ليالي القاهرة
الإهداء
كلمة
في الظلام
أنوار
أحلام سوداء
الميعاد الضائع
اثنان في سيارة
لقاء في الليل
ختام الليالي
الأطلال
متفرقات
ذات مساء
رواية
يأس على كأس
عاصفة روح
كبرياء
اذكري
رسائل محترقة
الغريب
بعد الفراق
المآب
في الأوتوجراف
شكوى الزمن
كل الورى
صور شعرية
راقصة
الصنم الجميل
الليل في فنيسيا
شكوك
النسيان
المساء
عذاب
ملحمة السراب
السراب في الصحراء
السراب على البحر
السراب في السجن
آمال كاذبة
البعث
المنصورة
وقفة على دار
الراهبة الباكية
من ن إلى ع
رثاء الهمشري
الدكتور عبد الواحد الوكيل (وزير الصحة)
رثاء الشاعر محمد الهراوي
تكريم السيد إبراهيم عبد الهادي (وزير الصحة)
تكريم الدكتور علي إبراهيم
المرحوم أنطون الجميل
عبد الحميد عبد الحق (1)
عبد الحميد عبد الحق (2)
عبد الحميد عبد الحق (3)
الشاعر عزيز أباظة
أغنية أنت
الإبراهيميات
في حفلة تكريمه في دار الأوبرا
في جامعة أدباء العروبة
في ندوة الوزير الأديب إبراهيم دسوقي أباظة
تعزية لمعاليه في بعض السراة الأباظيين
في منزل الشاعر وقد تكرم الوزير بزيارته
في حفلة الربيع التي أقامتها جامعة أدباء العروبة
مظلمة
شكر واعتذار
بطل الأبطال
مصر
حب على الصحراء
القافلة الصغيرة
عاصفة
عينان
إيمان
إليها
بعد الحب
أنوار المدينة
خمر الرضا
في حفلة تكريم الدكتور ناجي صاحب الديوان
غصن صغير
دعابات
هجو في من اسمه عبد الحميد
هجو شاعر
الخريف
العائد
الطائر الجريح
زازا
بقايا حلم
في ظلال الصمت
نأى عني
قصة حب
بقية القصة
خاطرة
ظلام
وحيد
أطلال
ذنبي
الطائر الجريح
القمة
أيها الغائب
أين غد؟
شك
ليلة
في الباخرة
سر بي
الفراق
ليلة العيد
كذب السراب
أنت
قيثارة الألم
حلم الغرام
ثلاث سنين
عدنا وعدت
المقعد الخالي
رحلة
شعرة
يوم الجمعة
تعلة
من لي؟
في لبنان
في شم النسيم
في العيد
رثاء كلب صغير
خطاب
آه
في ليلة غارة
سمراء المحفل
روض الحسن
قلبي الثاني
ما أضيع الصبر!
ما حيلتي؟
يا نسيم البحر
ذات الليلة
إلى هند
يا دار هند
شفاعة
قسوة
محنة
الحب والربيع
إلى ابنتي ضوحية
غيوم
ذهب العمر
رباعيات
وراء الغمام
الإهداء
المآب
ساعة لقاء
العودة
الحنين
الناي المحترق
المنسي
تحليل قبلة
الحياة
قلب راقصة
الميعاد
الميت الحي
الوداع
الزائر
الليالي
الجمال الضنين
ليالي الأرق
صخرة الملتقى
الشك
خواطر الغروب
مناجاة الهاجر
الصورة
رجوع الغريب
قميص النوم
الغد
رثاء شوقي
هبة السماء
هجاء أعمى بغيض، زوج حسناء
الانتظار
صلاة الحب
مصافحة اللقاء
مصافحة الوداع
أغنية في هيكل الحب
دعاء الراعي
التذكار
البحيرة
وداع المريض
فرحة جديدة
استقبال القمر
نفرتيتي الجديدة
الفراشة
إلى س ...
نداء للشباب
في يوم الشباب
إلى روح الشاعر
ساعة التذكار
دين الأحياء
الأجنحة المحترقة
عتاب
أصوات الوحدة
من شعر الصبا
الدكتور زكي مبارك
على البحر
كلانا
في معبد الليل
إلى أميرتنا
إلى ابنتي
أبد الخلود1
تكريم
إلى أمينة1
تحت الباب
تكريم1
عجبا!
بعد اعتزال الأدب1
أمير الكمان
شفاء ... وشفاء1
تحية لضوحية
حبان1
في معبد1
لمن الصمت؟1
القرية1
عازفة البيانو1
سرب من الحور1
سباق
فجر جديد
نحو المجد1
قدر1
اعتذار1
فرحتان1
مداعبة1
في رثاء مطران
يا بحر1
الربيع1
تحية1
البندر1
دعابة1
عيد «سونيا»
كيف أنساك؟
خشوع
دنيا
ليالي القاهرة
الإهداء
كلمة
في الظلام
أنوار
أحلام سوداء
الميعاد الضائع
اثنان في سيارة
لقاء في الليل
ختام الليالي
الأطلال
متفرقات
ذات مساء
رواية
يأس على كأس
عاصفة روح
كبرياء
اذكري
رسائل محترقة
الغريب
بعد الفراق
المآب
في الأوتوجراف
شكوى الزمن
كل الورى
صور شعرية
راقصة
الصنم الجميل
الليل في فنيسيا
شكوك
النسيان
المساء
عذاب
ملحمة السراب
السراب في الصحراء
السراب على البحر
السراب في السجن
آمال كاذبة
البعث
المنصورة
وقفة على دار
الراهبة الباكية
من ن إلى ع
رثاء الهمشري
الدكتور عبد الواحد الوكيل (وزير الصحة)
رثاء الشاعر محمد الهراوي
تكريم السيد إبراهيم عبد الهادي (وزير الصحة)
تكريم الدكتور علي إبراهيم
المرحوم أنطون الجميل
عبد الحميد عبد الحق (1)
عبد الحميد عبد الحق (2)
عبد الحميد عبد الحق (3)
الشاعر عزيز أباظة
أغنية أنت
الإبراهيميات
في حفلة تكريمه في دار الأوبرا
في جامعة أدباء العروبة
في ندوة الوزير الأديب إبراهيم دسوقي أباظة
تعزية لمعاليه في بعض السراة الأباظيين
في منزل الشاعر وقد تكرم الوزير بزيارته
في حفلة الربيع التي أقامتها جامعة أدباء العروبة
مظلمة
شكر واعتذار
بطل الأبطال
مصر
حب على الصحراء
القافلة الصغيرة
عاصفة
عينان
إيمان
إليها
بعد الحب
أنوار المدينة
خمر الرضا
في حفلة تكريم الدكتور ناجي صاحب الديوان
غصن صغير
دعابات
هجو في من اسمه عبد الحميد
هجو شاعر
الخريف
العائد
الطائر الجريح
زازا
بقايا حلم
في ظلال الصمت
نأى عني
قصة حب
بقية القصة
خاطرة
ظلام
وحيد
أطلال
ذنبي
الطائر الجريح
القمة
أيها الغائب
أين غد؟
شك
ليلة
في الباخرة
سر بي
الفراق
ليلة العيد
كذب السراب
أنت
قيثارة الألم
حلم الغرام
ثلاث سنين
عدنا وعدت
المقعد الخالي
رحلة
شعرة
يوم الجمعة
تعلة
من لي؟
في لبنان
في شم النسيم
في العيد
رثاء كلب صغير
خطاب
آه
في ليلة غارة
سمراء المحفل
روض الحسن
قلبي الثاني
ما أضيع الصبر!
ما حيلتي؟
يا نسيم البحر
ذات الليلة
إلى هند
يا دار هند
شفاعة
قسوة
محنة
الحب والربيع
إلى ابنتي ضوحية
غيوم
ذهب العمر
رباعيات
وراء الغمام
الإهداء
المآب
ساعة لقاء
العودة
الحنين
الناي المحترق
المنسي
تحليل قبلة
الحياة
قلب راقصة
الميعاد
الميت الحي
الوداع
الزائر
الليالي
الجمال الضنين
ليالي الأرق
صخرة الملتقى
الشك
خواطر الغروب
مناجاة الهاجر
الصورة
رجوع الغريب
قميص النوم
الغد
رثاء شوقي
هبة السماء
هجاء أعمى بغيض، زوج حسناء
الانتظار
صلاة الحب
مصافحة اللقاء
مصافحة الوداع
أغنية في هيكل الحب
دعاء الراعي
التذكار
البحيرة
وداع المريض
فرحة جديدة
استقبال القمر
نفرتيتي الجديدة
الفراشة
إلى س ...
نداء للشباب
في يوم الشباب
إلى روح الشاعر
ساعة التذكار
دين الأحياء
الأجنحة المحترقة
عتاب
أصوات الوحدة
من شعر الصبا
الدكتور زكي مبارك
على البحر
كلانا
في معبد الليل
إلى أميرتنا
إلى ابنتي
أبد الخلود1
تكريم
إلى أمينة1
تحت الباب
تكريم1
عجبا!
بعد اعتزال الأدب1
أمير الكمان
شفاء ... وشفاء1
تحية لضوحية
حبان1
في معبد1
لمن الصمت ؟1
القرية1
عازفة البيانو1
سرب من الحور1
سباق
فجر جديد
نحو المجد1
قدر1
اعتذار1
فرحتان1
مداعبة1
في رثاء مطران
يا بحر1
الربيع1
تحية1
البندر1
دعابة1
عيد «سونيا»
كيف أنساك؟
خشوع
دنيا
شعر إبراهيم ناجي
شعر إبراهيم ناجي
الأعمال الكاملة
تأليف
إبراهيم ناجي
ليالي القاهرة
الإهداء
إلى صديقي ع. م
الذي ندى الزهر الذابل من خمائل الماضي، وأنبت في روض الحاضر زهورا ندية مخضلة بالأمل والحياة ... إليه أقدم ما أوحى به إلي ...
إبراهيم ناجي
كلمة
الشعر عندي هو النافذة التي أطل منها على الحياة ...
وأشرف منها على الأبد ...
وما وراء الأبد ...
هو الهواء الذي أتنفسه ...
وهو البلسم داويت به جراح نفسي عندما عز الأساة
هذا هو شعري ...
إبراهيم ناجي
«كان الظلام العصيب المخيم على القاهرة في سنوات الحرب الأخيرة، ظلاما متجاوبا مع قتام في النفوس، وحلوكة تجثم على الصدور، وقد مرت بالشاعر انطباعات من ذلك الضنك الشامل فسجلها صورا في هذه الملحمة المختلفة الضروب والإيقاع.»
في الظلام
أليلاي ما أبقى الهوى في من رشد
فردي على المشتاق مهجته ردي
أينسى تلاقينا وأنت حزينة
ورأسك كاب من عياء ومن سهد
أقول وقد وسدته راحتي كما
توسد طفل متعب راحة المهد ...
تعالي إلى صدر رحيب وساعد
حبيب وركن في الهوى غير منهد
بنفسي هذا الشعر والخصل التي
تهاوت على نحر من العاج منقد
ترامت كما شاءت وشاء لها الهوى
تميل على خد وتصدف عن خد
وتلك الكروم الدانيات لقاطف
بياض الأماني من عناقيدها الربد
فيا لك عندي من ظلام محبب
تألق فيه الفرق كالزمن الرغد
ألا كل حسن في البرية خادم
لسلطانة العينين والجيد والقد
وكل جمال في الوجود حياله
به ذلة الشاكي ومرحمة العبد
وما راع قلبي منك إلا فراشة
من الدمع حامت فوق عرش من الورد
مجنحة صيغت من النور والندى
ترف على روض وتهفو إلى ورد
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيدي
من الشجن القتال والظمأ المردي
لقد أقفر المحراب من صلواته
فليس به من شاعر ساهر بعدي
وقفنا وقد حان النوى أي موقف
نحاول فيه الصبر والصبر لا يجدي
كأن طيوف الرعب والبين موشك
ومزدحم الآلام والوجد في حشد
ومضطرم الأنفاس والضيق جاثم
ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي:
مواكب خرس في جحيم مؤبد
بغير رجاء في سلام ولا برد
فيا أيكة مد الهوى من ظلالها
ربيعا على قلبي وروضا من السعد
تقلصت إلا طيف حب محير
على درج خابي الجوانب مسود
تردد واستأنى لوعد وموثق
وأدبر مخنوقا وقد غص بالوعد
وأسلمني لليل كالقبر باردا
يهب على وجهي به نفس اللحد
وأسلمني للكون كالوحش راقدا
تمزقني أنيابه في الدجى وحدي
كأن على مصر ظلاما معلقا
بآخر من خابى المقادير مربد
ركود وإبهام وصمت ووحشة
وقد لفها الغيب المحجب في برد
أهذا الربيع الفخم والجنة التي
أكاد بها أستاف رائحة الخلد
تصير إذا جن الظلام ولفها
بجنح من الأحلام والصمت ممتد
مباءة خمار وحانوت بائع
شقي الأماني يشتري الرزق بالسهد
وقد وقف المصباح وقفة حارس
رقيب على الأسرار داع إلى الجد
كأن تقيا غارقا في عبادة
يصوم الدجى أو يقطع الليل في الزهد
فيا حارس الأخلاق في الحي نائم
قضى يومه في حومة البؤس يستجدي
وسادته الأحجار والمضجع الثرى
ويفترش الإفريز في الحر والبرد
وسيارة تمضي لأمر محجب
محجبة الأستار خافية القصد
إلى الهدف المجهول تنتهب الدجى
وتومض ومض البرق يلمع عن بعد
متى ينجلي هذا الضنى عن مسالك
مرنقة بالجوع والصبر والكد
ينقب كلب في الحطام وربما
رعى الليل هر ساهر وغفا الجندي
أيا مصر ما فيك العشية سامر
ولا فيك من مصغ لشاعرك الفرد
أهاجرتي، طال النوى فارحمي الذي
تركت بديد الشمل منتثر العقد
فقدتك فقدان الربيع وطيبه
وعدت إلى الإعياء والسقم والوجد
وليس الذي ضيعت فيك بهين
ولا أنت في الغياب هينة الفقد •••
بعينيك أستهدي فكيف تركتني
بهذا الظلام المطبق الجهم أستهدي
بوردك أستسقي فكيف تركتني
لهذي الفيافي الصم والكثب الجرد
بحبك أستشفي فكيف تركتني
ولم يبق غير العظم والروح والجلد
وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي
وهذي المنايا البيض تختال في فودي
وكنت إذا شاكيت خففت محملي
فهان الذي ألقاه في العيش من جهد
وكنت إذا انهار البناء رفعته
فلم تكن الأيام تقوى على هدي
وكنت إذا ناديت لبيت صرختي
فوا أسفا كم بيننا اليوم من سد!
سلام على عينيك ماذا أجنتا
من اللطف والتحنان والعطف والود؟!
إذا كان في لحظيك سيف ومصرع
فمنك الذي يحيي ومنك الذي يردي
إذا جردا لم يفتكا عن تعمد
وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمد
هنيئا لقلبي ما صنعت ومرحبا
وأهلا به إن كان فتكك عن عمد
فإني إذا جن الظلام وعادني
هواك فأبديت الذي لم أكن أبدي
وملت برأسي كابيا أو مواسيا
وعندي من الأشجان والشوق ما عندي
أقبل في قلبي مكانا حللته
وجرحا أناجيه على القرب والبعد
ويا دار من أهوى عليك تحية
على أكرم الذكرى على أشرف العهد
على الأمسيات الساحرات ومجلس
كريم الهوى عف المآرب والقصد
تنادمنا فيه تباريح معشر
على الدم والأشواك ساروا إلى الخلد
دموع يذوب الصخر منها فإن مضوا
فقد نقشوا الأسماء في الحجر الصلد
وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا
فإن دموع البؤس من ثمن المجد
أنوار
طابت بك الأيام وا فرحتاه
أنت الأماني والغنى والحياه
فليذهب الليل غفرنا له
ما دام هذا الصبح عقبى دجاه
يا من غفت والفجر من دارها
شعشع في الآفاق أبهى سناه
قد طرق الباب فتى متعب
طال به السير وكلت خطاه
نقل في الأيام أقدامه
يبغي خيالا ماثلا في مناه
عندك قد حط رحال المنى
وفي حمى حسنك ألقى عصاه
كم هدأ الليل وران الكرى
إلا أخا سهد يغني شجاه!
ناداك من أقصى الربى فاسمعي
لمن على طول الليالي نداه
نادى أليفا نام عن شجوه
عذب تجنيه عزيز جناه
أحبك الحب وغنى به
عف الأماني والهوى والشفاه
وإنما الحب حديث العلى
أنشودة الخلد ونحن الرواه
أحلام سوداء
رب ليل قد صفا الأفق به
وبما قد أبدع الله ازدهر
وسرى فيه نسيم عبق
فكأن الليل بستان عطر
قلت: يا رب لمن جملته
ولمن هذي الثريات الغرر ...؟
فعرا الأفق قتام وبدت
سحب تحبو إلى وجه القمر
كلما تقرب تمتد له
كأكف شرهات تنتظر
صحت بالبدر: تنبه للنذر
أدرك الهالة حفت بالخطر
لا تبح مائدة النور لهم
لا تبحها لسواد معتكر
قهقه الرعد ودوى ساخرا
فكأن الرعد عربيد سكر
قمت مذعورا وهمت قبضتي ...
ثم مدت، ثم ردت من خور
لهف القلب على الحسن إذا
قهقه الغربان والذئب سخر
تحتمي الوردة بالشوك فإن
كثر القطاف لم تغن الإبر
آه من غصن غني بالجنى
ومن الطامع في ذاك الثمر
آه من شك ومن حب ومن
هاجسات وظنون وحذر
كست الأفق سوادا لم يكن
غير غيم جاثم فوق الفكر
طالما قلت لقلبي كلما
أن في جنبي أنين المحتضر
إن تكن خانت وعقت حبنا
فأضفها للجراحات الأخر
الميعاد الضائع
في ليلة من ليالي القاهرة العصيبة، وقفت تنتظره، ولكن حال بينهما القدر، وأقبل هو بعد ذهابها، فتخيل فزعها، ووحدتها، وحاجتها إليه، فجاءت هذه القصيدة عرضا لتلك الخواطر.
يا من طواها الليل في بيدائه
روحا مفزعة على ظلمائه
تتلفتين إلي في أنحائه
لهف الفؤاد على الشريد التائه •••
إن تظمئي لي كم ظمئت إليك!
جمع الوفاء شقية وشقيا
يا منيتي قست الحياة عليك
وجرت مقادرها الجسام عليا •••
أسفا عليك وأنت روح حائر
والكون أسرار يضيق بها الحجى
تجتاز عابرة ويسرع عابر
وتمر أشباح يواريها الدجى •••
في وجنتيك توهج وضرام
وبمقلتيك مدامع وذهول
وكذا تمر بمثلك الأيام
مجهولة وعذابها مجهول •••
وليت قبل لقائنا يا جنتي
لم تظفري مني بقول مسعد
وكعادة الحظ الشقي وعادتي
أقبلت بعد ذهاب نجمي الأوحد •••
تتعاقب الأقدار وهي مسيئة
كم عقنا ليل وخان نهار!
وكأنما هذا الفضاء خطيئة
وكأن همس نسيمه استغفار •••
وكأنه أحزان قوم ساروا
هذي مآتمهم وثم ظلالها
عفت القصور وظلت الأسوار
كمناحة جمدت وذا تمثالها •••
ران السواد على وجود الدور
وسرى إلي نحيبها والأدمع
وكأنني في شاطئ مهجور
قد فارقته سفينة لا ترجع •••
حملت لنا أملا فلما ودعت
لم يبق بعد رحيلها للناظر
إلا خيال سعادة قد أقلعت
ووداع أحباب ودمع مسافر
اثنان في سيارة
العمر أكثره سدى وأقله
صفو يتاح كأنه عمران
كم لحظة قصرت ومدت ظلها
بعد الذهاب كدوحة البستان!
وتمر في الذكرى خيال شبابها
فكأن يقظتها شباب ثان
من ذلك الطيف الرقيق بجانبي
كفاه في كفي هاجعتان
لكأننا والأرض تطوى تحتنا
نجمان في الظلماء منفردان
لكأننا والريح دون مسارنا
خطان في الأقدار منطلقان
إني التفت إلى مكانك بعدما
خليته فبكيت سوء مكاني
هل كان ذاك القرب إلا لوعة
ونداء مسغبة إلى حرمان
حمى مقدرة على الإنسان
تبقى بقاء الأرض في الدوران
وكأنما هذي الحياة بناسها
وضجيجها ضرب من الهذيان
لقاء في الليل
كان اللقاء في ظلمات القاهرة الحالكة أيام الغارات، وقد تم هذا اللقاء تحت الفزع والظلمة والخوف.
قالت تعال فقلت لبيك
هيهات أعصي أمر عينيك
أنا يا حبيبة طائر الأيك
لم لا أغني في ذراعيك •••
أفديك مقبلة على جزع
بسطت إلي يمين مرتجف
وبها ارتعاشة طائر فزع
من قلبها تسري إلى كتفي •••
شحبت كلون المغرب الباكي
وتألقت كالنجم عيناها
فتلفتت كحبيس أشراك
وحكى اضطراب الموج نهداها •••
وأخذت أدفئ بردها بفمي
لو تنفعن حرارة القبل
قلت اهدئي لم ثورة الندم
كفاك ترتجفان يا أملي •••
وجذبتها بذراعها نمشي
نمشي وما ندري لنا غرضا
إلفان قد فرا من العش
يتبادلان سعادة ورضا •••
يا لحظة ما كان أسعدها
وهناءة ما كان أعظمها
مر الغريب فباعدت يدها
وخلا الطريق فقربت فمها •••
مرت بنا سيارة ومضت
فضاحة خطافة النور
كشفت لعينينا وقد ومضت
ظلين معتنقين في السور •••
ضحكت لظلينا وقد عجبت
مما يخال فؤاد مذعور
وكأن ضحكتها وقد طربت
قطرات ماء فوق بلور •••
عوذتها من شر أمسية
تعيا بها وتضل أبصار
وكواكب ليست بمجدية
ظلم مكدسة وأحجار •••
عثرت بها فرفعتها بيدي
جسما يكاد يشف في الظلم
ويرف مثل الزهر وهو ندي
ويخف مثل عرائس الحلم •••
وكأنني مما يسوء خلي
وحياتي انجابت حوالكها
أرمي الطريق بناظري رجل
وأنا لها طفل أضاحكها •••
ملكتها الدنيا بما وسعت
وأنا أهامسها بأسراري
وأسرها بحكاية وقعت
ورواية من نسج أفكاري •••
وإذا الطريق يسير منعطفا
وإذا رياح تضرب السدفا
وكأن منها منذرا هتفا
بلغ المسير نهاية، فقفا •••
يا توأما من صدري انتزعا
يا من دعا قلبي له فسعى
لم أيها الداعي هواك دعا
والدهر يأبى أن نظل معا •••
انظر ذراعي اللذين هما
قد طوقاك مخافة البين
أقسم بأنك عائد لهما
إني لممدود الذراعين
ختام الليالي
الليالي! يا ما أمر الليالي
غيبت وجهك الجميل الحبيبا
أنت قاس معذب ليت أني
أستطيع الهجران والتعذيبا
إن حبي إليك بالصفح سبا
ق وقلبي إليك مهما أصيبا
يا حبيبي كان اللقاء غريبا
وافترقنا فبات كل غريبا
غير أني أستنجد الدمع لا أل
قى مكان الدموع إلا لهيبا
آه لو ترجع الدموع لعيني
جف دمعي فلست أبكي حبيبا
الأطلال
هذه قصة حب عاثر: التقيا وتحابا، ثم انتهت القصة بأنها هي صارت أطلال جسد، وصار هو أطلال روح، وهذه الملحمة تسجل وقائعها كما حدثت.
يا فؤادي، رحم الله الهوى
كان صرحا من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلاله
وارو عني طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبرا
وحديثا من أحاديث الجوى
وبساطا من ندامى حلم
هم تواروا أبدا وهو انطوى ... •••
يا رياحا، ليس يهدا عصفها
نضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا
وأفي العمر لناس ما وفى
كم تقلبت على خنجره!
لا الهوى مال ولا الجفن غفا
وإذا القلب على غفرانه
كلما غار به النصل عفا
يا غراما كان مني في دمي
قدرا كالموت أوفى طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه
وقضينا العمر في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينه
واغتصابي بسمة من فمه
ليت شعري أين منه مهربي
أين يمضي هارب من دمه •••
لست أنساك وقد أغريتني
بفم عذب المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي كيد
من خلال الموج مدت لغريق
آه يا قبلة أقدامي إذا
شكت الأقدام أشواك الطريق
وبريقا يظمأ الساري له
أين في عينيك ذياك البريق
لست أنساك وقد أغريتني
بالذرى الشم فأدمنت الطموح
أنت روح في سمائي وأنا
لك أعلو فكأني محض روح
يا لها من قمم كنا بها
نتلاقى وبسرينا نبوح
نستشف الغيب من أبراجها
ونرى الناس ظلالا في السفوح •••
أنت حسن في ضحاه لم يزل
وأنا عندي أحزان الطفل
وبقايا الظل من ركب رحل
وخيوط النور من نجم أفل ...
ألمح الدنيا بعيني سئم
وأرى حولي أشباح الملل
راقصات فوق أشلاء الهوى
معولات فوق أجداث الأمل
ذهب العمر هباء فاذهبي
لم يكن وعدك إلا شبحا
صفحة قد ذهب الدهر بها
أثبت الحب عليها ومحا
انظري ضحكي ورقصي فرحا
وأنا أحمل قلبا ذبحا
ويراني الناس روحا طائرا
والجوى يطحنني طحن الرحى •••
كنت تمثال خيالي فهوى
المقادير أرادت لا يدي
ويحها لم تدر ماذا حطمت
حطمت تاجي وهدت معبدي
يا حياة اليائس المنفرد
يا يبابا ما به من أحد
يا قفارا لافحات ما بها
من نجي، يا سكون الأبد •••
أين من عيني حبيب ساحر
فيه نبل وجلال وحياء
واثق الخطوة يمشي ملكا
ظالم الحسن شهي الكبرياء
عبق السحر كأنفاس الربى
ساهم الطرف كأحلام المساء
مشرق الطلعة، في منطقه
لغة النور وتعبير السماء •••
أين مني مجلس أنت به
فتنة تمت سناء وسنى
وأنا حب وقلب ودم
وفراش حائر منك دنا
ومن الشوق رسول بيننا
ونديم قدم الكأس لنا ...
وسقانا. فانتفضنا لحظة
لغبار آدمي مسنا!
قد عرفنا صولة الجسم التي
تحكم الحي وتطغى في دماه
وسمعنا صرخة في رعدها
سوط جلاد وتعذيب إله
أمرتنا فعصينا أمرها
وأبينا الذل أن يغشى الجباه
حكم الطاغي فكنا في العصاه
وطردنا خلف أسوار الحياه •••
يا لمنفيين ضلا في الوعور
دميا بالشوك فيها والصخور
كلما تقسو الليالي عرفا
روعة الآلام في المنفى الطهور
طردا من ذلك الحلم الكبير
للحظوظ السود والليل الضرير
يقبسان النور من روحيهما
كلما قد ضنت الدنيا بنور •••
أنت قد صيرت أمري عجبا
كثرت حولي أطيار الربى
فإذا قلت لقلبي ساعة
قم نغرد لسوى ليلي أبى
حجبت تأبى لعيني مأربا
غير عينيك ولا مطلبا
أنت من أسدلها لا تدعي
أنني أسدلت هذي الحجبا •••
ولكم صاح بي اليأس انتزعها
فيرد القدر الساخر: دعها
يا لها من خطة عمياء لو
أنني أبصر شيئا لم أطعها
ولي الويل إذا لبيتها
ولي الويل إذا لم أتبعها
قد حنت رأسي ولو كل القوى
تشتري عزة نفسي لم أبعها •••
يا حبيبا زرت يوما أيكه
طائر الشوق أغني ألمي
لك إبطاء الدلال المنعم
وتجني القادر المحتكم
وحنيني لك يكوي أعظمي
والثواني جمرات في دمي
وأنا مرتقب في موضعي
مرهف السمع لوقع القدم •••
قدم تخطو وقلبي مشبه
موجة تخطو إلى شاطئها
أيها الظالم بالله إلى كم
أسفح الدمع على موطئها!
رحمة أنت فهل من رحمة
لغريب الروح أو ظامئها؟
يا شفاء الروح روحي تشتكي
ظلم آسيها إلى بارئها ... •••
أعطني حريتي أطلق يدي
إنني أعطيت ما استبقيت شي
آه من قيدك أدمى معصمي
لم أبقيه وما أبقى علي
ما احتفاظي بعهود لم تصنها
وإلام الأسر والدنيا لدي
ها أنا جفت دموعي فاعف عنها
إنها قبلك لم تبذل لحي •••
وهب الطائر من عشك طارا
جفت الغدران والثلج أغارا
هذه الدنيا قلوب جمدت
خبت الشعلة والجمر توارى
وإذا ما قبس القلب غدا
من رماد لا تسله كيف صارا
لا تسل واذكر عذاب المصطلي
وهو يذكيه فلا يقبس نارا •••
لا رعى الله مساء قاسيا
قد أراني كل أحلامي سدى
وأراني قلب من أعبده
ساخرا من مدمعي سخر العدا
ليت شعري أي أحداث جرت
أنزلت روحك سجنا موصدا
صدئت روحك في غيهبها
وكذا الأرواح يعلوها الصدا •••
قد رأيت الكون قبرا ضيقا
خيم اليأس عليه والسكوت
ورأت عيني أكاذيب الهوى
واهيات كخيوط العنكبوت
كنت ترثي لي وتدري ألمي
لو رثى للدمع تمثال صموت
عند أقدامك دنيا تنتهي
وعلى بابك آمال تموت •••
كنت تدعوني طفلا كلما
ثار حبي وتندت مقلي
ولك الحق لقد عاش الهوى
في طفلا ونما لم يعقل
ورأى الطعنة إذ صوبتها
فمشت مجنونة للمقتل
رمت الطفل فأدمت قلبه
وأصابت كبرياء الرجل •••
قلت للنفس وقد جزنا الوصيدا
عجلي لا ينفع الحزم وئيدا
ودعي الهيكل شبت ناره
تأكل الركع فيه والسجودا
يتمنى لي وفائي عودة
والهوى المجروح يأبى أن نعودا
لي نحو اللهب الذاكي به
لفتة العود إذا صار وقودا •••
لست أنسى أبدا
ساعة في العمر
تحت ريح صفقت
لارتقاص المطر
نوحت للذكر
وشكت للقمر
وإذا ما طربت
عربدت في الشجر
هاك ما قد صبت الريح بأذن الشاعر
وهي تغري القلب إغراء النصيح الفاجر
أيها الشاعر تغفو
تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التام جرح
جد بالتذكار جرح
فتعلم كيف تنسى
وتعلم كيف تمحو
أو كل الحب في رأ
يك غفران وصفح؟ •••
هاك فانظر عدد الرمل
قلوبا ونساء
فتخير ما تشاء
ذهب العمر هباء
ضل في الأرض الذي
ينشد أبناء السماء
أي روحانية تعصر
من طين وماء؟ ... •••
أيها الريح أجل لكنما
هي حبي وتعلاتي ويأسي
هي في الغيب لقلبي خلقت
أشرقت لي قبل أن تشرق شمسي
وعلى موعدها أطبقت عيني
وعلى تذكارها وسدت رأسي •••
جنت الريح ونادته
شياطين الظلام
أختاما كيف يحلو
لك في البدء الختام
يا جريحا أسلم الجرح
حبيبا نكأه
هو لا يبكي إذا
الناعي بهذا نبأه
أيها الجبار هل تصرع
من أجل امرأة •••
يا لها من صيحة ما بعثت
عنده غير أليم الذكر
أرقت في جنبه فاستيقظت
كبقايا خنجر منكسر
لمع النهر وناداه له
فمضى منحدرا للنهر
ناضب الزاد وما من سفر
دون زاد غير هذا السفر •••
يا حبيبي كل شيء بقضاء
ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا
ذات يوم بعد ما عز اللقاء
فإذا أنكر خل خله
وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته
لا تقل شيئا! وقل لي: الحظ شاء •••
يا مغني الخلد ضيعت العمر
في أناشيد تغنى للبشر
ليس في الأحياء من يسمعنا
ما لنا لسنا نغني للحجر
للجمارات التي ليست تعي
والرميمات البوالي في الحفر
غنها سوف تراها انتفضت
ترحم الشادي وتبكي للوتر •••
يا نداء كلما أرسلته
رد مقهورا وبالحظ ارتطم
وهتافا من أغاريد المنى
عاد لي وهو نواح وندم
رب تمثال جمال وسنا
لاح لي والعيش شجو وظلم
ارتمى اللحن عليه جاثيا
ليس يدري أنه حسن أصم •••
هدأ الليل ولا قلب له
أيها الساهر يدري حيرتك
أيها الشاعر خذ قيثارتك
غن أشجانك، واسكب دمعتك
رب لحن رقص النجم له
وغزا السحب، وبالنجم فتك
غنه حتى ترى ستر الدجى
طلع الفجر عليه فانهتك •••
وإذا ما زهرات ذعرت
ورأيت الرعب يغشى قلبها
فترفق واتئد، واعزف لها
من رقيق اللحن، وامسح رعبها
ربما نامت على مهد الأسى
وبكت مستصرخات ربها
أيها الشاعر كم من زهرة
عوقبت لم تدر يوما ذنبها!
متفرقات
ذات مساء
وانتحينا معا مكانا قصيا
نتهادى الحديث أخذا وردا
سألتني: مللتنا أم تبدل
ت سوانا هوى عنيفا ووجدا؟
قلت هيهات! كم لعينيك عندي
من جميل! كم بات يهدى ويسدى!
أنا ما عشت أدفع الدين شوقا
وحنينا إلى حماك وسهدا
وقصيدا مجلجلا كل بيت
خلفه ألف عاصف ليس يهدا
ذاك عهدي لكل قلبك لم يق
ض ديون الهوى، ولم يرع عهدا
والوعود التي وعدت فؤادي
لا أراني أعيش حتى تؤدى
رواية
نزل الستار ففيم تنتظر
خلت الحياة وأقفر العمر
لم يبق إلا مقفر تعس
تعوي الذئاب به وتأتمر
هو مسرح وانفض ملعبه
لم يبق لا عين ولا أثر
ورواية رويت وموجزها
صحب مضوا وأحبة هجروا
عبروا بها صورا فمذ عبروا
ضحك الزمان وقهقه القدر
يأس على كأس
أصبحت من يأسي لو أن الردى
يهتف بي، صحت به هيا
هيا فما في الأرض لي مطمح
ولا أرى لي بعدها شيا
ماذا بقائي ها هنا بعدما
نفضت منه اليوم كفيا
أهرب من يأسي لكأسي التي
أدفن فيها أملي الحيا
يا أيها الهارب من جنتي
تعال أو هات جناحيا
نبكي شبابينا ونبكي المنى
وترتمي بين ذراعيا •••
إني على يأسي وكأسي كابي
وعلى سرابي عاكف وشرابي
ولقد فرغت من التعلل بالمنى
إلا وميضا في الرماد الخابي
رمقا يعللني بأنك عائد
يوما لقلبي قبل يوم ذهابي
حتى إذا الأقدار شئن وعدت لي
راجعت نفسي واتهمت صوابي
أأرى شروقك في أفول مغاربي
وأشم عطرك في ذبول شبابي! •••
هات اسقني واشرب على سر الأسى
وعلى بقايا مهجة وشجاها
مهلا نديمي! كيف ينسى حبها
من ينشد السلوى على ذكراها؟!
ما زلت تسقيني لتنسيني الهوى
حتى نسيت، فما ذكرت سواها
كانت لنا كأس وكانت قصة
هذا الحباب أعادها ورواها
الآن غشاها الضباب وها أنا
خلف المآسي والدموع أراها
غال الزمان ضبابها وحبابها
وتبخرت أحلامها ورؤاها
لا تبكها ذهبت ومات هواها
في القلب متسع غدا لسواها
أحببتها وطويت صفحتها وكم
قرأ اللبيب صحيفة وطواها!
تلك الوليدة لم تطل بشراها
لما تكد تطأ الثرى قدماها
زف الصباح إلى الرمال نداءها
وسرى النسيم عشية فنعاها
عاصفة روح
الزورق يغرق والملاح يستصرخ.
أين شط الرجاء
يا عباب الهموم
ليلتي أنواء
ونهاري غيوم •••
أعولي يا جراح
أسمعي الديان
لا يهم الرياح
زورق غضبان •••
البلى والثقوب
في صميم الشراع
والضنى والشحوب
وخيال الوداع •••
اسخري يا حياه
قهقهي يا رعود
الصبا لن أراه
والهوى لن يعود •••
الأماني غرور
في فم البركان
والدجى مخمور
والردى سكران •••
راحت الأيام
بابتسام الثغور
وتولى الظلام
في عناق الصخور •••
كان رؤيا منام
طيفك المسحور
يا ضفاف السلام
تحت عرش النور •••
اطحني يا سنين
مزقي يا حراب
كل برق يبين
ومضه كذاب •••
اسخري يا حياه
قهقهي يا غيوب
الصبا لن أراه
والهوى لن يؤوب
كبرياء
نداؤك يا فؤاد كفى نداء
أما تنفك تسقيني الشقاء
أنا ظمآن لم يلمع سراب
على الصحراء إلا خلت ماء
وأنت فراش ليل كل نور
تبعت وكل برق قد أضاء
فؤادي قل لها لما افترقنا
على شجن، وما نرجو اللقاء
حببتك ما شدوت لديك شعرا
ولكني اعتصرت لك الدماء
إذا أنا في هواك أضعت روحي
فلست أضيع فيك دمي هباء
غرامك كان محراب المصلى
كأني قد بلغت بك السماء
خلعت الآدمية فيه عني
ولكن ما خلعت به الإباء
فلم أركع بساحته رياء
ولا كالعبد ذلا وانحناء
ولكني حببتك حب حر
يموت متى أراد وكيف شاء •••
وحبيب كان دنيا أملي
حبه المحراب والكعبة بيته
من مشى يوما على الورد له
فطريقي كان شوكا ومشيته
من سقى يوما بماء ظامئا
فأنا من قدح العمر سقيته
خفق القلب له مختلجا
خفقة المصباح إذ ينضب زيته
قد سلاني فتنكرت له
وطوى صفحة حبي فطويته •••
أقبلت للنيل المبارك شاكيا
زمني وقد كثرت علي همومي
ومسحت كفي والجبين بمائه
علي أهدئ ثورة المحموم
وجلست أنثر جعبة معمورة
بالذكريات جديدها وقديم
لهفي لحب مات غير مدنس
وشباب عمر مر غير ذميم
خان الأحبة والرفاق ولم أخن
عهدي لهم وصفحت صفح كريم
ايخيفني العشب الضعيف أنا الذي
أسلمت للشوك الممض أديمي
وإذا ونى قلبي يدق مكانه
شممي وتخفق كبرياء همومي
إني لأحمل جعبتي متحديا
زمني بها وحواسدي وخصومي
أحني لعرش الله رأسا ما انحنى
بالذل يوما في رحاب عظيم
اذكري
اذكري ذاك المساء
كيف كنا سعداء
لم يدع عندي هما
ومحا عنك الشقاء
ملأ الدنيا صفاء
عندما شئت وشاء
أحسن الدهر إلينا
بعدما كان أساء
كلما أقبلت السح
ب فظللن السماء
قاتمات غائمات
يتهادين بطاء
لاح نجم من بعيد
فتجلى وأضاء
وتصدى قمر را
ح على الأرض وجاء
رسائل محترقة
ذوت الصبابة وانطوت
وفرغت من آلامها
لكنني ألقى المنا
يا من بقايا جامها
عادت إلي الذكريا
ت بحشدها وزحامها
في ليلة ليلاء أر
قني عصيب ظلامها
هدأت رسائل حبها
كالطفل, في أحلامها
فحلفت لا رقدت ولا
ذاقت شهي منامها
أشعلت فيها النار تر
عى في عزيز حطامها
تغتال قصة حبنا
من بدئها لختامها
أحرقتها ورميت قل
بي في صميم ضرامها
وبكى الرماد الآدمي
على رماد غرامها
الغريب
يا قاسي البعد كيف تبتعد
إني غريب الديار منفرد
إن خانني اليوم فيك قلت غدا
وأين مني ومن لقاك غد؟
إن غدا هوة لناظرها
تكاد فيها الظنون ترتعد
أطل في عمقها أسائلها
أفيك أخفى خياله الأبد
يا لامس الجرح ما الذي صنعت
به شفاه رحيمة ويد
ملء ضلوعي لظى وأعجبه
أني بهذا اللهيب أبترد
يا تاركي حيث كان مجلسنا
وحيث غناك قلبي الغرد
أرنو إلى الناس في جموعهم
أشقتهم الحادثات أم سعدوا؟
تفرقوا أم هم بها احتشدوا؟
وغوروا هابطين أم صعدوا؟
إني غريب تعال يا سكني
فليس لي في زحامهم أحد
بعد الفراق
أجل! أهواك أنت منى حياتي
وأنت أحب من بصري وسمعي
وهل أنساك؟! كلا لست أنسى
هوى قد كان إلهامي ونبعي
لبست من التصبر عنك درعا
فها أنا تنزع الأيام درعي
وها أنا لست أوري عنك سرا
عرفت محبتي ورأيت دمعي
تلاشت قوتي وغدا فؤادي
كأن خفوقه خلجات نزع
أبشره فيرقص في ضلوعي
وأنظر سود أيامي فأنعي
وقد نضب الخيال وغاض طبعي
ومات على حياض اليأس زرعي
أجرجر وحدتي في كل حشد
وأحمل غربتي في كل جمع •••
مزقته فصار والله لا يقدر
حتى أن يسأل الله رفقا
لجة بعد لجة كلما صارع
ردت له أمانيه غرقى
فيلق بعد فيلق حجب الشمس
ولم يبق للنواظر أفقا
وسنان الغروب تغزوه حمرا
وسنان العذاب تطعن زرقا
وجيوش الظلام تزحف زحفا
وثقال الأقدام تسحق سحقا ...
