Gabayga Dadweynaha ee Folkloric: Daraasad iyo Tusaalooyin
الشعر الشعبي الفولكلوري: دراسة ونماذج
Noocyada
مقدمة
1 - الموال الأحمر ووهج الثورة المحبط
2 - هذه الأنتيكات الأدبية الشعرية الجنائزية
3 - طبيب المبالي والأوجاع
4 - الرديء والخسيس والندل وقليل الأصل
5 - البين وعياله ونكائده
6 - الجمال وجماهير الشغيلة
7 - ياما بكيت عليك يا صديق كما بكى الأعمى على الطريق
8 - شعر المراثي والبكائيات الجنائزية
9 - أغاني التخمير الصوفية والمخاواة
Bog aan la aqoon
10 - موال العشق الخصيب الأخضر
11 - أمراض الحب والعشق
12 - البالادا وأمراض العشق
13 - التمثيل بالشخصيات التاريخية والأسطورية
14 - البنية القرابية وممارسات وأغاني الزواج والإنجاب
15 - التابو وظواهر العرس العربي المختلط
16 - نصوص أغاني الزواج وفض البكارة والإنجاب
مقدمة
1 - الموال الأحمر ووهج الثورة المحبط
2 - هذه الأنتيكات الأدبية الشعرية الجنائزية
Bog aan la aqoon
3 - طبيب المبالي والأوجاع
4 - الرديء والخسيس والندل وقليل الأصل
5 - البين وعياله ونكائده
6 - الجمال وجماهير الشغيلة
7 - ياما بكيت عليك يا صديق كما بكى الأعمى على الطريق
8 - شعر المراثي والبكائيات الجنائزية
9 - أغاني التخمير الصوفية والمخاواة
10 - موال العشق الخصيب الأخضر
11 - أمراض الحب والعشق
12 - البالادا وأمراض العشق
Bog aan la aqoon
13 - التمثيل بالشخصيات التاريخية والأسطورية
14 - البنية القرابية وممارسات وأغاني الزواج والإنجاب
15 - التابو وظواهر العرس العربي المختلط
16 - نصوص أغاني الزواج وفض البكارة والإنجاب
الشعر الشعبي الفولكلوري
الشعر الشعبي الفولكلوري
دراسة ونماذج
تأليف
شوقي عبد الحكيم
مقدمة
Bog aan la aqoon
الإيقاع وطقوس الانتقال من المهد إلى اللحد في هذه الأشعار
الأشعار المتنوعة التي يضمها هذا الكتاب، والتي يمكن أن تغطي مراحل الإنسان «من المهد إلى اللحد» كما يقولون؛ حاولت جاهدا أن أفسح في المحل الأول إمكانية نشرها، وبأكبر قدر من المحايدة وعدم التدخل في صياغتها، ومن منطلق اعتبارها فنونا أو إبداعات قولية دون عزلة عن خلفياتها التاريخية، وبنيتها الاقتصادية الاجتماعية التي تتبدى في تقاليد ومعتقدات قائليها وتواصلها وانعكاسها في الإبداعات الشعرية، وأخصها هنا الموال بشقيه: الأحمر المعبر عن آلام وضغوط ومواجع الواقع اليومي لقائليه، ثم نقيضه الأخضر الذي يتناول جانبها البهيج - الدنيوي - المحب المنشرح.
ودون عزلة بالطبع عن الإيقاع الموسيقي داخل الشعر الشعبي، الذي فيه تتبدى خصائص عينية، ما بين جماهير الموال - وبخاصة الأحمر - والأشعار أو المنظومات الدينية، وبين أغاني الزواج واحتفالاته، وإيقاعات البكائيات الجنائزية وما يتبعها من ميلوديات قرع الدفوف، والرقص الجماعي الجنائزي، وكذا إيقاعات العمل، حين «كان الإنسان يهون جهده وتعبه، مستثيرا حميته وجهده بإيقاع الحركة الجسدية باللحن واللفظ»، كما يذكر يوري سوكولوف.
فيلاحظ أن معظم هذه القطع الشعرية، ما بين موال وأهازيج أطفال وندب أو منظومات دينية شعائرية، جميعها بلا استثناء لها وظائف إيقاعية موسيقية، تستلزم حركة إيقاعية وراقصة، جسدية فردية كانت أم جماعية، كما تستلزم آلات موسيقية مصاحبة، ما بين الأرغول - أو الغاب - العميق الرخيم الذي قد يفوق طوله المترين، ويتكون من أكثر من مزمار مفرد، وله صوت عميق باص وباريتون.
