وقد كنت مرة في دير قزحيا وحضرت صلاة الخورس، لأني أحب السريانية وصوفية شعرها، فسمعت الرهبان الشبان يلحنون صلاة «علمانو ندمخ شنتو» على نغم: «عالزينو زينو زينو، أسمر ومكحل عينو»، فضحكت. وسألني رئيس الدير - بعد الصلاة - عن سبب ضحكي، فأخبرته، فابتسم ابتسامة صفراء.
والعتابا التي يتفرد بها لبنان مأخوذة من العتاب. والميجانا منحوتة من: يا ما جانا، كما قلنا. ولا ننس أنهم نظموا أيضا بالعربية جنازا للعب الورق، وجنازا للمهاجر إلى أميركا. وأنا عندما كنت طالبا عملت جنازا للمطبخ في مدرسة مار يوحنا مارون، فغضب الرئيس، وأكلت قتلة مشبعة؛ بحجة أني استهزأت بالطقوس الدينية، أما الحقيقة فهي أني هجوت المطبخ!
إن حديث ذكرياتي المدرسية أطول من حديث الحيات، فلندعه الآن. ومن الزجل شعر كثير مات بموت الرواة، وأنا أعرف من قديمه ما ذكرت بعضه كما مر. وإني أتمنى على الباحثين أن يجمعوا ما بقي منه محفوظا، فليت الأستاذ وهيبة فتش عنه! فنحن أحوج إليه وإلى شعر ما قبل المعاصرين، كشعر الخوري الخازني الطريف في بنته (نسيم)، البشعة الوجه، حينما خطفها أحد شباب العوام في غيابه.
قيل: عاد الخوري إلى البيت فاستقبلته الخورية بالصراخ والولولة، ولما عرف الخبر راح يفتش عن الدف، ولما لم يجده، تناول صينية الكبة ونقر عليها، وصاح:
بحيث إنا نفقت نسيم
ما بقا يكسد حريم
ما في فول بلا مكيول
ولا في قراية بلا شحيم
ألا لا رد الله أيام الحرب الأولى التي ذهبت بالكثيرين من رواة هذا الشعر البلدي، قبل أن أتمكن من تدوين عتيقه.
وبكلمة مختصرة أقول: إن العامية اللبنانية لغة دف ومزمار ودربكة وناي، ولغة عاطفة وحب، وسندرس أطواره ومدارسه إن شاء الله.
Bog aan la aqoon