المآب
خرج الشاعر من مصر مريضا، ورجع إليها مكسور الساق يحمل عكازتين، فلما أشرفت السفينة على بورسعيد استقبل الشاعر مصر بهذه الأبيات.
هتفت وقد بدت مصر لعيني
رفاقي! تلك مصر يا رفاقي
أتدفعني وقد هاضت جناحي
وتجذبني وقد شدت وثاقي
خرجت من الديار أجر همي
وعدت إلى الديار أجر ساقي
في الأوتوجراف
من ن إلى ه
طلبت الكتابة يا جنتي
وماذا تريدين أن أكتبا
وما في الجوانح خاف عليك
وقلبك يعلم ما غيبا
سأكتب أنك أنت الربيع
وأنك أنضر ما في الربى
وأنك أنت الجمال الفريد
وفجر الشباب وحلم الصبا
أهلل باسمك عند الصباح
وأطوي على ذكرك المغربا ...
شكوى الزمن
يا ويلتا من عمري الباقي
هذا سواد تحت أحداقي
هذا بياض الشيب واعجبي
من مغرب في زي إشراق!
ويلي على كأس معربدة
وعلى دم في الكأس مهراق
وعلى سراب خادع وعلى
متألق اللمحات براق
طاف الزمان به على نفر
مالوا بهامات وأعناق
صرعوا وأنت تظنهم سكروا
مات الندامى أيها الساقي
يا دهر لم أشك الكلال ولا
ملكت خطوب الدهر إرهاقي
عذبت أيامي بعفتها
وقتلتها بصفاء أخلاقي
يا كم غرست! وكم سقيت! وكم
نضرت من زهر وأوراق!
ما حيلتي والأرض مجدبة
سيان إقلالي وإغداقي
أين الذين رفعت فانحدروا
وبنيتهم بنيان خلاق
إن الوفاء بضاعة كسدت
ومآل صاحبها لإملاق
إن كنت لم أغنم فقد ظفروا
مني بمغفرتي وإشفاقي
لكنني والجرح يلهب لي
حسي ويكوي كي إحراق
هيهات أنسى أنهم عبثوا
ووفيت لم أعبث بميثاقي
كل الورى
كل الورى يدعون حبك
أنا الوحيد الذي أحبك
صدرك فيه اضطراب شوق
يقرع قرع العباب جنبك
فكيف تخلي به مكاني
وتسكن الغادرين قلبك؟!
لما اعتنقنا على اشتياق
لمست بالساعدين خطبك
تعال لا تعتذر لذنب
بقدر حبي غفرت ذنبك •••
طال على المتعب الطريق
بلا حبيب ولا صديق
قد بعد الشاطئ المرجى
والموج لا يرحم الغريق
في واضح النور جنح ليل
وفي الرحاب الفساح ضيق
يا أرجوان الغروب مهلا
ولتتئد أيها العقيق
صبغت عمري فصرت أمشي
على دمائي التي أريق •••
يا مسرحا والفصول تترى
عليه ما لي بك اغترار
فلا بخير ولا بشر
ولا طوال ولا قصار
ما خنت عهدي لمن تولى
كلا ولا خانني اصطبار
أين الليالي التي تسر
بلا لقاء ولا مزار
كم قلت ذا مشهد يمر!
ولم أقل إنه ستار •••
إن كان للمشجيات رسم
إني تمثالها المقام
بلا دموع ولا شكاة
قد جمد الدمع والكلام
يا طالب الحزن في المآقي
لا تنشد الدمع في الرخام
وخذه من أخرس مرير
من شفه دمعها سجام
فهل فم قد بكى بكائي
من ذا رأى دمعة ابتسام
صور شعرية
راقصة
عجبا لعارية كسا
ها الفن حسنا رائعا
سمراء وشتها بنا
نته بياضا ناصعا
شبه الفرائد قد كسي
ن في الغمام براقعا
خبأن نصفا في الدجى
وجلون نصفا لامعا
من أي وديان الظبا
ء ملاعبا ومراتعا؟
من عبقر، ومن الألمب،
ومن فنونهما معا
تبدين ريان الثدي
لنا وخصرا جائعا
وترين كونا يشبه ال
كون الرحيب الواسعا
متغاير الإبداع مخ
تلف المحاسن جامعا
لك خفة الطير المحل
ق طائرا أو واقعا
لك خفة البطل المج
لي مقبلا أو راجعا
متمهلا للخصم مت
ئدا،وحينا للقاء مسارعا
الصنم الجميل
يا قلبي الشاكي المعذب
هذه الشكوى لما
حان الفرار وآن للمسجون
أن يتنسما
حان الحساب وآن للموتور
أن يتكلما
يا طفلي النواح آن
اليوم أن تتعلما
أسفي لغالي الدمع تبذله
لمرتخص الدمى
أفنيته ورجعت حتى
من دموعك معدما
فإذا افتقدت الدمع عز
فتبكين تبسما
تبكي على العرش المصوغ
من المدامع والدما
تبكي على الصنم الجميل
يكاد أن يتهكما
تبكي تراب الأرض
مصبوغا بألوان السما
الليل في فنيسيا
يا رب ما أعجب هذي البلاد
لا ليل فيها! كل ليل صباح
وكل وجه في حماها ضماد
ومصر لا تنبت إلا الجراح
شكوك
يا رامي السهم يدري أين موضعه
مني ويعلم ما داريت من ألم
رميت في ساحة موسومة بدم
منقوشة بندوب الحب والندم
لا يخدعنك منها وهي صامتة
صمت القبور فراغ الموت والعدم
فكم شفاه جراحات إذا انطبقت
جرح الإباء عليها غير ملتئم!
فيم انتقامك من قلب عصفت به
لم يبق من موضع فيه لمنتقم
وفيم لذعة سخط من جوى برم
ترمي بجمرته في جوف مضطرم!
النسيان
حان الشفاء فودع الألما
واستقبل الأيام مبتسما
ضيف من السلوان حل بنا
حدب اليدين مبارك قدما
أو ما ترى الضيف الذي قدما
يطوي الغيوب ويذرع الظلما
في كفه كأس يقدمها
تمحو العذاب وتغسل الندما
فاشرب ولا ترحم ثمالتها
لهفي عليك شربت أي ظما
فيض من النسيان يغمرني
إني لأحمد سيله العرما
مستسلما للموج يغمرني
فرحان حين أعانق العدما
المساء
يا غلة المتلهف الصادي
يا آيتي وقصيدتي الكبرى
ماذا تركت لدي من زاد
إلا استعادة هذه الذكرى
يا للمساء العبقري وما
أبقى على الأيام في خلدي
شفتاك شفا لوعة وظما
وجمالك الجبار طوع يدي
نمشي وقد طال الطريق بنا
ونود لو نمشي إلى الأبد
ونود لو خلت الحياة لنا
كطريقنا وغدت بلا أحد
نبني على أنقاض ماضينا
قصرا من الأوهام عملاقا
ونظل ننسج من أمانينا
وشيا من الأحلام براقا
وأظل أسقيها وتملأ لي
من مورد خلف الظنون خفي
حتى إذا سكرت من الأمل
وترنحت مالت على كتفي
حلفت بأني مغتد معها
حيث اغتدت وهواي في دمها
فمسحت بالقبلات أدمعها
وطبعت ميثاقي على فمها
عذاب
ألمي محا ذنبي إليك وكفرا
هبني أسأت ألم يحن أن تغفرا؟
روحي ممزقة وأنت تركتها
لمخالب الدنيا وأنياب الورى
روحي ممزقة ولو أدركتها
جمعت من أشلائها ما بعثرا
أو ليس لي في ظل حبك موضع
أحبو إليه وأرتمي مستنصرا؟
ما كنت أصبر عن لقائك ساعة
كيف اصطباري عن لقائك أشهرا؟!
من بدل الثغر الجميل عبوسة
ومضى إلى وجه السماء فكدرا
يا هاته الأقدار! عينك لا ترى
تحت الدجى سأمان ممتنع الكرى
ظمآن، لو باع الأحبة قطرة
بالعمر والدنيا جميعا لاشترى
اخفي جراحك واستعز بفتكها
غريدك الشادي المحلق في الذرى
يرنو إليك على البعاد ويعتلي
فيجره الجرح المميت إلى الثرى
قد عاش وهو معذب بإبائه
ولقد يلاقي يومه مستكبرا
حتام كتماني وطول تجلدي
يا أيها الجاني علي وما درى؟!
ومتى المآب إلى رحابك مرة
لأريك جرحي والدما والخنجرا؟
ملحمة السراب
السراب في الصحراء
السراب الخؤون والصحراء
والحيارى المشردون الظماء
وليال في إثرهن ليال
سنة أقفرت وأخرى خلاء
قل زادي بها وشح الماء
وتولى الرفاق والخلصاء
كيف للنازح الحبيب ارتحالي
وجناحاي السقم والبرحاء
وجراحي المستنزفات الدوامي
وخطاي المقيدات البطاء؟!
أدركي زورقي فقد عبث اليم
به والعواصف الهوجاء
والعباب العريض والأفق المو
حش واللانهاية الخرساء
أفق لا يحد للعين قد ضاق
فأمسى والسجن هذا الفضاء
سهرت ترقب الصباح وعين ال
نجم كلت وما بها إغفاء
عجبي من ترقبي ما الذي أرجو
ولما يعد لقلبي رجاء؟!
وأنا مرهف المسامع فيه
لي إلى كل طارق إصغاء ... •••
التقينا كما التقى بعد تطواف
على القفر في السرى إنضاء
قطعوا شوطهم على الدم والشو
ك وراحوا على اللهيب وجاءوا
في ذراعي أو ذراعيك أمن
وسلام ورحمة ونجاء
وعلى صدرك المعذب أو صد
ري حصن وعصمة واحتماء
كم أناديك في التنائي فترتد
بلا مغنم لي الأصداء!
وأناديك في دمائي فتنسا
ب على حسرة لدي الدماء
وأناديك في التداني وما أطمع
إلا أن يستجاب النداء
باسمك العذب أنه أجمل الأس
ماء مهما تعددت أسماء
لفظة لا تبين تنطلق الأقدار
عن قوسها ويرمي القضاء •••
وهي بين الشفاه ناي وتغري
د وطير وروضة غناء
وهي في الطرس قصة تذكر الأح
باب فيها وتحشد الأنباء
صدفة ثم وقفة فاتفاق
فاشتياق فموعد فلقاء
فقليل من السعادة لا يكمل
فيه ولا يطول الهناء
فحنين فلوعة فاحتراق
فجحيم وقوده الشهداء
ما بقائي وأجمل العمر ولى
وانتظاري حتى يحين الشتاء
يطلع الفجر مرهقا شاحب النو
ر عليه الكلال والإعياء
وبنفسي دب المساء وحل الليل
من قبل أن يحين المساء •••
زرتني كالربيع في موكب الزه
ر له روعة وفيه رواء
ولك الوجه أومض الحسن فيه
والتقى السحر عنده والذكاء
وشحوب كظل خمر وللند
مان تجلو شحوبها الصهباء
ولك الجيد أتلعا أودع الصانع
فيه من قدرة ما يشاء
قد من مرمر وشعشعه الفج
ر بورد وصب فيه الضياء
وأنا الطائر الذي تصطبي نفسي
السماوات والذرى الشماء
راشني صائد رماني فأدما
ني وولى الجاني وعاش الداء
مرحبا بالهوى الكبير، فإن يبق
وإن تسلمي يطب لي البقاء
فهو القمة التي تهزم المو
ت ولا يرتقي إليها الفناء
مر يومي كأمسه مسرحا تعرض
فيه الحياة والأحياء
آدم كالقديم قلبا وتفكي
را ولكن تبدل الأزياء
لم يحل طبعه ولا ذات يوم
لبست غير نفسها حواء
والنضار المعبود قدس وقربا
ن ورب والشهرة الجوفاء
والحطام الفاني عليه اقتتال
والأماني بريقها إغراء
وسفين تمر إثر سفين
والرياح للذات والأهواء
والغيوب المحجبات رحاب
تعبت في رموزها الحكماء
عندها المرفأ المؤمل والشط
المرجى والصخرة الصماء ...
مر يومي كأمسه وأتى ليل
بهيج تزف فيه السماء
قد جلت فيه عرسها، كل نجم
قدح يستحم فيه الضياء
لم تزل تسكب السلاف وللأق
داح فيها تجدد وامتلاء
لم تزل حتى هوم الحان نعسا
ن وأغفى البساط والندماء
غير نجم في جانب الليل يقظان،
له روعة بها وجلاء
ذاك نجم الحبيب مني له الشو
ق ومنه الوميض والإيماء
كم أغنيه بالحنين كما غنت
على فرع غصنها الورقاء!
وذراعي في انتظار، وصدري
فيه بالضيف فرحة واحتفاء
موقدا للغريب نار ضلوعي
فعسى للغريب فيها اهتداء ... •••
لم خليتني وباعدت مسرا
ك ومالي إلى ذراك ارتقاء
بالذي فيك من سنا لا تدعني
فيم هذا المطال والإبطاء
ما تراني وقد ذهبت بحظي
اخطأتني من بعدك النعماء
وانتهى بعدك الجميل فلا فضل
لمسد ولا يد بيضاء
ومشى الحسن في ركابك والإح
سان طرا والغرة السمحاء
حسنات كانت يد الدهر عندي
فانطوت بانطوائك الآلاء
السراب على البحر
لا القوم راحوا بأخبار ولا جاءوا
ولا لقلبك عن ليلاك أنباء،
جفا الربيع ليالينا وغادرها
وأقفر الروض لا ظل ولا ماء
يا شافي الداء قد أودى بي الداء
أما لذا الظمأ القتال إرواء
ولا لطائر قلب أن يقر ولا
لمركب فزع في الشط إرساء!
عندي سماء شتاء غير ممطرة
سوداء في جنبات النفس جرداء
خرساء آونة هوجاء آونة
وليس تخدع ظني وهي خرساء
وكيف تخدعني البيداء غافية
وللسواقي على البيداء إغفاء
أأنت ناديت أم صوت يخيل لي؟
فلي إليك بإذن الوهم إصغاء
لبيك لو عند روحي ما تطير به
وكيف ينهض بالمجروح إعياء •••
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا
لهم به صخب عال وضوضاء
وآخرون كسالى في أماكنهم
كأنهم في رمال الشط أنضاء
هم الورى قبل إفساد الزمان لهم
وقبل أن تتحدى الحب بغضاء
ضاقت نفوس بأحقاد ولو سلمت
فإنها كسماء البحر روحاء ...
تألقت شمس ذاك اليوم واضطرمت
كأنها شعل في الأفق حمراء
طابت من الظل، ظل القلب ناحية
لنا، وقد صليت بالحر أنحاء
ما لي بهم، أنت لي الدنيا بأجمعها
وما وعت ولقلبي منك إغناء
لو أنه أبد ما زاد عن سنة
ومدة الحلم بالجفنين إغفاء
أرنو إليك وبي خوف يساورني
وأنثني ولطرفي عنك إغضاء
إذا نطقت فما بالقول منتفع
وإن سكت فإن الصمت إفشاء
وأيما لفظة فالريح ناقلة
والشط حاك لها والأفق أصداء
يا ليل من علم الأطيار قصتنا
وكيف تدري الصبا أنا أحباء؟
لما أفقنا رأينا الشمس مائلة
إلى المغيب، وما للبين إرجاء
شابت ذوائب، وانحلت غدائرها
شهباء في ساعة التوديع صفراء
مشى لها شفق دام فخضبها
كأنه في ذيول الشعر حناء •••
يا من تنفس حر الوجد في عنقي
كما تنفس في الأقداح صهباء
ومن تنفست حر الوجد في فمه
فما ارتويت، وهذا الري إظماء
ما أنت عن خاطري بالبعد مبتعد
ولن تواريك عن عيني ظلماء
السراب في السجن
يا سجين الحياة أين الفرار
أوصد الليل بابه والنهار
فلمن لفتة وفيم ارتقاب
ليس بعد الذي انتظرت انتظار
والتعلات من هوى وشباب
قصة مسدل عليها الستار
ما الذي يبتغي العليل المسجى
قد تولى العواد والسمار
طال ليل الغريب وامتنع الغم
ض وفي المضجع الغضا والنار •••
وهب السجن بابه صار حرا
لك لا حائل ولا أسوار
وعفا القيد عنك كفا وساقا
فإذا الأرض كلها لك دار
أين أين الرحيل والتسيار؟
بعدت شقة وشط مزار
والخطى المثقلات باليأس أغلا
ل لساقيك والمشيب عثار
ما انتفاع الفتى إذا عفت الجن
نة واجتاح دوحها الإعصار
عشت حتى أرى خمائل حبي
تتهاوي كشامخ ينهار
تحت عيني ويذبل الحسن فيها
ويموت الربيع والأنوار
ما انتفاع الفتى بموحش عيش
بقيت كأسه وطاح العقار
وبقاء البساط بعد الندامى
كأس سم بها يدور البوار
ما انتفاعي وتلك قافلة العي
ش وفي ركبها اللظى والدمار
الدمار الرهيب والعدم الشا
مل واللفح والضنى والأوار
يا ديار الحبيب هل كان حلما
ملتقى دون موعد يا ديار؟
يا عزيز الجنى عليك سلام
كيف جادت بقربك الأقدار
بورك الكرم والقطوف وأوقا
ت كأن العناق فيها اعتصار
كلما أطلقتك كفي استردت
ك كما يحفز الغريم الثار
آمال كاذبة
لا البرء زار ولا خيالك عادا
ما أكذب الآمال والميعادا
عجبا لحبك يا بخيلة كيف يخ
لق من جوانح عابد حسادا
إني لأهتف حين أفترش المدى
وأرى الجحيم لجانبي مهادا
آها على الرأس الجميل سلا وأغ
فى مطمئنا لا يحس سهادا
فرشت له الأحلام واحتفل الهدو
ء يد ومد له الجمال وسادا
يا حبها، ما أنت؟ ما هذا الذي
جمع الغريب وألف الأضدادا؟
كم أشرئب إلى سماك بناظري
مستلهما بك قوة وعمادا!
ولكم أبيت على السآمة طاويا
في خاطري شبحا لها عوادا!
فأراك تعبث بي كطفل في السما
ء يصرف الأقدار كيف أرادا
ولقد أقول هوى كما بدأ انتهى
فإذا الهوى وافى النهاية عادا
مات الرجاء مع المساء وإنما
كان الممات لحبنا ميلادا
ماذا صنعت بناظر لا ينثني
متطلعا متلفتا مرتادا
وأنا غريب في الزحام كأنني
آمال أجفان حرمن رقادا
ولقد ترى عيني الجموع فما ترى
دنيا تموج ولا تحس عبادا
فإذا رأيتك كنت أنت الناس وال
أعمار والآباد والآمادا
وأراك كل الزهر كل الروض أن
ت لدي كل خميلة تتهادى
البعث
يا جمالا وجلالا يتدفق
رجع البلبل أم عاد الربيع
بهر النور عيوني فترفق
حين تدنو إنني لا أستطيع •••
أيها الورد الذي طاف بنا
أيها الطل الذي بل الظما
لا أراك الله حالي وأنا
أطأ الشوك ويغزوني الغما •••
يا أماني وحبي وخيالي
لا تضيع لحظة فالعمر ضاع
لا أراك الله حالي والليالي
كاسفات ليس فيهن شعاع •••
قد بلوت الويل فيها لا بلوتا
وانا أبدأ يومي بالمساء
وعرفت الضيق ضيق القلب حتى
لم أجد في الكون ثقبا من رجاء •••
لا وربي ليس في الدنيا ختام
حين يغدو البعث نجوى من حبيب
حين يستيقظ قلب من منام
والمنادي أنت والحب المجيب
المنصورة
بأي معجزة في الحب نتفق
يا قلب لا يتلاقى الفجر والغسق
يا قلب، إنا لقينا اليوم معجزة
تكاد في ظلمات الليل تأتلق
ظللت أسأل نفسي كيف تعشقها
بقية من بقايا العمر تحترق؟
وافيتها وفلول النور دامية
تطفو وترسب أو تعلو فتعتلق
لم أدر حين تبدت لي إذا شفقي
أبصرته أو على المنصورة الشفق؟
يا من منحت الأماني البيض معذرة
إني بهذي الأماني البيض أختنق
أين الهدوء المرجى في جوانبها
إني رجعت وليلي كله أرق
أقبلت أنشد أمنا في هواك بها
فلم أنل وتولى قلبي الفرق
لا بالقلوب ولا الأرواح يا أملي
أنا بشيء وراء الروح نعتنق
ويحي على كفك البيضاء إذ بسطت
عند السلام، وويحي حين تنطبق
هل يسمع النيل إذ سرنا بجانبه
والموج مجتمع فيه ومفترق؟
صوتا تماوج في روحي فجاوبه
من جانب القلب موج راح يصطفق
تظل تنهب أذني من أطايبه
كأنها من خفايا الغيب تسترق
يا جنة من جنان الله أعبدها
لن تبعدي ولدي السحر والعبق
وقفة على دار
قف يا فؤاد على المنازل ساعا
فهنا الشباب على الأحبة ضاعا
وهنا أذل إباءه متكبر
أمرت عيون قلبه فأطاعا
أحسست بالداء القديم وعادني
جرح أبيت لعهده إرجاعا
ومشى مع الأمل الذهول كأنما
طارت بلبي الحادثات شعاعا
كثرت علي متاعبي فمحونني
ومحون حتى السقم والأوجاعا
يا من هجرت لقد هجرت إلى مدى
فإلى اللقاء، ولن أقول وداعا
الراهبة الباكية
لمن العيون الغائرات خشوعا
لمن النواظر قد صفت ينبوعا
وتكللت بالطهر مؤتلق السنا
وجلت لنا معنى الجمال رفيعا
مهلا فتاة الدير والحسن الذي
تصبو له مهج العباد جميعا
الحسن من حق الورى وحملته
مستخفيا متأبيا ممنوعا!
في الدير مثواه، وفي جنح الدجى
يتحدر الحسن الشهيد دموعا
يا مؤنس الدنيا فديتك موحشا
تهتاج وجدا أو تضيق ضلوعا
تتحرق الدنيا عليك وربما
أوقدت نفسك في الظلام شموعا
من ن إلى ع
يا شطر نفسي وغرامي الوحيد
ما شئت يا ليلاي لا ما أريد
يا من رأت حزني العميق البعيد
داويت لي جرحي بجرح جديد •••
هتكت عن روحي خفي النقاب
فلم يزل يا ليل هذا الحجاب
حتى مشت كفاك فوق العذاب
يا ليل إني لشقي سعيد •••
عمري سراب في بقايا سراب
وكل أيامي المواضي اغتراب
فاليوم يا ليلاي طاب المآب
في ظلك الرحب الجميل المديد •••
فليذهب الماضي البعيد السحيق
فيه صريع للبلى لا يفيق
في جدث يزداد ضيقا وضيق
في كفن ضم الشباب الشهيد! •••
ويوم لقياك على سلم
في جانب مكتئب مظلم
يا عذبة العينين والمبسم
وغضة الحسن الشهي الفريد! •••
في لحظة يقفز فيها دمي
وتعقد الدهشة فيها فمي
من أي كون جئت لم أعلم
يا نفحة من نفحات الخلود •••
هيا! أجل! هيا إلى أينا؟
لحيث نحكي حلم روحينا
لحيث نروي سر قلبينا
فإن فرغنا من حديث نعيد! •••
أي مكان بهوانا يضيق؟
فامض بنا، إن زحام الطريق
في ظل حبينا رحيب طليق
وكل ركن طيب في الوجود •••
من أنت؟ لا أدري، ولا من أنا
فيا إله الحب ماذا اسمنا
إنا حبيبان وذا حبنا
إنا وليدان، وهذا وليد •••
ومجلس قد ضمنا في الزحام
رف على قلبين فيه السلام
ترمقنا فيه ظنون الأنام
ولا تخلينا عيون الحسود! •••
وحين ودعت خلال الجموع
مشى على إثرك قلبي الوجيع
مشى به الحب، وكيف الرجوع؟!
وفي ضميري هاتف: هل تعود؟!!
رثاء الهمشري
الشاعر النابغ الذي انطفأ نجمه في نضارة الشباب
لا تجزعوا للشاعر الملهم
ما مات لكن صار في الأنجم
ما كان إلا زائرا عابرا
لأي سر جاء لم نعلم
والآن قد رد إلى سربه
في قدس ذاك الفلك الأعظم
الآن قد رد إلى ربه
فتى إلى الخلد مشوق ظمي
الآن قد أصبح في قربه
فتى لآفاق السما ينتمي
كان فراشا حائرا في الدنى
في نورها أو نارها يرتمي
فإن نجا من نارها مرة
فمن لهيب النفس لم يسلم •••
لا تجزعوا للشاعر الملهم
بنضرة الأيام لم ينعم
مر بهذا الكون في لحظة
طالت كعمر الأبد الأعظم
أي جلال فاته وصفه
وأي حسن فيه لم يرسم
فإن يكن رد إلى حضنه
فعودة المغرم للمغرم
ورجعة القلب إلى صدره
بالعطف في إحنائه يرتمي
لا تجزعوا للشاعر الملهم
والله ما نام مع النوم
ولم ينل منه أكول البلى
وإنما غاب إلى موسم
الدكتور عبد الواحد الوكيل (وزير الصحة)
هي صفحة طويت وحان ختام
آسي الأساة على ثراك سلام
لهفي عليك تسلمتك يد البلى
وانفض عنك إلى النشور زحام
الحفل منتظم تكامل عقده
أين العشي خيالك البسام؟
يتلفتون به كأنك عائد
هيهات في ريب المنون كلام
لا صحو من سنة المنون وإنما
سهر الخلود عليك حيث تنام
يا أيها الآسي العزيز بمضجع
ناء له الإكبار والإعظام
أنت الطبيب وقد بلوت حياته
ومجالها الأوجاع والأسقام
جلت الحياة له حقيقتها فما
في ظلها لبس ولا أوهام
وله مع القدر الرهيب وقائع
وله مع الموت الملم صدام
ووراء ذلك قوة أزلية
خرساء عنها ما أميط لثام
أي الأساة هو المدل بفنه
سبحان من تحنى لديه الهام!
بلد على بلد كأنك ضارب
في الأرض ما يدري لديه مقام
فرجعت من حمى الحياة لمثلها
حمى تهد الصرح وهو مقام
سفر على سفر فهذي رقدة
شفي الغليل بها وطاب أوام
يلقي الغريب على جوانبه العصا
وتقر فيها أعين وعظام
رقد الصغير إلى الكبير مجاورا
وتعانق الأحباب والأخصام
هجعوا إلى يوم النشور وهكذا
هجعت هنالك إلفة وخصام
رثاء الشاعر محمد الهراوي
ألقيت في حفلة تأبينه
ها هنا حفل وذكرى ووفاء
لبنا أنت ملبي الأصدقاء
يا لها من غربة مضنية
ليس تنجاب وأيام بطاء
ذهب الموت بأغلى صاحب
وثوى في الترب أوفى الأوفياء
لست أنساك وقد أقبلت لي
تشتكي غدر صديق قد أساء
آه من جرح ومن قلب على
ألم الجرح انطوى مر الأباء
كلما آلمك الجرح فأحسس
ت به لطفته بالكبرياء
أيها الشاكي من الدهر استرح
كلنا يا أيها الشاكي سواء
الجراحات التي عانيتها
لم تدع أرواحنا إلا ذماء
برم العيش بها لم يشفها
وتولى الدهر سأمان وجاء
أذن الموت لها فالتأمت
وشفاها بعدما استعصى الشفاء
لست أرثيك أيرثى خالد
في رحاب الخلد موفور الجزاء؟!
كيف أرثيك؟! أيرثى فاضل
عاش بالخيرات موصول الدعاء؟!
إنما الدنيا هي الخير على
قلة الخير وقحط العظماء
إنما الدنيا فتى عاش لكم
باذلا من قوته حتى الفناء
فإذا مات فقد عاش بكم
فهو بالذكرى جدير بالبقاء
ذلك الشاعر قد واساكم
وبكى آلامكم كل البكاء
ذلك الشاعر قد غناكم
صادحا في أيككم بشرى الهناء
وأولو الشعر المصابيح التي
حطمتهن رياح الصحراء
خلدت أنوارهم رغم البلى
وبها المدلج في الليل استضاء
سوف يفنى القول إلا قولهم
ويموت الناس إلا الشعراء
عد إلينا نسمة حائرة
ذات نجوى وحنين وولاء
ثم حلق بجناحين إلى
عالم نحن له جد ظماء
طر مطار النسم واترك قدما
ثقلت بالشوك في أرض الشقاء
تكريم السيد إبراهيم عبد الهادي (وزير الصحة)
خذ من طبيب الحي رأي النادي
واسمع إلى غريد هذا الوادي
إني عن الفئتين قمت وإنه
شرف بلغت به أجل مراد
أنا لا أوفي اليوم حقك وحده
لكن أؤدي فيك حق بلادي
يا عائدا تحدو السلامة ركبه
بوركت في الغياب والعواد
مصر التي بك في اشتداد كروبها
عرفت فتى الفتيان يوم جهاد
رفت عليك قلوبها وتطلعت
وهفت إليك منابر الأعواد
أي المحامد فيك لم ترفع به
رأسا ولم تتحد كل معادي؟!
وطنية ملء الفؤاد وهمة
علوية من حكمة وسداد
فلو ان أعواد المنابر قد مشت
لمشت لإبراهيم عبد الهادي
أنا ما التفت إليك إلا عادني
طيف يراوح خاطري ويغادي
طيف من الماضي الكريم وصفحة (أخذت لها عهدا على الآباد)
إني به مترنم وبكل ما از
دانت به تلك الصحيفة شادي
أيام يجمعنا الشباب وكلنا
بالروح والدم والجوارح فادي
السجن مثل الأسر مثل النفي مث
ل القتل، تلك قضية استشهاد
تكريم الدكتور علي إبراهيم
في يوبيله الفضي
إليك أزف في اليوم الجليل
تحيات الزميل إلى الزميل
تحيات يرف عليك منها
ندى الأسحار في ظل الخميل
سلاما للإمام علي جئنا
إليه بالعشير وبالقبيل
نبايع منه فنا عبقريا
وعقلا في العقول بلا مثيل
تلفت يا علي تجد وفاء
وما احتاج الوفاء إلى دليل
أقول لحاسب الستين مهلا
وقعت على الحساب المستحيل
إذا أحصيت للأجسام عمرا
فكيف تعد أعمار العقول
ولو أن الألى أنقذت جاءوا
يؤدون القديم من الجميل
ولو أن الألى علمت جاءوا
يؤدون القليل من القليل
ولو منحوك عمرهم جميعا
وما هو بالكثير ولا الجزيل
إذن لرأيت عمرك عمر نجم
له في اللانهاية ألف جيل
بربك كم وصلت حياة قوم!
وكم حاربت من داء وبيل!
وكم أنقذت من أسر المنايا!
وكم نضو شفيت! وكم عليل!
إذا ما الموت أبدى ناجذيه
إذا انطفأت عيون في الذبول
إذا غامت محاجرها ظماء
كما غامت نجوم في الأفول
فما هو غير أن أقبلت حتى
تبدل كل أمر مستحيل
كأنك لمع برق في الأعالي
يحيي مقدم الغيث الهطول
كأنك واحة في القفر لاحت
رأتها أعين الركب الكليل
كأنك جنة في البيد تندى
بعذب الماء والظل الظليل
ولو أيامك العصماء جاءت
بكل أغر مزدان حفيل
إذن لطلعن في الظلمات بيضا
من الغرر اللوامع والحجول
ولو أن المآثر ذات قول
لقلت تكلمي وصفي وقولي
أضفها فهي أعمار أضيفت
وما تدري لماضيك النبيل
تعال أذع لنا سر الفحول
ودع صمت الحيي أو الخجول
سلالة عبقر وعشير جن
بعدتم في الحياة عن الشكول
فما للشيب من باب إليكم
ولا للضعف يوما من سبيل
لقد جهل الألى حسبوك شيخا
فلا تقبل حسابا من جهول
أعيذ صباك كيف يكون شيخا
شعاع سلافة وسنا شمول؟!
وما ظفروا بأثبت منك عودا
ولا أقوى وأصلب في الحمول
ولا ظفروا بأصفى منك روحا
كأن مزاجها من سلسبيل
أرى سحر الشباب عليك غضا
وقاك الله أنفاس الأصيل
تعالى الله كم من معجزات
معلقة بإصبعك النحيل!
محيل القسوة الكبرى حنانا
ورافعها إلى فن جميل
معارك من دم أم ساح حرب
أسنتها منغمة الصليل
يسير المبضع الجبار فيها
بكفك سير مطواع ذليل
معارك كم كسبت بها حياة
وما لك في المواقع من قتيل!
تقسمك الورى قوما فقوما
وما لك بالورى ضجر الملول
تقضي في مسائك ألف أمر
وتقطع في نهارك ألف ميل
وإما سرت عن حفل قصير
فعن وعد بمؤتمر طويل
وأنت أب لذا وأخ لهذا
ومنك لمن رجاك يدا خليل •••
نبي الطب أدركنا إذا ما
تطلعت العيون إلى رسول
فكم في مصر أجسام مراض
بأرواح كأشباح الطلول!
فيا أسفا إذا تركت فظلت
فرائس للدعي وللدخيل
علي لقد ملكت عصاة موسى
فقم واضرب بها أفعى الخمول
أقول لأعين الطب الحيارى
وقعت من الفخار على سليل
أبا حسن سلمت على الليالي
وعش متعت بالعمر الطويل
المرحوم أنطون الجميل
رئيس تحرير الأهرام
1
كيف أنسى زمنا كنت به
من أخ أغلى وأسمى من أب
ضقت ذرعا بزماني وكذا
ضاقت الأيام والآلام بي
رائحا في لجة طاغية
غاديا في عاصف مضطرب
قد تغشاني ظلام لا أرى
فيه مغداي ولا منقلبي
صامدا للظلم والظلم له
معول يهدمني عن كثب
وأنا أدفعه عن منكبي
بيدي حتى تهاوى منكبي
وتماسكت فلم يبق سوى
كبرياء هي درع للأبي
هتفت بي النفس فلنمض إلى
ذلك الورد الكريم الطيب
إن «أنطون» وما أعظمه!
طاهر القلب نبيل المشرب
كأس ود لم ترنق أبدا
وصفت كالذهب المنسكب
ونداماه على طول المدى
رفقة حفوا به كالحبب •••
مكتب لا بل بساط عامر
بالمعالي يا له من مكتب
مكتب قد صيغ من عالي
المساعي ونبيل الدأب
مكتب يزهي بحر ماجد
ثابت الرأي سني المأرب
صائد الدر تراه غارقا في
صحف أو غائصا في كتب
مصغيا في حكمة، أو مطرقا
في وقار سامعا في أدب
فإذا أدلى برأي تلقه
راح يدلي بالعجيب المطرب
مستفيضا ببيان جامع
سحر «هوجو» وجلال العرب
ذاك «أنطون» وما أروعه!