وكان هذا الأرغول المهيب، بطبقة صوته ضاربة الحزن والأسى العميق، أكثر الأدوات أو الآلات الموسيقية انتشارا في الموالد والمقاهي والأسواق ومشارب الشاي، وهو عادة ما يصاحب الموال الأحمر، أو إنشاد الملاحم، والبالاد أو البليانات المأساوية لقصص العشق الشعرية التي سنتعرض لها مطولا، مثل: يوسف وزليخة، وعزيزة ويونس، وشفيقة ومتولي، وحسن ونعيمة، وهي البالادات التي نخصها بنشر نصوصها المحققة والدراسة في كتابنا المرفق.
1
أما الدفوف فكثيرا ما تصاحب الأرغول، لكنها تستخدم كأدوات موسيقية مفردة أو مجتمعة في مصاحبة الإنشاد الديني، وبخاصة أكثر مع القول المصاحب - الندب - للمراسم الجنائزية وجنازات النساء، وتبعا لحالات الوفاة والافتقاد، ما بين أب أو أم أو شاب لم يتزوج.
وكما هو معروف تشارك أكثر من أداة موسيقية، من طبول ورق وصاجات وتصفيق أغاني الأفراح، والبالادا الغنائية التي يرجح البعض أنها وضعت أصلا لتصاحب الرقص، مثلها مثل «البالاتا
Ballata » الموجودة في جنوب أوروبا، والتي تعود بأصولها إلى ما قبل ألفي عام، أي منذ العصر الروماني، ولها أشكالها المختلفة لدى معظم شعوب غرب البحر الأبيض المتوسط.
فبالاتا الندابات الكورسيكيات وال
Bog aan la aqoon
Coronach
الغالية تعتبر من أهم جذور الشعر الملحمي كله، كما يذكر كراب.
ولعل كل هذا لا يبعد بنا عن موضوعنا هذا الماثل، وهو الإيقاع وما يتضمنه من ألحان وميلوديات غنائية، مصاحبة لنماذج هذه الأشعار والأغاني الشعبية والفولكلورية في أدنى أنواعها وأغراضها، سواء كانت إيقاعات حزينة فردية ديكورية مصاحبة للموال الأحمر، أو هذه الشكايات الأدبية الشعرية الأقرب إلى المراثي الذاتية، والتي يرجح حقا اشتقاقها من المراثي الجنائزية.
مع ملاحظة أن هذه المواويل الدامية الشاكية ليست وقفا على الرجال، بل إن للنساء الباع الأكثر طولا، كما يتضح من الأمثلة:
حلمت بالليل يجعله خير وسلامة
بأني غريب الديار والنفس منهانة
بكرة الغريب - يا عين - يروح دياره
وكلمة الندل مضرورة ومشتالة •••
يجازيك يا دي الردي يجازيك
ياللي بتبحت في جدانا
Bog aan la aqoon
بعد الجميل ما كان رامي الرماميل
خليته جفانا
والإيقاعات المصاحبة عادة لمثل هذه المراثي والشكايات والتوجعات الذاتية الفردية، أقرب إلى أن تكون ساكنة بطيئة متكررة بحسب البحور والتفاعيل الشعرية.
وفي النص التالي الذي يطلب فيه الشاكي المعلول من طبيبه أن يستنهض همته ويأتيه معالجا، وهو «جاعد» أو جالس مستسلما في النهاية لمعضلة قدرية موجزها أن دبيبا أو برصا سطا على طعامه وسممه، ويا للغرابة والمعضلة! حيث إن بسة أو قطة، العدو الأزلي للزواحف من حيات وأبراص، كان موجودا وجالسا بدوره! والمغزى هنا هو نفاذ المقدر والمكتوب، الذي لا مانع له، والذي ترجع بذوره إلى مطلع برديات الدولة القديمة، وعصر بناة الأهرام:
ما فيكش همة يا طبيب تداويني وانا جاعد
أمانة يا طبيب تداويني من دواك حبة
دا الدود يا طبيب نقط ع الفراش حبة
ومثل سمعناه من اللي قبلنا قالوه
دبيب سطا في الطعام كان بسنا جاعد
فمثل هذه الإيقاعات الخامدة تصل إلى نقيضها في حالات أغاني الأفراح والمناسبات، والأغاني الجماعية النسائية في حالات حمل النساء للمياه من الترع والموارد إلى الدور، وأغاني جمع القطن والحصاد وتنقية الدودة، والخبيز وطحن الرحى، وزفات العرائس والمطاهرين، وأخذ الوش، والاحتفاء بعودة الحجاج ب «الحنين»، بالموقعات الشعرية الأقرب إلى أن تكون ذات صبغة شعائرية أو دينية، تعرف ب «الحنين» أو «التحنين»، وهو تقليد موجود بكثرة عند أكثر مجتمعاتنا العربية، ويصل بها إلى حد التوحد التراثي العربي.
