وليس هذا حكم البخار فإنه ليس يكون البخار، على قولهم، شيئا عرض له عارض حرارة مصعدة؛ بل جوهر البخار هذا الجوهر، ومعنى اسمه هذا المعنى، حتى إذا بطل عنه هذا المعنى لم يكن إلا ماء قد كان قسر على التصعد. فإن لم يكن ذلك له بالقسر كان بالطبع. فكان يجب أن لا يكون مكانه الطبيعى إلا فوق الماء دون الهواء؛ فما كانت حركته الطبيعية تجاوز ذلك الحد، وتخرق الهواء، فإن كان هذا التصعد والسخونة عارضين للبخار، بحيث لو زالا بقى البخار، فالقول ما قلناه من أن البخار ماء مبثوث. وأما القائل بالمحبة والغلبة فلأنه لا يرى كونا، ولا فسادا للعناصر، ثم ينسى ذلك، فيجعل العناصر قد تستحيل عند غلبة المحبة وتأحيدها إياها، وجمعها لها كرة هى مخالفة فى الطباع للعناصر. وكذلك تستحيل الكرة، فتتفرق إلى العناصر. فيكون الاجتماع عنده يردها إلى المادة المشتركة لا محالة، ويفسخ عنها صورة العناصر، ويكسوها صورة الكرة؛ والافتراق يخلع صورة الكرة عنها إلى صورة العناصر. ويلزم من وجه أن يجعل المحبة محركة حركة خارجة عن الطبع، وهى طبيعة التحريك عنده.
أما انه كيف تصير علة لذلك فلأن الطبيعى من حركات العناصر عند الجميع، وعند قائل هذا القول، يوجب تباعد بعضها عن بعض، ومفارقتها بأن تترل الأرض، وتصعد النار؛ وإذا تحركت الى الاتحاد فقد أخرجت عن طبيعتها. والمحبة أيضا، تصير عنده مفرقه، ويتحاشى من ذلك.
أما كيف يلزم أن تكون مفرقة فلأنها تفرق بين المادة وصور العناصر، فتكون قد فرقت بين أشد مجاورة من الأجسام المتلاقية أو المتصلة بعضها ببعض. وأيضا فلإنها لا تجتمع إلا فرقت أى جمع نسب إليها.
وأما القائلون بالأرض والنار فقد أضلهم ظنهم أنه لا استحالة إلا على طريق الاستقامة. وهم، مع ذلك، يسلمون أن الماء له استحالة إلى جهة الأرض، وأخرى إلى جهة الهواء والنار. فلو كان اعتبار الاستحالة مقصورا على استقامة من جهة إلى جهة، من غير انعكاس، لكانت المائية إنما تتجه فى استحالتها مثلا إلى الهوائية والى النارية، ولا تنعكس، حتى تكون الهوائية تتجه إلى المائية، والمائية إلى الأرضية.
Bogga 99