صفحة لا تنتهي من عجب
قطرات حسبت من عرق
وهي لو حققتها من ذهب
أسعد الأيام يوم ضمني
بك في دار كأفق الشهب
كرمت من شرف وارتفعت
بالعلا، وازينت بالحسب
لدسوقي وما أنسى له
إنه مثلك في الفضل أبي
كيف أنسى فضله وهو الذي
ذاد عني عاديات الحقب
أنتما للمجد ذخر فابقيا
للمعالي، واسلما للأدب
عبد الحميد عبد الحق (1)
في حفلة تكريمه بدار الأوبرا
أنت فوق التكريم فوق الثناء
جل ما قد أسديت عن إطراء
يا عظيم الشؤون جلت شؤون
أنت منها في الذروة الشماء
يا عظيم الأوقاف جلت أمور
عرفتنا مواقف العظماء
لم نكرمك للوزارة والمن
صب والمجد والسنا والرواء
نحن قوم نهيم بالرجل الكا
مل يمضي للأمر دون التواء
الرحيب الصدر، القوي على الخط
ب السريع الهدم السريع البناء
قد رأيناك كالمنار المعلى
مثلا للقوي في الأقوياء
ورأيناك في الرجال فريدا
فاقتفينا خطاك أي اقتفاء
وحببناك ما بنا من نفاق
لا ولا في قلوبنا من رياء •••
إي وربي لأنت من صور الما
ضي ومجد الجدود والآباء
وجلال الصعيد والملك في الوا
دي عزيز البنود ضافي اللواء
قد ينام التراث جيلا فجيلا
غافيا في مجاهل خرساء
وتنام الروح العريقة في المج
د لتبدو في طلعة سمراء
فتراها مصرية السمت والقو
وة والعزم والحجى والمضاء
قسما قد غفا الجلال ليصحو
من جديد في وجهك الوضاء
أيها الكوكب الدؤوب على الده
ر بلا فترة ولا إبطاء
تصنع الخير واضحا شبه نجم
ساكب نوره بعرض الفضاء
وتؤديه خافيا مثل نجم
مستر خاف خلال السماء
غير أن النفوس تعلم مسرا
ه وإن كان ممعنا في الخفاء
وعظيم الفعال يجمل بالإف
صاح عنه كالسيف غب الجلاء
ما جمال الربيع في الروض إن لم
يشد طير في الروضة الغناء؟
ما جمال السماء والبدر إن لم
يشد سار في الليلة القمراء؟
واضياع النبوغ في مصر إن لم
تتحدث منابر الخطباء
واضياع النبوغ في مصر إن لم
يك تخليده على الشعراء
طاقة الشعر طاقة الورد معنى
جل قصدا وقل في الاهداء
لست تجزي به أقل الجزاء
فتقبله آية من وفاء •••
كيف ننساك والعفاة على با
بك حشد يموج بالبأساء
الشريد الطريد والعامل المر
هق يشقى من صبحه للمساء
وبيوت هي العريقة في الأم
جاد صارت عريقة في الشقاء
لم تطق أن ترى دموع اليتامى
تترامى على أكف السخاء
والأيامى كالكأس بعد الندامى
ذكرت حظها من الصهباء
وقف الدهر دونهم كل باب
طرقوا صم عن ذليل النداء
غير باب من المروءات سمح
لك ما رد مرة عن نداء
انظر الحفل داويا بالدعاء
وانظر البحر زاخرا بالنداء
أنت ورد النبوغ جادت به الدن
يا لقوم إلى المعالي ظماء
كلما أطلعت لهم عبقريا
جعلوا منه معقدا للرجاء
حمدوا فيك يومهم واطمأنوا
مشرئبين للغد المترائي
كيف ننساك في المحاماة حرا
طاهرا ذيله عفيف الرداء؟!
وقف المجلس المحير يوما
مرهف المسمعين بالإصغاء
إذ يرى فيك نائبا وخطيبا
دامغا بالحقيقة البيضاء
مفعما مقحما قويا جريئا
ماحقا للخصوم والأعداء
عبد الحميد عبد الحق (2)
في وزارة الأوقاف
قل لوزير الحق وهو الذي
قد استقامت في حجاه الأمور
خذ من مقالي ذمة إنني
عنهم إلى ساح المعالي سفير
يا جاعل الأوقاف في عهده
مدينة والقفر فيها قصور
ونابشا فيها الكنوز التي
مرت عليها بالعفاء العصور
نبشت فيها عبقرياتها
منقبا عن كل قدر خطير
فكل ما قيل وما لم يقل
عن فضلك الجم الغفير الوفير
مما جرى في شفة عاجزا
وما توارى في حنايا الصدور
من حق عبد الحق في عدله
له - وإن يأبى - إليه المسير
تحية للأصل مردودة
وباقة قد قدمت للوزير
سبحان ربي قد رأينا الدجى
يجلوه في عهدك صبح منير
ماشيت هذا العصر في سيره
والعصر يعلو بجناح النسور
ما زلت بالأوقاف حتى رأت
محطم القيد وقادي الأسير
كم عيروها بسلحفاتها!
فلينظروها بجناح تطير
يا نابشا فيها كنوز الحجى
من كل وهاج قليل النظير ...
من ذهب الدار وآياتها
فتى كبير القلب صافي الضمير
له معاني البحر في هدأة
وفيه روح كانسياب الغدير
خذ من سجاياه ومن علمه
ما يهب الورد وتطوي البحور
عبد الحميد عبد الحق (3)
في وزارة الأوقاف
عش مديدا وجدد
واعل والمع كفرقد
لو رأى الحق عبده
وهو بالحق يهتدي
وعلى الحق رائحا
وعلى الحق يغتدي
بسط التاج باليد
قائلا قم تقلد
قم تقلد تقلد
يا أميري وسيدي
وبإيمان ركع
وتسابيح سجد
بايع الحق عبده
والبرايا بمشهد •••
انظر الساح داويا
بالنداء المردد
انظر البحر زاخرا
بالشباب المجند
حمدوا فيك يومهم
مشرئبين للغد
عش مديدا لتبتني
كل صرح ممرد
فلك الرأي قاطعا
ما به من تردد
يهدأ السيف في القرا
ب ويثوي بمرقد
ولك السيف ساهرا
يقظا غير مغمد •••
خذ بيانا نظمته
شبه عقد منضد
ما به من تزلف
جل شعري ومقصدي
خالد أنت بالعلى
والفعال المسدد
فتقبل على المدى
كل شعر مخلد
الشاعر عزيز أباظة
في حفلة تكريمه بمنزل الوزير الأديب دسوقي أباظة
غيث على القفر حيانا وأحيانا
يا شاعر الجيل كان الجيل ظمآنا
كنا نعيش من الدنيا على عدة
نبني من الأمل الموعود دنيانا
فالآن قد حققت ما كان منتظرا
منها وإن لمعت بالوعد أحيانا
جاءت بأروع من هز البيان ومن
أعاد مجد القوافي مثل ما كانا
ريحانة النيل هزت نفسها طربا
وقدمت لأمير الشعر ريحانا
ماذا نقول ونبدي بعدما سبقت
لك الشهادة من تكريم مولانا
أقمت من عبقري الشعر برهانا
وقبلها كنت للأخلاق عنوانا
بآيتين: وفاء للتي ذهبت
وأنت من حفظ الذكرى ومن صانا
إن التي نضرت عيشا نعمت به
وصيرت بيتك المعمور بستانا
لو لحظة نحو ذياك الضريح رنت
عيناك، تلق الهوى لم يختلف شانا
وآية من وفاء للألى سحبت
عليهمو حادثات الدهر نسيانا
عهد الرشيد وعهد المجد في زمن
به توطد ملك العرب سلطانا
وعهد بغداد حيث العيش مؤتلق
يهفو خمائل أو يهتز أفنانا
جلوته وهو فتاك بجعفره
والسيف يقطر بغضاء وعدوانا
يا للطلاء الذي يكسو النفوس لكم
كسا النفوس من التزييف ألوانا
تلك الطبيعة لا شيء يغيرها
ينام فيها خيال الفتك وسنانا
الحرص يوقظه والمجد يوقظه
والويل إن وثب الوسنان يقظانا •••
جوزيت عن لغة الفصحى وأمتها
عمرا مديدا وتكريما وإحسانا
أغنية أنت
أنت إن تؤمني بحبي كفاني
لا غرامي ولا جمالك فاني
أجدب الهجر خاطري وخيالي
وأجف النوى دمي ولساني
فتعالي روي الظما في عيوني
وا جنوني لقطرة من حنان
طال والله في تنائيك ذلي
ووقوفي على ديار الهوان
أي روح أحسه أي سر
في جناحيك كلما ظللاني!
أي روح أحسه أي سحر
سكبت في هاته العينان!
لكأن الرميم ما تبعثان
وكأن النشور ما تسكبان
وكأني محلق في سماء
ومطل منها على الأكوان
مستعز بما منحت قوي
أجمع الكون كله في عنان
الإبراهيميات
لصاحب المعالي دسوقي أباظة فضل على الأدب والأدباء، فهو أبو النهضة الأدبية الحاضرة ما في ذلك من منازع، هذا فوق فضله على ناظم هذا الديوان، الذي يجد أنه في الأبيات القليلة التالية لا يعبر إلا عن جزء ضئيل مما يعتلج في خاطره من الشكر والمحبة وعرفان الجميل.
في حفلة تكريمه في دار الأوبرا
منى نلتها كانت لأنفسنا منى
تلفت تجد مصرا بأجمعها هنا
وما بعجيب موطن البدر في العلى
وما بجديد أن يرى الأفق مسكنا
ولكن قلب الحر تعروه نشوة
فيثني على الآلاء وضاحة السنا
إذا أخذ البدر المنير مكانه
وملك آفاق السما وتمكنا
إذا الملك المحبوب قدر سيدا
وعن رأيه في الفضل والنبل أعلنا
فعن ثقة ممن يحب ويحتبي
وإيمان قلب بات بالحق مؤمنا
سلاما مليك النيل أنت ربيعه
وأنت مغنيه وفي ذاتك الغنى
فذلك تكريم الربيع لروضة
جلاها الأباظيون وارفة الجنى
أجل! روضة صارت لكل عظيمة
وللفضل والآداب والعلم موطنا
وميدان سباقين للمجد والعلى
إذا اشتجرت أخرى الميادين بالقنا
من الأدب العالي إذا راح سيد
غدا آخر نحو اللواء فما ونى •••
عصي القوافي سار نحوك مسرعا
ولباك من أقصى الفؤاد وأذعنا
وأنت الذي فك القيود جميعها
عن الشعر تأبى أن يهان فيسجنا
إذا المعدن الصافي دعا الشعر مرة
بذلنا له من أجود الشعر معدنا •••
دسوقي إذا أقللت فاقبل تحيتي
فما أنا شاديهم ولا خيرهم أنا
ولكنني صوت المحبين كلهم
ومن روضك الغالي وبستانهم جنى
فراش على مصباح مجدك حائم
وأي فراش من جلالك ما دنا
وإني صدى الهمس الذي في قلوبهم
فدعني أقم عما يكنون معلنا
في جامعة أدباء العروبة
يا ربيعا جمل الله به
روضة الدنيا ووقاها الخريف
وشعاعا مده الله على
هذه الأمة من مدن وريف
أيها النعمة لا حد لها
نحن من نعماك في ظل وريف
يا شريف النفس والقلب لنا
فيك صافي القول والشعر الشريف
يا أبا الرقة لا تعدلها
رقة الوالد ذي القلب العطوف
رقة تنزل من عليائها
كشعاع البدر بالضوء اللطيف
يتمنى الشعر فيه غاية
وهو عنها عاجز الباع ضعيف
كلما حاولها أعجزه
قصر الطرف عن الصرح المنيف
أيها المصباح صرنا حوله
كفراش حام بالنور يطوف
أيها الأيك غدونا حوله
نسما في الأيك موصول الحفيف
أنا من غناك عنهم فاستمع
من أغاريد الربى نجوى الأليف
في ندوة الوزير الأديب إبراهيم دسوقي أباظة
وزيري الطيب الحر الجليلا
تقبله هوى حرا نبيلا
يقيم على الحوادث لا يبالي
ويأبى في العوادي أن يميلا
ولا يدري الزمان له اختلافا
ولا يدري الرياء له سبيلا
على الأدب الرفيع ووارديه
بسطت الخير والظل الظليلا
وما للقائلين عليك فضل
فقد جئنا نرد لك الجميلا
قطفت لك القوافي طوق شعري
فعذرا إن قطفت لك القليلا
وددت بأن أطيل لك القوافي
فيمنعني حياؤك أن أطيلا
وزيري الطيب الحر الجليلا
وقفت عن الرفاق هنا رسولا
أعيد لك الذي يطوي فؤادي
وفخرا أن أعيد وأن أقولا
أقول لجاهل معنى المعالي
إلام يظل جاهلكم جهولا
دسوقي لا الوزارة قربتنا
ولا قامت على صلة دليلا
عشقنا فيك أخلاقا وفضلا
تقبله هوى حرا نبيلا
تعزية لمعاليه في بعض السراة الأباظيين
إن السراة الأباظيين قد عظموا
عن طوق ند وعن تحليق أضداد
تخطف القدر الجاري أحساسنهم
بصير في المنايا أو بنقاد
كم صحت والعين تذري الدمع في أسف
على الجواهر في كف الردى العادي!
ألا رقى للأباظيين تحفظهم
على الحوادث من أنظار حساد؟!
في منزل الشاعر وقد تكرم الوزير بزيارته
بأي لفظ يفيك شعري
شرفت قدري وزنت داري
أما كفى برك المواسي
فزدتني روعة المزار
أقسمت بالشمس في ضحاها
أقسمت بالبدر بالدراري
بفضلك الماحق الدياجي
كأنه واضح النهار
فيك من البحر كل معنى
فمن سمو إلى وقار
وأنت صدر العباب رحبا
وبسمة الشط والمنار
كأن هذا الجميل يترى
من طيب غاد ولطف ساري
موج من البر ذو اتصال
بلا هدوء ولا قرار
غمرتني بالجميل حتى
لجت قوافي في العثار
أنقذني البحر غير أني
غريق فضل بلا قرار
كنت ندى في رياض عيشي
وكنت غيثا على القفار
لقيت ضنكا من الليالي
فمن غمار إلى غمار
قد طال عتبي على الليالي
وطال للراحم انتظاري
صفحت عن كل ما أساءت
حق لها الليلة اعتذاري
في حفلة الربيع التي أقامتها جامعة أدباء العروبة
أمير الفضل فضلك بيت شعر
علاك نسجن معناه الرفيعا
إذا كان الضياء نسيج فن
سناه يملأ الكون الوسيعا
فحولك حيثما تمشي وتسعى
قصيد عامر غمر الربوعا
تكلم حيثما تمضي مبينا
وما عرف البيان ولا البديعا
حببت سناك أتبعه بشعري
وفخرا أن أكون له تبيعا
مدحتك جهد مقدرة القوافي
فضقت بها مقصرة جميعا
أتعصاني مغردة بنفسي
معودة هنالك أن تطيعا!
أقول لها وقد كلت قصورا
رويدك، واهدئي لن نستطيعا
يراك الناس حيث ترى عظيما
كريما في تسامحه وديعا
وأنت النهر دفاقا قويا
إذا ما هم لم يملك رجوعا
يفيض على الربوع جلال نعمى
ويغشى من حوائلها المنيعا
مظلمة
أنا لا أظل، وكل شي
ء مستمد من جلالك
في قاتم محلولك
سدت علي به المسالك
إن لم تضعني في سنا
ك حمدت حظي في ظلالك
إن لم تضعني في يمي
نك فالتفت لي في شمالك
الرأي رأيك ليس في ال
أوقاف شيء غير ذلك
يا أحكم الحكماء لا
يفتى وفي الأوقاف مالك
شكر واعتذار
أبي! أخي! كعبة آمالنا
أكرمتني أكرمك الله
أعجب ما في الشكر أني امرؤ
بيانه عندك يعصاه
يا من يرى القلب وشكواه
ويعلم الشعر ونجواه
كم شاعر منطقه خانه
فاغرورقت بالشعر عيناه!
ما أكرم الخلق وأسماه!
وأعذب الطبع وأصفاه!
إنك فرد دون ثان ولن
يرى لهذا النبل أشباه
عفوك عن حال فتى متعب
بات على الأشواك جنباه
طال به الليل على حيرة
وامتد كالموجة يغشاه
يسائل الليل على طوله
عن ذلك الليل وعقباه
والنور أين النور؟ هل غاله
ماح محا الفجر وأخفاه؟
قد كدت لولا ثقة لا تهي
وخشية الله وتقواه
أقول جف البر لا ديمة
تهمي ولا المزنة ترعاه
حتى رأيت الخير في طلعة
تحمل لي الخير وبشراه
في لمعة تومض في فرقد
في فلك أنت محياه
حمدت ربي وعرفت الرضى
يا رحمة الله ونعماه
بطل الأبطال
الشهيد عبد الحكيم الجراحي
بطل الأبطال من أرض الهرم
لبس الغار وجلى وغنم
كيف تذرون عليه دمعكم
وهو وضاح المحيا يبتسم
كيف يبكي منكم الباكي على
علم لف شهيدا في علم
يا شباب النيل فتيان الحمى
وحماة الدار أشبال الأجم
زعموكم أمة هازلة
كذب الزاعم فيما قد زعم
تتحداهم على طول المدى
ثورة نكراء شبت تلتهم
ومقال الدهر عنا في غد
وحديث المجد عن عبد الحكم
كم أغر في بواكير الصبا
ناضر يسحب أذيال النعم!
طبعه الجود فلما هتفت
مصر تدعوه تناهى في الكرم
قدم الورح إليها ومشى
ثابت الخطوة جبار القدم
كلفته اليقظة الكبرى بها
همة ترعى وعينا لم تنم
جشمته خطة دامية
وعرة المسلك حفت بالألم
يجد الموت بها لذته
ويرى العار إذا المرء سلم •••
يا لهذي الجنة الفيحاء كم
فتحت قبرا لباغ قد ظلم!
يصبح الصبح على هذي الربى
فإذا الورد ضحوك في الأكم
فإذا أمسى المساء انقلبت
فوهة شعواء ترمي بالحمم
لست تدري إذ تراها ظمئت
فروى الأحرار واديها بدم
ذاك لون الورد أم لون الردى ال
جاثم أم لون الحميم المضطرم!
يا شباب النيل فتيان الحمى
وحماة الدار أشبال الأجم
حطموا القيد الذي حطمكم
واجعلوا أمتكم فوق الأمم
وإذا استشهد منكم بطل
جاده الغيث وحيته الديم
ولقد أدى لمصر دينه
ذلك الفادي، ووفى بالقسم
مصر
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
فمصر هي المحراب والجنة الكبرى
حلفنا نولي وجهنا شطر حبها
وننفد فيه الصبر والجهد والعمرا
نبث بها روح الحياة قوية
ونقتل فيها الضنك والذل والفقرا
نحطم أغلالا ونمحو حوائلا
ونخلق فيها الفكر والعمل الحرا
أجل إن ماء النيل قد مر طعمه
تناوشه الفتاك لم يدعوا شبرا
فدالت به الدنيا وريعت حمائم
مغردة تستقبل الخير والبشرى
وحامت على الأفق الحزين كواسر
إذا ظفرت لا ترحم الحسن والزهرا
تحط كما حط العقاب من الذرى
وتلتهم الأفنان والزغب والوكرا
فهلا وقفتم دونها تمنحونها
أكفا كماء المزن تمطرها خيرا
سلاما شباب النيل في كل موقف
على الدهر يجني المجد أو يجلب الفخرا
تعالوا نشيد مصنعا رب مصنع
يدر على صناعنا المغنم الوفرا
تعالوا نشيد ملجأ، رب ملجأ
يضم حطام البؤس والأوجه الصفرا
تعالوا لنمحو الجهل والعلل التي
أحاطت بنا كالسيل تغمرنا غمرا
تعالوا فقد حانت أمور عظيمة
فلا كان منا غافل يصم العصرا
تعالوا نقل للعصب أهلا فإننا
شباب ألفنا الصعب والمطلب الوعرا
شباب إذا نامت عيون فإننا
بكرنا بكور الطير نستقبل الفجرا
شباب نزلنا حومة المجد كلنا
ومن يغتدي للنصر ينتزع النصرا
حب على الصحراء
أحبك ما حييت وأنت حسبي
فجرب أنت قلبا بعد قلبي
ويا أسفا على صحراء عمر
جفاها بعدك المطر الملبي
نهاري في لوافحها سراب
وليلي من أباطيل وكذب
وفي أذني من شفتيك عتب
إذا أنا ساعة أضجعت جنبي
وتلك قوافل الأيام تترى
تمر علي سربا بعد سرب
عوابس لا يطل سناك منها
ولم ألمح مطالعه بركب
فإن غفلت عيون الحظ عنا
وصرت - ولم أكن أدري - بقربي
تبيني فتلك خيام حبي
وإني موقد لك نار قلبي
القافلة الصغيرة
قافلة صغيرة يقتادها زعيمها، وقد أوشكت على الفناء، بينما زعيمها يجيل النظر هنا وهناك باحثا عن واحة أو ظل أو ماء.
تعال سل القبيلة والجمالا
لأية غاية شدوا الرحالا
وكيف تبدلوا أرضا بأرض
وكيف تغيروا حالا وحالا
تطلعت العيون لعل ماء
يتاح على الهواجر أو ظلالا
ومد الشيخ في الصحراء لحظا
كلحظ الصقر في الآفاق جالا
كأن بنيه سقما أو هزالا
خيال جر هيكله خيالا
أقافلة الحياة أريتنيها
فلم تر مثلها عيني مثالا
أجل هي نحن في الدنيا حيارى
وما ندري لقافلة مآلا
رأيت حياتنا. كم من غريب
على جنبيه بالإعياء مالا!
وكم من سائل لم يلق ردا
وقد سأل الهواجر والرمالا!
فإن تجب القفار عليه يوما
ترد له سوافيها السؤالا •••
أقافلة الحياة أريتنيها
خيالا، أو ضلالا، أو محالا
عاصفة
صورة للبحر أم صورة نفس
عندما النفس من اليأس تثور
قد علا الموج وقد عز التأسي
لم يعد إلا عباب وصخور •••
زلزل البحر على راكبه
مثلما زلزل قلب ضجر
سفر صار على طالبه
ركب ضنك، والمنايا سفر •••
غرب الحظ كما مال الشراع
هكذا الأعمار في الدنيا تميل
وسرت في الجو أشباح الوداع
وتنادى كل شيء بالرحيل •••
أإذا اشتد على القلب البلاء
أإذا جار عباب وتناهى
تعصف الأمواج عصفا بالرجاء؟!
كيف ننسى أن للكون إلها؟!
عينان
طوى السنين وشق الغيب والظلما
برق تألق في عينيك وابتسما
يا ساري البرق من نجمين يومض لي
ماذا تخبئ لي الأقدار خلفهما؟
أجئت بي عتبات الخلد أم شركا
نصبت لي من خداع الوهم أم حلما؟
كأنني ناظر بحرا وعاصفة
وزورقا بالغد المجهول مرتطما
حملتني لسماء قد سريت لها
بالروح والفكر لم أنقل لها قدما
شفت سديما ورقت في غلائلها
فكدت أبصر فيها اللوح والقلما
رأيت قلبين خط الغيب حبهما
وكاتبا ببيان النور قد رسما
وسحر عينيك إني مقسم بهما
لا تسألي القلب عن إخلاصه قسما
واها لعينيك كالنبع الجميل صفا
وسال مؤتلق الأمواج منسجما
ما أنتما؟ أنتما كأس وإن عذبت
فيها الحمام ولا عذر لمن سلما
لما رمى الحب قلبينا إلى قدر
له المشيئة لم نسأل: لمن؟ ولما؟
في لحظة تجمع الآباد حاضرها
وما يجيء وما قد مر منصرما
قد أودعت في فؤاد اثنين كل هوى
في الأرض سارت به أخبارها قدما
كلاهما ناظر في عين صاحبه
موجا من الحب والأشواق ملتطما
وساحة بتعلات الهوى احتربت
فيها صراع وفيها للعناق ظما
يا للغديرين في عينيك إذ لمعا
بالشوق يومض خلف الماء مضطرما
وللنقيضين في كأسين قد جمعا
فالراويان هما والظامئان هما
بأي قوس وسهم صائب ويد
هواك يا أيها الطاغي الجميل رمى
يرمي ويبرئ في آن وأعجبه
أن الذي في يديه البرء ما علما
وكيف يبرئني من لست أسأله
برءا وأوثر فيه السهد والسقما؟
لو أن للموت أسبابا تقربني
إلى رضاك لهان الموت مقتحما
إن الليالي التي في العمر منك خلت
مرت يبابا، وكانت كلها عقما
تلفت القلب مكروبا لها حسرا
وعض من أسف إبهامه ندما
إيمان
قدر أراد شقاءنا
لا أنت شئت ولا أنا
عز التلاقي والحظو
ظ السود حالت بيننا
قد كدت أكفر بالهوى
لو لم أكن بك مؤمنا!!
إليها
أيها الماضي الذي أودعته
حفرة قد خيم الموت بها
أيها الشعر الذي كفنته
مقسما لا قلت شعرا بعدها
أيها القلب الذي مزقته
صارخا: عهدك يا قلب انتهى
قسما ما مات منكم أحد
إنها رقدة يأس إنها
آه لو قام رسول ضارع
أو شفيع منكم يمضي لها
آه من يخبرها عن طائر
نسي الأوكار إلا وكرها!
بعد الحب
أرى سمائي انحدرت وانطوت
لا تحسبي النجم هوى وحده
فيا نجوم الليل لا نجم لي
ولا أرى لي أفقا بعده
أنوار المدينة
ضحكت لعيني المصابيح التي
تعلو رؤوس الليل كالتيجان
ورأيت أنوار المدينة بعدما
طال المسير وكلت القدمان
وحسبت أن طاب القرار لمتعب
في ظل تحنان وركن أمان
فإذا المدينة كالضباب تبخرت
وتكشف لي عن كذوب أماني
قدر جرى لم يجر في الحسبان
لا أنت ظالمة ولا أنا جاني
خمر الرضا
يا حبيبي اسقني الأماني واشرب
بوركت خمرة الرضا وهي تسكب
بورك الكأس والحباب الذي ير
قص في الكأس والشعاع المذهب
نضبت رحمة الوجود جميعا
وبك الرحمة التي ليس تنضب
وإذا ضاقت السماء بشجوي
فالسماء التي بعينيك أرحب
كم تمنيت والصدور تجافي
ني وتزور والوجوه تقطب!
كم تمنيت صدرك البر يرتا
ح على خفقه الطريد المعذب!
هات وسدني الحنان عليه
جسدي متعب وروحي متعب
في حفلة تكريم الدكتور ناجي صاحب الديوان
سان جيمس 1934
يا صفوة الأحباب والخلان
عفوا إذا استعصى علي بياني
الشعر ليس بمسعف في ساعة
هي فوق آي الحمد والشكران
وأنا الذي قضى الحياة معبرا
ومرجعا لخوالج الوجدان
أقف العشية بالرفاق مقصرا
حيران قد عقد الجميل لساني
يا أيها الشعر الذي نطقت به
روحي وفاض كما يشاء جناني
يا سلوتي في الدهر يا قيثارتي
ما لي أراك حبيسة الألحان؟
أين البيان؟ وأين ما علمتني
أيام تنطلقين دون عنان؟
نجواك في الزمن العصيب مخدر
نامت عليه يواقظ الأشجان
والناس تسأل والهواجس جمة
طب وشعر كيف يتفقان؟
الشعر مرحمة النفوس وسره
هبة السماء ومنحة الديان
والطب مرمحة الجسوم ونبعه
من ذلك الفيض العلي الشان
ومن الغمام ومن معين خلفه
يجدان إلهاما ويستقيان
يا أيها الحب المطهر للقلو
ب وغاسل الأرجاس والأدران
ما أعظم النجوى الرفيعة كلما
يشدو بها روحان يحترقان!
أنفا من الدنيا وفي جسديهما
ذل السجين وقسوة السجان
فتطلعا نحو السماء وحلقا
صعدا إلى الآفاق يرتقيان
وتعانقا خلف الغمام وأترعا
كأسيهما من نشوة وحنان
اكتب لوجه الفن لا تعدل به
عرض الحياة ولا الحطام الفاني
واستلهم الأم الطبيعة وحدها
كم في الطبيعة من سري معاني!
الشعر مملكة وأنت أميرها
ما حاجة الشعراء للتيجان «هومير» أمره الزمان بنفسه
وقضت له الأجيال بالسلطان
اهبط على الأزهار وامسح جفنها
واسكب نداك لظامئ صديان
في كل أيك نفحة وبكل رو
ض طاقة من عاطر الريحان
غصن صغير
رأيت غصنا صغيرا
منورا ونضيرا
أرق ما تشتهي النف
س منظرا وعبيرا
جذبته جذب عنف
قد كاد يذوي الزهورا
فلم يئن لجذبي
وكان غصنا صبورا
لكنني لم أدعه
حتى علا مسرورا
وارتد يضرب وجهي
ضربا عنيفا مثيرا
وعاد ينشر في الأي
ك ذا الحديث الأخيرا
تضاحك الأيك جذلا
ن شامتا مسرورا
ضحك الذي بعد صبر
قد فاز فوزا أخيرا
دعابات
حفلة عدس في منزل الوزير الأديب دسوقي أباظة
الدعابة موجهة إلى صديقنا الشاعر النابغ الأستاذ محمود غنيم.
دعوت فلبينا ودارك كعبة
بها انعقد الإخلاص والحب طوفا
خميلتنا تهفو إليها قلوبنا
وأي فؤاد للخميلة ما هفا؟!
بنوك الألى تحنو عليهم تعطفا
وترعاهم برا بهم متلطفا
إذا خلعوا بعض الوقار فدعهم
فمثلك عن مثل الذي صنعوا عفا
هنا اطرح الأعباء مثقل كاهل
وخفف من وقريه من تخففا
فمال على الفضل الأباظي طامعا
وأغرق في الجود الأباظي مسرفا
فيا ندوة السمار هل من مسجل
يدون إعجاز القرائح منصفا؟
ليشهد أن الشعر شيء مشى بنا
مع الطبع جل الطبع أن يتكلفا
وفي دمنا يجري به متواصلا
مع النفس الجاري وينساب مرهفا
فهل ناقل عني الغداة وناشر
مقالة صدق قد أبت أن تحرفا؟
حديث غنيم والردنجوت والذي
جرى بيننا ما كنت بالحق مرجفا •••
بصرت به والصحن بالصحن يلتقي
فلم أر أبهى من غنيم وأظرفا
تراءى له لحم فلم يدر عنده
أديك من بعد الطوى أم تخرفا
وأومأ لي باللحظ يسألني به:
أتعرفه؟ أومأت باللحظ مسعفا
وقدمته للديك وهو كأنما
يطير إليه واثبا متلهفا
غنيم! أخونا الديك! قدمت ذا لذا
فهذا لهذا بعد لأي تعرفا
وما هي إلا لحظة وتغازلا
وقد رفعا بعد السلام التكلفا
فمال على الورك الشهي ممزقا
ومال على الصدر النظيف منظفا
جزى الله أسنانا هناك عتيقة
ظللن على الصحن الأباظي عكفا •••
تعير ناجي بالردنجوت جاءه
معارا فغامر واستعر أنت معطفا
وأقسم لو أن الردنجوت نلته
وجاد به من جاد كرها وسلفا
لقلبته ظهرا لبطن محيرا
به تحسبن الوجه من عبط قفا
رأيتك والعدس الأباظي قادم
كما انتفض المحموم بشر بالشفا
وناهيك بالعدس الأباظي منظر
عظيم كما هيأت للعين متحفا
على أنه ما جاء حتى رأيته
توارى كطيف لاح في الحلم واختفى
فلله من لفظ ببطنك راسب
قرير ومعناه برأسك قد طفا •••
قفا نبك أو نضحك على أي حالة
قفا صاحبي اليوم من عجب قفا
كأن صحاف الدار في عين صاحبي
غوان كستهن المحاسن مطرفا
أشار لإحداهن إذ برزت له
وناجته عن بعد وأبدت تعطفا «تسائلني: من أنت؟ وهي عليمة»
وهل بفتى مثلي على حاله خفا؟
سأخبرها من أنت! إنك شاعر
قنوع إذا ما الخير جاء تفلسفا
ومن أنت حتى ترفض النعمة التي
أتيحت وتأبى مثلها متقشفا؟!
فتى حاله غلب وآخره الطوى
وخطته عري ومشروعه الحفا
هجو في من اسمه عبد الحميد
رجل أرى - بالله - أم حشره
سبحان من بعبيده حشره
يا فخر داروين ومذهبه
وخلاصة النظرية القذره
أرأيت قردا في الحديقة قد
فلته أنثاه على شجره؟
عبد الحميد اعلم فأنت كذا
ما قال داروين وما ذكره
يا عبقريا في شناعته
ولدتك أمك وهي معتذره
هجو شاعر
أيها الحي وما ضر
ر الورى لو كنت متا
أو شعر ذاك؟! لا بل
حجر ينحت نحتا
تلقم الناس وترمي
هم به فوقا وتحتا
صحت من يأسي لما
بركيك الشعر صحتا
آه يا قاتل يا سف
فاك! حتى أنت حتى!
الخريف
يا حبيبي غيمة في خاطري
وجفوني وعلى الأفق سحابه
غفر الله لها ما صنعت
كلما شاكيتها تندى كآبه
صرخ القفر لها منتحبا
وبكى مستعطفا مما أصابه
فأصم الغيث عنه أذنه
ما على الأيام لو كان أجابه؟! •••
كثر الهجر على القلب فهل
من سلو أو بعاد يرتضيه؟
أنت فجر من جمال وصبا
كل فجر طالع ذكرنيه
كيف جانبتك أبغي سلوة
ثم ناجيتك في كل شبيه؟
أيها الساكن عيني ودمي
أين في الدنيا مكان لست فيه؟ •••
عندما أزمع ركب العمر
رحلة نحو المغاني الأخر
ظهرت تجلوك كف القدر
صورة أروع ما في الصور
تتراءى في الشباب العطر
نفحة تحمل طيب السحر
وقف العمر لها معتذرا
وثنى الركب عنان السفر •••
عندما أقفرت الدنيا جميعا
لحت لي تحمل عمرا وربيعا
إن يكن حلما تولى مسرعا
أجمل الأحلام ما ولى سريعا
إن يكن ما كان دينا يقتضي
خلني أدفعه عنك دموعا
قد شريناه عزيزا غاليا
إن تكن بعت فإني لن أبيعا •••
يا ندامى الحب سمار الهوى
سكبوا لي السهد في ذاك الشراب
أرقوني أجرع السقم وبي
صفرة الكأس وأوهام الحباب
كلما تقبل أيام المنى
تنجلي النعماء عن ذاك السراب
وترى أيامي الحيرى على
عرسها الضاحك أحزان الضباب •••
لم أقيدك بشيء في الهوى
أنت من حبي ومن وجدي طليق
الهوى الخالص قيد وحده
رب حر وهو في قيد وثيق
مزقت كفيك أشواك الهوى
وأنا ضقت بأحجار الطريق
كم ظمي بظمي يرتوي!
وغريق مستعين بغريق •••
يا ليالي العمر ما سر الليالي
البطيئات المملات الطوال
مسرعات مبطئات ولها
خفة الموت وأثقال الجبال
كاسفات البال عرجاء المنى
عاثرات الحظ شوهاء الظلال
عجبا للعمر يمضي مسرعا
للمنايا بسلحفاة الملال •••
يا قمارى الروض في أيك الهوى
جفت الروضة من بعد النديم
حل بالأيك خريف منكر
وظلال قاتمات وغيوم
ماتت الروضة إلا طائفا
من هوى حي على الذكرى يقوم
فإذا أنكر ما حل بها
فر يبغي سربه بين النجوم
شاهت الدنيا وجوها ورؤى
وتولاها سهوم ووجوم
يا عذارى الحسن في ظل الصبا
كل حسن بعد ليلاي دميم
يا نعيم العيش في ظل الرضا
آه لو أعرف ما طعم النعيم
أنكر الجنة قلب ضجر
أبدي النار موصول الجحيم •••
طالما موهت بالضحك فما
غير التمويه رأيا لك فيا
كلما تنظر في عيني ترى
سري الغافي ومعناي الخفيا
وترى في عمق روحي زهرة
قد سقاها الحزن دمعا أبديا
ويراه الناس طلا وترى
أنت دمعا غائما في مقلتيا •••
يا فؤادي ما ترى هذا الغروب؟
ما ترى فيه انهيار العمر؟
ما ترى فيه غريقا ذا شحوب
يتلاشى في خضم القدر؟
ما تراها اتأدت قبل المغيب
ورمت من عرشها المنحدر؟
لفتة الحسرة للشط القريب
قبل أن تسقط خلف النهر ... •••
يا فؤادي قاتل الله الضجر
وعذابي بين حل وسفر
ما ترى قنطرة من بعدها
راحة ترجى وبال يستقر؟
ذلك الجرح وما أفدحه!
ما عليه لو إلى السلوى عبر؟!
قد طواه اليوم في بردته
وأتى الليل عليه فانفجر •••
مر يومي فارغا منك ومن
أمل اللقيا فما أتعس يومي!
أنت يومي، وغدي أنت، وما
من زمان مر بي لم تك همي!
آه كم أغدو صغيرا!، حاجتي
لك كالطفل إلى رحمة أم
ولكم أكبر بالحب إلى أن
أغتدي مستشرفا آفاق نجم! •••
أي سر فيك؟ إني لست أدري
كل ما فيك من الأسرار يغري
خطر ينساب من مفتر ثغر
فتنة تعصف من لفتة نحر
قدر ينسج من خصلة شعر
زورق يسبح في موجة عطر
في عباب غامض التيار يجري
واصلا ما بين عينيك وعمري •••
ذات ليل والدجى يغمرنا
أترى تذكر إذ جزنا المدينه؟
كلما روعت من نار شج
حرما يصلى تلمست جبينه
بيد شفافة مثل الندى الرط
ب تعيد النار بردا وسكينه
أيها الآسي لناري هذه
ما الذي تصنع بالنار الدفينه؟ •••
أخيالا كان هذا كله
ذلك الجسر الذي كنا عليه؟
والمصابيح التي في جانبيه
ذلك النيل وما في شاطئيه؟
وشعاع طوفت في مائه
وظلال رسبت في ضفتيه
وحبيب وادع في ساعدي
ووعود نلتها من شفتيه؟ •••
رب لحن قص في خاطرنا
قصة الحادي الذي غنى سهاده
وكأن الصمت منه واحة
هيأت من عشبها الرطب وساده
ها أنا عدت إلى حيث التقينا
في مكان رفرفت فيه السعاده
وبه قد رفرف الصمت علينا
إن في صمت المحبين عباده •••
رفرف الصمت ولكن أقبلت
من أقاصي السهل أصداء بعيده
تتهادى في عباب ساحر
مرسل للشط أمواجا مديده
كم نداء خافت مبتعد
تشتهي أذن الهوى أن تستعيده!
عاد منسابا إلى أعماقها
هامسا فيها بأصداء جديده •••
رفرف الصمت ولكن ها هنا
كل ما فيك من الحسن يغني
آه كم من وتر نام على
صدر عود نوم غاف مطمئن!
وبه شتى لحون من أسى
وحنين وأنين وتمني
رقد العاصف فيه وانطوت
مهجة العود على صمت مرن ... •••
هذه الدنيا هجير كلها
أين في الرمضاء ظل من ظلالك
ربما تزخر بالحسن وما
في الدمى مهما غلت سر جمالك
ربما تزخر بالنور وكم
من ضياء وهو من غيرك حالك!
لو جرت في خاطري أقصى المنى
لتمنيت خيالا من خيالك •••
أنا إن ضاقت بي الدنيا أفئ
لثوان رحبة قد وسعتنا
إنما الدنيا عباب ضمنا
وشطوط من حظوظ فرقتنا
ولقد أطفو عليه قلقا
غارقا في لحظة قد جمعتنا
كلما تترى المعاني أجتلي
خلف معناها لأسرارك معنى •••
ما الذي صبك صبا في الفؤاد؟
ما الذي إن أقصه عني عاد
طاغيا يعصف عصفا بالرشاد
ظامئا سيان قرب وبعاد
ساهر العينين موصول السهاد؟
ما الذي يجري لهيبا في الرماد؟
ما الذي يخلقنا من عدم؟
ما الذي يجري حياة في الجماد؟ •••
كم حبيب بعدت صهباؤه
وتبقت نفحة من حببه
في نسيج خالد رغم البلى
عبث الدهر وما يعبث به!
ما الذي في خصلة من شعره؟
ما الذي في خطه أو كتبه؟
ما الذي في أثر خلفه
من أفانين الهوى أو عجبه؟ •••
ما الذي في مجلس يألفه
عقد الحب عليه موعده؟
ربما يبكي أسى كرسيه
إن نأى عنه وتبكي المائده
ربما نحسبها هشت إذا
عائد هش لها أو عائده
ربما نحسبها تسألنا
حين نمضي أفراق لعده؟ •••
كم أعدت لك سترا في الخفاء
وتوارت عن عيون الرقباء!