Bog aan la aqoon
كذلك يمكن تسجيل ظاهرة الأغاني الطقسية والموسمية، المرتبطة بالاحتفالات الشعائرية الطوطمية لأضرحة الشيوخ والأولياء، من جانب كلا النساء والفتيات، والذكور من الشباب.
وفي حالة الذكور تضاف أغاني العراسات، وأغاني الرمي أو التلقيح التي تفيض بالأقوال الفاحشة.
أما أغاني الحرفيين والطبقات الوسطى الصغيرة؛ من خبازين وبنائين ومبيضي النحاس وحلاقين وحدادين، فيبدو أنها ازدهرت بدءا من الفاطميين، متوالية الإكثار في العصر التركي المملوكي. وكان يحتفل بها في ليلة رؤية الهلال أول رمضان فيما يعرف ب «احتفالات الرؤية».
فالملاحظ هو أن الأنغام والإيقاعات التي عادة ما تصاحب الأغنية الشعبية الفولكلورية، تحفظ لها انتشارا أسرع وأسهل من ذلك الذي تحظى به الحكايات، بل إن الحدود الوطنية والقومية واللغوية لا تشكل حواجز تستعصي على العبور، بالنسبة لكلا الشعر والإيقاع أو الميلوديات الموسيقية.
وعادة ما يكون أسلوب الأغنية الفولكلورية أميل إلى البساطة، وأقرب إلى أسلوب المربعات الشائع بكثرة في نصوصنا هذه.
ولدينا شواهد على أن السخرية في هذه الأغاني باقتحامها للتابوات والضغوط السياسية كانت عنيفة مما دعا السلطات إلى وقفها ومنعها، وفرض الغرامات على من يغنونها، أو وضعهم في السجن، بل سنورد أمثالا لمثل هذه الأغاني، ومنها أغاني الجندية والسجن، ومأثوراتها متعددة، خاصة في سوريا وفلسطين.
وتعتبر أغنية النساجين السليزيين، التي قيلت عام 1849، مثالا لهذا الفن، وإن كانت تعتبر كذلك نقطة الافتراق بين الأغاني الفولكلورية والأغاني السياسية، كما اعتبرها البعض من الفولكلوريين.
فهذه المواويل والأغاني جميعا تضرب بجذورها البعيدة في أعماق التاريخ، مما يجعل التصدي لها في كتاب كهذا الكتاب يقصر بالضرورة عن الدقة العلمية الواجبة، ويكفي أن نقول إن التأليف الفردي لا الجماعي أمر مؤكد في هذه الأغاني والأشعار العربية ونظيرتها أغاني الفروسية والملاحم المعروفة في الغرب ب «البيوريتان».
يمكن القول بأن الأغاني الدينية تستوي مع الأغاني السياسية في أنها تزدهر فحسب في فترات الحماس الروحي، كفترة حركة الفرنسيسكان في إيطاليا أثناء القرن الثالث عشر، وحركة البروتستانت في ألمانيا أثناء حرب الثلاثين في الغرب، وكذا الثورة العرابية في مصر، ومعاصرتها المهدية في السودان، ورشيد عالي الكيلاني في العراق.
وبالنسبة لحركة البروتستانت نجد أن جميع مؤلفي أغانيها الدينية معروفون لنا - كما يذكر كراب - وكذلك الشأن فيما يتصل بالظروف التي أنشأت كل قصيدة مفردة منها. ولم يحل ذلك كله دون أن تصبح هذه الأغاني الدينية أغاني فولكلورية أصيلة، وبعض هذه الأغاني الدينية أعمال كبيرة من الناحية الفنية الخالصة.
Bog aan la aqoon
ولقد ينبغي أن نضيف إلى ما سبق أن القليل النادر من الأغاني الدينية والجنائزية يستطيع أن يزهو بألحانه المبتكرة غير المسبوقة.
