فإن قال: أعنى بهذا أن كل جزء فى باطن الجسم وظاهره يوصف بتلك القوى والكيفيات التى من هذا الباب، فليس كذلك؛ فإن الشكل الذى فى الكل لا يوجد فى الأجزاء. فأول ما فى ذلك، أنه كان يمكنه أن يقول هذا اللفظ على وجهه وتكون عبارته صحيحة، فما الذى أحوجه إلى العدول منه. وأما ثانيا، فإن كثيرا من المعانى التى ليست من باب الشكل إنما يوجد فى الجملة دون الأجزاء؛ كقوة اليد علة أفعالها فإنها غير موجودة إلا فى فعل واحد. فإن قال هذا فستجد كذلك حال هيئة المصارعى، من حيث هو مصارعى فكذلك هيئة قبول كثير من الأمراض.
فأما القسمة الأخرى فإن فاتحتها ليست تتجه إلى الأربعة، بل تتجاوزها كما تدرى.
ثم يمعن فى هذيان كثير إذ يقول: والتى فى النفس غير الناطقة: فإما فى القوة الفاعلة وإما فى القوة المنفعلة. فلا أدرى أن هذا الرجل عن كم صواب ذهب. من ذلك أن نوع القوة واللاقوة ليست تتعلق بالنفس، فإن الصلابة واللين من هذا القبيل اتفاقا وليست ممايتعلق بالنفس؛ والثانى أنا لو سامحنا فيها وجعلناها مما يتعلق بالنفس فما بال الانفعاليات والانفعالات مثل الحرارة والبرودة وغير ذلك، جعلها فى هذا القسم وليست من العوارض التى تتعلق بالنفس الناطقة أو غير الناطقة أو غير الناطقة البتة.
ومن ذلك أنه ليس جميع ما فى باب القوة واللاقوة يتعلق بالقوة الفعلية؛ فإن الممراضية والاستعداد للانصراع ليست من باب قوة يفعل بها شىء. وأيضا فإن المصحاحية هى بمعنى القوة التى لا تنفعل إن كان لا بد من معنى القوة على الفعل؛ فإنه وإن كان المصحاح يعرض له أن يكون قويا على أفعال، فذلك أمر لازم للمصحاحية؛ أما المصحاحية فإنها مصحاحية من حيث لا تنفعل من أسباب المرض، لا من حيث يفعل بها أفعال. وأيضا فإن الأشياء التى جعلها فى القوة الانفعالية، وإن كانت تسمى انفعالية وانفعالات فليس كلها من جملة القوى الانفعالية. فإن الحرارة والبرودة لأن تجعلا فى القوة الفعالة أولى من أن تجعلا فى القوة المنفعلة. فإن قال: إن هذه تحدث بالانفعالات فى المادة فتلك الأولى أيضا لا تحدث إلا بالانفعالات فى المادة. وأيضا فإن كان الاعتبار ليس أن يحمل على المقسوم إليه معنى ما قسم إليه من القوتين، بل أن ينسب إليهما، فإن لكل واحد من الجنسين نسبة إلى قوة فاعلة ومنفعلة معا، إذ لا واحد منهما يحدث إلا عن سبب فاعل ومنفعل.
ثم من جودة هذه القسمة ترديده النوع الثالث فى القسمة مرتين. والعجب ممن يلتفت إلى ما يقوله هؤلاء ويكتبه ويدونه ومن أنا نحتاج إلى مناقضته.
الفصل الثالث فصل (ج) في تعريف حقيقة كل نوعين من أنواع الكيفية وهو الحال والملكة والقوة واللاقوة
فلنبتدئ بالنوع الموجود بسبب النفس. وهذا النوع لا اسم له يعمه، لكن له اسمان بحكم اعتبارين: فإن الكيفيات التى يتعلق وجودها بالأنفس منها ما يكون راسخا فى المتكيف بها رسوخا لا يزول، أو يعسر زواله، وبالجملة لا يسهل زواله، ويسمى ملكة؛ ومنها ما لا يكون راسخا، بل يكون مذعنا للزوال سهل الانتقال، فيسمى حالا.
والأظهر فى تعارف محصلى أهل الصناعة إن الحال ليس مقولا على الملكة حتى يكون الحال اسم هذا الجنس الذى هو نوع من الكيفية، وحتى تكون كل ملكة حالا، وليس كل حال ملكة، بل الحال اسم لطبيعة هذا الجنس، إذا كان يعرض للزوال وكان غير مستحكم، فإذا استحكم لم يسمى حالا بل ملكة.
Bogga 115