كم أعدت نفسها وانتظرت
واستوت موحشة تحت السماء!
وهي لو تملك كفا صافحت
كفك الحلوة في كل مساء
وهي لو تملك جودا بذلت
كل ما تملك كف من سخاء •••
رب كرم مده الليل لنا
فتواثبنا له نبغي اقتطافه
وعلى خيمته أسوده
عربي الجود شرقي الضيافه
وجد العرس على بهجته
وسناه دون ورد فأضافه
ثم وارت يده جنية
وطوته في أساطير الخرافه ... •••
أرج يعبق في أنحائه
حملته نحو عرشينا الرياح
كل عطر في ثناياه سرى
كان سرا مضمرا فيه فباح
يا لها من حقبة كانت على
قصر فيها كآماد فساح
نتمنى كلما طابت لنا
أن يظل الليل مجهول الصباح •••
يا فؤادي العمر سفر وانطوى
وتبقت صفحة قبل النوى
ما الذي يغريك بالدنيا سوى
ذلك الوجه، وذياك الهوى؟!
العائد
أجر غربتي أيها العائد
فقد ملني الداء والعائد
أجر غربتي فبلادي الهموم
وليل بطيء الخطى راكد
تقاسمني في نواك الديار
وأنت لي الوطن الواحد
محياك داري ومنك نهاري
إذا ضمك الصدر والساعد •••
أجر شفتي من عذاب الظما
أما أذن الله أن ترحما؟!
أتمعن في الهجر حتى ترانا
بكينا دما واحترقنا فما؟
ولي رمق صنته كي أراك
فأشفق على رمقي ريثما
إذا طلب الحب برهانه
من الموت لبيت كي تعلما •••
ليالي مرت هباء عقيما
فهل تتوالى البواقي سدى؟
أسائل جرحي عمن جناه
وأرنو فأستخبر العودا
فما اطلعوا اليوم بالبشريات
ولا عللوا بالتلاقي غدا ...
فلما تنكر حتى المحب
تلفت أسأل عنك العدا •••
سلام على غائب عن عيوني
حملت حطامي إلى داره
وقلت لقلبي تمهل بنا
وخبئ شقاءك أو داره
تناس الأسى ها هنا أو يقال
حملت الظلام لأنواره ...
أتغدو إلى عتبات النعيم
بلفح الجحيم وإعصاره! ...
الطائر الجريح
زازا
أنا وحدي في البيد حيران هائم
فمتى تذكر القفار الغمائم
رحمة يا سماء إن فمي جف
وحلقي عن الموارد صائم
غاض نبع المنى ولم يبق حتى
ومضة الحلم في محاجر نائم
أيها الطاعم الكرى ملء جفني
ك وجفني من الكرى غير طاعم
أبكني واستبد بي واقض ما شا
ء لك الحسن في واظلم وخاصم
غير هذا النوى فإن ليا
ليه ظلال من المنايا حوائم
تضمحل الحياة فيه وتنهد
كأن النهار معول هادم
لا تكلني لذلك الأبد الأس
ود في قاع مزبد اللج قاتم
لا تكلني لهوة تعصف الأش
باح في جوفها وتعوي السمائم
لا تكلني إلى جناح عقاب
في ضلوعي محلق الرعب جاثم
لا تكلني لضائع في حنايا
ها غريب في مهمه من طلاسم
يسأل الزهر والخمائل والأن
وار عن تربها الضحوك الباسم
ذاق ما ذاق في الصبابة إلا
ذبحة الروح وانفصال التوائم
إن تعد محسنا إلي فعد بي
للعهود المقدسات الكرائم
وإذا ما رأيت عزمي ينها
ر فثبت بالذكريات الدعائم
جئتني في الخريف والروض عار
فكسوت الربى عذارى البراعم
وأجال الربيع أخضر كفي
ه ليمحو اصفراره المتراكم
رحلة للنجوم لم تك أوها
ما وبعض النعيم أوهام حالم
آه كم ليلة أراجع أيا
مي أعد العلى وأحصي العظائم!
وحسبت الخسار فيها فكان ال
غبن عندي زماني المتقادم
قبل أن نلتقي فلما تلاقي
نا عرفت الغنى وذقت المغانم
حيثما أغتدي فإن الدراري
ملء روحي وفي خيالي بواسم
إن أبت جائعا فثمة زادي
أو أبت معسرا فثم الدراهم
وعجيب قد كنت لي حسد الحس
اد فيها وكنت أنت التمائم
بالذي صنت عهده لم أخنه
ومتى خانت الأكف المعاصم؟
والذي حكمه كأقدار عيني
ك فما منهما ولا منه عاصم
أي صوت من الغيوب ينادي
ني فأطوي له الدنى والمعالم
قدر مشعل على شفة تد
عو فأخطو على اللظى غير نادم
وفؤادي يحوم بالنار لا يح
فل أني على المنية حائم
الهوى مصرعي وكم من حمام
كان بابا إلى الخلود الدائم
وطريقا من الأسنة والشو
ك روت أرضه الدموع السواجم
شهد الله ما قضيت الليالي
ناعم الجنب فوق مهد ناعم
أي جيشيك مغرقي ليلي الطا
غي أم الشوق وحده وهو عارم؟
آه من ربما ومن أمل يم
سك نفسي رجاء يوم قادم
قد تجيء الأنباء من شاطئ الني
ل غدا والمبشرات النسائم
وتكون النجاة في القمر السا
ري على زورق من النور حالم
بقايا حلم
آه من وجدك بالهاجر آه
تتمنى أن تراه؟ لن تراه!
خدعتنا مقلتاه خدعتنا
وجنتاه خدعتنا شفتاه
والذي من صوته في مسمعي
وخيالي غادر حتى صداه
حلم مر كما مر سواه
وكذا الأحلام تمضي والحياه •••
أين يا ليلاي عهد الهرم؟
أين يا ليلاي حلو الكلم؟
هامسات بين أذني وفمي
ساريات غردات في دمي
كلمات عذبة معسولة
ضيعت وارحمتا للقسم
ذهبت مثل ذهاب الحلم
إنني أعلم ما لم تعلمي •••
كيف صدقنا أضاليل الهوى
بنهى طفل وإحساس صبي؟
حسبنا منه سماء لمعت
فوق رأسينا وكوخ خشبي
حلم ولى ووهم لم يدم
ما تبقى غير خيط ذهبي! •••
ذات يوم في أصيل فاتن
ذابت الشمس فسالت ذهبا
كست النيل نضارا وانثنت
تغمر الصحراء نخلا وربى
ما على الجيزة أن قد أبصرت
شفقي معتنقا فجر الصبا
قد رأتنا مثل طيفي حلم
ما عليها أقبلا أم ذهبا! •••
قلت هيا! قلت نمشي سر فما
من طريق طال لا نذرعه
قلت والعمر بعيني كالكرى
وأنا في حلم أقطعه
جمع الدهر حبيبا وامقا
بحبيب وغدا ينزعه
أطريقان: طريق دونه
في حياتي وطريق معه؟ •••
كلما خلى حبيبي يده
لحظة قلت وحبي أبقها!
أبقها أنفض بها خوف غد
وأحس الأمن منها وبها
أبقها أشدد بها أزري إذا
ضعف الأزر أو العزم وهى
أبقها أومن إذا لامستها
أن حبي ليس حلما وانتهى
في ظلال الصمت
ها أنا عدت إلى حيث التقينا
في مكان رفرفت فيه السعاده
وبه قد رفرف الصمت علينا
إن في صمت الحبيبين عباده
رب لحن قص في خاطرنا
قصة الساري الذي غنى سهاده
وكأن الصمت منه واحة
هيأت من عشبها الرطب وساده •••
صمت السهل ولكن أقبلت
من ثنايا السهل أصداء بعيده
كل لحن في هدوء شامل
تشتهي النفس به أن تستعيده
يتهادى في عباب ساحر
باعث للشط أمواجا مديده
فإذا ما ذهب الليل بها
تزخر النفس بأصداء جديده •••
هدأ الليل هنا لكنني
كنت في حسنك بالصمت أغني
كل لحن لجب يغشى دمي
لعب العازف بالعود المرن
ناقلا للنهر والسهل معا
قصة يشرحها عنك وعني
قصة الشاعر والحسن إذا اس
تبقا للخلد في حومة فن •••
ما الذي في خصلة راقدة؟
ما الذي في خطه أو كتبه؟
ما الذي في أثر خلفه
من أفانين الهوى أو عجبه؟ •••
ما الذي في مجلس يألفه
عقد الحب عليه موعده؟
ربما يبكي أسى كرسيه
إن نأى عنه وتبكي المائده
ولقد نحسبها هشت إذا
عائد هش لها أو عائده
ولقد نحسبها تسألنا
حين نمضي أفراق لعده؟ •••
كم أعدت نفسها وانتظرت
واستوت موحشة تحت السماء
وهي لو تملك كفا صافحت
كفك الغضة في كل مساء •••
رب كرم مده الليل لنا
فتواثبنا له نبغي اقتطافه
وعلى خيمته حارسه
عربي الجود شرقي الضيافه
وجد العرس على بهجته
وسناه دون ورد فأضافه
ثم وراته غيابات الدجى
كخيال من أساطير الخرافه •••
أرج يعبق في جنح الدجى
حملته نحو عرشينا الرياح
كل عطر في ثناياه سرى
كان سرا مضمرا فيه فباح
يا لها من حقبة كانت على
قصر فيها كآماد فساح
نتمنى كلما امتدت بنا
أن يظل الليل مجهول الصباح •••
أنا إن ضاقت بي الدنيا أفئ
لثوان رحبة قد وسعتنا
إنما الدنيا عباب ضمنا
وشطوط من حظوظ فرقتنا
ولقد أطفو عليه قلقا
غارقا في لحظة قد جمعتنا
ومعاني الحسن تترى وأنا
ناظر فيها لمعنى خلف معنى •••
هذه الدنيا هجير كلها
أين في الرمضاء ظل من ظلالك؟
ربما تزخر بالحسن وما
في الدمى مهما غلت سحر جمالك
ولقد تزخر بالنور وكم
من ضياء وهو من غيرك حالك
لو جرت في خاطري أقصى المنى
لتمنيت خيالا من خيالك! •••
قلت لليل الذي جللنا
والذي كان على السر أمينا
أين يا قلبي من قلبي اجتبى
لهواه واصطفاه لي خدينا؟
لم أكن أطمع أن ترحمني
بعد أن قضيت في الوجد السنينا
لم أكن أطمع أن تضمر لي
آسيا يبرئ لي الجرح الدفينا
لم أكن أعلم يا ليل الأسى
أن في جنحك لي فجرا جنينا •••
أيها اللائذ بالصمت كفى
وأدر وجهك لي وانظر طويلا
لا تمل واسخر من الدنيا إذا
شاءت الأيام يوما أن تميلا •••
ما الذي مكن في القلب الوداد؟
ما الذي صبك صبا في الفؤاد؟
ما الذي ملك عينيك القياد؟
ما الذي يعصف عصفا بالرشاد؟
ما الذي إن أقصه عني عاد
طاغيا؟ سيان قرب أو بعاد!
ما الذي يخلقنا من عدم؟
ما الذي يجري حياة في الجماد؟ •••
كم حبيب بعدت صهباؤه
وتبقت نفحة من حببه
في نسيج خالد رغم البلى
عبث الدهر وما يعبث به! •••
أين سلطاني ومجدي والذي
حبه مجد وسلطان وعزه؟
أين إلهامي ونوري والذي
أيقظ القلب إلى البعث وهزه؟
نأى عني
قد نأى عني الذي يرحمني
والذي يفهم آلامي وروحي
والذي أعبد منه غرة
كندى الأزهار في الوجه الصبيح
والذي أشتم منه غاديا
عبق الأنداء في الوادي الصدوح
آه يا هند جراحي كثرت
فتعالي ضمدي أنت جروحي!
قصة حب
مرت حياتي دون أمنيه
وتقلبت مللا على ملل
حتى لقيتك ذات أمسيه
فعرفت فيك مطالع الأمل •••
طافت بي الأيام واحدة
لم تلقني فرحا ولا جزعا
وتمر فارغة وحاشدة
وقد استوت ضيقا ومتسعا •••
والعمر سار كأنه العدم
سقمي به عندي كعافيتي
فأذقتني ما لم يذقه فم
من أي كاس كنت ساقيتي؟ •••
ما هذه الدنيا التي اقتربت
فيها المنى والظل والثمر؟
تجتاز وامضة فمذ وثبت
وثب الهوى وتمهل القدر! •••
قدماك ما انتقلا على درج
حاشك بل خطرا على ثبج
كسفينة خفت على اللجج
نشوى بما حملت من الفرج! •••
في مظلم متعرج كاب
والليل تغزوني جحافله
دقت يد النعمى على بابي
والعيش خابي النجم آفله •••
يا للمقادير الجسام ولي
من ظلمها صرخات مجنون
باكي الفؤاد مشرد الأمل
وقف الزمان وبابه دوني! •••
مزقت ظلمة كل ديجور
وألنت ما قد كان منه عصى
وفتحت مصراعيه للنور
ما كنت إلا ساحرا وعصا •••
ماء ضربت الصخر فانبجسا
وجرى الغداة زلاله العذب
أيقول دهري إن ما يبسا
هيهات يرجع عوده الرطب •••
صيرت دعواه لتفنيد
وحطمته وهزمت حجته
وأعدت ما قد جف من عودي
مخضوضرا وأقمت صعدته! •••
يا من رأت طللا كتمثال
يستعرض العمر الذي مرا
وكأنه في رسمه البالي
ندم الأسيف ودمعة حرى •••
ورد ذوي أو طائر صمتا
العمر مثل الظل منتقل
الناس لا يدرون من ومتى
والناس إن علموا فقد جهلوا
ما خطبهم في روضة حالت
أو صوحت أفنانها الخضل •••
نزل الربيع بها فنضرها
وأحالها بشبابه لحنا
ومشى الشتاء لها فغيرها
وأحالها لفظا بلا معنى •••
هذا حديث يشبه السحرا
هيهات أفرغ من روايته
شفق المغيب جعلته فجرا
وبدأت عمري من نهايته •••
إني لطير حائر باك
قد كانت الأحزان فلسفتي
ذابت حنانا يوم لقياك
وجرت أغاريدا على شفتي •••
يا من طويت عليه جارحتي
وسألت عنه الأنجم الزهرا
وضربت في الصحراء أجنحتي
أستلهم الكثبان والقفرا •••
والماء أنهل حيثما كانا
والبرق أتبع حيثما لمعا
فأرى صفاء الورد غيمانا
والمطلق المجهول ممتنعا!
بقية القصة
كلا ولا لغة له إلا الذي
قد جال في عينيك أو عينيا
أو لفظة جمدت على شفتيك من
فزع كما ماتت على شفتيا
أو حسرة مني إليك وحسرة
مرتدة من ناظريك إليا •••
لا أنت نائية ولا أنا ناء
إني لديك مقيد بوفائي
بعض الهوى يسدي كمنة منعم
وجميله دين رهين قضاء
ويقل عمر الدهر توفية لما
أسديته بجمالك الوضاء
عمر الزمان فدى لساعة ملتقى
سمحت بها الأقدار ذات مساء •••
أنت التي علمتني معنى الحيا
ة حبيبة ونجية وصديقا
أنكرت معناها بغيرك واستوت
وتشابهت سعة علي وضيقا
ووددت لو غال الخلائق غائل
مفن أو اشتعل الصباح حريقا
وسلمت أنت فأنت أدناهم إلى
روحي وأبعدهم علي طريقا! •••
لا تسأليني عن غد لا تسألي
فغدا أعود كما بدأت غريبا
هتك الستار مقنع حسناته
يخفين خلف ريائهن الذيبا
كان التلاقي بيننا كفارة
للدهر عن آثامه ليتوبا
فلتذهب الحسنات غير كريمة
سأعدهن على المتاب ذنوبا! •••
أرنو وحيدا للمكان الخالي
كأسي وكأسك فارغان حيالي
مر المساء مخيبا فتساءلا
وتلفتا لك في المساء التالي
حتى إذا ملا ترقب عائد
يحيي ويبعث ميت الآمال
بكياك بالحبب الحزين وربما
بكت الكؤوس على النديم السالي! •••
أرنو على الصهباء غام شعاعها
وامتد نحو النفس ظل جنابها
وكأنما روحي هناك حبيسة
تطفو وترسب في خطوط حبابها
وكأن راهبة هناك سجينة
مغمورة بدموعها وعذابها
ظلت تقيم على الشموع صلاتها
حتى تلاشى النور في محرابها •••
كم ذكريات في الحياة عزيزة
مرت علي! فكنت أغلاهن
حتى إذا عفت الصبابة وانقضى
ما بيننا أقبلت أسألهن
وسألت عنك العمر ماضيه وحا
ضره فكان العمر أنت وهن
والله ما غدر الزمان وإنما
هانت عليك الذكريات وهنا! •••
يا زهرة عذراء تنشر عطرها
وتذيع في جفن الضحى أحلامها
لاقيتها والريح تجمع شملها
والسحب تجمع برقها وغمامها
عانقتها ظمآن أشرب راحها
واستقطرت قلبي لتملأ جامها
فإذا الرياح نزعنها عن خافقي
ضمت على أنفاسه أكمامها •••
حلم كما لمع الشهاب توارى
سدلت عليه يد الزمان ستارا
وحبيس شجو في دمي أطلقته
متدفقا ودعوته أشعارا
ووديعة رجعت فما خطبي إذا
رد الذي كان الزمان أعارا؟
قد كان قلبا فاستحال على المدى
لحنا تناقله الرواة فسارا! •••
يا حصني الغالي فقدتك وانطوى
ركني وأقفر موئلي وملاذي
نعطي ونأخذ في الحديث ومقلتي
مسحورة بجمالك الأخاذ
والدهر يغريني فأعرض لاهيا
فيظل يفتنني بتلك وهذي
والدهر يهزل والغرام يجد بي
ما كنت ساخرة، ولا أنا هاذي •••
هل كان عهدك قبل تشتيت النوى
إلا مخالسة الخيال الطارق؟
إشراقة وطغى عليها مغرب
غيران يخطفها كخطف السارق
أو لمعة لم تتئد ذهبت بها
دكناء مدت كفها من حالق
وكأن ثغرك والنوى تعدو بنا
شفق يلوح على نضيد زنابق •••
شفتاك في لج الخواطر لاحتا
كالشاطئين وراء لج ثائر
لهما إذا التقتا على أغرودة
خرساء في ظل الجمال الساحر
إسعاد ملهوف ونجدة غارق
وعناق أحباب وعود مسافر
وبراءة الملك المتوج حسنه
بجمال رحمن وطيبة غافر •••
صحب الحياة فآده استصحابها
ركب على طرق الحياة كليل
خدعت ضلالات الحياة تبيعها
والدرب وعر والطريق طويل
فتلفت الساري لعل لعينه
يبدو صباح أو يلوح دليل
فبدا له نور وأشرق منزل
ألق ورفت جنة وخميل •••
لك في خيالي روضة فينانة
غنى على أغصانها شاديها
يحمي مغارسها ويرعى نبتها
راع يجنبها البلى ويقيها
فإذا النوى طالت علي وشفني
جرحي وعاد لمهجتي يدميها
نسق الخيال زهورها وورودها
فقطفتها وشممت عطرك فيها! •••
بعض الهوى فيه الدمار وإنما
بعض النفوس على الدمار حراص
فيكون فيه القيد وهو تحرر
ويكون فيه الموت وهو خلاص
آمنت بالحب القوي وحتمه
ما من هواي ولا هواك مناص
إن كان داء فالسقام دواؤه
أو كان ذنبا فالمتاب قصاص! •••
أصبحت والدنيا وداع أحبة
ودموع خلان وحزن رفاق
فسخرت من صرخاتهم وبكائهم
لا دمع إلا الدمع في أحداقي
لا صوت إلا صوت حبك في دمي
أصغي له وأراه في أطواقي
متدفقا مثل العباب ومزبدا
متفجرا كالسيل في أعماقي! •••
ساهرت أحلام الظلام وكلها
أشباح هجر أو طيوف وداع
مرت مواكبه علي بطيئة
وإلى الفناء مشين جد سراع
حتى إذا سفك الصباح دماءه
وهوى قتيل الليل بعد صراع
أبصرت في المرآة آخر قصتي
ونعى بها نفسي إلي الناعي! •••
يا رب أرسلت الأشعة ها هنا
وهناك تشرق في الحمى والدور
ومن الشموس دفينة في خاطري
مخبوءة الأضواء طي شعوري
وأحس في نفسي نقاء سمائها
أصفى برونقها من البلور
يا رب أودعت الضحى في مهجتي
وأنا الذي أشقى بهذا النور!
خاطرة
نار من الشوق إثر نار
فلا هدوء ولا قرار
إنك لي مبدأ وعود
منك إلى صدرك الفرار
يا مرفأ الروح لا تدعني
بلا دليل ولا منار
موج وريح وزحف ليل
فمن دمار إلى دمار
إن أنت أخلفت وعد حبي
لم تؤوني في الديار دار
وليس لي في الهوى اصطبار
وليس لي دونك اختيار
ظلام
لا تقل لي ذاك نجم قد خبا
يا فؤادي كل شيء ذهبا
ذلك الكوكب قد كان لعيني
السماوات وكان الشهبا
هذه الأنوار ما أضيعها!
صرن في جنبي جراحا وظبى
كلما أهدت شعاعا خلفت
بعده سجنا ومدت قضبا •••
قلت أسلوك وكم من طعنة
بالمداراة وبالوقت تهون!
فإذا حبك يطغى مزبدا
كدفوق السل طغيان الجنون
وكذا تمضي حياتي كلها
بين يأس ورجاء وظنون
ما على الهجر معين أبدا
وعلى النسيان لا شيء يعين •••
ذلك الحب الذي فزت به
لا أبالي فيه ألوان الملامه
ذلك الشط الذي ذقت به
بعد لج البحر أمنا وسلامه
إنه مزق قلبي قسوة
وسقاني المر من كاس الندامه
صار نارا ودمارا في دمي
وصراعا بين قلب وكرامه •••
ذلك الحب الذي علمني
أن أحب الناس والدنيا جميعا
ذلك الحب الذي صور من
مجدب القفر لعيني ربيعا
إنه بصرني كيف الورى
هدموا من قدسه الحصن المنيعا
وجلا لي الكون في أعماقه
أعينا تبكي دماء لا دموعا •••
لم تعينيني على صرف النوى
آه لو كنت على الدهر أعنت!
قدر نكس مني هامتي
آذن الدهر ببين وأذنت
وعجيب أمر حب لم يهن
هو لو هان على نفسي لهنت
لهف قلبي لهفة لا تنقضي
كنت دنياي جميعا كيف كنت؟ •••
كنت في برج من النور على
قمة شاهقة تغزو السحابا
وأنا منك فراش ذائب
في لجين من رقيق الضوء ذابا
فرح بالنور والنار معا
طار للقمة محموما وآبا
آب من رحلته محترقا
وهو لا يألوك حبا وعتابا! •••
برئت نفسي من الحقد ولم
أخف ضغنا لك بين العبرات
إن يوما واحدا أسعدني
جمع الأفراح طرا من شتات
وهو عمر كامل عشت به
كل أعمار الورى مجتمعات
لست أنساك وقد علمتني
كيف يحيا رجل فوق الحياة •••
افرحي ما شئت يا روحي افرحي
أنشدي ما نقلته الطير عني
واغنمي نفح الصبا وانتقلي
في الصبا الممراح من غصن لغصن
وعلى أيكك ناغي كل من
مر بالأيك ونادي كل خدن
لن يحبوك كحبي! لن تري
ضاحكا مثلي ولا حزنا كحزني! •••
يا كتاب الحسن جلت آية
من جمال وكمال وشباب
زعموا أني قد خلدتها
بأغاني وألحاني العذاب
ما أنا شاد ولكن قارئ
سورا من ذلك الحسن العجاب
لم أزل أقرأ حتى سجدوا
وجعلت الخلد عنوان الكتاب •••
يا ابنة الأصداف والبحر أبي
قبل أن يلقي بي الموج هنا
سائلي الأعماق عن غواصها
أنا صياد لآليها أنا!
إن هجرنا القاع والليل إلى
قمم شم وعشنا في السنا
فبنا الأمواج والصخر وما
برح العاصف في أعماقنا •••
عاصف عات تمنيت له
هدأة أين له ما تطلبين؟!
اسألي عن مقلة مخلصة
خبأت رسمك في جفن أمين
سهرت ترعاك مهما لقيت
في سبيل العهد والود المكين
أقسمت لا تسأل النوم ولا
تطلب الرحمة منه بعض حين •••
بعدما غور نجمي ودليلي
ما مسيري دون ترب وخليل؟
في طريق الشوك والصخر وفي
شعب الإرهاق والكد الوبيل
الغريبان عليها التقيا
يستعينان على الدرب الطويل
ما انتفاعي بحياتي بعدما
ساقك التيار في غير سبيلي؟ •••
يا لجهل اثنين أقدارهما
آه يا ليتهما قد عرفا!
ما الذي نصنع بالعيش إذا
ما صحا القلب غريبا وغفا؟
ما الذي نصنع بالعيش إذا
ما السبيلان عليه اختلفا؟
ما الذي نصنع بالعيش إذا
صار تذكارا فأمسى أسفا؟ •••
عندما تقفر دار من رفاق
وتحس السم في كاس وساق
عندما يكشف بؤس وجهه
سافر اللعنة مفقود الخلاق
عندما تمسي بظل عالقا
وبخيط الوهم مشدود الوثاق
يا فؤادي انظر وفكر وأفق
أي قيد لك بالأحباب باق؟ •••
كل جد عبث والدهر ساخر
وخبيء السر للعينين ظاهر
أدعي أني مقيم وغدا
ركبي المضنى إلى الصحراء سائر
عندما صافحت خانتني يدي
ووشى خاف من الأشجان سافر
كذبت كف على أطرافها
رعشة البعد وإحساس المسافر! •••
يا ديارا يومها من سحب
وغيوم وضباب أفق غد
كل نبت عبقري أطلعت
جعلت منه طعاما للحسد
أخلف الميثاق من كان بها
كل آمالي فلم يبق أحد
ضاع عمر وحصاد وغدا
من هشيم كل ما كنت أعد! •••
قم بنا والكون جهم كالدجى
نتلمس من جحيم مخرجا
وانج منه ببقايا رمق
أو حطام وقليل من نجا
لا تدر رأيا به أضيع من
في لظاه مستعين بالحجا
واسأل الرحمن أن يصلح عه
دا كسيحا وزمانا أعرجا •••
عشت وامتدت حياتي لأرى
في الثرى من كان قبلا في القمم
انهيار المثل العليا وإن
كار آلاء وكفر بالقيم
من يكن عض بنانا نادما
فأنا قطعت إبهام الندم
وإذا انحط زمان لم تجد
عاليا ذا رفعة إلا الألم •••
ضحكة ساخرة هازلة
وخيال تافه هذي الحياه
هذه الأكذوبة الكبرى التي
خدع الناس بها وا أسفاه!
ذل فيها المال والجاه إلى
أن غدا أحقرها مال وجاه
نحمد الله على أنا بها
لم نصن من ذلة إلا الجباه •••
عبثا أهرب من نفسي ومن
ذلك الساكن روحي والبدن
من لقلب مستطار اللب من
كلما عاوده التذكار جن؟!
أينما أمضي فحولي ذكر
وحبيب ومكان وزمن
وربيع دائم الخضرة في
روضة النفس وطير وفنن •••
قصة خالدة لا تنتهي
وهي ما كان لها يوم ابتداء
أنا لا أدري متى كان ولا
أين عند الله أسرار اللقاء
حينما لاح شهاب في سمائي
أسمر النور رفيع الخيلاء
عبقري موحش منفرد
متعال قلق الأضواء ناء •••
هو في الأفق بعيد وهو دان
هو لي نفسي وروحي وكياني
مخطئ من ظن أنا مهجتان
مخطئ من ظن أنا توأمان
هو شطر النفس لا توأمها
هو منها هو فيها كل آن
نحن نبض واحد! نحن دم
واحد حتى الردى متحدان!
وحيد
إني على كاسي أعيد السنين
وأبعث الماضي البعيد الدفين
وحدي وقد أقسمت لن تعرفي
وما الذي يجديك لو تعرفين؟
وما الذي يجدي طعين الهوى
لمسك يا هند جراح الطعين؟
أصبحت لا أدري شربت الطلى
عند بكائي أم شربت الأنين؟ •••
كم أزرع السلوان في خاطري!
وكيف ينمو في محيل جديب؟
بالخمر أسقيه وفي مسمعي
إرنان باك وتشاكي حبيب
الجام يبكي لوعة أم أنا
جامي غريب وفؤادي غريب؟
وا حيرتي ترى أصب الطلى
أم أنني فيه أصب النحيب؟ •••
يا إلف نفسي لم يكن ها هنا
هم لإلف وسلو هناك
لم يجر همس لك في خاطر
إلا جرى عندي كأني صداك
ولم أكن أعرف لي مدمعا
إلا الذي تذرفه مقلتاك
أصون حزني لك حتى اللقا
وأحبس الفرحة حتى أراك •••
إن كنت غنيت فإني الذي
وقفت ألحاني على سرحتك
حبست هذا الصوت لم ينطلق
إلا على حزنك أو فرحتك
خمائل الروض بأعطارها
لم تشجني إلا على نفحتك
أنكرتها طرا ولم أعترف
إلا بطيب جاء من جنتك! •••
وافرحي اليوم بحريتي
بأي ليل مدلهم أطير
ردي على قلبي قيود الأسير
وذلك الصبح الوضيء المنير
كم شعب لاحت فلم تختلف
لأيها نغدو وأنى نسير!
بعد سني الأنوار خلفت لي
جهم المساعي وخفي المصير •••
علمت حالي؟ لا وحق الذي
صيرني أشفق أن تعلمي
هيهات تدرين انطلاق الهوى
كجمرة نضاحة بالدم
هيهات تدرين وإن خلته
وثب الهوى الضاري وفتك الظمي
وصارخا كبحته في فمي
وطاغيا كبلته في دمي •••
لا أنت تدرين وما من أحد
بواصف حسنك مهما اجتهد
أو بالغ سر الذكاء الذي
يكاد في لحظك أن يتقد
أو مدرك عمق المعاني التي
في لمحة عابرة تحتشد
أو فاهم فن الصناع الذي
أبدع الاثنين: الحجا والجسد
أطلال
يا من بواديه حططت الرحال
ورحبت بي وارفات الظلال
بذلت أقصى ما يكون القرى
وما تمنى طامع من منال
بسطت كالآباد عمر المنى
لطامع في لحظات قلال
بنيت محرابي لم أتخذ
دينا سوى حبك في كل حال
أمهل فؤادي ساعة ريثما
أخلع عن عيني قناع الخيال
أمهل فؤادي ساعة ريثما
أخلع عن قلبي سراب الضلال
فهذه الصحراء عريانة
ممتدة خانقة كالملال
خليعة الطبع على كثبها
عربدة الريح وكفر الرمال
هيهات للقلب صلاة بها
ولا عليها معبد وابتهال
خلعت إيماني على شكها
وبددته الساريات الثقال
نادتني الصحراء وهي التي
آدت جحيمي في السنين الطوال
تريد سري إن سري هنا
في مغلق أسراره لا تنال
قالت بهذا الصمت ما لم يقل
وقلت بالزفرات ما لا يقال
ذنبي
أيكون ذنبي أن رفع
تك وارتفعت إلى السماء؟
وعلى جناحك أو جنا
حي قد رقيت إلى الصفاء
إن كان حقا أو خيا
لا فهو وثب للضياء
وتحرر مما جنا
ه طين آدم في الدماء
أيكون ذنبي أن جعل
تك فوق عرش من سناء
وجثوت في محراب قد
سك عابدا هذا الرواء؟
أيكون ذنبي أنني
بك أحتمي من كل داء
وأراك عافيتي فأض
رع طالبا منك الشفاء؟
أيكون ذنبي أن أرا
ك لخاطري قبسا أضاء
وأحس وحيك من عل
لي دون أهل الأرض جاء؟
أيكون ذنبي أن ينا
ط بك التعلل والرجاء
وإليك شكوى القلب نج
وى الروح أجمع النداء؟
أيكون ذنبي أن ح
بك لي من الدنيا وقاء؟
فإذا رضيت فإن نع
متها ونقمتها سواء
أيكون ذنبي، أي ذن
ب صار لي إلا الوفاء؟!
إني عشقتك، ما طلب
ت على محبتي الجزاء
من همه همي سيح
مل من حبيب ما يشاء
ولقد يساء فما يرى
من حبه أحدا أساء
قد كان عندي عزة
بصبابتي ولي احتماء
إن لان عودي للخطو
ب شددت أزري باللقاء
أنسيت؟ كيف نسيت يا
دنيا؟! على الدنيا العفاء!
يا للهوى! لا صبح لي
إلا هواك ولا مساء
أشوامخ الأحلام وال
مثل الرفيعة كالهباء؟
الطائر الجريح
أي جواد قد كبا؟
وأي سيف قد نبا؟
تعجبت زازا وقد
حق لها أن تعجبا
لما رأت في شحو
ب الشمس مالت مغربا
وهي التي زانت مشي
بي بأكاليل الصبا
وهي التي قد علمت
ني حين ألقى النوبا
كيف أداري الناب إن
عض وأخفي المخلبا؟
لاقيتها أرقص بش
را وأغني طربا
وهي التي تهتك ست
ر القلب مهما انتقبا
لا مغلقا تجهله
يوما ولا مغيبا
في فطنة تومض حت
ى تستشف ما خبا
رأت وراء الصدر طي
را قلقا مضطربا
في قفص يحلم بالأف
ق فيلقى القضبا
إن زمانا قد عفا
وإن عمرا ذهبا
وصيرته طارقا
ت السقم وقرا متعبا
ورنقت مورده
أنى له أن يعذبا؟
إني امرؤ عشت زما
ني حائرا معذبا
عشت زماني لا أرى
لخافقي منقلبا
مسافرا لا قوم لي
مبتعدا مغتربا
مشاهدا علي في
مسرحه أن أرقبا
رواية ملت كما
مل الزمان ملعبا
وظامئا مهما تتح
موارد أن أشربا
وجائعا لا زاد في
دنياي يشفي السغبا
فراشة حائمة
على الجمال والصبا
تعرضت فاحترقت
أغنية على الربى
تناثرت وبعثرت
رمادها ريح الصبا
أمشي بمصباحي وحي
دا في الرياح متعبا
أمشي به وزيته
كاد به أن ينضبا
وشد ما طال الصرا
ع بيننا وا حربا
ريح المنايا تقتضي
ني نسماتي الخلبا
وليس بالأحداث في
ما قيل أو ما كتبا
كالعمر والسقم إذا
تحالفا واصطحبا
لولاك ما قلت لشي
ء في الوجود مرحبا
ولم أجد ركنا غني
بالحنان طيبا
أنت التي أقمت مر
فوع البناء من هبا
وإنني الصخر الذي
أردت أن لا يغلبا
ويضرب البحر علي
ه موجه منتحبا
علمت يأسي وجنو
ني وجهلت السببا
يا أملي إنك يأ
س القلب مهما اقتربا
يا كوكبا مهما أكن
من برجه مقربا
فإنه يظل في الس
مت البعيد كوكبا
وأين مني فلك
قد عزني مطلبا
ليس إلى خياله
إلا السهاد مركبا
أستبطئ الريح له
وأستحث الكتبا
ولو طريق حبه
على القتاد والظبا
وقيل للقلب هنا ال
موت فعد تسلم أبى
إني امرؤ عشت زما
ني حائرا معذبا
لا أحسب الأيام في
ه أو أعد الحقبا
ضقت بها كيف بمن
ضاق بها أن يحسبا
تغيرت واختلفت
وسائلا ومطلبا
وارتفعت وانخفضت
طرائقا ومأربا
ساوت على الحالين حم
لانا بها وأذؤبا
وشاكلت لناظري
سهولها والهضبا
دخلتها غرا وعد
ت فانيا مجربا
لا أسأل الأيام عن
أعمالها معقبا
إن كان هذا الدهر في
ما جره قد أذنبا
فإنه تاب وأد
ى وعده المرتقبا
لقاك ماح للذنو
ب كيف لي أن أعتبا؟
ضممت عطفيك غدا
ة الروع أبغي مهربا
كم خفت من أن تذهبي!
وخفت من أن أذهبا!
كأن طفلا خائفا
في أضلعي حل الحبى
يضرب ما اسطاع على
جدرانها أن يضربا
يكافح الأمواج أو
يصرع جيشا لجبا
إن بعد الشط فقد
آن له أن يقربا
أنت الحياة والنجا
ة والأمان المجتبى
القمة
يا أيها العالي الغفور الصفوح
هل ترحم القمة ضعف السفوح
تاجك في النور غريق وفي
عرشك غنى كل نجم صدوح
وأين هامات الربى نكست
من هامة فوق منيف الصروح؟
وأين أوراق خريفية
أرجحها الشك فما تستريح
من باسق راس به خضرة
ثابتة الرأي على كل ريح؟
برئت من هذي الوهاد التي
نغدو على أناتها أو نروح
وأين في مبتسمات الذرى
برق الأماني من وميض الجروح؟
أصخ لهذي الأرض واسمع لما
تشكو ، لمن غيرك يوما تبوح؟
تطفو على طوفان آلامها
وأين في آلامها فلك نوح
أروع شيء صامت في العلى
أفصح مفض بالبيان الصريح
يعير الأرض إذا أظلمت
بما على مفرقه من وضوح
هل تسخر الحكمة مما بنا
من نزوات وعنان جموح
حمقى؟ قصارى كل غاياتنا
عزم مهيض وجناح كسيح
أعيذ عدل الحق من ظلمنا
فكم على القيعان نسر جريح!
ونازح من قمم في عل
أوطانه كل سموق طروح
أنت له كل الحمى المرتجى
وكل مبغاه إليك النزوح
ما النسر إلا راهب في العلى
محرابه وجه السماء الصبيح
وقلبها السمح فما حطه
على الثرى الجهم الدميم الشحيح
على الثرى حيث تسابيحه
نوح الحزانى ونداء القروح
مبتهل باك بدمع الأسى
على الليالي وسقيم طريح
ما أتعس الأرض بعبادها
تبهج من أخلاطهم ما تبيح
قد أنكر الهيكل زواره
وأصبح الدير غريب المسوح
لم يعرف الجسم خلاصا به
من كدرة الطين ولم تنج روح
يا سيد القمة أنصت لنا
لا يعرف الإشفاق قلب مشيح
وانظر إلى السكين في ساحة
قد زمجرت فيها دماء الذبيح
واسكب ندى الحب بأفواهنا
كم من بكي وظمي طليح!
فربما يشرق بعد الضنى
وجه مليح وزمان مليح!
