Maanso iyo Fikir
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
Noocyada
أو عمد إلى ما هو شر من ذلك فحط من سلطته العليا بحماية الاستبداد الديني لبعض الطغاة في مملكته الذين يتسلطون على سائر رعاياه.
لو سأل سائل: هل نحيا اليوم في عصر متنور؟ لكان الجواب: لا، بل في عصر التنوير. ولو قسنا الأمور بالأوضاع الراهنة في مجموعها لقلنا أن الناس ما يزالون بعيدين عن استخدام عقولهم المستقلة في أمور الدين استخداما صالحا واثقا بدون توجيه من غيرهم، وأنهم ليسوا على استعداد لذلك، ولا هيئوا للقيام بهذه المهمة. ومع ذلك يمكن القول بأن هنالك من الدلائل ما يشير إلى أن المجال قد فتح أمامهم للسعي نحو تحقيق هذا الهدف بحريتهم، وأن العقبات التي تقف في وجه التنوير العام أو في وجه الخروج من حالة القصور التي اقترفوها في حق أنفسهم قد بدأت تقل بالتدريج، ومن هذه الناحية يحق لنا القول بأن هذا العصر هو عصر التنوير أو عصر فريدريش.
11
إن أميرا لا يستنكف أن يقول إنه يعتقد أن من واجبه ألا يفرض على الناس شيئا في أمور الدين، وإنما يترك لهم الحرية الكاملة في هذا الشأن، حتى ليبلغ به الأمر حد الترفع عن أن يطلق على نفسه تلك الصفة المتكبرة، وهي صفة التسامح، مثل هذا الأمير رجل مستنير يستحق ثناء العارفين بالجميل في عصره، وفي العصور التالية؛ لأنه أول من خلص الجنس البشري من القصور، على الأقل من ناحية الحكومة، وترك لكل إنسان حرية استخدام عقله في كل ما يتصل بالضمير. وفي ظل هذا الأمير يتاح لرجال الدين الأجلاء بغير مساس بواجبات وظائفهم أن يعرضوا على الجمهور - باعتبارهم من العلماء - علنا وبحرية أحكاما وآراء تخرج في هذا الجانب أو ذاك عن نصوص العقيدة التي يتفقون على الإيمان بها، وذلك لكي يفحصها الجمهور ويمحصها بنفسه، بل إن هذا ليتاح بصورة أوسع لكل رجل دين لا تقيده واجبات وظيفته. وإن روح الحرية هذه لتنتشر كذلك في الخارج، حتى في تلك البلاد التي تجد نفسها مضطرة لمناهضة المعوقات التي تضعها حكومة تسيء فهم نفسها.
12
ذلك أن مثل هذه الحكومة لا بد أن يتضح لها من المثل السابق أن الأمن العام ووحدة المجتمع لا خوف عليهما على الإطلاق في ظل الحرية. إن الناس هنا يسعون من تلقاء أنفسهم إلى الخروج من حالة الفظاظة؛ إذ لم يكن هناك تدبير متعمد للإبقاء عليهم فيها.
لقد حرصت على أن أحدد النقطة الأساسية في التنوير - وهو خروج البشر من حالة القصور التي يتحملون مسئوليتها - بالأمور الدينية بوجه خاص؛ لأن ولاة الأمر فينا لا يهتمون بأن يقوموا بدور الوصي على رعاياهم في شئون الفنون والعلوم، فضلا عن أن الوصاية في أمور الدين هي أشد أنواع الوصاية ضررا وامتهانا لكرامة الإنسان. ومع ذلك فإن تفكير رئيس الدولة الذي يساند التنوير في أمور الدين ، يمضي إلى أبعد من ذلك، ويقتنع بأن تشريعه لن يتعرض لأي خطر إذا سمح لرعاياه أن يستخدموا عقولهم في الأمور التي تتصل بالصالح العام، وأن يقدموا للناس اقتراحاتهم عن صيغة أفضل لذلك التشريع القائم مصحوبة بالنقد الحر النزيه، وملكنا الذي نجله يقدم على هذا كله المثل الرائع الذي لم يفقه فيه ملك آخر من قبل.
ولكن حتى ذلك الملك (أو الأمير) المستنير، الذي يخاف الأشباح، ولديه في الوقت نفسه جيش كبير منظم لضمان الأمن العام، يمكنه أن يقول ما لا تجرؤ على قوله دولة حرة: فكروا ما شئتم فيما تشاءون، ولكن أطيعوا! وهكذا يظهر هنا مسار غريب غير متوقع للأمور البشرية، على نحو ما يظهر في ميادين أخرى، فيبدو كل شيء فيه، إذا نظرنا إليه في مجموعه، عجيبا زاخرا بالمفارقات. فإتاحة درجة أكبر من الحرية المدنية أمر يبدو في صالح حرية التفكير العقلي عند الشعب، وإن كان يفرض عليها قيودا لا فكاك منها، وكلما قلت درجة تلك الحرية (المدنية) عمل هذا على إفساح المجال للحرية الفكرية عند الشعب؛ لكي تزدهر بقدر ما في وسعها. وإذا كانت الطبيعة قد أظهرت، من تحت هذه القشرة الصلبة، بذرة تتعهدها بالرعاية والحنو الشديد، ألا وهي بذرة الميل إلى التفكير الحر والإخلاص والتفاني في سبيله، فإن هذه البذرة ستعود وتؤثر من جديد على وجدان الشعب (بحيث يصبح بالتدريج أكثر قدرة على السلوك الحر)، بل إنها ستؤثر على الأصول والمبادئ التي ترتكز عليها الحكومة التي سيرضيها أن تعامل الإنسان - الذي ليس مجرد آلة
13 - معاملة تليق بكرامته. (1985م)
إلى أين يسير العالم؟
Bog aan la aqoon