وخير مثال هنا بالنسبة للأغاني والإيقاعات الجنائزية ما صاحب جنازة الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، وما صاحبها من خلق فوري جماهيري أو شعبي من مئات بل آلاف القطع الشعرية الجنائزية من عديد وندب، نذكر منها:
ابكي ابكي يا عروبة
على اللي بناكي طوبة طوبة
فكان من أثر الإسراع في وضع هذه الأغاني وانتشارها في بيئة لا تقيم وزنا لكلمة الابتداع أو الأصالة؛ أن استخدم مؤلفو الألحان الدينية ما كان يصادفهم من ألحان الأغاني الشعبية وأغاني الشارع.
ولقد تنطبق هذه الحقيقة سواء بسواء على ألحان الفرنسيسكان في العصور الوسطى بإيطاليا، وألحان المتطهرين في فترة الانبعاث الديني بالقرن الثامن عشر.
ويمكن القول بأن مؤلف الأغنية الفولكلورية فرد، بمعنى أن الذي وضعها أول أمرها كان فردا واحدا، أديبا مغمورا في بعض الأحيان، أو رجلا من العامة ظل اسمه مغمورا يطويه الغموض.
وقد يرجع تأليفها إلى الارتجال، لكن ذلك ليس شرطا دائما. ثم إن الأغنية الفولكلورية جماعية، أي إن نصها لا يثبت دائما، بل تطرأ عليه تحويرات وتعديلات وإضافات، عبر هجراتها وتواترها زمانا ومكانا.
ثم إنها جماعية من حيث إن بعض أنواعها، ومنها أغاني الرمي والهجاء الانتقادية، يضعها مؤلفون متعددون، يضيف كل منهم مقطعا أو أكثر.
2
Bog aan la aqoon
وفي الإمكان هنا الربط بين الإيقاع والميلوديات والغنائيات المصاحبة للشعر الفولكلوري بعامة، وما ينتظم تحته من تفريعات كما أوضحنا، ما بين أغاني أطوار العمر المتعاقبة «من المهد إلى اللحد»، بدءا بأغاني وأهازيج أشهر الحمل التسعة، والولادة، والطهور، ومراسم الزواج، ثم الانتهاء باللحد عند مراسم الموت والجنازة.
أقول: في الإمكان الربط بين الإيقاعات والغنائيات المصاحبة لأطوار العمر، وبين ما يعرف عند رائد علم الفولكلور الفرنسي «فان جنب» بطقوس العبور أو شعائر الانتقال، أي الانتقال من طور - سواء أكان زمانيا أو مكانيا - إلى ما يعقبه، وهي الطقوس التي تصاحب وتواكب الانتقال والتحول من حالة إلى أخرى، أو ما يناقضها، أو من عالم إلى ما يخالفه كونيا كان أو اجتماعيا.
كان يحدث هذا الانتقال أو التحول من العزوبية إلى الزواج، ومن الحياة إلى الموت، ومن أحد فصول السنة إلى نقيضه، وكذا - بالطبع - من قمة السلطة والعز إلى هاوية الفاقة والامتهان. ويحفل الفولكلور العربي هنا بآلاف النماذج، سواء فيما يتصل بهذه الأشعار، خاصة جانبها الدامي الميلودرامي - الموال الأحمر - أو القصص والملاحم، منها: أيوب، وزوجته ناعسة، وبلاؤه، والملك معروف، والملك الأسد، وعبيد الغالبة، حين زالت عنهم الدنيا والنعمة والجاه، فتهاووا من قمة السلطة إلى حضيض الفاقة والعوز والإهانة.
3
موجز هذه الشعائر الانتقالية عند «فان جنب» يتركز في ثلاثة أنماط رئيسية، هي طقوس الانفصال
Rites de Sepanition ، وهي تعني انفصال الميت عما يحيطه من أحياء، وما يتبع هذا من مراسم جنائزية، وهو ما يخالف طبعا شعائر التجمع
Rites des Agregation ، التي مجالها احتفالات الزواج، والتي تتضمن بالضرورة وتبعا للتقسيم الثالث ما يعرف بالطقوس الهامشية
Rites des Marge ، أي حالات الإخصاب والحمل والولادة، وما يصاحبها من تفاصيل انتقالية فعلا إلا أنها ليست جوهرية، كالتعميد والطهور.