أيها الغائب
أيها الغائب العزيز النائي
فسدت ليلتي وضاع هنائي
قمري أنت ليس لي منك بد
في اعتكار السحائب السوداء
هذه الشرفة التي جمعتنا
يا حبيبي بوجهك الوضاء
سألت عنك فالتفت إليها
وبنفسي كوامن البرحاء
قائلا صه! بالله لا تسأليني
فكلانا من دونها في عناء
أين ذاك الوجه الذي يرسل النو
ر ويوحي إشراقه بالصفاء؟
أين غد؟
يا قاسي البعد كيف تبتعد
إني غريب الفؤاد منفرد
إن خانني اليوم فيك قلت غدا
وأين مني ومن لقاك غد؟
إن غدا هوة لناظرها
تكاد فيها الظنون ترتعد
أطل في عمقها أسائلها
أفيك أخفى خاليه الأبد؟
يا لامس الجرح ما الذي صنعت
به شفاه رحيمة ويد؟
ملء ضلوعي لظى وأعجبه
أني بهذا اللهيب أبترد
يا تاركي حيث كان مجلسنا
وحيث غناك قلبي الغرد
أرنو إلى الناس في جموعهم
أشقتهم الحادثات أم سعدوا؟
تفرقوا أم هم بها احتشدوا؟
وغوروا في الوهاد أم صعدوا؟
إني غريب تعال يا سكني
فليس لي في زحامهم أحد!
شك
تشكين في حبي؟ لك الحق إنني
جدير بهذا الظلم والريب والشك
خليق بأن تنسي هواي فتنطوي
سعادة أيامي التي ذقتها منك
إذا أنا لم أذكرك في كل لحظة
وقصرت لم أسأل ثوانيها عنك
إذا أنا لم أبذل شجاي وعبرتي
على كل وقت ضائع كنت لا أبكي
فلا حب عندي أستلذ به الجوى
بما فيه من سقم وما فيه من ضنك
أليلاي حبي فيك حب موحد
تنزه عن ريب وجل عن الشرك
تبقى بقاء القلب ينبض دائما
وليس لسلوان وليس إلى ترك
ليلة
وليلة بات من أهوى ينادمني
ما كان أجمله عندي وأجملها
بتنا على آية من حسنه عجب
كتابه من خفايا الخلد أنزلها
إذا تساءلت عما خلف أسطرها
رنا إلي بعينيه فأولها
مصوبا سهمه مستشرقا كبدي
مستهدفا ما يشاء الفتك مقلتها
يا للشهيدة لم تعلم بمصرعها
ما كان أظلم عينيه وأجهلها
حتى إذا لم يدع منها سوى رمق
عدا على الرمق الباقي فجندلها
وصد عنها وخلاها وقد دميت
في قبضة الموت غشاها وظللها
وحان من ليلة التوديع آخرها
وكان ذاك التلاقي الحلو أولها
ضممتها لجراحاتي التي سلفت
إلى قديم خطايا قد غفرت لها!
في الباخرة
أحب أجل أحب كأن نبعا
سماويا تفجر في دمائي
لقد طاب الوجود بحالتيه
شقائي فيك أجمل من هنائي
وليلي فيك أحسن من نهاري
وصبحي فيك أجمل من مسائي
فمفترقان فيه إلى لقاء
وملتقيان حتى في التنائي
أميمة إن عمر الحب حقا
لأعجب آية تحت السماء
فما أدري لأيهما ثنائي
ثوانيه السراع أم البطاء
أهذا الحلم يمضي شبه لمح
أم الأبد المديد بلا انتهاء؟
أتفكيري هناك أم انتظاري
لأروع هالة حول البهاء
وأزهى من تثنى في حلي
وأبهج من تهادى في رداء
وأسنى من تخطر في دلال
وأطهر من تعثر في حياء
سيذكر ملتقانا النيل يوما
غداة تعد أيام الصفاء
وحيد غير أني في زحام
من الآمال تترى والرجاء
إلى أن لاح عرش النور مني
قريبا والهلال إلى اعتلاء
فمؤتلق على أفق بعيد
ومنعكس على فضي ماء
كذلك أنت في فكري وروحي
سناك مع الهلال على سواء
وطيف عبقري في خيالي
وحيد الذات مختلف الرواء!
سر بي
أحبك فوق ما عشقت قلوب
ولا أدري الذي من بعد حبي
وأعلم أن كلي فيك فان
وعيني فيك ذائبة وقلبي
وأعلم أن عندك من ينادي
خفيا هاتفا وأنا الملبي
وأعلم أن حبي ليس يشفي
وبعدي ليس يجديني وقربي
ولما لم أجد للحب حلا
هتفت به كما يرضيك سر بي!
وخذني حيث هند لا تسلني
لأية غاية ولأي درب!
الفراق
يا ساعة الحسرات والعبرات
أعصفت أم عصف الهوى بحياتي؟
ما مهربي؟ ملأ الجحيم مسالكي
وطغى على سبلي وسد جهاتي
من أي حصن قد نزعت كوامنا
من أدمعي استعصمن خلف ثباتي؟
حطمت من جبروتهن فقلن لي
أزف الفراق فقلت ويحك هاتي! •••
أأموت ظمآنا وثغرك جدولي
وأبيت أشرب لهفتي وولوعي؟!
جفت على شفتي الحياة وحلمها
وخيالها من ذلك الينبوع
قد هدني جزعي عليك وأدعي
أني غداة البين غير جزوع
وأريد أشبع ناظري فأنثني
كي أستبينك من خلال دموعي •••
هان الردى لو أن قلبك دار
أأموت مغتربا وصدرك داري؟
يا من رفعت بناء نفسي شاهقا
متهلل الجنبات بالأنوار
اليوم لي روح كظل شاحب
في هيكل متخاذل الأسوار
لو في الضلوع أجلت عينك أبصرت
منهارة تبكي على منهار! •••
لا تسألي عن ليل أمس وخطبه
وخذي جوابك من شقي واجم
طالت مسافته علي كأنها
أبد غليظ القلب ليس براحم
وكأنني طفل بها وخواطري
أرجوحة في لجها المتلاطم
عانيتها والليل لعنة كافر
وطويتها والصبح دمعة نادم
ليلة العيد
اليوم منك عرفت سر وجودي
وعرفت من معناك معني العيد
ما كنت بالفاني وسرك حافظي
وبمقلتيك ضمنت كل خلودي
الآن أعرف ما الحياة وطيبها
وأقول للأيام طبت فعودي!
عاد الربيع على يديك وأشرقت
روحي وأورق في ربيعك عودي!
كذب السراب
البحر أسأله ويسألني
ما فيه من ري لظامئه
متمرد عات يضللني
كذب السراب على شواطئه •••
كم جال في وهمي فأرقني
أرب وأين الفوز بالأرب؟
وسرى بأحلامي فعلقها
فوق السهى بلوامع الشهب •••
في يقظة مني وفي وسن
صرح بذروتهن متحد
الفجر والسحر المخضب من
لبناته والقمة الأبد •••
واها لضافي الظل وارفه
قضيت عمري في توهمه
لما طلعت على مشارفه
أيقنت أني فوق سلمه •••
ومن العجائب في الهوى اثنان
لم يضربا للحب ميعادا
ومحير الإفهام لحظان
قرآ كتابهما وما كادا •••
سارا فمذ وقف الهوى وقفا
يتبادلان الشوق والشغفا
عرف الهوى أمرا وما عرفا
من ذلك الداعي الذي هتفا •••
قدر على قدر تلاقينا
كل الذي أدري وتدرينا
أنا أطعناه ملبينا
من أنت؟ من أنا؟ من ينبينا؟
أنت
إن كنت عارفة وواثقة
وبعمق هذا الحب آمنت
فثقي بأنك قبلتي أبدا
وصلاة روحي حيثما كنت
إن كان لي في الدهر أمنية
منشودة أمنيتي أنت
قيثارة الألم
إن حان لحن الختام
صار النشيد دعاء
مر الهوى في سلام
فلنفترق أصدقاء
سر وراء الظنون
أظلني وأضاء
لم أدر ماذا يكون
ولم أسل كيف جاء •••
ما بين ضحك الرياح
وقهقهات الغيوب
ولى خيال وراح
وحل ظل غريب •••
يا ذنب فات المتاب
لما تحطم صرحي
ما لي عليها عتاب
إني أعاتب جرحي •••
وهذه قيثاري
ذات الشجى والأنين
وهذه أوتاري
أصرت لا تطربين؟! •••
يا كم شدوت بلحني
ما بين حزني ودمعي!
ما باله طي أذني
لكن غريبا لسمعي!
حلم الغرام
لا حب إلا حيث حل ولا أرى
لي غير ذلك موطنا ومقاما
وطني على طول الليالي داره
مهما نأى وهواي حيث أقاما
والأرض حين تضمنا مأهولة
لحظاتها معمورة أياما
لا فرق بين شمالها وجنوبها
فهما لقلبي يحملان سلاما
وهما لعهدي حافظان وقلما
حفظ الزمان لمهجتين ذماما
وإذا بكيت فقد بكيت مخافة
من أن يكون غرامنا أحلاما
ولربما خطر النوى فبكيته
من قبل أن يأتي البعاد سجاما
ثلاث سنين
ثلاث سنين أم ثلاث ليال
هي البرق أم مرت كلمح خيال؟
وما كان هذا العمر إلا صحائفا
تلاشت ظلالا رحن إثر ظلال
وما كان إلا أمس لقياك إنه
لأثبت ما خط الزمان ببالي
وما العمر إلا أنت والحب والمنى
وما كان باقي العمر غير ضلال!
عدنا وعدت
عدنا وعدت وعادت
إن الحظوظ أرادت
وبالعجائب جاءت
وما بذاك غريبه •••
إن الغريب التنائي
فإن فيه شقائي
وإن أردت دوائي
داوي الهوى ولهيبه •••
أنت المنى والعباده
وليس عندي زياده
يا هند هذي شهاده
لو أنها مطلوبه •••
وأنت مني كنفسي
هواك يومي وأمسي
وأنت جهري وهمسي
صديقة وحبيبه
المقعد الخالي
هم أناخ فما انجلى
وخلا مكانك - لا خلا!
ليل الحياة وكان لي
لي في الهواجس أطولا
كم لحظة في الصدر نا
شبة كجزاز الكلا!
كالرمس فارغة وإن
حفلت بإيحاش البلى
في إثر أخرى لم تكن
إلا كجرداء الفلا
برحن بي من وحشة
وقتلتهن تململا
وجنن من قلقي علي
ك وكيف لي أن أعقلا؟
قد رشن لي سهما يحا
ول من يقيني مقتلا
فتعرض الماضي الجمي
ل بوجهه متهللا
فلوى عناني فالتف
ت فلم أجد لي موئلا
إلا دروع اليأس إن
اليأس أيسر محملا
يقتادني فأرده
عن خاطري وأقول لا!
يا هند إن يك قلبك ال
وافي تغير أو سلا
وحصدت آمالي فإن
الموت أرحم منجلا
رحلة
نقلت حياتي والحياة بنا تجري
من الحلم المعسول للواقع المر
فيا منتهى فني إلى منتهى الهوى
على ذروة بيضاء في النور والطهر
عرفتك عرفان السماء ولم تكن
سوى همسات النجم ما جال في صدري
وغامت خطوط السفح حتى نسيتها
وحتى توارى السفح من عالم الذكر
وفي القمم الشماء حلقت حائما
وأنبت في أعلى شواهقها وكري
ولم يبق إلا أنت والجنة التي
زرعنا وكللنا بيانعة الزهر
ولم يبق إلا أنت والنسمة التي
تهب من الفردوس مسكية النشر
ولم يبق إلا أنت والزورق الذي
ترنح منسابا على صفحة النهر
فيا منتهى مجدي إلى منتهى الغنى
غنى الروح بعد الضنك والذل والفقر
أعيذك أن أغدو على صخرة لقى
وكنت مجني في مقارعة الصخر
أعيذك بعد التاج والعرش والذي
تألق من ماس وشعشع من تبر
أعيذك من ردي إلى سفه الثرى
وحطته بين الأكاذيب والغدر
أعيذك أن تنسي ومن بات ناسيا
هواه فأحرى بالنهى عقم الفكر
إذا ما ذكرت العمر يوما تذكري
هوى وزمانا لا يتاحان في العمر
فيا لك من حلم عجيب ورحلة
تعدت نطاق الحلم للأنجم الزهر!
ويا لك من يوم غريب وليلة
عفت وغفت عن ظلم روحين في أسر!
ويا لك من ركن خفي وعالم
خفي غني بالمفاتن والسحر!
ويا لك من أفق مديد ومولد
جديد لقلبينا! ويا لك من فجر!
عرفتك عرفان الحياة أحسها
وأبصرها من كان يخطو إلى القبر
عرفتك عرفان النهار لمقلة
مخضبة الأحلام حالكة الذعر
رأت بك روح الفجر حين تبينت
بياض الأماني في أشعته الحمر
بي الجرح جرح الكون من قبل آدم
تغلغل في الأرواح يدمى ويستشري
تولته بالإحسان كف كريمة
مقدسة الحسنى مباركة السر
فإن عدت وحدي بعد رحلتنا معا
شريدا على الدنيا ذليلا على الدهر
رجعت بجرحي فاغر الفم داميا
أداريه في صمت وما أحد يدري
هو العيش فيه الصبر كاليأس تارة
إذا انهارت الآمال واليأس كالصبر
عرفتك كالمحراب قدسا وروعة
وكنت صلاة القلب في السر والجهر
وقد كان قيدي قيد حبك وحدة
أنا المرء لم أخضع لنهي ولا أمر
وأعجب شيء في الهوى قيدك الذي
رضيت به صنوا لإيماني الحر
برمت بأوضاع الورى كل أمرهم
وسيلة محتاج ومسعاة مضطر
برمت بأوضاع الورى ليس بينهم
وشائج لم توصل لغاي ولا أمر
إذا كان ما استنوا وما شرعوا القلى
فذلك شرع الطين والحمأ المزري
تمردت لا ألوي على ما تعودوا
ونفسي بهذا الشرع عارمة الكفر
وهب ملكي الغالي الكريم وحارسي
تخلى فما عذر الوفاء؟ وما عذري؟
عشقتك لا أدري لحبي مبدأ
ولا منتهى حسبي بحبك أن أدري
إذا شئت هجرانا فما أتعس المدى
من النور لليل المخيم للحشر!
شعرة
وشعرة خطفتها
كأنني قطفتها
ملكت ملك الدهر وح
دي حينما ملكتها
إذا الرياح نازعت
ني أمرها ضممتها
بقبضتي خائفا
إذا اعتدت رددتها
وفي مكان ليس في
بال جرى خبأتها
خبأتها حيث إذا
جن الهوى رأيتها
حبستها قرب عيو
ني إن أشأ نظرتها
كأنما في بصري
ومقلتي أخفيتها
هذي لدي صورة
من حالنا جلوتها
أنت كهذي الشعرة الس
مراء مذ عرفتها
أقسم بالحب وها
تيك السنين عشتها
كأنني في جنة ال
فردوس قد قضيتها
يوم الجمعة
أصبحت يوم الجمعه
ذا غربة ما أضيعه!
منفردا لا خل لي
وأين من قلبي معه؟
ضاقت بي الأرض فما
في فسحة الكون سعه
أقطع يومي مبطئا
كأنني لن أقطعه
إني امرؤ يفضي إلى
أزمانه المرقعه
يلم من شتاتها
بجهده ما وسعه
فلا يصيب غير ما
روعه وفزعه
ولا يصيب غير ما
أمله وصدعه
يا هند من يعيد لي
آمالي المزعزعه؟
وإن يوما واحدا
حباله مقطعه
فكيف لو مر بنا
ثلاثة أو أربعه؟
قلبي خلا من نسمة
مشرقة مرصعه
طالعه اليوم بها
كأنه قد ودعه
إن عاشه دونك يا
هند تمنى مصرعه
تعلة
هكذا كل جميله
ليس لي في الغدر حيله
انج منها وامض عنها
أخذت قلبك غيله
بعد هاتيك الليالي
المطمئنات الظليله
بخلت ليلاك حتى
بالتعلات القليله
لم تدع للقلب من طو
ل التباريح وسيله
لم تدع للقلب ما يش
في من الوجد غليله
لم تدع إلا رفيفا
من نسيم في خميله
وخيالات يداوي
طيفها نفسي العليله
والرسالات اللواتي
والأكاذيب النبيله
من لي؟
أناشدك الهوى هل أنت مثلي؟
نهاري فيك أشجان وليلي
زمان لا يفارقني عذابي
ولازمني الشقاء به كظلي
كأن الليل أصبح لي مدادا
أسطر منه آلامي ويملي
حياتي فيه قفر بعد قفر
وعمري فيه كالأبد الممل
أبعد جوار هند والأماني
أكابد جيرة النجم المطل
أحبك لا أمل لقاك يوما
ومن لي بالذي يدنيك؟ من لي؟
أحبك لست أدري سر حبي
وعلمي فيه أشقاني كجهلي
أقول لعل هذا الدهر يصفو
ويا أسفاه لو تغني لعلي
أحاول سلوة وأرى الليالي
بغير هواك لي هيهات تسلي
في لبنان
قلب تقسم بين الوجد والألم
هل عند لبنان نجوى النيل والهرم؟
أشكو جواي إلى الروح التي احتضنت
ناري وضمت إلى أسقامها سقمي
وقاسمتني الهوى حتى إذا رحلت
ألقت فؤادي بضنك غير مقتسم
ميثاقنا أسطر من مدمع ودم
يا طاهر النفحة اذكر طاهر القسم
يا من أعاتب دهري إذ أودعه
وما عتابي على الأقدار والقسم
إن النوى غربته وهي عالمة
أني رجعت أداري النار بالضرم
ورنحت بعده خطوي وما عرفت
من عثرة الحظ أم من عثرة القدم
خلت وران عليها الصمت وانقلبت
كأنما لفها ثوب من العدم
بالله أيامنا هل فيك منتفع
ونحن من سأم نمشي إلى سأم؟
وما أرقع ثوبا فيك منخرقا
لكن أرقع جرحا غير ملتئم
في شم النسيم
أنت يا من جعلت روض حياتي
مهد ورد إليك وردك ردا
آية الورد أنه نفحة من
ك ومن عطرك العبير استمدا
هذه باقة من الورد تجثو
ملك في الرياض أصبح عبدا
يا جمال الجمال من خلد الحس
ن جميعا في نظرة منك تندى؟
يا صباح الصباح من يملك الأض
واء وصفا أو الفرائد عدا؟
ليس بدعا يا وردة العمر أن كا
نت لمغناك وردة الروض تهدى
لا تظني وردا يكافئ وردا
أنت أغلى حسنا وأكرم وردا
غير أني وإن عجزت عن التق
دير حاولت ما تمكنت جهدا
باعثا للوفاء وردا وللقل
ب إلى أعمق السرائر ودا
وإلى العيد أنت عيد لأيا
مي جميعا أنت الحبيب المفدى
في العيد
أفدي نهارا طلعت فيه
نجم جمال ونجم سعد
إني لهذي العيون عبد
والدهر - إما رضيت - عبدي
إن كان عيد به وورد
فأنت عيدي وأنت وردي
يا خير من مر في وجودي
إنك كل الوجود عندي
عندي خفي من الأماني
أضعاف ما جئت فيه أبدي
معذرة في القليل إني
والله أعيا الكثير جهدي
يا فتنتي والهوى ديون
حسبي أني له أؤدي
ما أنت؟ من أنت؟ هل مجيب
على سؤال بغير رد؟
لم يخلق الله من جمال
يلفه في سني برد
حسن قصاراه من شفاه
عطر ثناء وطيب حمد
ويخلق الله معجزات
يجمعها كلها بفرد
بسحر عينيك كيد باغ
وسحر عينيك للتحدي ...
رثاء كلب صغير
قالت «لميكي» سر بنا
نمشي لحاجتنا الهوينى
فأطاع مسرورا كعا
دته ولم يسأل لأينا •••
فيم السؤال وكل ش
يء طيب من أجلها
وبنفسه حب قصا
راه الحياة بظلها
ماذا تغير عزة
أو ذلة في حبها
سارت وكل متاعه
في أن يسير بقربها •••
يستاف نعليها ويأ
بى في الوجود منافسا
فإذا تخيل دانيا
من تربها أو لامسا
يختال ملء نباحه
زهوا ويخطر حارسا! •••
عجبا له ولزهوه!
ما يصنع الواهي الصغير؟
ما يصنع الناب الضعي
ف وما يخيف ولا يجير؟ •••
لكن «ميكي» لا يبا
لي أن يموت فداءها
في وثبه هيهات يس
أل ما يكون وراءها •••
الأمر كل الأمر أن
يغدو يدافع دونها
والنفس تنكر في الضح
ية عقلها وجنونها •••
من ذلك الظل الملا
زم في الحياة وفي الطريق؟
المخلص الوافي إذا
عز المنادم والرفيق •••
من قلبه صاف ودي
دنه الولاء المطلق
فكأنما فيه الولاء
سجية تتدفق •••
وإذا أسيء فإن أس
مى الحب أن يبدي رضاءه
والصفح عند ذوي القلو
ب البيض من قبل الإساءه •••
مهما نظرت له نظر
ت إلى معين من حنان
يفضي إليك بسره ال
ذنب الصغير ومقلتان! •••
لا بأس إن هند جفت
وقست أليست ربته؟
أقصته ثم تلفتت
ترجو إليها أوبته •••
زجرته أو نهرته أو
كفت على جرم يده
فهي التي لم تنسه
والأكل ملء المائده •••
وهو الذي في بعدها
لم يألها طول ارتقاب
يقظان ينتظر المآب
وثوى يراقب خلف باب! •••
هند التي اتخذته من
دون الخلائق إلفها
بحثت عن الإلف الصغي
ر فلم تجده خلفها •••
ميكي! وما ميكي ومصر
عه على الدنيا جديد
نفس يذوب وصرخة
تدوي هنالك من بعيد •••
وتلفتت هند لمو
ضعه تغالب وجدها
لا شيء، قد سارت برف
قته وترجع وحدها •••
خرجت به جذلان يض
حك مثلما ضحك الصباح
فكأنما خرجت به
ليلاقي القدر المتاح •••
سارت به صبحا وعا
دت بالمواجع والدموع
يغدو الحزين على الأسى
وأشق شطريه الرجوع
خطاب
قبلت خطك ألفا
ولم أدع منه حرفا
قد كنت توأم قلبي
وكنت في الغيب إلفا
يا هند ما الحسن إني
أجل حسنك وصفا
رأيته بخيال
على جمالك رفا
وكيف أخفي اشتياقي؟!
ما بيننا ليس يخفى!
آه
آه من مية آه ثم آه
وحبيب سحرتني مقلتاه
لو تمنيت قبيل الموت ماذا
أتمنى؟ قلت تقبيل ثراه!
أتمنى الموت من مقلته
ما الذي يمنع أن أشتاق فاه
آه من مية آه ثم آه
وحبيب عزني اليوم لقاه!
في ليلة غارة
يا مية الحسناء هل يغزو الهوى
قلبين ما كانا على ميعاد؟
لا شيء إلا أن ذكرت فهزني
طرب وبات على الحنين فؤادي
وظللت أحلم والتفت لساعة
تدنو إلي بطيفك المياد
يا مي إن قد منيت بظلمة
والليل يجثم فوق صدر الوادي
فأنرت لي قلبي وصرت كأنما
هذا السواد الجهم غير سواد
سمراء المحفل
ملكي ومحرابي وقد
س فؤادي المتبتل
لمن الجمال الفخم ير
فل في الغلائل والحلي؟!
متألقا في خاطري
متألقا في المحفل
أقبل بما ولت به ال
دنيا وهات وعلل
وابسط جناحك فوق قل
بينا الغداة وظلل
طر حيث شئت فإن دنو
ت لناظري فتمهل
واها لهذي الطلعة الس
مراء عند المجتلي
بغلائل الأضواء وش
تها رقاق الأنمل
وشت بشاشتها نضا
رة وجهك المتهلل
فكأن طفل الفجر نا
م على وسادة جدول!
روض الحسن
في أي روض من رياضك أمرح؟
وبأي آلاء لديك أسبح؟
ثمر على ثمر وإن المجتني
ليحار من عذب الجنى ما يطرح
بالشعر أم بالمقلتين معلق
من ناظري وخواطري لا يبرح
تلك المحاسن في نهاي جميعها
رفافة ومغردات صدح
فإذا غفوت فإنني أمسي بها
وعلى مغانيها الفواتن أصبح
قلبي الثاني
أحببت مية حبا لا يعادله
حب وأفنيت فيها العمر أجمعه
أحب عمري الذي في قرب مي وما
قد مر من دونها ما كان أضيعه!
يا مي يا قلبي الثاني أعيش به
وإن يكن فوق ظني أنني معه
يا بضعة من كيان الصب نابضة
بكل حب به الرحمن أودعه
ما أضيع الصبر!
ما أضيع الصبر في جرح أداريه!
أريد أنسى الذي لا شيء ينسيه
وما مجانبتي من عاش في بصري
فأينما التفتت عيني تلاقيه!
ما حيلتي؟
ما حيلتي يا هند؟ وجهك لاح لي
بأنوثة جبارة الطغيان
يا هند، أين رجولتي وعزيمتي
في قرب وجه ساحر فتان؟
وأنا حزين ظامئ قد جد لي
ورد وراء معينه شفتان!
يا نسيم البحر
يا نسيم البحر ريان بطيب
ما الذي تحمل من عطر الحبيب؟
صافحتني من نواحيك يد
تمسح الدمعة عن جفن الغريب
وتلقاني رشاش كالبكا
وهدير مثل موصول النحيب
ذات الليلة
بين سهد وعذاب وضنى
مر ليلي، ذاك حالي وأنا
أسأل الأنجم عن حال المنى
يا حبيبي كيف صارت بيننا
كيف أمسى يا حبيبي عهدنا
بعدما طاب هوانا، ودنا
كل ما كان بعيدا، ورنا
كل نجم من سماوات السنا؟ •••
آه لو ينظر حالي الآن آه
حينما ضاقت بآلامي الحياه
ندم النجم على غالي سناه
ورأى كيف انطوينا فطواه
إلى هند
غرامك لي معبد طاهر
دعائمه شيدت من ولوعي
تعهدت محرابه بالوفاء
وأوقدت فيه الهوى من شموعي
جوانبه من دموعي قامت
وأضلعه بنيت من ضلوعي
ومن ذا رأى هيكلا في الوجود
يقام على عمد من دموع؟
يا دار هند
إني لأقنع من ظلال أحبتي
بحنان أخت أو بكف مسلم
وبجلسة طابت لدي بغرفة
حملت عبير الغائب المتوسم
يا أخت هند خبريها أنني
صب يعيش بمهجة المتألم
صب سئمت من الحياة بدونها
أنا لا أحب إذا أنا لم أسأم
ومضى النهار ولا نهار لأنه
يمتد عندي كالفراغ المظلم
يا دار هند إن أذنت تكلمي
يا دارها عيشي لهند واسلمي
فدمي الفداء لحب هند وحدها
وأنا المقصر إن بذلت لها دمي
ولقد حلفت لها ودمعي شاهد
أني فنيت علمت أم لم تعلمي!
شفاعة
لا تمح روعتها بذكر فعالها
دعها تمر كما بدت بجلالها
لا تنكرن الشمس عند غروبها
أو ما نعمت بدفئها وظلالها؟!
إن كان فاتك مجدها رأد الضحى
فاحمد لها ما كان من آصالها
قسوة
قست الحياة على الطري
د فقم بنا ننعى الحياه
وقسا الحبيب على الغري
ب فلا الدموع ولا الصلاه
فرغ الحديث ومن رواه
طوي الكتاب فمن طواه؟
عجبا لهذا الحب من
بدء الزمان لمنتهاه
وقضائه بين الذي
حفظ الوفاء ومن سلاه
قتلى الهوى لا يذكرو
ن ولا حساب على الجناه
محنة
هي محنة وزمان ضيق
وتكشفت عن لا صديق
جربت أشواك الأذى
وبلوت أحجار الطريق
وكأن أيامي التي
من مصرع ليست تفيق
وكأن موصول الضنى
يمتاح من جرح عميق
زرع على ظلل فذا
أبدا لصاحبه رفيق
هذا الذي سقت الدمو
ع وذاك ما أبقى الحريق
الحب والربيع
جددي الحب واذكري لي الربيعا
إنني عشت للجمال تبيعا
أشتهي أن يلفني ورق الأي
ك وأثوي خلف الزهور صريعا
آه در بي على الرفاق جميعا
واجعل الشمل في الربيع جميعا
لا تقل لي اشتر المسرة والجا
ه فإني حسن الربى لن أبيعا
فلغيري الدنيا وما في حماها
إنني أعشق الجمال الرفيعا
أنا من أجله عصيت وعذب
ت وأقسمت غيره لن أطيعا
وبطيب الربيع أقتات زهرا
وعبيرا ولا أكابد جوعا
فهو حسبي زادا إذا عفت الدن
يا وأقوت منازلا وربوعا
إلى ابنتي ضوحية
يا من طلبت الشعر هاك تحيتي
وهواي يا روحي ويا ضوحيتي
أيراد تفصيل لما عندي وكم
قلب وموجز أمره في لفظة
لكن فن الشعر ورد أحبة
يهدى فهاك قصيدتي بل وردتي
والشعر روض يانع وعبيره
سار إلينا من عبير الجنة
وأراك روضة رقة ومحاسن
هل روضة تهدي البيان لروضة؟
فإليك يا أغلى عزيز يا ابنتي
وأحب من تصبو إليه مهجتي
تذكار والدك المحب وديعة
فإذا ذكرت فهذه أمنيتي
والخط مثل الرسم إن يوما نأى
رسمي فللأثر العزيز تلفتي
غيوم
أمل ضائع ولب مشرد
بين حب طغى وجرح تمرد
وضلال مشت إليه الليالي
هاتكات قناعه فتجرد
وبدا شاحبا كيوم قتيل
لم يكد يلثم الصباح المورد
غفر الله وهمها من ليال
صورت لي الربيع والروض أجرد
قاسمتني الورقاء أحزان قلبي
وشجاه وغردت حين غرد
ثم ولت والقلب كالوتر الدا
مي يتيم الدموع واللحن مفرد
ما بقائي أرى اطراد فنائي
وانتهائي في صورة تتجدد
ورثائي وما يفيد رثائي
لأمان شقية تتبدد
عبثا أجمع الذي ضاع منها
والمنايا مني ومنها بمرصد
وبقائي أبكي على أمل با
ل وأحنو على جريح موسد
واحتيالي على الكرى وبجفني
قتاد ولي من الشوك مرقد
وشكاتي إلى الدجى وهو مثلي
ضائع صبحه ضليل مسهد
وشخوصي إلى السماء بطرفي
وندائي بها إلى كل فرقد
فجعتني الأيام فيه فلم يب
ق على الأرض ما يسر ويحمد
ذهبت بالجميل والرائع الفخ
م وطاحت بكل قدس ممجد
مال ركن من السماء وأمسى
هلهل النسج كل صرح ممرد
رب عفوا لحيرتي وارتيابي
وسؤال في جانحي يتردد
هو همس الشقاء ما هو شك
لا ولا ثورة فعدلك أخلد
أين يا رب أين من قبل حيني
ألتقي مرة بحملي الأوحد؟
بخليل ما رده كيد نما
م ولم يثنه وشاة وحسد
وحبيب إذا تدفق إحسا
سي جزاني بزاخر ليس ينفد
وعناق أحسه في ضلوعي
دافقا في الدماء كاليم أزبد
ذهب العمر
قضيت العمر تذكر لي
وأذكر في الهوى جرحك
فقم نسخر من الأمل
ومن أعماقنا نضحك! •••
وقم نسخر من الدنيا
وقم نله مع اللاهي
طويت صحيفة الأمس
فدعها في يد الله •••
هي الدنيا كما كانت
وماذا ينفع الوعظ؟!
وما عتبت ولا خانت
ولكن خانك الحظ •••
أردنا الجاه والذهبا
فلم يتلطف المولى
وهذا العمر قد ذهبا
وأحسن ما به ولى
رباعيات
صيرك الحسن أمير الوجود
والشعر من دراته كللك
مستلهما منك معاني الخلود
فكل تاج في العلى منك لك •••
فناهب برق الثنايا العذاب
وسارق ياقوته من فمك
وكل تغريد الهوى والشباب
أغنية حامت على مبسمك •••
وذلك الماس الرفيع السنا
والجوهر الغالي الذي صدته
أرفع من فكر الورى معدنا
وكل فضلي أنني صغته! •••
لا فكر لي، عشت على فكرتك
أقبس ما أقبس من غرتك
ودمعتي تقتات من عبرتك
فانظر بمرآتي إلى صورتك •••
أشقاني الحب وقلبي سعيد
يعد هذا الدمع من أنعمك
أجزل ما كافأ هذا الشهيد
بلوغه المجد على سلمك •••
لا شيء من يوم النوى منقذي
إني امرؤ عنك وشيك المسير
وأنت باق والجمال الذي
غنى به شعري ليومي الأخير •••
انظر إلى آيات هذا الجمال
ترتد عنها عاديات البلى
عاجزة الباع ويأبى الزوال
لوردة من عدن أن تذبلا •••
للأنفس الظمأى إليك التفات
ولهفة ملء اللحاظ الجياع
ولي التفات لسري الصفات
واللؤلؤ اللماح خلف القناع •••
قلبي مع الناس وفكري شرود
في عالم رحب بعيد الشعاب
عيني على سر وراء الوجود
وبغيتي عرش وراء السحاب! •••
كم طرت بي واجتزت سور الضباب
والضوء ملء القلب ملء الرحاب
وعدت بي للأرض أرض السراب
والليل جهم كجناح الغراب •••
أريتني الغيب الذي لا يرى
كشفت لي ما لا يراه البصر
ثم انحدرنا نستشف الثرى
عل وراء الترب سر السفر •••
صدري وساد زاخر بالحنان
تصوري أعجب ما في الزمان
موج على لجته خافقان
قرا على أرجوجة من أمان •••
كمركب في البحر يوم اغتراب
ما أبعد المحنة بعد اقتراب
هيهات ينجي من شطوط العذاب
إلا عباب دافق في عباب •••
ملأت كأسي وانتظرت النديم
فما لساقي الروح لا يقبل؟!
شوقي جحيم وانتظاري جحيم
أقل ما في لفحه يقتل •••
أنت كريم الود حلو الوفاء
فما الذي عاقك هذا المساء؟
وما الذي أخر هذا اللقاء
وحرم النبع وصد الظماء؟ •••
أذم هذا الوقت في بطئه
آخره يعثر في بدئه
لله ما أحمل من عبئه
وما يعاني القلب من رزئه •••
تدق فيه ساعة لا تدور
وإن تدر فهو صراع اللغوب
رنينها يقلق صم الصدور
وطرقها يقرع باب القلوب •••
يا ذاهبا لم يشف مني الغليل
ما أسرع العقرب عند الرحيل
هتفت: قف لم يبق إلا القليل
وكل حي سائر في سبيل! •••
يوم تولى أو ظلام سجا
كلاهما بالقرب منك انتصار
أأحمد اليوم تلاه الدجى
أم أحمد الليل تلاه النهار؟ •••
إن نور النجم به مرة
فإن إشراقك لي مرتان
وكيف يبقي الشك لي حيرة
ولي على برج المنى نجمتان؟ •••
فهذه تلمع في خاطري
ملء دمي إشراقها والبهاء
وهذه تومئ للساهر
والليل صاف وأديم السماء •••
وهذه تجلو كثيف الغيوم
وهذه تدرأ عني الهموم
وتمحق الحزن وتأسو الكلوم
فما الذي أجرى دموع النجوم؟ •••
هيهات أنسى درة الأنجم
إلي من آفاقها ترتمي
وفي جريح أعزل تحتمي
من أي هول؟ هي لم تعلم! •••
إن ضلوعا تحتمي في ضلوع
مقادر ليس بها من رجوع
أخلد أصفاد الجوى والنزوع
هوى الحزانى وعناق الدموع •••
رضيت بالدهر على ما جنى
وأبت بالحكمة بعد الجنون
ومر يومي هادئا ساكنا
وأي شيء خادع كالسكون •••
أرنو إلى الصحراء حيث الرمال
نامت كأن اللفح فيها ظلال
يا ليت لي والدهر حال وحال
من وقدة الإحساس بعض الكلال •••
فأقبل الدنيا على حالها
مسلما بالغدر في آلها
وراضيا عنها بأغلالها
محتملا وطأة أثقالها •••
الرعب سيان بها والأمان
والحسن زاد سائغ للزمان
والوهم في حالاتها كالعيان
والحب والكره بها توأمان •••
وددت لو قلبي كهذي القفار
أصم لا يسمع ما في الديار
أعمى عن الليل بها والنهار
وددت لو قلبي كهذي القفار •••
وددت لو عندي جهل الثرى
تعمر أو تقفر هذي البيوت
غفلان لا يعنيه أمر جرى
أيولد الحي بها أم يموت •••
وليلة تمضي وأخرى وما
جئت فهل ألهاك عني أحد؟
ما ضاء من ليلاتنا أظلما
والسبت خداع بها كالأحد •••
يمتلئ السطح على ضيقه
والوقت عندي كانفساح الأبد
حسدته والقلب في ضيقه
أنا الذي لم أدر طعم الحسد •••
وذلك (الچاز) وهذا النغم
منتقلا بين الرضا والألم
يحمل لي طيف خيال قدم
تراه عيني في ثنايا حلم •••
في واحة يرسو عليها الغريب
فكل ما فيها لديه غريب
وهكذا الدنيا خداع عجيب
إذا خلت أيامها من حبيب •••
وهكذا يوم ويوم سواه
ينكرها القلب الصبور الحمول
وهكذا يذهب طيب الحياه
بين التمني واعتذار الرسول •••
هنا مهاد الحب هل تذكرين؟
وها هنا بالأمس طاب السمر
وتلك الأحلام الهوى والسنين
يحملها التيار فوق النهر •••
والقمر الفضي بين الغيوم
يخفق كالمنديل عند الوداع
يا حسرتا! هل صورته الهموم
كالزورق الغارق إلا شراع •••
قد جللته غيمة عابره
تسحب أذيال الأسى والندم
وأغرقته موجة غامره
فأطبق الصمت وران العدم •••
ضممت أضلاعي على نعشه
فلم يزل فيها لهاو شعاع
لأي غور زال عن عرشه
وغاص في اللج إلى أي قاع •••
أرثي لحظ الأفق وهو الذي
يرمقني بالنظرة الساخره
وتهرب الأنجم هذي وذي
ويجثم الليل على القاهره •••
ويزحف الكون على خاطري
كأنه في مقلة الساهر
سد من الرعب بلا آخر
يعب عب الأبد الزاخر •••
وفي ظلال الموت موت الوجود
وخلف أطلال البلى والهمود
وبين أنفاس الردى والخمود
وتحت سحب عابسات وسود •••
تدفعني عاصفة عاتيه
تقصف من خلفي وقداميه
قد مزقت روحي وآماليه
وقربت لي طرف الهاويه! •••
تلمع في الظلمة أحداقها
قد رحبت باليأس أعماقها
شافية النفس وترياقها
مشتاقة أقبل مشتاقها •••
قد كان لي عندك عز الذليل
وكان للآمال ومض ضئيل
يلمع في ظني قبل الرحيل
فانطفأ النور ومات القليل •••
فداك يا جاهلة ما بيه
قلبي وأنفاسي الظماء الحرار
وكيف أنسى ليلتي الداميه
ولهفتي ألهث خلف القطار؟ •••
وعودتي أجرع كأس الحياة
معاقرا سم الفناء البطيء
أنكر أو أفزع ممن أراه
سيان من يذهب أو من يجيء •••
وليلة فاضت بوسواسها
تعجب من إلفين بين البشر
ذلك يعدو خلف أنفاسها
وهذه تتبع سير القمر •••
تتبعه بين الربى والشعاب
تتبعه يسري خلال الحساب
كم هللت وهو يضيء الرحاب
والتفتت محسورة حين عاب •••
وذلك الطفل اللهيف الغيور
في فلك من ضوء ليلى يدور
يقفو خطاها وهي بين الطيور
لها جناحان مراح ونور •••
كزورق يعبر بحر الوجود
له شراعان ولحظ شرود
كم شرقا أو غربا في صعود
وارتفعا حتى كأن لن يعود •••
ليلى ارجعي إني شقي كئيب
أهتف مفقود الهدى والقرار
يا هاته الأوطان إني غريب
وعالمي ليس هنا يا ديار! •••
تركتني وحدي وخلفتني
أرزح تحت المبكيات الثقال
أنكرت ميثاقي وأنكرتني
أكل ماضينا وليد الخيال؟ •••
فرغت من أحلامه وانطوى
بمره وارتحت من عذبه
الأمر ما شئت فذنب الهوى
على الذي يكفر يوما به •••
كان إلى الله سبيلي وما
كان إلى الإيمان درب سواه
وكان في جرح الهوى بلسما
وكان عندي منحة من إله •••
مهما تكن ناري فإن الجحيم
أرأف بي من ظلم هذا البعاد
ورب هم مقعد أو مقيم
قد لطفته نسمات الوداد •••
فخفت النار وقر الهشيم
وعاودتني الذكر الغابره
والنيل يجري هادئا والنسيم
معربد في الخصل الثائره •••
كم تهتف الأيام: خانت فخن
ويح حياتي إن تخن أمسها
إن هنت هذا عهدها لم يهن
ولا لياليها وإن تنسها •••
تهيب بي الفرصة قبل الفوات
ويعرض الصيد فلا أقنص
إني امرؤ زادي على الذكريات
وما غلا عندي لا يرخص •••
ومطلب في العمر ولى وفات
وكان همي أنه لا يفوت
كأن فجرا ضاحكا في مات
وملء نفسي مغرب لا يموت •••
في السأم الحي الذي لا يبيد
والأمل الطاغي بأن ترجعي
أجدد العيش وما من جديد
وأدعي السلوان ما أدعي! •••
كم خانني الحظ ولا أنثني
أقضي زماني كله في لعل
وتقسم المرآة لي أنني
رقعت بالآمال ثوب الأجل •••
قد فاتني الصيف وخان الربيع
وكان همي كله في الخريف
وما شكاتي حين شملي جميع
وأنت لي أيك وظل وريف •••
والآن قد مزق عندي القناع
موت الأباطيل وزحف الشتاء
وبدد الوهم وفض الخداع
برد المنايا وشحوب الفناء •••
وأسف القلب لكنزي الذي
غصت به أفئدة الحسد
صحوت من وهمي ولا كنز لي
قد صفرت منها ومنه يدي •••
أين زمان مكتس يومه
بالحب موشي بحلم الغد
من هاته الأيام محرومة
عريانة الآمال والموعد؟! •••
قد قتل الدهر هنائي كما
ماتت بثغري ضحكات السعيد!
