إنما تعقل ماهيتها بالقياس إلى الوحدة حتى تكون إنما هي كثرة لأجل أن هناك وحدة، وإن كان إنما هي كثرة بسبب الوحدة. وقد علمت في كتب المنطق الفرق بين ما لا يكون إلا بشيء وبين ما لا تقال ماهيته إلا بالقياس إلى شيء. بل إنما تحتاج الكثرة إلى أن يفهم لها أنها من الوحدة، لأنها معلولة للوحدة في ذاتها، ومعنى أنها معلولة غير معنى أنها كثيرة، والإضافة لها إنما هي من حيث هي معلولة، والمعلولية لازمة للكثرة لا نفس الكثرة. ثم لو كانت من المضاف لكان كما تقال ماهيتها بالقياس إلى الوحدة لكان يقال ماهية الوحدة من حيث هي وحدة بالقياس إلى الكثرة على شرط انعكاس المضافين، ولكانا متكافئين في الوجود من حيث هذه وحدة وتلك كثرة، وليس الأمر كذلك. فإذا قد بان لك جميع هذا، فبالحري أن تجزم أن لا تقابل بينهما في ذاتيهما ولكن يلحقهما تقابل وهو: أن الوحدة من حيث هي مكيال تقابل الكثرة من حيث هي مكيل، وليس كون الشيء وحدة، وكونه مكيالا، شيئا واحدا بل بينهما فرق. والوحدة يعرض لها أن تكون مكيالا، كما أنها يعرض لها أن تكون علة. ثم الأشياء يعرض لها - بسبب الوحدة التي توجد لها - أن تكون مكاييل، ولكن واحد كل شيء ومكياله هو من جنسه. فالواحد في الأطوال طول، وفي العروض عرض، وفي المجسمات مجسم، وفي الأزمنة زمان، وفي الحركات حركة، وفي الأوزان وزن، وفي الألفاظ لفظ، وفي الحروف حرف. وقد يجتهد أن يجعل الواحد في كل شيء أضغر مما يمكن ليكون التفاوت فيه أقل ما يكون، فبعض الأشياء يكون واحده مفترضا بالطبع مثل: جوزة وبطيخة، وبعضها يفرض فيه واحد بالوضع. فما زاد على ذلك الواحد أخذ أكثر من الواحد، وما نقص منه لم يؤخذ واحدا، بل يكون الواحد هذا المفروض بتمامه، ويجعل هذا الواحد أيضا من أظهر الأشياء في ذلك الجنس فالواحد مثلا في الأطوال: شبر، وفي العروض مثلا: شبر في شبر، وفي المجسمات: شبر في شبر في شبر، وفي الحركات: حركة مقدرة معلومة، ولا توجد حركة بهذه الصفة عامة للجميع إلا الحركات المتقدرة بالطبيعة، وخصوصا التي لا تختلف، بل تمتد متفقة حتى تبقى واحدة في كل تقدير، وخصوصا التي هي أقل مقدار حركة. فالأقل مقدار حركة هو الأقل زمانا، وهذا هو الحركة الفلكية السريعة جدا المضبوط قدرها، لأن الدور لا يزاد عليه، ولا ينقص المعلوم صغر مقدارها بسرعة العود ليس مما ينتظر تجدده إلى حين، بل في كل يوم وليلة نتم دورة قريبة إلى الموجود والتجديد وإلى التجزئة أيضا بحركات الساعات. فتكون حركة ساعة واحدة مثلا هي مكيال الحركات، وكذلك زمانها مكيال الأزمنة، وقد يفرض في الحركات حركة واحدة بحسب المسافات، إلا أن ذلك غير مستعمل وغير واقع موقع الفرض الأول.
Bogga 65