وهي على وجه الدقة المراحل الانتقالية الرئيسية التي فيها وعبرها تنشط أشعارنا وأغانينا هذه، سواء صاحبت الميلاد أو الزواج أو الموت، وجميعها هنا، كما يشير ذلك العالم فان جنب غزير الإنتاج، الذي اعتبر الفولكلور منذ حوالي نصف قرن علما بيولوجيا، طالما أن موضوعاته واهتماماته هي دراسة الكائن البيولوجي الحي.
جميع هذه الشعائر الانتقالية تستلزم بدورها العبور لطقوس أو شعائر حماية، سواء انطوت المراسم الجنائزية وإيقاع بكائياتها على طقوس انتقال الاتشاح بالسواد وإطلاق الأصوات النسائية الجماعية طلبا للحماية، وخوفا من هجوم روح الميت عليهم، أي الأحياء أو المشيعين، فمن وظائف طقوس العبور الجنائزية هنا استرضاء الميت، وإقامة جسور الاتصال بين عالمي الأحياء والموتى ترضية لروح الميت من جهة، وحماية وطمأنة للأحياء من ذويه، وتتمثل أكثر في الفولكلور المسيحي في قرع الأجراس والترانيم الدينية.
Bog aan la aqoon
وقد لاحظ باخ
Bach
على وجه العموم أن هناك اعتقادا بأن القوى والشرور تزداد خطورة بصفة خاصة في فترات الانتقال من حالة إلى حالة أخرى؛ عند الميلاد، والزواج، والموت، وتعاقب السنين، والانتقال من فصل إلى آخر من فصول السنة ... إلخ. وينطوي هذا الموقف على نوع من الخوف الذي يستشعره الإنسان البدائي من كل ما هو جديد، ولذلك تطلق الأعيرة النارية في ليلة رأس السنة،
4
وتشعل النار عند الانقلاب الشمسي، وفي نهاية السنة الزراعية عند الفلاحين في عيد القديس مارتين
Martin .
بذلك أيضا لا ينطق الناس اسم الوليد الذي لم يعمد بعد، ويحتفل الناس بليلة الزفاف والزواج عن طريق قرقعة السوط، وإطلاق الأعيرة النارية وتحطيم أطباق الصيني المتكسرة محدثا أصواتا عالية، ولذلك أيضا تقاد المرأة إلى حفل زفافها محجبة الوجه تحت حماية بعض الأشخاص المدججين بالسلاح، ونفس الشيء يحدث للعريس من جانب الشبان من رفاقه، «إذ إن الأسلحة تعتبر وسيلة للوقاية من تأثير الجان»، ولذلك يقدم للعريس يوم الزفاف عروس أخرى أحيانا كما حدث مع يعقوب وابنتي خاله لابان بن ناحور الأرامي: ليئة وراشيل، وليس ذلك من قبيل تضليل العريس، ولكن لتضليل الأرواح الشريرة والعفاريت التي يفترض فيها الغباء وقلة الحيلة.
ولعل إقدامنا على إيراد هذه الإلمامة عن الدور الإيقاعي والميلودي الغنائي المصاحب لهذه الأشعار والأغاني، وذلك لاستكشاف علاقة الإيقاع ومصاحبته لهذه الشعائر، وكيف أن من أغراضها في حالات الولادة حماية الوليد من الأرواح الشريرة والحسد وغيره بالزغاريد ودق الهون والأواني المعدنية، وحماية الأحياء من الميت في حالة دق النواقيس والإنشاد الديني؛ دلائل الخيرات.
فالغناء الجماعي والفردي، وإطلاق الأعيرة النارية، والزغاريد، والنواقيس، تكثر وتنشط مصاحبة لشعائر الانتقال، أو مراحل أطوار العمر.
ومبعثها هنا الخوف والحاجة إلى الحماية، أو التوسل بالغناء والإيقاع من فردي لجماعي، للتشجيع والحماية، سواء المصاحبة لأطوار وشعائر التجمع الدنيوية، أو تلك المصاحبة للانفصال والغياب والموت ذات الصفة الجنائزية، ثم ما يتحرك عبرهما من شعائر انتقالية هامشية وليست جوهرية، وهي الدورة الثلاثية التي عادة ما تصاحبها هذه المواويل من حمراء جنائزية، وخضراء دنيوية، وأغاني موضوع هذا الكتاب.