وربما رق زمان قسا
فانعطف الجافي ولان الحديد •••
محقق الآمال أو واعد
بفرحة يوم لقاء وعيد
فإن يعدني ثار شكي به
كأنما وعد الليالي وعيد! •••
وا آسفا هذا سجل كتب
خطته كف القدر المحتجب
ففيم عودي لقديم الحقب
وفيم تسآلي عما ذهب؟ •••
ضاقت بنا مصر وضقنا بها
وكل سهل فوقها اليوم ضاق
وضاقت الدنيا على رحبها
أين نداماي؟ وأين الرفاق؟ •••
كف تلم العمر والعمر راح
وقبضة تجمع شمل الرياح
لا حبب باق ولا ظل راح
ليل تولى وتولى صباح •••
هذا نهار مات يا للنهار
كل مساء مصرع وانهيار
مال جدار النور بعد انحدار
وغابت الشمس وراء الجدار •••
وذا مساء صبغته الهموم
بلونها القاني وهذي غيوم
تحوم والظلمة فيها تحوم
تبسط مهدا لينا للنجوم •••
كأن ثوبا في السماء احترق
فلم يزل حتى استحال الأفق
ظل دخان أو بقايا رمق
ولم يعد إلا ذيول الشفق •••
وتزحف الظلماء زحف المغير
حاجبة ما دونها كالستار
وكل حي وادع أو قرير
ما اختلف الشأن ولا الحظ دار •••
العيش أمر تافه والمنون
والحكمة الكبرى بها كالجنون
وهكذا نمضي وتمضي السنون
وهكذا دارت رحاها الطحون •••
في شجها حينا وفي طعنها
سينقضي العمر وأين الفرار؟
وثورة الشاكين من طحنها
نوح الشظايا وعتاب الغبار!
وراء الغمام
الإهداء
أنت وحي العبقريه وجلال الأبديه
أنت لحن الخلد والرحمة في أرض شقيه
أنت سر تعبت فيه العقول البشريه
إن تكن أشجتك أشعاري وأناتي الشجيه
فتقبل طاقة بالدم والدمع نديه
وارض عنها وإذا لم ترض فاغفر لي الهدية •••
يا حبيبي! نضب العمر وقربنا الضحيه!
إن يكن قد شقي الماضي فما أهنا البقيه
في خيالات غوال وأمان ذهبيه
يطلع الصبح عليها مثلما تمضي العشيه
أنت صهباء السماوات، وروح قدسيه
بت تسقيني فتنسيني أوجاعي العصيه
فسلاما كل حين وغراما وتحيه!
المآب
رفيق من رفاق الصبا، رآه الناظم عليلا محمولا بعد غربة طويلة.
لمن العيون الفاترات ذبولا
ومن الخيال موسدا محمولا
يا هم قلبي في صبا أيامه
وسهاد عيني في الليالي الأولى
عيناي كذبتا وقلبي لم تدع
دقاته شكا ولا تأويلا
يا أيها الملك العليل أفق تجد
مضناك بين العائدين عليلا
يوم المآب كم انتظرتك باكيا
وبعثت أحلامي إليك رسولا
خاطبت عنك فما تركت مخاطبا
وسألت حتى لم أدع مسؤولا
وغرقت في الأمل الجميل فلم أدع
متخيلا عذبا ولا مأمولا
وبكيت من يأسي عليك فلم أذر
عند المحاجر مدمعا مبذولا
وأسائل الزمن الخفي لعله
يشفي أواما أو يبل غليلا «يا أيها الزمن الذي أسراره
لا تستطيع لها العقول وصولا» «بالله قل أوما وراءك لحظة
جمعت خليلا هاجرا وخليلا؟»
هي لحظة وهي الحياة ومن يعش
من بعدها يجد الحياة فضولا
مر الظلام وأنت ملء خواطري
ودنا الصباح ولم أزل مشغولا
وأتى النهار على فتى أمسى بما
حمل النهار من الشؤون ملولا
وكذا الحياة تمل إن هي أقفرت
ممن يهون عبئها المحمولا
كد على كد ولست ببالغ
إلا ضنى متتابعا ونحولا
صدأ الحوادث بدل الإشراق في
فكري وكدر خاطري المصقولا
وتتابع الأنواء في أفق الصبا
لم يبق لي صحوا أراه جميلا
ذهب الصبا الغالي وزالت دوحة
مدت لنا ظل الوفاء ظليلا
أيام يخذلني أمامك منطقي
فإذا سكت فكل شيء قيلا!
ويثور بي حبي فإن لفظ جرى
بفمي تعثر بالشفاه خجولا
يا من نزلت بنبعه أرد الهوى
فأذاقنيه محطما ووبيلا
ما راعني ما ذقته وخشيت أن
ألقاك بالداء الدفين جهولا
فأشد ما عانى الفؤاد صبابة
شبت وظل دفينها مجهولا!
ساعة لقاء
يا حبيب الروح يا روح الأماني
لست تدري عطش الروح إليكا
وحنيني في أنين غير فاني
للردى أشربه من مقلتيكا •••
آه من ساعة بث وشجون
ولقاء لم يكن لي في حساب
وحديث لم يدر لي في الظنون
يا طويل الهجر يا مر الغياب •••
حل يا ساحر صفو وسلام
بعد فتك البين بالقلب الغريب
ودنا روض وظل وغمام
بعد فتك النار بالعمر الجديب! •••
مرت الساعة كالحلم السعيد
ومشت نشوتها مشي الرحيق
ذهب العمر، وذا عمر جديد
عشته من فمك الحلو الرقيق! •••
مرت الساعة والليل دنا
والهوى الصامت يغدو ويروح
وتلاشت واختفت أجسادنا
واعتنقنا في الدجى روحا بروح •••
تسمع الشعر وشعري منك لك
وبإلهامك أبدعت الروي
أنت يا معجزة الحسن ملك
كل لفظ منك شعر قدسي •••
راجعتنا في جلال وسكوت
وتوالت صور الماضي الحزين
كيف يبلى يا حبيبي أو يموت
ما طبعناه على قلب السنين •••
كيف يفنى ما كتبناه بنار
وخططناه بسهد ودموع
يشهد الليل عليه والنهار
والشهيد المتواري في الضلوع •••
التقت أرواحنا في ساحة
كغريبين استراحا من سفر!
وحططنا رحلنا في واحة
زادنا فيها الأماني والذكر •••
وتساءلت عن الماضي وهل
حسنت دنياي في غير ظلالك؟
يا حبيبي! أين أمضي من خجل؟!
وفؤادي أين يمضي من سؤالك؟! •••
شد ما يخجلني جهد المقل
من شباب ضاع أو من نور عين
يتمشى السقم في قلب الأجل
وأراني لك ما وفيت ديني •••
أنا شاديك ولحني لك وحدك
فاقض ما ترضاه في يومي وأمسي
درج الدهر وما أذكر بعدك
غير أيامك يا توأم نفسي! •••
وأنا الطائر! قلبي ما صبا
لسوى غصنك والوكر القديم
ما تبدلنا! ولا حال الصبا
والهوى الطاهر والود الكريم •••
لم تزل ذكراه من بالي وبالك
كيف ينسى القلب أحلام صباه؟
قد صحت عيني على فجر جمالك
كيف ينسى الفجر يا فجر الحياه؟!
العودة
عاد الشاعر إلى دار أحباب له فوجدها قد تغيرت حالها.
هذه الكعبة كنا طائفيها
والمصلين صباحا ومساء
كم سجدنا وعبدنا الحسن فيها!
كيف بالله رجعنا غرباء؟! •••
دار أحلامي وحبي لقيتنا
في جمود مثلما تلقى الجديد
أنكرتنا وهي كانت إن رأتنا
يضحك النور إلينا من بعيد •••
رفرف القلب بجنبي كالذبيح
وأنا أهتف: يا قلب اتئد
فيجيب الدمع والماضي الجريح
لم عدنا؟ ليت أنا لم نعد! •••
لم عدنا؟ أو لم نطو الغرام
وفرغنا من حنين وألم
ورضينا بسكون وسلام
وانتهينا لفراغ كالعدم؟! •••
أيها الوكر إذا طار الأليف
لا يرى الآخر معنى للمساء
ويرى الأيام صفرا كالخريف
نائحات كرياح الصحراء •••
آه مما صنع الدهر بنا!
أو هذا الطلل العابس أنت؟!
والخيال المطرق الرأس أنا
شد ما بتنا على الضنك وبت! •••
أين ناديك؟ وأين السمر؟
أين أهلوك بساطا وندامى؟
كلما أرسلت عيني تنظر
وثب الدمع إلى عيني وغاما •••
موطن الحسن ثوى فيه السأم
وسرت أنفاسه في جوه
وأناخ الليل فيه وجثم
وجرت أشباحه في بهوه •••
والبلى! أبصرته رأي العيان
ويداه تنسجان العنكبوت
صحت يا ويحك تبدو في مكان
كل شيء فيه حي لا يموت! •••
كل شيء من سرور وحزن
والليالي من بهيج وشجي
وأنا أسمع أقدام الزمن
وخطى الوحدة فوق الدرج •••
ركني الحاني ومغناي الشفيق
وظلال الخلد للعاني الطليح
علم الله لقد طال الطريق
وأنا جئتك كيما أستريح •••
وعلى بابك ألقي جعبتي
كغريب آب من وادي المحن!
فيك كف الله عني غربتي
ورسا رحلي على أرض الوطن! •••
وطني أنت ولكني طريد
أبدي النفي في عالم بؤسي!
فإذا عدت فللنجوى أعود
ثم أمضي بعدما أفرغ كأسي!
الحنين
الحنين إذا كبر وزاد قد يتجسم شخصا.
أمسى يعذبني ويضنيني
شوق طغى طغيان مجنون
أين الشفاء ولم يعد بيدي
إلا أضاليل تداويني؟
أبغي الهدوء ولا هدوء وفي
صدري عباب غير مأمون
يهتاج إن لج الحنين به
ويئن فيه أنين مطعون
ويظل يضرب في أضالعه
وكأنها قضبان مسجون
ويح الحنين وما يجرعني
من مره ويبيت يسقيني
ربيته طفلا بذلت له
ما شاء من خفض ومن لين
فاليوم لما اشتد ساعده
وربا كنوار البساتين
لم يرض غير شبيبتي ودمي
زادا يعيش به ويفنيني
كم ليلة ليلاء لازمني
لا يرتضي خلا له دوني!
ألفي له همسا يخاطبني
وأرى له ظلا يماشيني
متنفسا لهبا يهب على
وجهي كأنفاس البراكين
ويضمنا الليل العظيم وما
كالليل مأوى للمساكين
الناي المحترق
كم مرة يا حبيبي
والليل يغشى البرايا
أهيم وحدي وما في ال
ظلام شاك سوايا
أصير الدمع لحنا
وأجعل الشعر نايا!
وهل يلبي حطام
أشعلته بجوايا؟!
النار توغل فيه
والريح تذرو البقايا
ما أتعس الناي بين ال
منى وبين المنايا!
يشدو ويشدو حزينا
مرجعا شكوايا
مستعطفا من طوينا
على هواه الطوايا
حتى يلوح خيال
عرفته في صبايا
يدنو إلي وتدنو
من ثغره شفتايا
إذا بحملي تلاشى
واستيقظت عينايا
ورحت أصغي، وأصغي
لم ألف إلا صدايا!
المنسي
متى يرق الحظ يا قاسي
ويلتقي المنسي والناسي؟!
متى؟! وهل من حيلة في متى
وفي خيالات وأحداس؟
هد قراري جريها في دمي
وهمسها في كر أنفاسي
وأنت مثل النجم في المنتأي
وفي السنا الخاطف كالماس
يرنو له الناس ويبغونه
وما يبالي النجم بالناس!
وأنت كأس الحسن لكننا
مثل حباب حام بالكاس
طفا وقد قبل أنوارها
ورف مثل الطائر الحاسي!
وجف أو ذاب على نورها
كما يذوب الطل بالآس!
تحليل قبلة
ولما التقينا بعد نأي وغربة
شجيين فاضا من أسى وحنين
تسائلني عيناك عن سالف الهوى
بقلبي وتستقضي قديم ديون
فقمت وقد ضج الهوى في جوانحي
وأن من الكتمان أي أنين
يبث فمي سر الهوى لمقبل
أجود له بالروح غير ضنين
إذا كنت في شك سلي القبلة التي
أذاعت من الأسرار كل دفين
مناجاة أشواق وتجديد موثق
وتبديد أوهام، وفض ظنون
وشكوى جوى قاس وسقم مبرح
وتسهيد أجفان وصبر سنين!
الحياة
استعراض للحياة في الشارع
جلست يوما حين حل المساء
وقد مضى يومي بلا مؤنس
أريح أقداما وهت من عياء
وأرقب العالم من مجلسي! •••
أرقبه! يا كد هذا الرقيب
في طيب الكون وفي باطله
وما يبالي ذا الخضم العجيب
بناظر يرقب في ساحله •••
سيان ما أجهل أو أعلم
من غامض الليل ولغز النهار
سيستمر المسرح الأعظم
رواية طالت وأين الستار ؟! •••
عييت بالدنيا وأسرارها
وما احتيالي في صموت الرمال!
أنشد في رائع أنوارها
رشدا فما أغنم إلا الضلال! •••
أغمضت عيني دونها خائفا
مبتغيا لي رحمة في الظلام
فصاح بي صائحها هاتفا
كأنما يوقظني من منام: •••
أنت امرؤ ترزح تحت الضنى
لم يبق منك الدهر إلا عناد!
وكل ما تبصره من سنا
يهزأ بالجذوة خلف الرماد! •••
وكل ما تبصره من قوى
تدوي دوي الريح عند الهبوب
يسخر من مبتئس قد ثوى
يرنو إلى الدنيا بعين الغروب! •••
انظر إلى شتى معاني الجمال
منبثة في الأرض أو في السماء
ألا ترى في كل هذا الجلال
غير نذير طالع بالفناء؟! •••
كم غادة بين الصبا والشباب
تأنق الصانع في صنعها
تخطر والأنظار تحدو الركاب
ولفظة الاعجاب في سمعها! •••
وربما سار إلى جنبها
مدله ليس يبالي الرقيب
يمشي شديد العجب في قربها
إذ راح يوليها ذراع الحبيب ! •••
وانظر إلى سيارة كالأجل
تخطف خطفا لا تبالي الزحام
هذا الردى الجاري اختراع الرجل
هل بعد صنع الموت شيء يرام؟! •••
وانظر إلى هذا القوي الجسد
الباتر العزم الشديد الكفاح!
قد أقبل الليل فحي الجلد
في رجل يدأب منذ الصباح •••
أجبت : يا دنياي من تخدعين؟
إني امرؤ ضاق بهذا الخداع
مزقت عن عيشي هني السنين
لأنني مزقت عنك القناع! •••
إن الجمال الساحر الفاتنا
يا ويحه حين تغير الغضون
ويعبث الدهر بحلو الجنى
وتستر الصبغة إثم السنين! •••
وهذه السيارة العاتيه
وربها الجبار كالبرق سار
ما هي إلا شعل فانيه
نصيبها مثل شعاع النهار! •••
وا رحمتاه للقوي الصبور
يقضي الليالي في كفاح سخيف
وكيف لا أبكي لكدح الفقير
أقصى مناه أن ينال الرغيف؟! •••
كم صحت إذا أبصرت هذا الجهاد
وميسم الذلة فوق الجباه!
يا حسرتا ماذا يلاقي العباد؟!
أكل هذا في سبيل الحياه؟! •••
وفي سبيل الزاد والمأكل
نملأ صدر الأرض إعوالا
كم يسخر النجم بنا من عل!
وكم يرانا الله أطفالا! •••
يا رب غفرانك إنا صغار
ندب في الدنيا دبيب الغرور
نسحب في الأرض ذيول الصغار
والشيب تأديب لنا والقبور!
قلب راقصة
أمسيت أشكو الضيق والأينا
مستغرقا في الفكر والسأم
فمضيت لا أدري إلى أينا
ومشيت حيث تجرني قدمي •••
فرأيت فيما أبصرت عيني
ملهى أعد ليبهج الناسا
يجلون فيه فرائد الحسن
ويباع فيه اللهو أجناسا •••
بغرائب الألوان مزدهر
وتراه بالأضواء مغمورا
فقصدته عجلا ولي بصر
شبه الفراشة يعشق النورا! •••
ودخلته أجتاز مزدحما
بالخلق أفواجا وأفواجا
وأخوض بحرا بات ملتطما
بالناس أمواجا وأمواجا •••
فقدوا حجاهم حينما طربوا
ودووا دوي البحر صخابا
فإذا استقروا لحظة صخبوا
لا يملكون النفس إعجابا •••
متوثبين يميل صفهم
متطلع الأعناق يتقد
ومصفقين علت أكفهم
فوارة فكأنها الزبد! •••
لم لا أثور اليوم ثورتهم؟
لم لا أجرب ما يحبونا
لم لا أصيح اليوم صيحتهم؟
لم لا أضج كما يضجونا؟! •••
لم لا تذوق كؤوسهم شفتي؟
إن الحجا سمي وتدميري
في ذمة الشيطان فلسفتي
ورزانتي ووقار تفكيري! •••
يا قلب! ضقت وها هنا سعة
ومجال مصفود بأغلال
أتقول أعمار مضيعة؟!
ماذا صنعت بعمرك الغالي؟! •••
انظر تر السيقان عارية
وتر الخصور ضوامرا تغري
وتجد عيون اللهو جارية
فهنا الحياة! وأنت لا تدري •••
من هاته الحسناء يا عيني؟
السحر كللها وظللها
كالطير من غصن إلى غصن
وثابة ، وثب الفؤاد لها! •••
وتراه حسنا غير كذاب
لا ما يزيفه لك الضوء
ويزيد فتنتها بإغراب
حزن وراء الحسن مخبوء! •••
ثم اختفت والجمع يرقبها
ويلح: عودي! ليس يرحمها
هي متعة للحس يطلبها
وأنا بروحي بت أفهمها! •••
ورأيتها في آخر الليل
في فتية نصبوا لها شركا
يعلو سناها الحزن كالظل
مسكينة تتكلف الضحكا •••
فمضيت توا، قلت: سيدتي!
زنت المراقص أيما زين!
هل تأذنين الآن ساحرتي
تأكيد إعجابي بكأسين؟ •••
فتمنعت وأنا ألح سدى
بالقول أغريها وأعتذر
فاستدركت قالت: أراك غدا
إن شئت. إني اليوم أعتذر •••
وتحولت عني لرفقتها
ما بين منتظر ومرتقب
فتانة تغري ببسمتها
وتحدد الميعاد في أدب •••
حان اللقاء بغادتي وأنا
أخشى سرابا خادعا منها
متلهفا أستبطىء الزمنا
وأظل أسأل ساعتي عنها •••
وأجيل عين الريب ملتفتا
متطلعا للباب حيرانا
وأقول: ما يدريك أي فتى
هي في ذراعي حبه الآنا؟! •••
من ذا يصدق وعد فاتنة
لا ترحم الأرواح إتلافا
أنثى تلاقي كل آونة
رجلا وترمي الوعد آلافا •••
وهممت بعد اليأس أن أمضي
فإذا بها تختال عن بعد
ميزتها بشبابها الغض
وبقدها، أفديه من قد! •••
يا للقلوب لملتقى اثنين
لا يعلمان لأيما سبب
جمعتهما الدنيا غريبين
فتآلفا في خلوة عجب •••
عجبا لقلب كان مطمعه
طربا فجاء الأمر بالعكس!
وأشد ما في الكون أجمعه
بين القلوب أواصر البؤس •••
من أنت يا من روحها اقتربت
مني وخاطب دمعها روحي؟
صبته في كأسي! وما سكبت
فيه سوى أنات مذبوح •••
عجبا لنا! في لحظة صرنا
متفاهمين بغيرما أمد!
يا من لقيتك أمس! هل كنا
روحين ممتزجين في الأبد؟! •••
هاتي حديث السقم والوصب
وصفي حقارة هذه الدنيا
إني رأيت أساك عن كثب
ولمست كربك نابضا حيا •••
لا تكتمي في الصدر أسرارا
وتحدثي كيف الأسى شاء
أنا لا أرى إثما ولا عارا
لكن أرى امرأة وبأساء •••
تجدين فكرك جد مبتعد
والناس حول سناك دانونا
وترين حالك حال منفرد
والقوم كثر لا يعدونا! •••
وترين أنك حيثما كنت
ترضين خوانين أنذالا!
يبغونه جسدا فإن بعت
بذلوا النضار وأجزلوا المالا! •••
يا حرها من عبرة سالت
من فاتك العينين مكحول
وعذابها من وحشة طالت
وحنين مجهول لمجهول •••
أفنيت عمرك في تطلبه
ويكاد يأكل روحك الملل
فإذا بدا من تعجبين به
وتقول روحك: ها هو الأمل! •••
أدميت قلبك في تقربه
والقلب إن يخلص يهن دمه
فإذا حسبت بأن ظفرت به
فازت به من ليس تفهمه •••
سكتت وقد عجبت لخلوتنا
طالت كأنا جد عشاق
وأقول: يا طربا لنشوتنا
صرعى المدامة والجوى الساقي! •••
أفديك باكية وجازعة
قد لفها في ثوبه الغسق
ودعتها شمسا مودعة
ذهبت وعندي الجرح والشفق •••
تمضي، وتجهل كيف أكبرها
إذ تختفي في حالك الظلم
روحا إذا أثمت يطهرها
ناران: نار الصبر والألم!
الميعاد
إن عدت أو أخلفت لم تعد
أنا إلف روحك آخر الأبد
ظمأ على ظمأ على ظمأ
وموارد كثر ولم أرد
مر الظلام وأنت لي شجن
وأتى النهار وأنت في خلدي
لا يسمع البحر الغضوب إلى
شاك ولا يصغي إلى أحد!
كم لاح لي حرب الحياة على
أمواجه المجنونة الزبد!
ورأيت طيف الضنك مرتسما
في عاصف الأنواء مطرد
في الليل مد رواقه وثوى
كجوانح طويت على حسد
قبر مباهجه بلا عدد
لفتى متاعبه بلا عدد
من يومه يوم بلا أمل
وغد بلا سلوى وبعد غد
لولاك والعهد الذي عقدت
بيني وبينك مهجتي ويدي
أضجعت جنبي جوف غيهبه
وأرحت فيه بالي الجسد
يا مخلف الميعاد عد لترى
جزع الغريب وضيعة الرشد
ولياليا موصولة سهرا
أبدية حجرية الكبد
وطليح أسفار وعلته
قتالة لم تشف في بلد!
يا شعر أيامي وأغنيتي
وغليل ظمآن الشفاه صدي!
يا ظالمي! عيناك كم وعدت
قلبي إذا شفتاك لم تعد!
الميت الحي
كان الشاعر مريضا وشعر أنه ينتهي فكتب القصيدة التالية:
داو ناري والتياعي
وتمهل في وداعي
يا حبيب العمر هب لي
بضع لحظات سراع
قف تأمل مغرب العمر
وإخفاق الشعاع
وابك جبار الليالي
هده طول الصراع
وا ضياع الحزن والدمع
على العمر المضاع!
وهتاف القلب بالشكوى
على غير انتفاع
ما يهم الناس من نجم
على وشك الزماع
غاب من بعد طلوع
وخبا بعد التماع؟!
طال بي سهدي وإعيائي
وقد حان اضطجاعي
وإذا الراحة حانت
بعد لأي ونزاع
فصدور الغيد سيان
وأنياب السباع! •••
آه لو تقضي الليالي
لشتيت باجتماع
كم تمنيت وكم من
أمل مر الخداع!
وقفة أقرأ فيها
لك أشعار الوداع!
ساعة أغفر فيها
لك أجيال امتناع!
يا مناجتي وسري
وخيالي وابتداعي
ومتاعا لعيوني
وشميمي وسماعي
تبعث السلوى وتنسى
الموت مهتوك القناع:
دمعة الحزن التي
تسكبها فوق ذراعي!
الوداع
حان حرماني وناداني النذير
ما الذي أعددت لي قبل المسير؟
زمني ضاع وما أنصفتني
زادي الأول كالزاد الأخير
ري عمري من أكاذيب المنى
وطعامي من عفاف وضمير
وعلى كفك قلب ودم
وعلى بابك قيد وأسير! •••
حان حرماني فدعني يا حبيبي
هذه الجنة ليست من نصيبي
آه من دار نعيم كلما
جئتها أجتاز جسرا من لهيب
وأنا إلفك في ظل الصبا
والشباب الغض والعمر القشيب
أنزل الربوة ضيفا عابرا
ثم أمضي عنك كالطير الغريب •••
لم يا هاجر أصبحت رحيما
والحنان الجم والرقة فيما؟!
لم تسقيني من شهد الرضا
وتلاقيني عطوفا وكريما؟
كل شيء صار مرا في فمي
بعدما أصبحت بالدنيا عليما
آه من يأخذ عمري كله
ويعيد الطفل والجهل القديما! •••
هل رأى الحب سكارى مثلنا؟!
كم بنينا من خيال حولنا!
ومشينا في طريق مقمر
تثب الفرحة فيه قبلنا!
وتطلعنا إلى أنجمه
فتهاوين وأصبحن لنا!
وضحكنا ضحك طفلين معا
وعدونا فسبقنا ظلنا! •••
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق
وأفقنا. ليت أنا لا نفيق!
يقظة طاحت بأحلام الكرى
وتولى الليل، والليل صديق
وإذا النور نذير طالع
وإذا الفجر مطل كالحريق
وإذا الدنيا كما نعرفها
وإذا الأحباب كل في طريق •••
هات أسعدني ودعني أسعدك
قد دنا بعد التنائي موردك
فأذقنيه فإني ذاهب
لا غدي يرجى ولا يرجى غدك
وا بلائي من ليالي التي
قربت حيني وراحت تبعدك!
لا تدعني لليالي فغدا
تجرح الفرقة ما تأسو يدك! •••
أزف البين وقد حان الذهاب
هذه اللحظة قدت من عذاب
أزف البين، وهل كان النوى
يا حبيبي غير أن أغلق باب؟!
مضت الشمش فأمسيت وقد
أغلقت دوني أبواب السحاب
وتلفت على آثارها
أسأل الليل! ومن لي بالجواب؟!
الزائر
يا للحبيب المفدى
غداة زار وسلم
مستحييا والهوى في
ركابه يتضرم
وصامتا وهو أيك
بألف شدو ترنم
ناداه قلبي! وناجاه
خاطري! وهو يعلم!
يا مطلع السحر والنور
والجمال! تكلم!
أبن! وإلا أعن قلبي
الممزق وارحم! •••
يا غازيا يضرب القلب
وهو حصن محطم
لما طلعت عليه
وهى وأن وسلم
يا فتنة تتهادى
ورحمة تتبسم
إن لم يكن لي رجاء
ولا لحظي مغنم
أو لم يعد لي نصيب
دعني بحسنك أحلم!
الليالي
مكاني الهادئ البعيد
كن لي مجيرا من الأنام
قد أمك الهارب الطريد
فآوه أنت والظلام •••
يا حسنها ساعة انفصال
لا ضنك فيها ولا نكد
يا حقبة الوهم والخيال
هلا تمهلت للأبد؟! •••
يا أيها العالم الأخير
ماذا ترى فيك من نصيب؟
أراحة فيك للضمير
أم موعد فيك من حبيب؟ •••
كم يعذب الموت لو نراه
أو كان فيك اللقاء يرجى
ينفض عن عينه كراه
ويقبل الراقد المسجى! •••
لكن شكا بما تجن
خيم فوق العقول جمعا
عجبت للمرء كم يئن
ويستطيب الحياة مرعى •••
قد صار حب الحياة منا
يقنع بالجيفة السباع
وعلم السمح أن يضنا
وثبت الجبن في الطباع! •••
طال بنا الصمت والجمود
لا البدر يوحي ولا الغدير
يا عالم الضيم والقيود
برحت بالطائر الأسير! •••
هربت من عالم أضرا
وجئت يا كعبتي أزور
هاتي خيالا إذن وشعرا
أسكبه في فم الدهور •••
هربت من عالم الشقاء
وجئت علي لديك أحيا!
أشرب من روعة السماء
شعرا وأسقي الفؤاد وحيا! •••
مللت في هاته العوالم
مهزلة الموت والحياه
وصورة القيد في المعاصم
ووصمة الذل في الجباه •••
هياكل تعبر السنين
واحدة العيش والنظام
واحدة السخط والأنين
واحدة الحقد والخصام! •••
وواحد ذلك الطلاء
يستر خزيا من الطباع
أفنى البلى أوجه الرياء
ولم يذب ذلك القناع! •••
بعينها كذبة الدموع
بعينها ضحكة الخداع
ومنحنى هاته الضلوع
على صواد بها جياع! •••
كأن صدر الظلام ضاق
من كثرة البث كل حين!
يا ويحه كيف قد أطاق
شكوى البرايا على السنين؟! •••
كأنما ينفث الشهب
تخفيف كرب يئن منه
كالقلب إن ضاق واكتأب
تخفف الذكريات عنه •••
كم زفرة في الضلوع قرت
يحوطها هيكل مريض
مبيدة حيثما استقرت
فإن نبح سميت قريض! •••
كم في الدجى آهة تطول
تسري إلى أذنه وشعر!
لو يفهم النجم ما نقول!
أو يفهم الليل ما نسر! •••
ما بالها أعين الفلك
منتثرات على الفضاء
تطل من قاتم الحلك
بغيرك فهم ولا ذكاء! •••
ألا وفي ألا معين
في مدلهم بلا صباح؟!
وكلما جد لي أنين
تسخر بي أنة الرياح! •••
هبنا شكونا بلا انقطاع
ما حظ شاك بلا سميع
وحظ شعر إذا أطاع
يا ليته عاش لا يطيع •••
يضيع في لجة الزمن
مبددا في الورى صداه
ولن ترى في الوجود من
يدري عذاب الذي تلاه! •••
يا أيها النهر بي حسد
لكل جار عليك رف
أكل راج كما يود
يروي ظماه ويرتشف •••
ومن حبيب إلى حبيب
ترنو حنانا وتبتسم
وكل غاد له نصيب
من مائك البارد الشبم •••
يا نهر رويت كل ظامي
فراح ريان إن يذق
فكن رحيما على أوامي
فلي فم بات يحترق •••
يا نهر لي جذوة بجنبي
هادئة الجمر بالنهار
فإن دنا الليل برحت بي
وساكن الليل كم أثار! •••
وقفت حران في إزائك
فهل ترى منك مسعد؟
وددت ألقي بها لمائك
لعلها فيك تبرد •••
عالج لظاها فإن سكن
فرحمة منك لا تحد
وإن عصت نارها فكن
قبرا لها آخر الأبد! •••
تريني الهاجر الشتيت
وقربه ليس لي ببال
وكلما خلتني نسيت
مر أمامي له خيال •••
تمر ذكرى وراء ذكرى
وكل ذكرى لها دموع
وتعبر المشجيات تترى
من كل ماض بلا رجوع •••
ماض وكم فيه من عثار
ومن عذاب قد انقضى
كم قلت لا يرفع الستار
ولا ادكار لما مضى! •••
يا من أرى الآن نصب عيني
خياله عطر النسم
بالله ما تبتغيه مني
ولم تدع لي سوى الألم •••
في ذمة الله ما أضعتم
من مهج أصبحت هباء
لم نجزكم بالذي صنعتم
إنا غفرنا لمن أساء •••
لا تحسبوا البرء قد ألم
فلم يزل جرحنا جديدا
يخدعنا أنه التأم
ولم يزل يخبأ الصديدا! •••
يا أيها الليل جئت أبكي
وجئت أسلو وجئت أنسى
طال عذابي! وطال شكي
ومات قلبي، وما تأسى!
الجمال الضنين
قل للبخيل إذا ما عز مشرعه:
يا مانع الماء عني كيف تمنعه؟!
أغر حسنك أن الخلد جدوله
وأنه من غريب السحر منبعه؟
با أيها الكوكب المحبوس في فلك
مبدد مجده فيه مضيعه!
هيهات يخلد حسن لا يؤلهه
شعر من النسق الأعلى ويرفعه!
أنا شهيدك، والقلب الضحوك إذا
أدميته، والمغني إذ تقطعه
هل منك يوم رضى ضن الزمان به
أعيا خيالي وأضناني توقعه؟!
كم بت منتبها أصغي لخطوته
أراه في الوهم أحيانا وأسمعه!
وأنت في أفق الأوهام طيف صبا
سما ودق على الأفهام موضعه
كأنك النسم النشوان منطلقا
أظل كالنفس الحيران أتبعه
تعال وادن بيوم لا نحس به
أجسادنا في صفاء، لا نضيعه!
لكن أحسك تجري في صميم دمي
أنت الحياة، وأنت الكون أجمعه!
ليالي الأرق
زيارة من حبيب يسأل: لماذا نتلقى هذه اللحظات الهاربة ما دمنا نفترق بعد ذلك؟
هل في العصيب المدلهم
مصغ لشاك لم ينم
سهد على سهد وذك
رى فوق ذكرى تزدحم
وحنين قلب لا يثو
ب إلى خيال لا يلم
يا من أحب وأفتدي
ويلذ لي فيه الألم
لو كنت تسمع لاسترح
ت من الشكاية للظلم
إن الكواكب ضقن بي
ذرعا وآسيها سئم
ومن العجائب في الليا
لي والحوادث تستجم
شكوى الحيارى في الحيا
ة إلى حيارى في السدم! •••
لمن انتظاري في الظلا
م كأن بي شبه اللمم؟
وتساؤلي في حالك
لا صوت فيه ولا قدم؟
وعلام إصغائي لعل
خطاك هذي عن أمم؟
ليلي العشية مثل لي
لي في غرامك من قدم
يا طالما أدنتك أو
هام كواذب كالحلم
فلمحت صبحك في السوا
د وخلت روحك في النسم
وشفيت وهمي من رضا
ك ورب ذي يأس وهم
ورويت أذني من حدي
ثك وهو معبود النغم
وحرقت قلبي من سنا
ك على جمال يضطرم
كفراشة حامت علي
ك وأي قلب لم يحم! •••
لك حسن نوار الخمي
لة طل صبحا فابتسم
لك نضرة الفجر الجمي
ل على الذوائب والقمم
لك طلعة البرء المرج
ى بعد مستعصى السقم
لك كل ما أوفى على
قدر النهاية واستتم
فبأي قلب أتقي؟
وبأي حصن أعتصم؟ •••
يا زائرا عجلان لم
يطل اللقاء ولم يقم
ودعت ما أشبعت لي
روحي ولا نظري النهم
ومضيت عن دنيا خلت
وجرت بنعمى لم تتم
لم يبق من أثر اللقا
ء بها سوى عبق ينم
وسؤال دمعك حين يس
ألني ومن لي بالكلم
لم يا أليف خواطري
غفت العيون ونحن لم؟!
وإلام تدفعنا الحوا
دث في عباب يلتطم
دفعت بمركبنا المقا
دير الخفية والقسم
خرجت وما تدري الغدا
ة بأي صخر ترتطم
بدأت على ريح الرضا
والله يدري المختتم!
صخرة الملتقى
صخرة بين البحر والصحراء كنا نتلاقى عندها ونستلهم البحر والصحراء أشعارنا.
سألتك يا صخرة الملتقى
متى يجمع الدهر ما فرقا!
فيا صخرة جمعت مهجتين
أفاءا إلي حسنها المنتقى!
إذا الدهر لج بأقداره
أجدا على ظهرها الموثقا
قرأنا عليك كتاب الحياة
وفض الهوي سرها المغلقا
نرى الشمس ذائبة في العباب
وننتظر البدر في المرتقى
إذا نشر الغرب أثوابه
وأطلق في النفس ما أطلقا
نقول هل الشمس قد خضبته
وخلت به دمها المهرقا؟
أم الغرب كالقلب دامي الجراح
له طلبة عز أن تلحقا
فيا صورة في نواحي السحاب
رأينا بها همنا المغرقا
لنا الله من صورة في الضمير
يراها الفتي كلما أطرقا!
يرى صورة الجرح طي الفؤا
د مازال ملتهبا محرقا
ويأبى الوفاء عليه إندمالا
ويأبى التذكر أن يشفقا
ويا صخرة العهد أبت أليك
وقد مزق الشمل ما مزقا
أريك مشيب الفؤاد الشهي
د والشيب ما كلل المفرقا
شكا أسره في حبال الهوى
وود على الله أن يعتقا
فلما قضى الحظ فك الأسي
ر حن إلى أسره مطلقا
الشك
قد يظفر المرء بقرب حبيبه، ولكنه يشك في هذا النعيم الذي لقيه، فيبكي في النعمة كما يبكي في الشقاء.
