف الواحد وتقيد بعضها ببعض. فولا هذه العلة الزائدة على نفس التتالى ما كان التتالى يفعل وحده. كما لو قال قائل: السماء الأرض العنقاء الدائرة. بل يحتاج أن يقترن بالتتالى أمر آخر يدل على ارتباط بعض المقترنات ببعض ارتباط حمل ووضع، أو ارتباط تقييد بعض ببعض. هكذا يجب أت يفهم هذا الموضع، فلا تشتغل بالتكلف البعيد الذى يحاولونه.
فقد ظهر من هذا أن هاههنا معنى غير معنى الأمر الموضوع، ومعني الأمر المحمول من حقه أن يدل عليه، وهو النسبة. فاللفظة الدالة على النسبة تسمى رابطة، وحكمها حكم الأدوات. فأما لغة العرب فربما حذفت الرابطة فيها اتكالا على شعور الذهن بمعناها، وربما ذكرت. والمذكور ربما كان فى قالب الاسم، وربما كان فى قالب الكلمة. والذى فى قالب الاسم كقولك زيد هو حى، فإن لفظة هو جاءت لا لتدل بنفسها، بل لتدل على أن زيدا هو أمر لم يذكر بعد ما دام إنما يقال هو إلى أن يصرح به، فقد خرجت عن أن تدل بذاتها دلالة كاملة فلحقت بالأدوات لكنها تشبه الأسماء وأما الذى فى قالب الكلمة فهى الكلمات الوجودية، كقولك زيد كان كذا ويكون كذا. وقد غلب هذا أيضا فى لغة العرب حتى إنهم يستعملون الألفاظ الزمانية فى الدلالة على إيجاب لحمل غير زمانى أصلا كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما، أو غير مختص بزمان بعينه بل ذائع فى أى زمان كان كقولهم كل ثلاثة فإنها تكون فردا. وأما لغة الفرس فلا تستعمل القضايا خالية عن دلالة على هذه النسبة إما بلفظ مفرد كقولهم فلان جنين هست أو هى أو هو، وإما بحركة كقولهم فلان جنين ويفتحون النون من جنين فتكون الفتحة دالة على أن جنين محمول على فلان. ولما كان الرابط المصرح به أو المضمر هو الذى يحدث من الكثرة وحده، فإذن إنما يكون القول الجازم واحدا، أما فى الحمل فأن يكون الرباط المصرح به أو المضمر يدل على ربط واحد، والربط فى الحملى هو أن تقول إن الموضوع هو المحمول.
Bogga 166