Bog aan la aqoon
5
الفصل الأول
الموال الأحمر ووهج الثورة المحبط
وتتبدى فواجع ومواجع شعوبنا غائرة الجروح والعلل إلى أقصى وأقسى مدى يمكن تصوره في الموال الأحمر، ذلك الذي مجاله الجوهري هنا هو البنية الاجتماعية الطبقية، في مجتمعات قائمة ومشادة - بالضرورة - على كل ألوان القهر وتصانيفه.
فهو يتحدث - على اعتبار أنه موال أحمر - عن ثورة متأججة على الدوام، عن أناس، أو جدعان، مفتقدة للجاه وبالتالي النسب، لا موطن للهموم إلا داخل قلوبها:
جدع بلا جاه مرساة الهموم قلبه
يضرب بلا جاه وأقسى من الهموم قلبه
وعن تصوره للحياة أو الدنيا بأنها كمثل خيال يسحب فريسته - الإنسان المعدم - مكبلا بالأغلال:
دنيا كما خيال بست حبال جراني
فمثل هذا الموال أقرب إلى بسطاء الناس من معدمين و«هفايا» في التعبير عن قهرهم اليومي، وعللهم ومجمل آلامهم.
Bog aan la aqoon
وعادة ما يكون لقائل هذا الموال الأحمر وجمهوره خصم، يتبدى في بعض النصوص أقرب إلى أن يكون خصما طبقيا:
يا دي العجب يا ناس في جدع مجروح ومغطي
يفوت على الخصم واسق غلب ومغطي
وقائل الموال الأحمر يصبر على خصمه، حتى لو أنه ألقى أمامه - ككلب يقعي - بالسم، إلا أنه في بعض النصوص يصل به حقده على خصمه إلى حد:
من كتر عسره كوى خصمه على قلبه
كما أن قائل هذا الموال أو الأشعار عادة ما يكون مغتربا، ليس ذلك الاغتراب المكاني - وإن لم يخل الأمر منه في حالة عمال التراحيل وما شابه - بل إنه اغتراب وجودي اجتماعي بحسب المنطق الصوري:
أنا لو شكيت ربع ما بي للحديد ليدوب
الأولة غربتي والتانية المكتوب
فهو هناك يجانس ما بين الغربة وبين المكتوب المفضي إلى الجبرية، موقنا بالطبع بأن وضعه الاجتماعي، ولنقل قهره، مبعثه ذلك المكتوب الذي أراد له سلسلة اغتراباته وانحداراته، ولنقل أيضا تقلباته من موقع الغالب المنتصر المتسيد، إلى أن أضحى مغلوبا، مع الأخذ في الاعتبار المرادف اللغوي للغلب والغلابة والمغلوبين، من حملة وجماهير الموال الأحمر.
إن «شعائر» الانتقالات من حالة لما يناقضها، ومن طبقة غالبة لأخرى مقهورة مغلوبة، هي ملمح جوهري لهذا الموال الأقرب في إيقاعاته من «العديد» أو المراثي الذاتية، وكذا البكائيات والقبوريات.
Bog aan la aqoon
واتساقا مع تراثنا العربي بكامله الموغل في القدرية والدهرية والزمن ونكائده، يضرب هذا الموال على نفس الوتر بل والداء:
بقى زمن شين مر على الصاحب
يعزه بالجهل ما يلقاش ولا صاحب
فهو عادة زمن جائر لا يؤمن له، ويحق الحذر منه ومن تقلباته وتراجمه وجوره:
إن جار عليك الزمان يا ابن الكرام
وجا مال
وراح متاعك وعزك وخدمتك
خيول وجمال
والزمن هنا هو بعينه الدهر:
لا تأمن الدهر إذا ترجم معاك وخدم
Bog aan la aqoon
دا دهر ميال ياما هتك ملوك وخدم
ولا حد ولا نهاية لمدى الجروح والعلل التي يحدثها ذلك الزمن الجائر وأفعاله ونكائده:
جرحي القديم الأولاني أنا كنت راضيبو
ولما نزف الجديد ع القديم زادت لهاليبو
ففي معظم الحالات يتبدى ذلك الخصم أو العزول، أو العدو، أو الندل أقرب إلى أن يكون خصما طبقيا:
عزول عمل طبيب للجرح ورماله
حفنة من السم من غير وعي ورماله
كذلك ففي بعض الحالات لا يبرأ من الهموم والجروح حتى إنسان غني قد يمتلك غليونا ممتلئا مصنوعا من خشب الصندل المقدس:
تاجر من الروم واسق غليون
وقلبه م الهموم صندل
Bog aan la aqoon