بي ما تحس وفي فؤادك ما بي
فتعال نبك أيا نجي شبابي
تجري الدموع وأنت دان واصل
كمسيلهن وأنت في الغياب
أنكرت بي ناري عشية لامست
شفاتي منك أنامل العناب
وجرت يميني في غزير حالك
مسترسل كالجدول المنساب
وسألت ما صمتي وما إطراقتي
وعلام ظلت حيرة المرتاب
أقبل أذقني ما اليقين وهاته
خلوا من الآلام والأوصاب
أقبل لأقسم في حياتي مرة
إن الذي أسقاه ليس بصاب
لهفي على هذا اليقين! وطعمه
بفمي وتكذيبي شهي شرابي! •••
من أنت؟! من أي العوالم ساحر
مستأثر بأعنة الألباب؟
حدثت نفسي إذ رأيتك باديا
وأطلت تسآلي بغير جواب
ما يصنع الملك الطهور بعالم
فان وأيام كلمع سراب؟
ما يصنع الأبرار بالأرض التي
ساوت من الأبرار والأوشاب؟
دوارة أبد السنين كعهدها
من ليل آثام لصبح متاب
تغلو الحياة بها إلى أن تنتهي
عند التراب رخيصة كتراب!
يا هيكل الحسن المبارك ركنه
الساحر النور الطهور رحاب
لا صدق إلا في لهيبك وحده
وجلاله الباقي على الأحقاب
قدمت قرباني إليك بقية
من مهجة ضاعت على الأحباب
وأذبت جوهرها فداء نواظر
قدسية، علوية المحراب!
خواطر الغروب
قلت للبحر إذ وقفت مساء
كم أطلت الوقوف والإصغاء
وجعلت النسيم زادا لروحي
وشربت الظلال والأضواء
لكأن الأضواء مختلفات
جعلت منك روضة غناء
مر بي عطرها فأسكر نفسي
وسرى في جوانحي كيف شاء
نشوة لم تطل! صحا القلب منها
مثل ما كان أو أشد عناء
إنما يفهم الشبيه شبيها
أيها البحر، نحن لسنا سواء
أنت باق ونحن حرب الليالي
مزقتنا وصيرتنا هباء
أنت عات ونحن كالزبد الذا
هب يعلو حينا ويمضي جفاء!
وعجيب إليك يممت وجهي
إذ مللت الحياة والأحياء
أبتغي عندك التأسي وما تم
لك ردا ولا تجيب نداء! •••
كل يوم تساؤل ... ليت شعري
من ينبي فيحسن الإنباء؟!
ما تقول الأمواج! ما آلم الشم
س فولت حزينة صفراء
تركتنا وخلفت ليل شك
أبدي والظلمة الخرساء!
وكأن القضاء يسخر مني
حين أبكي وما عرفت البكاء
ويح دمعي وويح ذلة نفسي
لم تدع لي أحداثه كبرياء!
مناجاة الهاجر
دع النفس تمرح في خيال وأوهام
وخل لأجفاني كواذب أحلامي!
وقل يا حبيب القلب إنك عائد
على جهل حساد وغفلة لوام
وإنك دان كالربيع وزائر
بضاحك نوار ومخضل أكمام
تعال اسقني خمر المواعيد والرضا
وخل الأماني البيض تغمر أسقامي
أيحرم حتى وهم حبك من رمى
بمهجته في ناره دون إحجام
وأنفق فيه قلبه وشبابه
فلم يبق إلا الجرح والشفق الدامي؟!
ومن عجب أحنو على السهم غائرا
ويسألني قلبي متى يرجع الرامي!
فيا لهفه لو كنت أدري بموعد
وراء الليالي أو رجاء بإلمام!
ولو كان عندي غير زفرة آسف
وحسرة أشعار ودمعة أقلام
ولو كنت أدري كيف يصفو مغاضب
كأن رضاه في ذرى الكوكب السامي
كأن ائتلاق النجم والنجم مشرق
ثناياه تبدو في عبوسة أيامي
كأن نسيم الليل يحمل طيبه
كأن اصطدام الموج معبود أقدام!
فيا أملي النائي إذا كنت مذنبا
فقد تبت عن ذنبي إليك بآلامي!
حببتك، لا أدري الهوى ما وراءه
وما بعد سقمي فيك عاما على عام
جمالك نبراسي وروحك كعبتي
وعيناك وحيي في الحياة وإلهامي
الصورة
يا رسم من أعطى الهوى
مفتاح قلبي المقفل
في حبه فني الصبا
وشباب أيامي بلي
يا ويح ما ضيعت في
ه من قليل مخجل
ماضي ضاع ولو قدر
ت لجدت بالمستقبل
يا رسم! كم من ليلة
أبكي وأستبكيك لي!
حتى رجعت مخادعا
ومضيت جد مضلل
أرنو لدمعي باديا
في وجهك المتهلل
فإخال عينك هزها
شكوى الغريب المهمل
فبكت وتلك دموعها!
هذي تسيل وذي تلي!
رجوع الغريب
عادت لطائرها الذي غناها
وشدا فهاج حنينها وشجاها
أي الحظوظ أعادها لوفيها
ونجي وحدتها وإلف صباها
مشبوبة التحنان تكتم نارها
عبثا وتأبى أن يبين لظاها
يا إلفي المعبود! سرك ذائع
نار الحنين دفينها أفشاها •••
ماذا لقينا من لقاء خاطف
وعشية كالبرق حان ضحاها؟!
يا ويح هاتيك الثواني لم تقف
حتى نسيغ هناءة ذقناها!
حتى يمتع باليقين مكذب
عينيه في رؤيا يضل سناها
تمضي لها الأبصار مشعلة الهوى
وتحول عنها ما تطيق لقاها! •••
تخبو العواطف في الصدور وتنتهي
ويجف في زهر القلوب نداها!
وأنا أحس اليوم بدء علاقة
وعنيف ثورتها وحز مداها! •••
لم ترو منك نواظري وخواطري
ورجعت أذكى مهجة وشفاها!
مد الخريف على الرياض رواقة
ومضى الربيع الطلق ما يغشاها
ما بالرياض؟! كآبة في أرضها
وسحابة تغشى أديم سماها!
جمدت حمائم أيكها وأنا الذي
شاكيتها فاغرورقت عيناها! •••
كيف السبيل إلى شفاء صبابة
الدهر أجمع ما يبل صداها؟!!
وإلى نسائم جنة سحرية
قرحت أجفاني على مغناها!
قضيت أيامي أضم خيالها
وأضعت أيامي أقول عساها!
قميص النوم
كان الشاعر مريضا فارتدى قميص النوم فشفي.
يا ليلة سنحت في العمر وانصرمت
هلا رجعت؟ وهلا عاد أحبابي؟ (يا ليت شهدك إذ لم يبق لي أبدا
لم يبق في القلب تذكارا من الصاب)
لم أنس مهديتي جلبابها وعلى
جسمي من السقم منها أي جلباب
قميص يوسف رد العين مبصرة
ففاز بالنور ذاك المطرق الكابي
وأنت لو أن روحا أزمعت سفرا
أعدتها وخيال الموت بالباب
فذد خيال المنايا اليوم عن رجل
أنشبن في روحه أشباه أنياب
وإن عجزت فكن في الموت لي كفنا
أمت وألقى إلهي غير هياب
الغد
يا حنانا كيد الآسي الرؤوم
وشعاعا يشتهى بعد الغيوم
أنا في بعدك مفقود الهدى
ضائع أعشو إلى نور كريم
أشتري الأحلام في سوق المنى
وأبيع العمر في سوق الهموم
لا تقل لي في غد موعدنا
فالغد الموعود ناء كالنجوم! •••
أغدا قلت؟ فعلمني اصطبارا
ليتني أختصر العمر اختصارا
عبرت بي نشوة من فرح
فرقصنا أنا والقلب سكارى
وعرانا طائف من خبل
فاندفعنا في الأماني نتبارى
سنذم النور حتى يتلاشى
ونذم الليل حتى يتوارى! •••
انفردنا أنا والقلب عشيا
ننسج الآمال والنجوى سويا
فركبنا الوهم نبغي دارها
وطوينا الدهر والعالم طيا
فبلغناها وهللنا لها
ونزلنا الخلد فينانا نديا
ولقينا الحسن غضا والصبا
وتملينا الجلال الأبديا •••
قال لي القلب: أحقا ما بلغنا؟
كيف نام القدر الساهر عنا
أتراها خدعة حاقت بنا؟!
أتراها ظنة مما ظننا؟
قلت: لا تجزع فكم من منزل
عز حتى صار فوق المتمنى
أذن الله به بعد النوى
فثوينا واسترحنا وأمنا! •••
يا جنان الخلد قدمت اعتذاري
إذ يطوف الخلد سقمي ودماري
أيها الآمر في ملك الهوى!
اعف عن لهفة روحي وأواري
أشتهي ضمك حتى أشتفي
فكأني ظامئ آخذ ثاري!
غير أني كلما امتدت يدي
لعناق خفت أن تؤذيك ناري! •••
أيها النور سلاما وخشوعا
أيها المعبد صمتا وركوعا
ملكت قلبي ولبي رهبة
عصفت بالقلب واللب جميعا
رب قول كنت قد أعددته
لك إذ ألقاك يأبى أن يطيعا
وحبيس من عتاب في فمي
قد عصاني فتفجرت دموعا! •••
لذعتني دمعة تلفح خدي
نبهتني من ضلال ليس يجدي
واختفت تلك الرؤى عن ناظري
وطواها الغيب في سحري برد
وتلفت فلا أنت ولا
جنة الخلد ولا أطياف سعد
وإذا بي غارق في محنتي
وبلائي، أقطع الأيام وحدي •••
هات قيثاري ودعني للخيال
واسقني الوهم! وعلل بالمحال!
ودع الصدق لمن ينشده
الحجى خصمي فاغمر بالضلال
وخذ الأنوار عني، ربما
أجد الرحمة في جوف الليالي
خلني بالشوق أستدني غدا
فغدا عندي كآباد طوال!
رثاء شوقي
ألقيت على قبر فقيد الشعر.
قل للذين بكوا على (شوقي)
النادبين مصارع الشهب
وا لهفتاه لمصر والشرق
ولدولة الأشعار والأدب! •••
دنيا تقر اليوم في لحد
وصحيفة طويت من المجد
ومسافر ماض إلى الخلد
سبقته آلاء بلا عد •••
هذا ثرى مصر الكريم، وكم
أكرمته وأشدت بالذكر
يلقاك في عطف الحبيب فنم
في النور لا في ظلمة القبر! •••
كم من دفين رحت تحييه
وبعثته وكففت غربته
فاحلل عليه مكرما فيه
يا طالما قدست تربته •••
يا نازل الصحراء موحشة
ريانة بالصمت والعدم
سالت بها العبرات مجهشة
وجرت بها الأحزان من قدم! •••
هذا طريق قد ألفناه
نمشي وراء مشيع غال
كم من حبيب قد بكيناه
لم يمح من خلد ولا بال! •••
وكأن يومك في فجيعته
هو أول الأيام في الشجن
وكأنما الباكي بدمعته
ما ذاق قبلك لوعة الحزن! •••
فاذهب كما ذهب النهار مضى
قد شيعته مدامع الشفق
واغرب كما غرب الشعاع قضى
رفت عليه جوانح الغسق •••
ما كنت إلا أمة ذهبت
والعبقرية أمة الأمم
أو شعلة أبصارنا خلبت
ومنارة نصبت على علم •••
يا راقدا قد بات في مثوى
بعدت به الدنيا وما بعدا
أين النجوم أصوغ ما أهوى
شعرا كشعرك خالدا أبدا؟! •••
لكن حزني لو علمت به
لم يبق لي صبرا ولا جهدا
فاعذر إلى يوم نفيك به
حق النبوغ ونذكر المجدا
هبة السماء
ألقيت في حفل تأبين المرحوم أحمد شوقي بك بمسرح حديقة الأزبكية.
راحوا بأرواح ظماء
يتهافتون على الفناء
جفت حلوق بعدهم
لم تلق دونهم رواء
واها لكأس كالخلو
د ومنهل فيه الشفاء!
كنا إذا ضج الفؤا
د وضاق بالدنيا وناء
نمضي إليه فنستقي
ونعب منه كما نشاء
فاليوم إذ شط المزا
ر بكم وقد عز اللقاء
وبخلتم بخل الضني
ن فحسبنا قطرات ماء •••
أين الأمين على الإما
رة والحريص على اللواء؟
قبس أضاء العالمي
ن كما تضيء لهم ذكاء
ثم اختفى خلف الغيو
ب مخلفا ظلم المساء
فكأنما هبة السما
ء قد استردتها السماء! •••
جزع الرياض لطائر
غنى فأبدع في الغناء
حتى إذا خلب العقو
ل وقيل: سحر لا مراء!
ولى عن الأيك الفخو
ر به إلى عرض الفضاء
فكأنه والسحب تط
ويه فيمعن في الخفاء
دنيا من الأمل الجمي
ل قد استبد بها العفاء!
ووراءها شفق من ال
ذكرى كجرح ذي دماء!
وتسائل الدنيا التي
ناطت به كل الرجاء
عن أي سر طار عن
هذي الربى؟ وعلام جاء؟!
قم يا فقيد الشعر وان
ظر أي حفل للرثاء!
أمم يصبر بعضها
بعضا، وهيهات العزاء!
هذي الجموع الباكيا
ت الساخطات على القضاء
قاسمتها أشجانها
ووفيت ما شاء الوفاء
أو لم تجدك لسانها ال
شاكي إذا احتدام البلاء؟
أو لم تكن غريدها
ونديمها عند الصفاء؟
لم لا توفيك الجمي
ل وتستقل لك الفداء؟! •••
ومنعم بين القصو
ر قد استتم له الثراء
ما باله حمل الهمو
م وجشم القلب العناء!
وينوء بالعبء الذي
هو عن أذاه في غناء!
ويح الذكاء وما يكل
فه من الثمن الذكاء!
أضنى قواه ولم يدع
من جسمه إلا ذماء
والمجد يوغل في حنا
يا، روحه والمجد داء! •••
صرح من الأدب الصمي
م له على الدنيا البقاء
الدهر يحمي ركنه
والفن في روح البناء ••• (شوقي)! على رغم التفر
د والتفوق والعلاء
ذاك الرقاد بساحة
كل الرجال بها سواء
وبرغم ذهن كالفرا
شة حول مصباح أضاء
مثواك لا تشكو السكو
ن ولا تمل من الثواء
هجاء أعمى بغيض، زوج حسناء
يا جمال الصبا وأنس النفوس
خبرينا عن زوجك المنحوس!
حدثي أنت عن عماه «الحيسي»
وصفي لي الغرام (بالتحسيس)! •••
حدثينا عن اللهيب المفدى
وجمال يصير الحر عبدا
وجنون الأعمى إذا ما استجدى
وهو يعشو لناره كالمجوس! •••
يا جمالا في الترب يلقى ويرمى
يا لظلم الحظوظ والحظ أعمى!
وبلائي أني أسميه ظلما
وهو لفظ ما جاء في القاموس! •••
آه من قسوة الطبيعة شقت
ظلمة في مكان نور ورقت
دون قصد لعينه فاستبقت
كوة في فضائها المطموس! •••
كوة تنفذ الحفيظة عنها
ويطل الدهاء والخبث منها!
طالعتنا في طلعة لم تزنها «كالفتيل» الحقير في (الفانوس) •••
كذليل الأبقار إذ ربطوه
وتراهم بخرقة عصبوه
فإذا ما عصاهمو ضربوه
وتمشى على غناء «الألوس»! •••
وتراه تقول يقطر بغضا
حيوان يريد أن ينقضا
حسبك الله! عشت تنظر أرضا
فابق فيها! حرمت نور الشموس!
الانتظار
وقف الشاعر ينتظر تحت العاصفة والظلام والبرد.
لعينيك احتملنا ما احتملنا
وبالحرمان والذل ارتضينا «وهان إذا عطفت ولو خيالا
وأين خيالك المعبود أينا؟!» •••
تعال! فلم يعد في الحي سار
وهومت المنازل بعد وهن
وران على نوافذها ظلام
وقد كانت تطل كألف عين •••
تعال! فقد رأيت الكون يحنو
علي ويدرك الكرب الملما
ويجلو لي النجوم فأزدريها
وأغمض لا أريد سواك نجما! •••
ومنتظر بأبصاري وسمعي
كما انتظرتك أيامي جميعا
وهل كان الهوى إلا انتظارا
شتائي فيك ينتظر الربيعا! •••
أرى الآباد تغمرني كبحر
سحيق الغور مجهول القرار
ويأتمر الظلام علي حتى
كأني هابط أعماق غار •••
وتصطخب العواطف ساخرات
وتطعنني بأطراف الحراب
وتشفق بعدما تقسو فتمضي
لتقرع كل نافذة وباب •••
فصحت بها إلى أن جف حلقي
فحين سكت كلمني إبائي
وأشعرني العذاب بعمق جرحي
وأعمق منه جرح الكبرياء •••
ولما لم تفز بلقاك عيني
لمحتك آتيا بضمير قلبي
فأسمع وقع أقدام دوان
وأنصت مصغيا لحفيف ثوب •••
وأخلق مثلما أهوى خيالا!
وأستدني الأماني والحبيبا
وأبدع مثلما أهوى حديثا
لناء صار من قلبي قريبا •••
أمد يدي في لهف إليه
أشاكيه بمحتبس الدموع
فيسبقني إلى لقياه قلبي
وثوبا ثم يبرد في ضلوعي •••
فتصطخب العواطف ساخرات
وتطعنني بأطراف الحراب
وتشفق بعدما تقسو فتمضي
لتقرع كل نافذة وباب!
صلاة الحب
أحقا كنت في قربي
لعلي واهم وهما
تكلم سيد القلب
وقل لي: لم يكن حلما •••
دنوت إلي مستمعا
فبحت، وفرط ما بحت!
بعادك والذي صنعا
وهجرك والذي ذقت •••
وحبي! ويحه حبي
تبيعك حيثما كنت
تكلم سيد القلب
وقل بالله ما أنت؟! •••
أرى في عمق خاطرك
جلالا يشبه البحرا
وألمح في نواظرك
صفاء الرحمة الكبرى •••
وأنت رضى وتقبيل
وأنت ضنى وحرمان
وفي عينيك تقتيل
وفي البسمات غفران •••
وأنت تهلل الفجر
وبسمته على الأفق
وحينا أنة النهر
وحزن الشمس في الغسق •••
وأنت حرارة الشمس
وأنت هناءة الظل
وأنت تجارب الأمس
وأنت براءة الطفل! •••
وأنت الحسن ممتنعا
تحدى حصنه النجما
وأنت الخير مجتمعا
وعندك عرشه الأسمى •••
وعندك كل ما أظما
ورد القلب لهفانا
وعندك كل ما أدمى
وزاد الجرح إثخانا •••
وعندك كل ما أحيا
وشدد عزمه الواهي
حنانك نضرة الدنيا
وقربك نعمة الله! •••
وفيم هواجس القلب
وفيم أطيل تسآلي
أحبك أقدس الحب
وحبك كنزي الغالي •••
سناك صلاة أحلامي
وهذا الركن محرابي
به ألقيت آلامي
وفيه طرحت أوصابي •••
هوى كالسحر صيرني
أرى بقريحة الشهب
وطهرني وبصرني
ومزق مغلق الحجب! •••
سموت كأنما أمضي
إلى رب يناديني
فلا قلبي من الأرض
ولا جسدي من الطين! •••
سموت ودق إحساسي
وجزت عوالم البشر
نسيت صغائر الناس
غفرت إساءة القدر!
مصافحة اللقاء
أهاب بنا فلبينا
مناد ضم روحينا
كأنا إذ تصافحنا
تعانقنا بكفينا
كأن الحب تيار
سرى ما بين جسمينا
يؤجج في نواظرنا
ويشعل في دماءينا!
مصافحة الوداع
يا أميري! أزف البي
ن وما زلت ضنينا
أصغ لي! وانظر ودع كف
ك في كفي حينا
آه من يمناك هذي
والذي منها سقينا
عللتنا بالأماني
فشربنا ظامئينا
ثم دارت بالمنايا
فوردنا طائعينا
آه من قاسية ري
انة ضعفا ولينا
يا بنانا ساحرا قد
حكم الأقدار فينا
شفتي موتورة ظم
آنة جنت جنونا
وكأن الآن كفي
حملت ثأرا دفينا
تتمناك حبيسا
عندها العمر سجينا
طائرا ألفى على را
حتها وكرا أمينا
وشعاعا قدسيا
هادي النور مبينا!
أغنية في هيكل الحب
كم تجرعنا هوانا
ولقينا في هوانا
وبلونا نار حب
لم نذق فيها أمانا
وإذا حل الهوى هي
هات تدري كيف كانا
فإذا ما ملك الأنف
س أصلاها عوانا
فهو نصل مستقر
ولهيب لا يدانى!
يا حبيبي هدأ اللي
ل ولم يسهر سوانا
لا الدجى ضمد جرحي
نا ولا الصبح شفانا
لا الهوى رق على الشا
كي ولا قاسيه لانا
قد غدونا غرض الرا
مي كما شاء رمانا
وافني بالله نطرق
هيكل الحب كلانا
ساعة نبكي على الكأ
س ونشكو من سقانا!
دعاء الراعي
عن الألمانية - من أغاني هينه (قصيدة رمزية)
يا أيها الحمل الوديع أنا الذي
يحنو عليك. أنا الحبيب الراعي
كم ليلة والرعب يمشي في الدجى
والهول منتشر على الأصقاع!
أغفيت في كنفي وفي ظل الكرى
كالطفل في أمن من الأوجاع
يارب! قد وهت العصا واستأثرت
غير الليالي بالقوي الباع
يا رب إن تك قد حكمت بفرقة
وأذنت للراعي بوشك زماع
فانظر إلى الحمل الوديع ووقه
شر النفوس وفتنة الأطماع
نضره له الدنيا ومد ربيعها
وانشره مؤتلقا بكل شعاع
واجعل له الأيام ظلا وارفا
وخرير أنهار وخصب مراعي!
التذكار
معربة عن «الفرد دي موسيه »
بي نزوع إلى الدموع الهوامي
غير أني أخاف من آلامي
أيهذا المكان! يا غالي التر
ب! ومثوى عبادتي واحترامي!
أنت مثوى الذكرى ومدفنها الغا
لي القصي المجهول في الأيام •••
هذه خلوتي فلا تمنعوني
ما الذي تحذرون يا خلاني؟!
إنها عادتي التي كنت أعتا
د وأهوى في سالف الأزمان
أخذتني لذي الرحاب وقادت
قدمي في سبيل هذا المكان! •••
انظروا هذه السفوح وهذا الن
بت إذ قام مزهرا تياها؟
لكأني ما زلت تسمع أذني
في صموت الرمال وقع خطاها
وكأن النجوى بكل ممر
طوقتني في ستره يمناها! •••
قد تراءى الصنوبر النضر إذ أي
نع في قاتم من الألوان
وتراءى لي المضيق البعيد ال
غور يمتد في رخي المجاني
موحشات لكنما كن ألا
في ومهد الهنيء من أزماني! •••
أنا ما جئت ها هنا أذكر الأش
جان في موطن عرفت فيه هنائي
ذلك الغاب رائع الحسن والصم
ت مثال الجلال والكبرياء
وفؤادي عات كرائع هذا ال
غاب مستكبر على البرحاء! •••
من يشأ أن يفيض يوما بشكوا
ه فما هذا موضع الأحزان
قل لشاك هلا مضيت لتجثو
عند مثوى ميت من الخلان!
كل شيء حي هنا ونبات ال
قبر ينمو في غير هذا المكان! •••
طلع البدر يرتقي ذروة الأف
ق ويجتاز حالك الأسداد
يا أمير الظلام إنك تبدو
حائر الرأي، واضح الترداد
ثم تمضي مجاوزا حجب اللي
ل وترمي بنورك الوقاد •••
كلما شارف الثرى فيض نور
مرسل من جبينك الوضاح
وإذا الأرض قد تضوع منها
عن ثراها الندي عطر الصباح
استثارت عطر القديم من الحب
دفين العبير في الأرواح •••
أيهذا الوادي المجبب ما زر
تك حتى سألت عن أوصابي
أين راحت لواعجي؟ أين آلا
مي اللواتي أهرمنني في الشباب؟
عاودتني طفولتي فيك حتى
خلت أني ما اجتزت يوم عذاب! •••
يا خفاف السنين! يا صولة الده
ر قويا مثل الجبابر عاتي
كل ماضي صبابة قد أخذتن
فمن مدمع ومن حسرات
ورحمتن لي أزاهر ذكرى
علقت في ذبولها بالحياة •••
فسلام مني على الأيام
كيف آست في النازلات الجسام
لم أكن أدري أن جرحا بما كا
بدت منه من فاتك الآلام
معقب لذة لنفسي وإحسا
س هناء لدي بعد التئام •••
فليبن عني السخيف من الرأ
ي وتنأى سفاسف الأقوال
وهموم كواذب كفنت أث
وابها حب عاشقين ضآل
جعلوها مظاهرا لهواهم
والهوى الحق ليس منهم ببال •••
إيه دانتي! أأنت ذاك الذي قا
ل قديما عن ذكريات الهناء:
إنها إن مرت على ذاكريها
زمن الحزن فهي أشقى الشقاء!
أي بؤسى أملت عليك مرير ال
قول حقا أسأت للبأساء! •••
أو إن أقبل الدجى بعد إدبا
ر نهار صافي الضياء قضيته
تنكر النور في الوجود فيغدو
محض وهم كأنه ما رأيته
ذلك القول وهو جد عجيب
أيها الخالد الأسي كيف قلته •••
قسما بالطهور من لهب الحب
مضيئا في القلب شبه المنار
ما عهدنا في قلبك الوافر الإي
مان هذا الظلال في الأفكار
لا أرى للهناء والله صدقا
مثل صدق الهناء بالتذكار •••
أو إن أبصر الشقي وميضا
في رماد الهوى فقام إليه
باسطا نحوه يديه بلهف
حارصا أن يمر من كفيه
وبه من إشعاعه أثر البر
ق إذا مر خاطفا ناظريه •••
أو إن غاصت روحه في عباب الذ
كريات التي طوتها السنين!
وعلى مرآة مجرحة منها
جرى دمعه السخي الهتون!
أو هذا السرور من ذكر الماضي
تسميه بالعذاب المبين! •••
إن تروا أدمعي فلا تزجروني
ودعوني إني أحب الدموعا
لا تجفف أيديكم أدمعا تن
فع قلبا لما يزل موجوعا
أدمعي ستر مسبل فوق ماض
قد تولى ما يستطيع رجوعا!
البحيرة
معربة عن لامارتين
من شاطئ لشواطئ جدد
يرمي بنا ليل من الأبد
ما مر منه مضى فلم يعد
هيهات مرسى يومه لغد!
سنة مضت! وختامها حانا
والدهر فرق شملنا أبدا
ناج البحيرة وحدك الآنا
واجلس بهذا الصخر منفردا! •••
قل للبحيرة تذكرين وقد
سكن المساء ونحن باللج
لا صوت يسمع في الدنى لأحد
إلا صدى المجداف والموج •••
فإذا بصوت غير معتاد
هز السكون هتافه العذب
أصغى العباب ورجع الوادي
أصداءه وتناجت السحب •••
يا دهر في رفق ولا تدر:
ساعاته في هينة وقفي
حتى تتاح هناءة العمر
وتطول لذتها لمقتطف •••
هلا التفت لذلك الكون
وعلمت كم في الناس من باكي
يدعوك خذني والأسى المضني
خل الممتع وامض بالشاكي •••
هذا النعيم وهاته المحن
يتنافسان الدهر إقلاعا
فبأي عدل أيها الزمن
تتشابه الحالان إسراعا؟! •••
يا أيها الأبد السحيق أجب
وتكلمي يا هوة الماضي
ما تصنعان بأشهر وحقب
ونعيم عمر غير معتاض •••
ناج البحيرة والصخور وعد
فاستحلف الأغوار والغابا
قل! صنت ذكر غرامنا فلقد
صين الشباب عليك أحقابا •••
ولتبق يا هذي البحيرة في
حاليك ثائرة وهادئة
في باسق للماء منعطف
في رائعات الصخر نائتة •••
في عابر النسمات مرتجفا
في النجم فضض صفحة الماء
في الريح أن أنينه وهفا
في الغصن نفس حر أحشاء •••
في الجو معتبقا برياك
خطرت ملاعبة رقيق صبا
في كل هذا هاتف باكي
سيقول يا أسفا لقد ذهبا!
وداع المريض
مهداة إلى س ...
مريض عزيز سهر الشاعر عند سريره يعنى به، وكان وداعه في الصباح فكتب يودعه بالقصيدة التالية:
فيم الغدو غدا؟ وأين رواحي؟
ويح الصباح! لقد مضى بصباحي
عصفت علينا غير راحمة لنا
يا صفوة الأحباب، أي رياح!
عبثت بمعبود العيون وصيرت
كالورس لونا توأم التفاح
ذهبوا به كالورد جافاه الندى
ومضوا به شبحا من الأشباح
يا هاتفا باسمي فديت مناديا
رد النداء عليه حر نواحي!
يا آسي الآسي لممت جراحتي
وأسلت يوم نواك أي جراح!
طأطأت للبين المشتت هامتي
وخفضت للقدر المغير جناحي!
أي الليالي العاتيات سهرتها
في أي آلام وأي كفاح!
هدم الضنى العادي قوي شكيمتي
وثنى معاندتي ورد جماحي!
وطغى على الملك الموسد بيننا
في لطف زنبقة وضعف أقاح! •••
كيف المآب إلى مكان موحش
متجهم العرصات قفر الساح؟!
في كل ناحية خيال هاتف
ومذكر بجبينك الوضاح
وموسد كالطيف صاح ليله
أمسيت أرعاه بجفن صاح!
عاد الشقي إلى قديم شقائه
ومحا من الدنيا السعادة ماحي
ويح الحياة اليوم! أين جمالها؟
وعلام إخفاقي بها ونجاحي؟
أنت الذي وهب الحياة لميت
في الأرض منفرد بغير طماح
أشرقت في ظلمائها وغمامها
وطلعت مثل البارق اللماح!
فرحة جديدة
أدركت عندك يومي الموعودا
ولقيت فيك مثالي المنشودا
وا فرحتي بك فرحة الطفل الذي
يلهو ويخلق كل يوم عيدا
وا فرحتي بك فرحة الطير الذي
ملأ الروابي المصغيات نشيدا
طربت لصدحته وصفق ظافرا
جذلان في عرض الفضاء سعيدا
في موكب من قلبه وحبيبه
من راح تحسبه العيون وحيدا
وا فرحتي بك فرحة الضال الذي
يطوي القفار اللافحات شريدا
لاحت له بعد الهواجر أيكة
غناء تبسط ظلها الممدودا
ما أعجب الدنيا التي بعث الهوى
وأحالها روضا أغر جديدا!
شتى غرائبها وأعجبها فتى
يغدو لمهجته عليك حسودا
يتهالكان على جمالك صبوة
يتنافسان ضراعة وسجودا
يتنازعانك غيرة وتغضبا
كل يراك حبيبه المعبودا
ما أعجب الإيمان يغمر خاطري
كالفجر قد غمر السماء وئيدا!
مزقت شكي فاسترحت لأعين
علمنني الإيمان والتوحيدا
استقبال القمر
أقبل بموكبك الأغر
ما أظمأ الأبصار لك!
العين بعدك يا قمر
عمياء! والدنيا حلك •••
تمضي وراء سحابة
تحنو عليك وتلثمك
وأنا رهين كآبة
بخواطري أتوهمك! •••
كن حيث شئت فما أنا
إلا معنى بالمحال
أغدو لقدسك بالمنى
وأزور عرشك بالخيال! •••
وأقول صبرا كلما
عز الفكاك على الأسير
روحي وروحك ربما
طابا عناقا في الأثير •••
مهما تسامى موضعك
وعلا مكانك في الوجود
فأنا خيالك أتبعك
ظمآن أرشف ما تجود! •••
قمر الأماني يا قمر
إني بهم مسقم
أنت الشفاء المدخر
فاسكب ضياءك في دمي •••
أفرغ خلودك في الشباب
واخلع على قلبي الصفاء
أسفا لعمر كالحباب
والكأس فائضة شقاء •••
خذني إليك ونجني
مما أعاني في الثرى
قدحي ترنق فاسقني
قدح الشعاع مطهرا! •••
واها لأحلام طوال
وأنا وأنت بمعزل
نعلو على قمم الجبال
ونرى العوالم من عل
نفرتيتي الجديدة
إلى ممثلة فنانة
لمن هاته الفتنة النادرة؟!
وما هاته الأعين الساحره؟!
وما ذلك المرح القدسي؟!
وما هاته الضحكة الطاهره؟!
تطوف مطاف الحنان العميم
وتسقط كالنعمة الوافره
وتمتد مثل امتداد العباب
وترجع كالموجة الساخره
وتنقش أصداءها فى القلوب
وتبقى مدى العمر في الذاكره
فيا رقة سكبت فى النفوس
كما تسكب الخمرة القاهره
نسينا بيك العالم الدنيوي
وأسمعتنا نغم الآخره
ويا ربة من نواحى الألمب
أطلت على مهج شاعره
حنينا الرؤوس لمجد الجمال
ولذنا بعرشك يا آسره (...) مثلت هذى الحياة
وصورت أدوارها الزاخره
وحملت روحك أثقالها
وروحك كالريشة الطائره
وكلفت قلبك خوض الجحيم
وقلبك كالجنة الناضره
دفعت به في اللظى كالخليل
وعدت مباركة ظافره
رجعت من النار ياقوتة
مطهرة حرة باهره (...) إن كرمتك البلاد
ودانت لمعبودة قادره
فوالله ما فهمتك العقول
ولا قدرت قدرك «القاهره»!
فللشعر عين يراك بها
بغير عيون الورى الناظره
يرى لك حسن الشعاع الجميل
أغار على الظلمة الغامره
فجلل بالسحر هذى الدنى
وصيرها جنة زاهره
فنور أكواخها الباليات
وهلل في دورها العامره
رسول يجوس خلال الديار
وينزل كالرحمة الزائره
بعين قد اغرورقت بالدموع
لها مقلة الغيمة الماطره
يطوف على الناس إنسانها
ومهجته للورى غافره
الفراشة
أجل! يعلم الحب أني لظاه
وتدري الفراشة أني اللهب
وأني بدوت لها في الظلام
فرفت بأجنحة تضطرب
وبين ذراعي سر الحياة
وفي ناظري بريق الشهب
دنت خطوة ثم عادت إلى
مجاهلها من خفي الحجب
وشتان بين السنا والظلا
م لعابدة للسنا عن كثب!
وفي صدرها لهفة للعناق
وفي قلبها جنة المغترب
يلوح لها شبح للعذاب
ويبدو لها الأبد المقترب
كأن اللظى قدح من سلاف
لها فوقه وثبات الحبب
فراشة روحي تعالي وثوبا
ستلقين قلبا إليك يثب
إذا ما امتزجنا احترقنا معا
ونلنا الخلود بهذا العطب!!
إلى س ...
جئت أشكو لك روحي وجواها
وردت ظمأى وعادت بصداها
آه من عينك! ماذا صنعت
بغريب مستجير بحماها؟!
تبعته تقتفي أحلامه
كلما أغفى أطلت فرآها
يا سقى الله «لليلى» أيكة
وجزاها الخير عنا ورعاها
وغذاها من أمانينا ومن
حبنا الشهد المصفى وسقاها
قربي عينك مني قربي!
ظلليني واغمريني بصفاها!
وأريني هدأة البحر إذا ان
بسط البحر جلالا وتناهى
وأريني لجة السحر التي
ضل في أعماقها الفكر وتاها
ألمح اللؤلؤ في أغوارها
وأرى الطيبة تطفو في سناها
وأراها تخبئ الخلد لمن
باع دنياه وبالروح اشتراها ! •••
نحن أرواح حيارى افترقت
ثم عادت فتلاقت في شجاها
سوف ينسى القلب إلا ساعة
من رضا في وكرك الحاني قضاها
هتف القلب وقد حدثتني
أي ماض كشفت لي شفتاها
همست في خاطري فاستيقظت
روحي الحيرى وأصغت لنداها
فأنا إن لم أكن توأمها
فكأني كنت في الغيب أخاها
نحن أرواح حيارى ثملت
وانتشت سكرى على لحن أساها
قربي روحك مني قربي!
ظلليني واغمريني برضاها!
وتعالي حدثيني! حدثي!
أنت مرآة شجوني وصداها
فهبيني ساعة الصفو التي
تقسم الأيام ما فيها سواها
ثم أمضي لحياة مرة
صبحها عندي سواء ومساها!
نداء للشباب
وطن دعا وفتى أجاب
بوركت يا عزم الشباب!
يا فتية النيل المسا
لم والكريم بلا حساب
جناته مرآتكم
ولكم خلائقها العذاب
ولكم جمال الزهر رف
على الأماليد الرطاب
ولكم فؤاد النهر رق
على المحاني والشعاب!
يمضي فيضحك للسهو
ل ولا يضن على الهضاب
حتى إذا نادتكم الأ
وطان والوادي أهاب!
حتى إذا طغت الكوا
رث واستفزكم العذاب
أصبحتم كالغيل تح
ميه الليوث بألف ناب
قل للشباب اليوم يو
مكم الأغر المستطاب!
اليوم يبدو حب مص
ر فلا خفاء ولا حجاب!
إن كان إثما يا شبا
ب فلا رجوع ولا متاب!
الله ينظر والليا
لي عندها لكم الحساب
والعهد في القلب المصا
بر والأمانة في الرقاب!
هاتوا الفدا الغالي لمص
ر وأرخصوه كالتراب
المال، والأرواح، كل
ضحية ولها ثواب
في يوم الشباب
اليوم يومك في الشباب فناد
لا نوم بعد، ولا شهي رقاد
قل للذي يبغي الصلاح لقومه
بنبيل صنع أو شريف جهاد
بالطب أو بالشعر أو بكليهما
كل الجهود فداء هذا الوادي!
