والدليل على أن هذه، أعنى الأدوات والكلمات الوجودية، نواقص الدلالات أنه إذا قيل ماذا فعل زيد فقيل صار، أو قيل أين زيد فقيل فيه، لم يقف الذهن معها على شئ. وهى أعنى الأدوات والكلمات الوجودية توابع الأسماء والأفعال. فالأدوات نسبتها إلى الأسماء نسبة الكلمات الوجودية إلى الأفعال، ويشتركان فى أنها لا تدل بانفرادها على معنى يتصور، بل إنما تدل على نسب لا تعقل أو تعقل الأمور التى هى نسب بينها. وكذلك إذا سأل سائل ماذا يفعل زيد فقيل صار، أو كان، وأريد كان شيئا، ثم سكت ولم يزد عليه أو ابتدئ فقيل إن وسكت بقى الذهن طالبا بعد، ولم ينتبه إلا على نسبة تترتب فلا يصلح أفرادها لأن توضع أو تحمل مبتدأ بها أو بخبر إلا أن يقترن بها لفظ آخر يتمم نقصانها 0 فإذا قرن بها غيرها صح أن يكون مبتدأ أو خبرا 0 وجميع هذه إما دوال على لانسبة غير معينة كفى وعلى، وإما على نسبة غير معينة كغير ولا 0 فيجب أن تفهم هذا الوضع على هذا الوجه، ولا تلتفت إلى ما يقولون 0 فمن القبيح بالمعلم الأول أن يذكر من بسائط الألفاظ الاسم والكلمة، ويترك الأداة وما يشاكلهما 0
الفصل الخامس (ه) فصل في القول وتمييز الخبر منه مما ليس بخبر
وأما القول فهو اللفظ المؤلف؛ وهو اللفظ الذى قد يدل جزؤه على الانفراد دلالة اللفظ؛ أى اللفظة التامة، لا كالأداة وما معها، وإن كان لايدل على إيجاب وسلب؛ فإن دلالة الإيجاب والسلب أخص من دلالة اللفظ، فإن قولنا: الإنسان كاتب قول، لأن الإنسان جزء من هذه الجملة ويدل، وليس كالمقطع من لفظة الإنسان، فإنه لايدل أصلا، من حيث هو جزء منه 0 وأما اللفظ المركب في المسموع كعبد الله فلا يدل جزء منه أيضا بذاته، من حيث هو جزء منه، وإن كانت له دلالة في استعمال آخر، فليس يدل بها الآن بذاته، بالعرض 0 والقول أيضا حكمه حكم الألفاظ المفردة فى أنه لا يدل، من حيث هو قول، إلا بالتواطؤ. وليس لقائل أن يقول: إن الألفاظ المفردة، وإن كانت لا ضرورة فى تخصيصها بما تدل عليه، ولا تخصص إلا بالتواطؤ، فإن التأليف بينها على هيئة مخصوصة ليس بتواطؤ ، بل أمر يوجبه المعنى نفسه بعد أن صار المفرد دليلا. وذلك لأن المفرد الذى منه التركيب إذا جاز وقوع التواطؤ على غيره، صار أيضا المركب عنه متغيرا بالتواطؤ؛ وأما نفس التركيب فليس مما يقع بالتواطؤ، فإن ذلك لايتغير ألبتة، وإن كانت هيئة التركيب ربما تغيرت بحسب لغة لغة؛ فإن المضاف إليه مثلا يؤخر فى لغة ويقدم؛ الموضوعات والمحمولات ليس يجب لها فى القول ترتيب بعينه فى الطبع. والأقوال قد تتركب على سبيل تركب الحدود والرسوم بأن تأتى بعضها مقيدة لبعض، وهى التى تصلح أن تورد بين أجزائها لفظة الذى كقولنا: الحيوان الناطق المائت، فإنه يصلح أن يقال فيه: الحيوان الذى هو الناطق الذى هو الميت.
وقد يركب على أنحاء أخرى، وذلك لأن الحاجة إلى القول هى الدلالة على ما فى النفس، والدلالة إما أن تراد لذاتها وإما أن تراد لشئ آخر يتوقع من المخاطب ليكون منه، والتى تراد لذاتها هى الأخبار، إما على وجهها، وإما محرفة كتحريف التمنى والتعجب وغير ذلك، فإنها كلها ترجع إلى الأخبار. والتى تراد لشئ يوجد من المخاطب فإما أن يكون ذلك أيضا دلالة أو غير الدلالة. فإن أريدت الدلالة فتكون المخاطبة استعلاما واستفهاما، وإن أريد عمل من الأعمال وفعل من الأفعال غير الدلالة، فيقال إنه من المساوى التماس ومن الأعلى أمر ونهى، ومن الأدون تضرع ومسألة.
Bogga 163