يا خسارة مللا تاجر عال
بس قلبه م الهموم صندل
وفي أحيان قليلة يأخذ الخصم و«العزول» دورا جمعيا شاملا كقطاع من المجتمع أو الكيان الصغير، الذي تعمل داخله وعلى أدنى وحداته التعارضات والتضاد الاجتماعي الطبقي:
عوازلي
1
يحسبوني مت وجم يهنوا
مكحلين العيون وكفوفهم متحني
لكن لما لقوني سليم
عادم بعلة
هم للآن معلولين
Bog aan la aqoon
وداخل رقعة هذا الموال الفلسفي الشعبي الفولكلوري، عادة ما يشار إلى أن أولئك الخصوم والعواذل والأنذال يفتقدون الأصل، إنهم قليلو الأصل والمنابت داخل البنية القرابية:
زرعت في كفي اليمين أتة ومداده
2
وصبحت أدادي
3
في قليل الأصل ما اداده
لما لقيت عيبه
4
في الخط سد ما داده
رميت حمله على ظهره وقلت يا عين
Bog aan la aqoon
كفي القدم عن قليل الأصل وبلا ده
5 •••
تركناك تركناك يا قليل الأصل يا مايل
يا ما عملنا فيك معروف وجمايل
وبتضحك على إيه وحملك من وراك مايل؟!
وبما أن هذا الموال مرتبط أكثر ببيئته الزراعية وحملته من فلاحين وأجراء و«تملية» وعمال تراحيل؛ فإن صوره الشعرية وتشبيهاته وتوسلاته التعبيرية عامة مزهرة نضرة كمثل حقول وبساتين متفتحة:
أنا اللي زرعتكم قمح يا رفاقة لجل محبتي فيكم
وتركت أراضي العنب وجيت أراضيكم
نمت وصحيت لقيت الندل بيملا ويسقيكم
رميت حمله على ضهره وقلتلو روح
Bog aan la aqoon
يا عيش بلا ملح يا خسارة الرفق فيكم
وعليه، فقائل هذا الموال الأحمر - وجمهوره - هو إنسان منسلب، والتعبير الشعبي له أنه «مسلوب» وجمعها مساليب، إنهم شباب ومراهقي الطبقات الكادحة التي لا تملك أكثر من قوة عملها بإزاء مستغليها من ملاك ومقاولي أنفار عمال التراحيل، وهكذا.
فقائل هذا الموال وجمهوره، وكما يتضح بوضوح كاف من النصوص المنشورة، هو إنسان ممزق بعمق، يفت فيه الانسلاب المتوارث، والخرافة الغيبية، منذ عصور موغلة في القدم، ويمكن القول بأن الكم الأكبر للنصوص المنشورة هنا لا تبعد بنا كثيرا عن أشعار ومراثي ونصوص توابيت موتى متواترة بالحفظ، منذ الدولة الوسطى - 5 آلاف عام - بنصوصها وتمزقاتها.
فالبروليتاريا منذ وجود الإنسان المستهدف للعقل هي هي بذاتها، إنها العنصر العيني في هذا المجتمع، وجانبه الموجود الخلاق وحقيقته الكبرى. لكن حقا ما العمل بإزاء انسلابها، بإزاء محنتها؛ من طبقية وفلسفية أو روحية، عبر عمليات التضليل التاريخية، والتي هدفها طبعا افتقاد جماهير هذا الموال لقواها الكامنة، والتقبل طائعة لأغلال انسلابتها السالفة والآنية، وإسلام زمام أمورها لقوى غيبية - أو منتجات روحية - تقف جاثمة؛ من قدر ودهر وزمن والبين الباطش، الذي ستطالعنا نماذجه هو وابنته وعياله بكثرة شديدة، لدرجة دفعتني لأن أفرد لها فصلا خاصا داخل رقعة الموال الأحمر، وما ينتظم تحته من موضوعات متحددة عن ذلك البين الباطش، والزمن أو الدهر ونكائده، والتمثل بالجمال وأحمالها والإفراط في العلل وذوي المواجع، كذا المواويل والمأثورات الشعرية عامة، التي تتحدث عن الرديء أو الردي، وكذا ثنائية الخسيس والأصيل ونشدان الصداقة إلى حد التقديس، بالإضافة إلى الأشعار الدينية، وأخصها أغاني ومربعات التخمير ، وأخيرا الندب والعديد أو البكائيات والمراثي؟
وكثيرا ما يرد في ثنايا الموال الأحمر ما يشير إلى أسماء آلهة فرعونية وسامية مندثرة، والقسم بآلهة وثنية وبنيها، أو وأهل بيتها وقبيلتها.