لا خير في قلم إذا هو لم يكن
حرا طهورا كالشعاع الهادي
لا خير في طب إذا هو لم يزر
ظلم الحياة كفرحة الأعياد
يا أيها الوطن الجريح وجرحه
بصميم كل حشاشة وفؤاد
صبرا فنحن أساتك الرحماء في ال
بأساء قد جئنا بكل ضماد
قل للبناة المصلحين ألا اخلقوا
شم الذرى ورواسخ الأطواد
جيلا من النشء القوي إذا مشوا
رفعوا الرؤوس بعزة وعناد
لا خير في الأرواح تسكن منزلا
متهدما رثا من الأجساد
لا خير في الأرواح تسكن موطنا
متخاذلا لا يرتجى لجلاد
أبكت عيونكم الضعيف يصير في
ناب القوي فريسة استعباد
فتبينوا إذن الحقيقة واعلموا
أن الطبيعة هكذا من عاد
الجو ملك النسر يغشاه على
ما يشتهي والغاب للآساد
مهلا بني قومي أتيت مذكرا
في ساحة مجموعة الأشهاد
وا خجلتا مما نقدمه إذا
حان الحساب وجاء يوم معاد
أي الصحائف في غد وحسابكم
في ذمة الأبناء والأحفاد
أي البلاد هو السعيد وأهله
يتنابذون تنابذ الأضداد
كل يعيش لنفسه في أمة
شقيت بطول تفرق الأفراد
فخذوا السبيل إلى الحياة تآلفا
وتكاتفا في رغبة ووداد
خير الصحائف ما كتبت سطوره
بيد الكفاح الحر لا بمداد
صونوا البلاد وأدركوا فلاحكم
كاد الحمى يغدو بغير عماد
حيران من مرض إلى بؤس إلى
كرب تمر به بلا تعداد
هذي دياركم وذلك نيلكم
هبة السماء ومنحة الآباد
هذي دياركم وهذي شمسكم
طمع الغريب وحرقة الحساد
ومن المصائب في زمانك أن ترى
بلدا كثير مناهل الرواد
والخير مدرار عليه وربه
جوعان محروم الرعاية صاد!
والزرع نضر في الحقول وأهله
يتهيأون لمنجل الحصاد! ...
هذا زمانكم وذا ميدانكم
ماذا بكم من عدة وعتاد؟ ...
نبغي شداد القوم قد شحذوا القوى
في ليل أحداث نزلن شداد
ونريد شبانا بمصر استعصموا
ومضوا يصدون الغريب العادي
ونريد أطفالا إذا ما أرضعوا
فرضاعهم وطنية بسهاد
الطفل منهم مثل أمي أو أبي
شفتاه أول ما تقول بلادي! ...
يغذون في الأرحام حب بلادهم
لتكون مصرا صرخة الميلاد!
إلى روح الشاعر
ألقيت في حفلة الذكرى للشاعر المرحوم طانيوس عبده بمعهد الموسيقى الشرقي، يوم الثلاثاء 20 فبراير سنة 1934.
موقف حان فاغتنم
وتخير من الكلم
كل لفظ أرق من
ضحكة الزهر للديم
مستمد من الربى
مستعار من النسم
اجمع الآن طاقة
غضة النور تبتسم
أهدها روح شاعر
خالد بالذي نظم •••
قلمي! ما الذي لدي
ك من الخير يا قلم؟!
قم فذكر وناج قو
مك واخطب وقل لهم
قل لأهل الغناء في
كنف المعهد الأشم:
ذلك الشاعر الذي
بات في خاطر الظلم
هو منكم وفنه
علم الله فنكم
كان لحنا فصار ذك
را كما يذكر الحلم
إنما الشعر مزهر
قد حكى قصة الأمم
وبأوتاره المنى
تتلاقى وتزدحم
هو ناي مرجع
لشجي وما كتم
هو قيثارة الزما
ن ونجواه من قدم
هو أنشودة الحيا
ة وفيض من النغم •••
أيها المعهد الذي
بلغ المجد واستتم
كل لحن مذكر
أشعل القلب فاضطرم
نظمته يد الأسى
وقعته يد السقم
وأناشيدكم وما
صاغه الفن من عظم
هي أنات أنفس
بالمقادير ترتطم
وصبابات أعين
يشهد الليل لم تنم
وأغانيكم التي
هي في قمة القمم
هي آهات شاعر
عرف الحب والألم! •••
ذلك الشاعر الذي
روحه الآن بينكم
لكأني أراه ح
يا وألقاه عن أمم
وهو في ذروة الشبا
ب وفي خفة القدم
غاشيا كل منتدى
عالي الرأس محترم
كلما قال شعره
غمر السهل والعلم
دافقا ليس ينتهي
أبدا سيله العرم
باذلا للصديق وال
أهل كل الذي غنم •••
زوجه والبنون هم
مجده والرجاء هم
درجوا في ذرا العلا
نوروا في ربى النعم
نشأوا في حمى العفا
ف وجلوا عن التهم •••
حين ظنوا بأن ما
أملوا في الزمان تم
إذ شكا الضعف سيد ال
بيت خارت به الهمم
نام في حصنه الضنى
وعلى صدره جثم
وإذا بالطيور قد
دخل الموت وكرهم
شبه لص مخادع
غشى البيت فالتهم
وإذا الفاقة الجري
ئة تطغى وتنتقم
صنعت في رجائهم
فعلة الذئب بالغنم
كأتون مسعر
غاضب ينثر الحمم!
من رأى البؤس إن عدا؟!
من رأى الضنك إن هجم؟
من رأى العفة العري
قة بالدهر تصطدم؟! •••
أمتي! ليس يهزم ال
فن في أمة الشمم
أمتي! ليس يخذل ال
جود في أمة الكرم
أمتي! أمة العلا
وأبي الهول والهرم
ساعة التذكار
ألقيت في حفلة الذكرى التي أقامتها جماعة الأدب المصري بالإسكندرية لمرور عام على وفاة المرحوم أحمد شوقي بك.
شجن على شجن وحرقة نار
من مسعدي في ساعة التذكار
قم يا أمير! أفض علي خواطرا
وابعث خيالك في النسيم الساري
واطلع كعهدك في الحياة فراشة
غراء حائمة على الأنوار
يا عاشق الحرية الثكلى أفق
واهتف بشعرك في شباب الدار
يا من دعا للحق في أوطانه
ومضى ليهتف في ديار الجار
الشام جازعة ومصر كعهدها
نهب الخطوب قليلة الأنصار
والحظ أطمار كما شاء البلى
والعيش رث والسنون عوار •••
عام مضى يا للزمان وطيه
فينا ويا لسواخر الأقدار!
عام مضى وكأن أمس نعيه
يا ما أقل العام في الأعمار!
أين الإمارة والأمير ودولة
مبسوطة السلطان في الأمصار؟!
خمسون عاما وهي وارفة الجنى
تحت الربيع دؤوبة الإثمار!
مد الخريف على الرياض رواقه
ومضى الربيع الضاحك النوار! •••
هيهات أنسى قبل بينك ساعة
جمعت صحابك في غروب نهار
1
والشمس في سقم الغروب وأنت في
لون الشحوب معصفر ببهار
منحت وقد ذهبت شعاعا غاربا
كسناك طوافا على السمار
تشكو لي الضعف الملم لعل في
طبي مقيلا من وشيك عثار
وكشفت عن متهدم جال الردى
متهجما في صرحه المنهار
فرأيت ما صنع الضنى في صورة
حالت، وخلى هيكلا كإطار
ووجمت! ألمح في الغيوب نهاية
وأرى بعيني غاية المضمار
وأرى النبوغ وقد تهاوى نجمه
والعبقرية وهي في الإدبار!
أولم يكن لك من زمانك ذائدا
وثبات ذهن مارد جبار؟
أولم يكن لك من حمامك عاصما
ذاك الجبين مكللا بالغار؟
وليت في إثر الذين رثيتهم
وأقمت فيهم مأتم الأشعار
وسقيت من كأس تطوف بها يد
محتومة الأقداح والأدوار
والدهر يقذف بالمنايا دفقا
فمضيت في متدفق التيار •••
في ذمة الأجيال ما غنت به
قيثارة سحرية الأوتار
صدحت بألحان الحياة ووقعت
أنغامها المحجوبة الأسرار
والفن ما حاكى الطبيعة آخذا
منها ومن إعجازها بغرار
مسترسلا رحبا كعين ثرة
شتى السيول سحيقة الأغوار
متعاليا حتى الأشعة مشرقا!
متألفا كالكوكب السيار! •••
شوقي! نظمت فكنت برا خيرا
في أمة ظمأى إلى الأخيار!
أرسلت شعرك في المدائن هاديا
شبه المنار يطوف بالأقطار
تدعو إلى المجد القديم وغابر
طي القرون مجلل بوقار!
تدعو لمجد الشرق تجعل حبه
نصب القلوب وقبلة الأنظار!
تبكي العراق إذا استبيح ولا تضن
على الشآم بمدمع مدرار
وترى الرجال وقد أهين ذمارهم
خرجوا لصون كرامة وذمار
فلو استطعت مددت بين صفوفهم
كفا مضرجة مع الأحرار! •••
ما زلت تبعث في قريضك ثاويا
أو ماضيا حفلا بكل فخار
حتى اتهمت فقال قوم: شاعر
ناجى الطلول وطاف بالآثار!
فجلوت ما لم يشهدوا، ورسمت ما
لم يعهدوا من معجز الأفكار!
شيخ يدب إلى الأصيل وقلبه
وجنانه في نضرة الأسحار
ويحس تبريح الصبابة واصفا
مجنون ليلى في سحيق قفار
ويروح يبعث كليوباترا ناشرا
تلك العصور وطيفها المتواري!
ويرى الحياة الحب والحب الحيا
ة! هما شعار العيش أي شعار
دين الأحياء
ألقيت في حفلة مسرح رمسيس بالقاهرة لذكرى العام الأول على وفاة المرحوم أحمد شوقي.
دين ... وهذا اليوم يوم وفاء
كم منة للميت في الأحياء!
إن لم يكن يجزى الجزاء جميعه
فلعل في التذكار بعض جزاء
يا ساكن الصحراء منفردا بها
مستوحشا في غربة وتنائي
هل كنت قبلا تستشف سكونها
وترى مقامك في العراء النائي
فأتيت - والدنيا سراب كلها -
تروي حديث الحب في الصحراء
ووصفت قيسا في شديد بلائه
ظمآن يطلب قطرة من ماء
ظمآن حين الماء ليلى وحدها
عزت عليه ولم تتح لظماء!
هيمان يضرب في الهواجر حالما
بظلال تلك الجنة الفيحاء
فإذا غفا فلطيفها، وإذا هفا
فلوجهها المستعذب الوضاء
يا للقلوب لقصة بقيت على
قدم الدهور جديدة الأنباء
هي قصة الطيف الحزين، وصورة ال
قلب الطعين، مجللا بدماء
هي قصة الدنيا، وكم من آدم
منا له دمع على حواء!
كل به قيس إذا جن الدجى
نزع الإباء وباح بالبرحاء
فإذا تداركه النهار طوى المدا
مع في الفؤاد وظن في السعداء
لا تعلم الدنيا بما في قلبه
من لوعة ومرارة وشقاء
كل له «ليلى» ومن لم يلقها
فحياته عبث ومحض هباء
كل له «ليلى» يرى في حبها
سر الدنى وحقيقة الأشياء
ويرى الأماني في سعير غرامها
ويرى السعادة في أتم شقاء
الكون في إحسانها والعمر عن
د حنانها، والخلد يوم لقاء
يا للقلوب لقصة محزونة
لم ترو إلا روحت ببكاء
خلدت على الدنيا وزادت روعة
مما كساها سيد الشعراء
خلدت على الدنيا وزادت روعة
من جودة التمثيل والإلقاء
من فن (زينبها) ومن (علامها)
زين الشباب وقدوة النبغاء
الأجنحة المحترقة
يا أمتي كم دموع في مآقينا
نبكي شهيديك أم نبكي أمانينا؟!
يا أمتي إن بكينا اليوم معذرة
في الضعف بعض المآسي فوق أيدينا
واها على السرب مختالا بموكبه
وللنسور على الأوكار غادينا!
قالوا الضباب فلم يعبأ جبابرة
لا يدركون العلا إلا مضحينا «والمانش» يعجب منهم حينما طلعوا
على غواربه الحيرى مطلينا
فاستقبلتهم فرنسا في بشاشتها
تجزي البسالة وردا أو رياحينا
قالوا النسور فهب القوم وادكروا
نسرا لهم ملأ الدنيا ميادينا
وهلل «السين» إذ هلت طلائعنا
طلائع المجد من أبناء وادينا
حان الأمان ووافى السرب فافتقدوا
نسرين ظنوهما قد أبطآ حينا
لكنه كان إبطاء الردى فهما
لما دعا المجد قد خفا ملبينا
فليبك من شاء وليشبع محاجره
ولينتحب ما يشاء الحزن باكينا
يبكي الحبيب وتبكي فقد واحدها
من لا ترى بعده دنيا ولا دينا
هنيهة ثم يسلو الدمع ساكبه
لا يدفع الدمع شيئا من عوادينا
فكلما حل رزء صاح صائحنا:
فداك يا مصر لا زلنا قرابينا
فداك يا مصر هذا النجم منطفئا
والنسر محترقا والليث مطعونا!
عتاب
هجرت فلم نجد ظلا يقينا
أحلما كان عطفك أم يقينا؟
أهجرا في الصبابة بعد هجر
أرى أيامه لا ينتهينا
لقد أسرفت فيه وجرت حتى
على الرمق الذي أبقيت فينا
كأن قلوبنا خلقت لأمر
فمذ أبصرن من نهوى نسينا
شغلن عن الحياة ونمن عنها
وبتن بمن نحب موكلينا
فإن ملئت عروق من دماء
فإنا قد ملأناها حنينا!
أصوات الوحدة
يا وحدتي جئت كي أنسى وهاءنذا
ما زلت أسمع أصداء وأصواتا
مهما تصاممت عنها فهي هاتفة
يا أيها الهارب المسكين هيهاتا!
جرت علي الأماني من مجاهلها
وجمعت ذكرا قد كن أشتانا
ما أسخف الوحدة الكبرى وأضيعها
إذا الهواتف قد أرجعن ما فاتا!
بعثن ما كان مطويا بمرقده
ولم يزلن إلى أن هب ما ماتا
تلفت القلب مطعونا لوحدته
وأين وحدته؟ باتت كما باتا!
حتى إذا لم يجد ريا ولا شبعا
أفضى إلى الأمل المعطوب فاقتاتا!
من شعر الصبا
الختام
عجبا لقلب هيض منك جناحه
وجرى به نصل الندامة يذبح
ومضى الحمام يدب فيه فإن جرت
ذكراك طار إليك وهو مجنح
لهفي على الناقوس بين جوانحي
وعلى بقية هيكل لا تصلح
لا فرق بين أنينه ورنينه
وصداه في وادي المنية أوضح
يا قلب! صهباء الهوى وبساطه
وكؤوسه المتجاوبات الصدح
وقف على متنقلين على الهوى
يبغون من لذاته ما يسنح
متبدلين موائدا وأحبة
ما خاب من حب فآخر يفلح
فالحب آسيه وراء عليله
فيهم، وبلسمه على ما يجرح
يا قلب! ويح ثباتنا ماذا جنى
أترى شعاعا في البقية يلمح! •••
يا أيها الحب المقدس هيكلا
ذاق الردى من عابديك مسبح
كثرت ضحاياه وطال قيامه
وصيامه، فمتى رضاءك تمنح؟
يا دوحة الأرواح يحمد عندها
فيء ويعبد زهرها المتفتح
أينال ظلك والرعاية عابث
بجلالك البادي وآخر يمزح؟!
ويبيت يحرمه قتيل صبابة
قضى الحياة إلى ظلالك يطمح؟!
ليلى! حببتك كالحياة وذقت في
ناديك كأسا بالأماني تطفح
فتكسرت قدح المنى ورجعت من
سقم الهوى وهزاله أترنح
نزل الستار على الرواية وانقضت
تلك الفصول وفض ذاك المسرح
الدكتور زكي مبارك
في سنتريس وفي الأزهر وفي باريس (ألقيت في حفلة تكريمه بمسرح الهمبرا بالقاهرة).
تحت عين الصباح والأنوار
ورقيق الأنداء والأسحار
في حمى سنتريس شب غلام
شاعري الكلام والأنظار
أزرق العين هادئ هدأة البح
ر بعيد الرضى! بعيد القرار!
ساهم يلمح السحائب في الأف
ق بعين عميقة الأغوار •••
شب في جيرة النسائم والزه
ر وفي صحبة الغدير الجاري
ونضير الحقول والعشب المخض
ل يكسو شواطئ الأنهار
ومصيخا إلى غناء السواقي
شاكيات سواخر الأقدار
باكيات على الصبا والأماني
والهوى والنوى وبعد المزار
غير أن الذي شكا خطبه الأه
ل وأمسى حديث جار وجار
إن ذاك الفتى الوديع الطهور ال
قلب في رقة النسيم الساري
مغرم بالعصا! فلو خلف سور
لتخطى شواهق الأسوار
ولأجل العصا سطا على الأفرع الخض
راء زانت بواسق الأشجار
ولأجل العصا سطا على خشب البي
ت، طموحا حتى لباب الدار
ولو ان العصي عزت عليه
لتمنى حتى عصا التسيار •••
إن تلك العصا لرمز على القو
ة في قلب مارد جبار
لا يرى القرية الصغيرة كفءا
لكبار الآمال والأوطار
ساخرا من هدوئها مستعدا
لصراع الخطوب والأخطار
أين يمضي؟! للأزهر الشامخ الرأ
س القوي الباقي على الأدهار
مطلع عبده وسعدا ورهط ال
مجد والبأس والعلى والفخار •••
فرح الأهل بالغلام الذي صا
ر حديثا في ندوة السمار
عمموه وقفطنوه فأمسى
أمل القوم، فارس المضمار
ومضى يطلب العلوم وحيدا
موحشا قلبه، غريب الدار
ناظرا في هوامش تأكل العق
ل وتبلي نواضر الأبصار
لا يبالي الطوى ولا يحفل الأق
دار جاءت بكل أمر ضاري
لا يبالي غداة يصغى إلى الشي
خ وللشيخ هالة من وقار:
أحصير ممزق أم حرير
مقعد للمجاهد الصبار
آه من هاته الشدائد فهي الن
ار تبلو القلوب في الأخيار
إن قلب العظيم ياقوتة تس
مو سموا وتزدهي بالنار!
أي شيء في الدهر كالألم الجب
ار يجلو ضمائر الأحرار؟! •••
عجبي من «مجاور» ضاق بالأز
هر واحيرة النفوس الكبار!
ثم أمسى مطربشا واكتسى البذ
لة ما بين ليلة ونهار
ثم ضاقت بهمه مصر فاشتا
ق لغير الأوطان في الأمصار
ضم أشياءه إليه، وأضحى
في سفين تجوب عرض البحار
ثم أمسى مبرنطا يقصد السي
ن ويغزو مدينة الأنوار •••
والذي يبعث السرور ويدعو
كل نفس للزهو والإكبار
رجل ما ازدهته فتنة باري
س وما في باريس من أسرار
ظل في ذلك الحمى مصريا
عربي الحياة والأفكار
كلما هبت الغواني عليه
ضاق ذرعا بالغادة المعطار
يزفر الزفرة النفيسة ترمي
من لظاها فحم الدجى بشرار
يذكر النيل، والأحبة بالني
ل ويشدو برائع الأشعار!
كرموا نابغيكمو واعرفوهم
فضياع النبوغ في الإنكار
فزكي مبارك شعلة في
مصر تهدي شبابها كالمنار
قسما لو يتاح لي الغار كلل
ت بكفي جبينه بالغار!
على البحر
من شعر الصبا قاله الناظم في الثالثة عشرة من عمره.
هل أنت سامعة أنيني
يا غاية القلب الحزين
يا قبلة الحب الخفي
وكعبة الأمل الدفين
إني ذكرتك باكيا
والأفق مغبر الجبين
والشمس تبدو وهي تغ
رب شبه دامعة العيون
أمسيت أرقبها على
صخر وموج البحر دوني
والبحر مجنون العبا
ب يهيج ثائره جنوني
ورضاك أنت وقايتي
فإذا غضبت فمن يقيني!
كلانا
من شعر الصبا
كلانا عليل فلا تجزعي
ودمعك تسبقه أدمعي
وإن كان بين ضلوعك نار
فنار الصبابة في أضلعي
وإن كان نجم هنائك غاب
فنجم هنائي لم يطلع ...
في معبد الليل
إلى أميرتنا
في عيد ميلادها الرابع عشر 10 / 4 / 46
اقبلي يا «أميرة» اللطف حبي
واقبلي من أبيك هذا الكتابا
اجعليه ذكرى له، واجمعي الآ
راء فيه واستكتبي الأصحابا
جعل الله كل عمرك عيدا
وربيعا منضرا وشبابا
إلى ابنتي
يا ابنتي إنني لأشعر أني
ملأت مهجتي شموس منيره
أشرقت فرحتان عندي فهذي
لعماد وهذه لأميره
أنتما فرقدان، وهو جدير
بالذي ناله وأنت جديره
اغنما كل ما يطيب وفوزا
بالمسرات والأماني الوفيره
وا فرحا بالذي يطيب ويرجى
عيشة نضرة وعين قريره
أبد الخلود1
ما كان أقصر هذه من زورة
ما أشبعتنا من بشاشة نازك
كلا ولا روى النهى من زهرة
بالطهر تفصح عن سمات ملائك
إنا حمدنا لليالي أنها
قد قربتنا من سني سمائك ...
أن كان أسعدنا الزمان بساعة
فكأنها أبد الخلود حيالك
تكريم
قصيدة الدكتور ناجي في الحفلة التي أقامها فريق من أنصار التجديد وأعلام المدرسة الحديثة تكريما لصاحب مجلة الحديث الحلبية للأديب الراحل سامي الكيالي سنة 1932.
نفدي النزيل ونكرمن
إن لم نكرمه فمن؟
يا ضيف مصر أقم مقا
م الأهل وانزل في وطن
إنا اشتركنا في الأما
ني والتقينا في المحن
فمن الشآم إلى العرا
ق إلى الحجاز إلى اليمن
والصرخة الكبرى كمو
ج البحر تدوي في الأذن
تتباين الأصوات في
ها لا تبالي بالثمن •••
نبغي الحياة وما الحيا
ة سوى مماشاة الزمن
الدهر دفاق فكي
ف نعب من ماء أسن؟!
العصر عصر السابقي
ن إلى الشواهق والفتن
لا عصر مفتتنين بال
أحلام غرقى في الوثن
ومقيدين إلى الثرى
بين التخاذل والوهن
يا أيها الشرق الذي
يدعو، رويدك واطمئن
إنا إليك وللشبا
ب رسالة لا تمتهن
قمنا لها! كل بنا
حية رسول مؤتمن!
ما في طلائعنا الضعي
ف ولا الذليل المستكن
ما في طبائعنا الخصا
م ولا الحفيظة والضغن
إنا جنود النور من
علم ومن أدب وفن
القاتلون الجهل مث
ل البوم عشش في الدمن
إنا لأعداء الجمو
د وواضعوه في الكفن •••
يا أيها الضيف العزي
ز نعمت بالعيش الحسن
يا مؤنس المصري في
حلب وما ننسى المنن
صدر الشآم حنا علي
ك ومصر لو تدري أحن
بردى لنا، وصباه وال
جنات والطير المرن
والأرز والطود المعص
ب بالجلال المطمئن
والنيل نهركم وما
زان الخميلة والفنن
والقوم أهل والقرى
وطن عطوف والمدن
إلى أمينة1
أرباه أنقذني فأنت رميتني
بقلب على الأشواك والدم مشاء «أمينة» هذا ما أتاني كتبته
وعندك أخباري وعندك أنبائي
تحت الباب
أقبلت أطرق منزل الأحباب
ودسست هذا الشعر تحت الباب
1
أترى أكون بثثت شوقي كله
وشرحت حالي يا أولي الألباب
يا جارة «الوادي» إذ الوادي أخي
وكريم «إحسان»
2
ولطف صحاب
قسما بموصول المودة بيننا
هذي الزيارة لم تكن بحسابي
قد يجمع الله الشتيت ويلتقي
ناء بناء طول غياب
تكريم1
يا صفوة الأحباب والخلان
عفوا إذا استعصى علي بياني
الشعر ليس بمسعف في ساعة
هي فوق آي الحمد والشكران
وأنا الذي قضى الحياة معبرا
ومرجعا لخوالج الوجدان
أقف العشية بالرفاق مقصرا
حيران قد عقد الجميل لساني
يا أيها الشعر الذي نطقت به
روحي وفاض كما يشاء جناني
يا سلوتي في الدهر يا قيثارتي
ما لي أراك حبيسة الألحان؟
أين البيان؟ وأين ما علمتني
أيام تنطلقين دون عنان؟
نجواك في الزمن العصيب مخدر
نامت عليه يواقظ الأشجان
والناس تسأل والهواجس جمة
طب وشعر كيف يتفقان؟
الشعر مرحمة النفوس وسره
هبة السماء ومنحة الديان
والطب مرمحة الجسوم ونبعه
من ذلك الفيض العلي الشان
ومن الغمام ومن معين خلفه
يجدان إلهاما ويستقيان
يا أيها الحب المطهر للقلو
ب وغاسل الأرجاس والأدران
ما أعظم النجوى الرفيعة كلما
يشدو بها روحان يحترقان!
أنفا من الدنيا وفي جسديهما
ذل السجين وقسوة السجان
فتطلعا نحو السماء وحلقا
صعدا إلى الآفاق يرتقيان
وتعانقا خلف الغمام وأترعا
كأسيهما من نشوة وحنان
اكتب لوجه الفن لا تعدل به
عرض الحياة ولا الحطام الفاني
واستلهم الأم الطبيعة وحدها
كم في الطبيعة من سري معان
الشعر مملكة وأنت أميرها
ما حاجة الشعراء للتيجان «هومير» أمره الزمان لنفسه
وقضت له الأجيال بالسلطان
اهبط على الأزهار وامسح جفنها
واسكب نداك لظامئ صديان
في كل أيك نفحة وبكل رو
ض طاقة من عاطر الريحان
عجبا!
يا هاجري، يا من
هجرت بلا سبب
أترى العقاب بغير
إثم قد وجب؟
عجبا لقرص الشمس
في البيت احتجب!
عجبا ... لأعجب
ما يكون من العجب!
بعد اعتزال الأدب1
صديقي «سعفان» ألف سلام
ولا زلت صاحبي المرتقب
ستعجب من صورتي هذه
ألم تر أني اعتزلت الأدب؟
أمير الكمان
تحية لأمير القيثارة سامي الشوا
آه من لحن سما
وي عجيب النغمات
أيها الساحر لم تض
رب بقوس، بل عصاة
يا أبا الفن المصفى
هات ألحانك هات
في شطوط النيل، مهد ال
فن، مهد المعجزات «الصبا» في ريح «لبنا
ن» رقيق النفحات «وحجاز» راقص أو
هات من «شط الفرات»
نحن أبناء المعالي
نحن أبناء الغزاة
غننا لحن أبينا ال
شرق، واهتف بالحماة
هات لحن الشرق، ما أج
دره بالعبرات!
هو أرض المجد، أرض ال
خلد من بدء الحياة
هات لحن الشرق هات ...
هات لحن الشرق هات
رب لحن قدسي
من جنان الخلد آت
جعل الأرواح في هي
كله مزدحمات
حشد العالم كالعب
اد قاموا للصلاة
جمع الناس على الح
ب وأدنى من شتات
شفاء ... وشفاء1
إن يكن «مظهر» يا زي
نب رب المعجزات
مبضع يأسو ويشفي
في الأكف الشافيات
وفتى كالملك السا
حر حلو الكلمات
وله مجد المجدي
ن وأقدار الثقات
فوق أخلاق كريما
ت رقاق محسنات
إنه يشفي ... وتشفي
زينب بالبسمات
أبدا دأبكما الخا
لد بعث للحياة
ومسير الرحمة الكب
رى كما في النسمات
فاهنآ، إنكما ح
قا سواء في السمات
تحية لضوحية
إليك يا ضوحيتي
أبعث بالتحية
تحية من قلمي
ومثلها من مهجتي
إنك كالزهرة في
جمالها والرقة
تقبلي من روضة ال
أشعار خير زهرة
عبيرها خواطري
وملؤها محبتي
حبان1
كرقة طبعك، كالنسمة
ومن شاطئ البحر، ضوحيتي
أزف إليك جميل البيان
وأوجز حبي في لفظة
أحبك حبين: حب ابنتي
وحبي لما فيك من رقة
في معبد1
دنا الموعد والغرف
ة وكر للمواعيد
وجاءت ربة الحسن
كمزمور لداوود •••
فرف البشر في الصمت ال
ذي خيم في الغرفه
وثارت حيرتي الهوجا
ء بين الفجر والعفه •••
وثارت ... آه من ثور
ة هذي اللهفة الحرى
هنا الحسن الذي يدعو
ك في بسماته السكرى •••
وهذا الجسم يا ظمآ
ن في دارك كم يغري
أطهرا تدعي اليوم؟
فماذا نلت من طهر؟ •••
هنا الحلم الذي أبصر
ت في غفوة حرمانك
هنا الكأس التي تزري
بما جمعت في حانك •••
هنا اللهب الذي جس
د في نهد وفي ساق
على مذبحه المعبو
د قدم طهرك الباقي •••
نداء بين عينيك
كهذا الليل مجهول
يجاوبه حنين ثا
ر في قلبي مخبول •••
فقلت الليل يا من كن
ت عند الليل قربانا
لنغرق في دخان الجس
م أشجانا وحرمانا •••
فنام الضوء خجلانا
على مصباح نشوان
قريرا لا تنبهه
سوى أنات تحنان •••
وكان الليل مرتميا
على النافذة الوسنى
تلصص خلسة يرنو
إلى معبدنا الأسنى •••
فشاع السر بين اللي
ل والأنجم والزهر
وإذ بالفجر بساما
إلى إلفين في خدر
لمن الصمت؟1
لمن الصمت والفؤاد المشرد؟
أين من أسكر الربى حين غرد؟
طائر ... أم رأت عيون الأماني
حلما مثل غيره قد تبدد
أم قناع قد مزقته الليالي
عن هوى دون طائل فتجرد
وبدا شاحبا كيوم قتيل
لم يكد يلثم الصباح المورد
ليت شعري، إلام إطراق رأسي
وانحنائي على جريح موسد؟
القرية1
حبذا الريف والخلائق فيه
ضاحكات الوجوه تفتر سحرا
من يراه وقد تبين فيه
زمرا في الزحام تحشر حشرا
يحسب الضيق آخذا في حماه
بخناق، ويحسب القوم أسرى
وهم النور والمحبة والقل
ب طليقا مع النسائم حرا
منظر تلمح البساطة فيه
وترى طيبة وبشرا وطهرا
منظر تلمح السعادة فيه
لا تقل لي أرى شقاء وفقرا
انظر الجرة التي خلفوها
وانظر النيل ضاحكا مفترا
عبدوا النيل مذ قديم وألقوا
كل عام له عروسا بكرا
مصر سحر ورقة وصفاء
لم لا يعبد المحبون مصرا؟
عازفة البيانو1
ليس البيانو الذي راحت تحركه
يداك، أطوع من قلبي وأفكاري
لمسته فتمشى السحر بي، فكما
تهتز أوتاره تهتز أوتاري
سرب من الحور1
سرب من الحور الفوا
تن كالزهور نواضر
ألهمنني وأحطن بي
فجرى بشعري الخاطر
ألهمنني وشككن بي
ونسين أني شاعر
فإذا اعترفن فإنني
للفضل دوما ذاكر
وأنا ل «فلة» عارف
وإلى «أمينة» شاكر
سباق
فجر أطل علي بالإشراق
والقلب يحفزني ليوم تلاقي
فطردت ثقل السهد لا ثقل الكرى
قلبي بوثبته يسابق ساقي
عيناي أم قلبي أم القدم التي
حثت خطاها في مجال سباق
هذا قليل قد شرحت دفينه
وعلى ذكائك أنت فهم الباقي
فجر جديد
فجر جديد حالم خفاق
لما يزل في عالم الآفاق
توهان في غمم الدجى قلق
بحنينه ... بالحب ... بالأشواق
ويود لو ضاق الظلام به
فيهب مندفعا من الأعماق
متحررا من قيد ظلمته
يرنو بعمق الروح ... بالأحداق
فيحس لا شيء ينازعه
ويحول عنه الكون إذ ينساق
لا شيء ملتفا يعانقه
غير السنا في ضوئه البراق
فيغيب في أحضانه ثملا
ويعب من فيض الهوى الدفاق
بانت له الدنيا على قلق «مشتاقة تهفو الى مشتاق»
نحو المجد1
يا أم من تستصرخين؟ من الذي
قدح اللظى الموار في عينيك؟
يا أم هل تمشين نحو النار، أم
فتح الوغى ومشى الجحيم إليك؟
ما حل بالحرية الحمراء؟ هل
سال الدم القاني على قدميك؟
يا ويلها من صرخة مجنونة
ضجت لها الآفاق من شفتيك
لا تجزعي يوم الفداء فكلنا
مهج تحلق كالنسور عليك
فتلفتي تجدي عرينك عامرا
وتسمعي ، كم قائل لبيك!
وقف الشباب فداء محراب الحمى
وتجمع الأشبال بين يديك
والصقر تاجك، تاج فرعون الذي
جعل الشموس الزهر في كفيك
والمجد تاجك والسهى لك موطن
والشهب والأقمار في نعليك
يا مصر أنت الكون والدنيا معا
وعظائم الأجيال في تاجيك
قدر1
لا تدمني نظرا إلي، فوالذي
جعل الهوى قدرا على كفيك
ما تلتقي عيني بعينك لحظة
إلا رأيت صباي في عينيك
اعتذار1
أبعث الآن اعتذاري وأنا
حاضر بالقلب والروح معك
لك ظل مقتف في خاطري
حيثما سرت مضى فاتبعك
أنا لا أومن بالبعد ولا
أحسب المقدور مني نزعك
أنت لا تبرح عيني، فلذا
لا تراني اليوم فيمن ودعك
فرحتان1
قد زرت أيكك بعد أن طال النوى
وإليه كنت محلقا بخيالي
يا من جروا في البال، ما برحوا به
أترى جرينا عندكم في البال؟
عهد مضى بين الهواجس والمنى
والنفس بين تعجب وسؤال
حتى رجعت كأنما رجع الصبا
لي بالأزاهر والربيع الحالي
فإذا بقلبي فرحتان: فهذه
بلقاك أنت، وفرحة ب «جلال»
مداعبة1
يا قرة العينين يا «تملي»
يا واسع التدبير والحيل
يا خالع الضرسين في سنة
ومعقم الآلات في «الحلل»
في رثاء مطران
يا نفس إن راح الخليل وعنده
ورد الخليل فعجلي برحيلي
حملوا على الأعواد فنا خالدا
وا رحمتاه لكوكب محمول!
هو مصرع للعبقرية روعت
في عرشها والتاج والإكليل
يا بحر1
يوم أبحرت فوق متنك تهوي
بي أمواجك الغضاب وتعلو
راعني حولك الرهيب فخارت
عزماتي ولم يعد لي حول •••
وترنحت بين جنبيك تلهو
بي فتطغى آنا وتهدأ آنا
كانت القطرة الضئيلة من ل
جك أمضى مني وأخطر شانا •••
وأنا اليوم أجتليك من الشا
طئ تزجي الأمواج مثل الجبال
فإذا بي أثور مثلك يا بح
ر وتنزو الأمواج في أوصالي •••
هو روحي الذي يحاكيك في البأ
س ولكن يؤوده عبء جسمي
فإذا ما اجتلاك والجسم غفلا
ن توخاك في مضاء وعزم •••
هو روحي الذي يحاكيك يا بح
ر ويخشى قلبي الجزوع أذاكا
ضعضع الجسم عزم روحي المعنى
يا أخا الروح بث فيه قواكا
الربيع1
مرحى ومرحى يا ربيع العام
أشرق فدتك مشارق الأيام
بعد الشتاء وبعد طول عبوسه
أرنا بشاشة ثغرك البسام
وابعث لنا أرج النسيم معطرا
متخطرا كخواطر الأحلام
تحية1
للأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة
متى نلتها كانت لأنفسنا منى
تلفت تجد مصرا بأجمعها هنا
وما بعجيب موطن البدر في العلى
وما بجديد أن يرى الأفق مسكنا
ولكن قلب الحر تعروه نشوة
فيثني على الآلاء وضاحة السنا
إذا أخذ البدر المنير مكانه
وملك آفاق السما وتمكنا
فذلك تكريم الربيع لروضه
جلاها الأباظيون وارفة الجنى
أجل روضة صارت لكل عظيمة
وللفضل والآداب والعلم موطنا
وميدان سباقين للمجد والعلى
إذا اشتجرت أخرى الميادين بالقنا
من الأدب العالي إذا راح سيد
غدا آخر نحو اللواء فما ونى
عصي القوافي سار نحوك مسرعا
ولباك من أقصى الفؤاد وأذعنا
وأنت الذي فك القيود جميعها
عن الشعر تأبى أن يهان فيسجنا
إذا المعدن الصافي دعا الشعر مرة
بذلنا له من أجود الشعر معدنا
دسوقي إذا أقللت فاقبل تحيتي
فما أنا شاديهم ولا خيرهم أنا
ولكنني صوت المحبين كلهم
ومن روضك الغالي وبستانهم جنى
فراش على مصباح مجدك حائم
وأي فراش من جلالك ما دنا
وإني صدى الهمس الذي في قلوبهم
فدعني أقم عما يكنون معلنا
البندر1
انظر وجوه القوم غر
تها بزينتها المدينه
مسكينة بلهاء لا
تدري الزمان ولا فنونه
يا من يغربها إذا
أرست لصاحبها السفينه
الأفق مضطرب الحوا
شي والسماء بها حزينه
لا تحسن الدنيا إذا
ما المرء جن بها جنونه
وطغت منافعه علي
ه وصرن دنياه ودينه
العيش حيث الحب، حي
ث العطف صاف والسكينه
دعابة1
قد هنأوك بمجد الإسباني
فمتى تكون مصارع الثيران؟
أمنحت أوسمة، ومجدك أول
ماذا يهمك من وسام ثان؟
إني أهنيك الغداة لأنني
أهواك من قلبي ومن وجداني
إن المقطم والزمان كليهما
الخالدان، وكل شيء فان
عيد «سونيا»
يا أبا الأشواق غن
وانقل الألحان عني
إن «سونيا» ذات حسن
ضارب في كل فن
إيه «سونيا» هجت شوقي
وشجوني والتمني
إن تغنيني فإني
طائر في كل غصن
إنني بالحسن أدعى
وأغني كل حسن
إيه «سونيا» ذاك يومي
فاسكبي لي، لا تضني
أفرغي سحر الهوى في
خاطري من كل دن
إنما عيدك عيدي
وهو يوم فوق ظني
لا أهنيك ... ولكن
كل مخلوق أهني
كيف أنساك؟
إيه «سونيا» أنت الرضا والحنان
كيف ضاءت بك الليالي الحسان؟!
وغدا الدهر لحظة من سلام
وإذا كل ما عليه أمان
لا أرانا فيه خدعنا إذا ما
بك عز الهوى وفات الهوان
كيف أنساك إذ نسيت شقائي
وعذابي، وليس بي أشجان
وإذا بي أرى لعينيك دنيا
خير ما فكرت به عينان
خشوع
جمالك الهادئ الرزين
وسحرك الواضح المبين
أبدع ما مر في خيال
وخير ما أبصرت عيون
وسره أنت تجهلين
وكيف لو كنت تعلمين؟!
وكيف أضنى القلوب منا؟!
وكيف جئناه طائعين؟!
وكيف نلقاك في سرور؟!
وكيف نلقاه خاشعين؟!
دنيا
إيه «سونيا» ... إيه سونيا
أنت دنيا ... أنت دنيا
أنت دنيا الحسن لك
ن سماواتك عليا
بك يلقى القلب ريا
وبك الأنفاس تحيا
قد نسينا وطوينا
كل ما قبلك طيا
كل من يلقاك لا يذ
كر في الأيام شيا
غير «سونيا» إن «سونيا»
هي دنيا، أي دنيا!
Bog aan la aqoon