المقالة السادسة وفيها خمسة فصول
الفصل الأول (أ) فصل في أقسام العلل وأحوالها
قد تكلمنا في أمر الجوهر والأعراض، وفي اعتبار التقدم والتأخر فيها، وفي معرفة مطابقة الحدود للمحدودات الكلية والجزئية. فبالحري أن نتكلم الآن في العلة والمعلول، فإنهما أيضا من اللواحق التي تلحق الموجود بما هو موجود. والعلل كما سمعت، صورة وعنصر وفاعل وغاية. فنقول: إنا نعني بالعلة الصورية، العلة التي هي جزء من قوام الشيء، يكون الشيء بها هو ما هو بالفعل؛ وبالعنصرية العلة التي هي جزء من قوام الشيء، يكون بها الشيء هو ما هو بالقوة، وتستقر فيها قوة وجوده؛ وبالفاعل، العلة التي تفيد وجودا مباينا لذاتها، أي لا تكون ذاتها بالقصد الأول محلا لما يستفيد منها وجود شيء يتصور بها، حتى يكون في ذاتها قوة وجوده إلا بالعرض، ومع ذلك فيجب ألا يكون ذلك الوجود من أجله من جهة ما هو فاعل، بل إن كان ولا بد فباعتبار آخر، وذلك لأن الفلاسفة الإلهيين ليسوا يعنون بالفاعل مبدأ التحريك فقط، كما يعنيه الطبيعيون، بل مبدأ الوجود ومفيده، مثل الباري للعالم؛ وأما العلة الفاعلية الطبيعية فلا تفيد وجودا غير التحريك بأحد أنحاء التحريكات؛ فيكون مفيد الوجود في الطبيعيات مبدأ حركة؛ ونعني بالغاية، العلة التي لأجلها يحصل وجود شيء مباين لها. وقد يظهر أنه لا علة خارجة عن هذه، فنقول: إن السبب للشيء لا يخلو إما أن يكون داخلا في قوامه وجزءا من وجوده، أو لا يكون. فإن كان داخلا في قوامه وجزءا من وجوده فإما أن يكون الجزء الذي ليس يجب من وجوده وحده له أن يكون بالفعل، بل أن يكون بالقوة فقط، ويسمى الهيولي؛ أو يكون الجزء الذي وجوده هو صيرورته بالفعل، وهو الصورة. وأما إن لم يكن جزءا من وجوده فإما أن يكون ما هو لأجله، أو لا يكون. فإن كان ما هو لأجله، فهو الغاية؛ وإن لم يكن ما هو لأجله، فلا يخلو إما أن يكون وجوده منه بألا يكون هو فيه إلا بالعرض، وهو فاعله، أو يكون وجوده منه بأن يكون هو فيه، وهو أيضا عنصره أو موضوعه.
Bogga 127