كذلك يورد هذا الموال الكثير من الرموز والشارات الموغلة في القدم، من ذلك الجلبة أو الحلبة التي كان يباع فيها العبيد قديما، وكذا أسواقهم، لكن دون إفراط.
يا أهل الله العجب على عبد من الجلبة كان اشتراه سيده
من ميلة الزهر صبح سيده يبوس إيده
أنا أعمل إيه يا ناس في ميدان البخوت والطبع؟
مثل سمعناه من أصحاب العقول بالطبع:
Bog aan la aqoon
العبد فيه طبع إن شبع يدوس سيده
فملامح العبيد في هذه المأثورات الشعرية تبدو ضنينة «فلم يثبت وجود العبودية في السجل الأركيولوجي لمصر في ما قبل التاريخ، وحتى في العصور التاريخية المبكرة، برغم استخدام الأسرى كعبيد» كما يشير جوردون تشايلد.
مع الأخذ في الاعتبار أن غياب «العبيدية» من البنية الطبقية الجوهرية للمجتمع المصري منذ عصوره المبكرة، لا يعني استبعاد العلاقات والتركيبات العبودية؛ ذلك أن فلولها موجودة منذ أقدم العصور ممثلة في الأسرى والنوبيين حتى أسرة محمد علي، سوى أنها غير مؤثرة في البنية الاقتصادية المصرية، بالقدر الذي تشكله مثلا في بقية الأجزاء والكيانات والحضارات العربية، خاصة الجزيرة العربية وما بين الرافدين والسودان، وهو ما تعكسه حكاياتها وأشعارها الفولكلورية.
يضاف إلى هذا أن بنية المجتمع المصري تشير بوضوح، في ما يعكسه فولكلوره ومأثوراته الشعرية، إلى ما هو أفدح من العبودية، وهو نظام السخرة الذي عبرت عنه قوة العمل المعجزة التي أقامت «حضارة السخرة» الحجرية الإنشائية؛ من أهرامات ومعابد ومقابر على طول وادي النيل، فهي قوة عمل جماعي تقودها أسواط المشرفين وتستخدم في قطع الأحجار الجلمودية الجرانيتية ونقلها من أقصى مصر العليا إلى الوسطى - الجيزة وأهناسيا والفيوم - بل وحتى فاروس أو الإسكندرية القديمة، أي بدءا من أسوان حتى الإسكندرية.
بل لعلها هي ذات قوة العمل الجماعي التي حفرت قناة السويس وبقية أعمال السخرة التي ما زالت ماثلة في الوجدان الشعبي الجماعي لمعدمي فلاحي مصر، بل هي ما تزال ماثلة في عمال التراحيل حتى أيامنا. فمن المفجع أن البنية الطبقية للمجتمع المصري، بدءا من حضارات ما قبل التاريخ - الأسرات - في الفترات البربرية التي عثر على ملامحها ومخلفاتها في حضارات
6
أرمنت والبداري والعمرية أو الإمارات،
7
وجزوة ببني سويف والسمانية، وهي ما تزال مخلفة مؤثراتها إلى اليوم بالنسبة للتركيبات الاجتماعية، وأحوال هؤلاء العمال السخرة الذين لم يكونوا - كما يذكر جوردون تشايلد - «اختصاصيين متفرغين يعملون بالأجر، أي يتعيشون كلية من فائض الإنتاج الاجتماعي المتمركز في يد الفرعون، فكانوا في الأغلب يأكلون ويلبسون على نفقة المستخدم - مقاول الأنفار - طيلة وجودهم الذي قد يمتد لسنوات».
أما الفرعون أو الملك فهو في كل الأحوال تجسيد للطوطم والآلهة، وبذا تحول العمل الاختياري - في العشيرة البربرية - إلى سخرة إجبارية من أجل الدولة المشخصة في فرد أو الكل في واحد، مما دفع بالفرعون لأن يأخذ مكان «الطوطم» السلف المقدس أو الإله.
Bog aan la aqoon