وربما كان هذا الشيء في إحدى الجهتين دون الأخرى مثل العالم والمعلوم. فإن العالم قد حصل في ذاته كيفية هي العلم، صار بها مضافا إلى الآخر. والمعلوم لم يحصل في ذاته شيء آخر، إنما صار مضافا لأنه قد حصل في ذلك الآخر شيء هو العلم. والذي بقي لنا ههنا من أمر المضاف أن نعرف هل الإضافة معنى واحدا بالعدد وبالموضوع، موجود بين شيئين وله اعتباران كما ظنه بعض الناس، بل أكثرهم؟ أو لكل واحد من المضافين خاصية في إضافته؟ فنقول: إن كل واحد من المضافين فإن له معنى في نفسه بالقياس إلى الآخر، ليس هو المعنى الذي للآخر في نفسه بالقياس إليه. وهذا بين في الأمور المختلفة الإضافة كالأب فإن إضافته للأبوة - وهي وصف وجوده - في الأب وحده، ولكن إنما هو للأب بالقياس إلى شيء آخر في الأب، وليس كونه بالقياس إلى الآخر هو كونه في الآخر، فإن الأبوة ليست في الابن وإلا لكانت وصفا له يشتق له منه الإسم، بل الأبوة في الأب. وكذلك أيضا حال الابن بالقياس إلى الأب فليس ههنا شيء واحد البتة هو في كليهما، فليس ههنا إلا أبوة أو بنوة. وأما حالة موضوعة للأبوة والبنوة فلسنا نعرفها ولا لها إسم. فإن كان ذلك كون كل واحد منهما بحال بالقياس إلى الآخر، فهذا ككون كل واحد من الققنس والثلج أبيض، فإنه ليس يجب أن يكون شيئا واحدا، وليس كونه بالقياس إلى الآخر يجعله واحدا، لأن ما لكل واحد بالقياس إلى الآخر فهو لذلك الواحد لا الآخر، لكنه بالقياس إلى الآخر. فإذا فهمت ذلك فيما مثلناه لك، فاعرف الحال في سائر المضافات التي لا اختلاف فيها. وإنما يقع أكثر الإشكال في هذا الموضع، فإنه لما كان لأحد الأخوين حالة بالقياس إلى الآخر، وكان للآخر أيضا حالة بالقياس إلى الأول، وكانت الحالتان من نوع واحد حسبتا شخص واحدا وليس كذلك. فإن الأول أخوة الثاني أي له وصف أنه أخو الثاني، ذلك الوصف له ولكن بالقياس إلى الثاني. وليس ذلك وصف الثاني بالعدد، بل بالنوع ، كما لو كان الثاني أبيض والأول أبيض، بل الثاني أيضا أنه أخو هذا الأول لأن له حالة في ذاته مقولة بالقياس إلى الأول. وكذلك المماسة في المتماسين، فإن كل واحد منهما مماس لصاحبه بأن له مماسته التي لا تكون إلا بالقياس إلى الآخر إن كان الآخر مثله. فلا تظنن البتة أن عرضا واحدا بالعدد يكون في محلين حتى يحتاج أن تعتذر من ذلك في جعلك العرض إسما مشككا كما فعله ضعفاء التمييز. لكن الأشد اهتماما من هذا، معرفتنا هل الإضافة في نفسها موجودة في الأعيان أو أمر إنما يتصور في العقل، ويكون ككثير من الأحوال التي تلزم الأشياء إذا عقلت بعد أن تحصل في العقل، فإن الأشياء إذا
Bogga 78