وقال في صفة أهل النفاق من أهل العهد: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ﴾ الآية [الأنفال: ٦٢].
فأخبر - سبحانه - أن هؤلاء المخادعين يُخدعون (^١) وهم لا يشعرون بذلك، وأن الله خادع من يخادعه، وأن المخدوع يكفيه الله شرَّ من خَدَعه.
والمخادعة هي: الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه لتحصيل المقصود. يقال: طريق خَيْدَع، إذا كان مخالفًا للقصد، لا يُفطن له. ويقال: غُوْل خَيْدَع، ويقال للسَّراب: الخيدع، وضَبٌّ خَدِع، أي: مراوغ، وفي المثل: "أخدع من ضب" (^٢)، وخُلُق خادع، وسوق خادعة، أي: متلوِّنة (١٤٧/ أ) والحرب خدعة.
وأصله: الإخفاء والستر. ومنه قيل للخزانة: مُخدع ومِخدع (^٣)، فلما كان قول القائل: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إنشاءً للإيمان وإخبارًا به، وحقيقته أن يكون صادقًا في هذا الإنشاء والإخبار، بحيث يكون قلبه مطمئنًّا بذلك، وحكمه أن يعصم دمه وماله في الدنيا، وأن يكون له ما للمؤمنين، كان من قال هذه الكلمة غير مُبطن لحقيقتها، بل مريدًا لحكمها وثمرتها فقط = مخادعًا لله ورسوله، وكان جزاؤه أن يُظهر الله له ما يظن أنه كرامة، وفيه عذاب أليم، كما أظهر هو للمؤمنين ما ظنوا أنه إيمان وفي ضمنه الكفر.
_________
(^١) أصله: "مخدوعون".
(^٢) انظر: "مجمع الأمثال": (١/ ٤٥٧).
(^٣) انظر: "لسان العرب": (٨/ ٦٤ - ٦٥).
1 / 28