فقالت بانفعال: مهما تكن الأخطاء فإنني أرفض أن أقيم من نفسي قاضيا للحكم على والدي، ولا أسمح بأن يصيبهما مكروه على يدي، بل لا أسمح أن يصيبهما مكروه إن استطعت دفعه، ذنبهما على جنبهما، كما يقال ...
إنها واضحة وضوحا حفر هوة بينهما. تساءل في وجوم: حقا ترفضين؟ - وأيضا الحل الثاني أراه خياليا، هبنا تبرأنا منهم فكيف نلقي الحياة بعد ذلك؟ سنضطر عند ذاك إلى الانقطاع عن التعليم، ولن نجد عملا، فهل نموت جوعا أو ننحرف مثلهم؟ إنه حل جميل تهفو النفس إليه، ولكنه ليس عمليا يا يحيى ...
أي خيبة تجيء في إثر خيبة! إنه في واد وهي في واد. هل تكشف له الأحداث عن شخصية أخرى تحت الشخصية المحبوبة؟! أما هي فواصلت وقلقها يزداد لشعورها بالفارق الكبير بين فتورها وحماسه: إنني متألمة مثلك، متقززة مثلك، غير أنني أرى أننا - أنا وأنت - لا نستحق أن نتحمل وزر ما ارتكبه الآخرون، فلنتجاهل الماضي الأليم، لنمض في حياتنا لا يفرق بيننا شيء، ذلك إذا آلت الثروة يوما إليك أن تفعل بها ما يرضي ضميرك ويكفر عن أخطاء وجرائم الآخرين ...
فقال بازدراء: معنى ذلك أن نرضى بنعيم اللصوصية والعهر ... - نحن نرضى بواقع علاقتنا بآبائنا ...
فتساءل بغضب: وبعد أن رأيت بعيني البؤساء الذين هم أصحاب الثروة المسروقة؟!
فقالت بإصرار: نحن أبرياء، لم نرتكب إثما، بل نحن ضحايا لما نعاني من عذاب، ومن الحماقة أن نرمي بأنفسنا للضياع ونحن نمد يدنا لقطف ثمرة كد السنين، فلنصبر ولو على الأقل حتى نقف على قدمينا!
فتساءل بحزن: أهذا رأيك؟ - يحيى، كن حريصا على حبنا حرصي عليه، لسنا قضاة ولا شرطة، وإذا أردت هجرهم لفورنا ففكر قليلا في العواقب، هبني قلت لك إني معك فما هي الخطوة التالية؟ ماذا نعمل؟ أين نعيش؟ أعطني إجابات محددة وأنا معك، لا أريد أن أقوم بمغامرة ثم أسقط في الضياع ...
فقال بصوت خامل محشرج بالخيبة: ليس عندي جواب محدد، لسانك يجري بمنطق العقل، والعقل أسمج محدث في موقفنا هذا، الجنون ما ننشد، أعني الجنون المقدس ... - أرجو أن أكون واضحة تماما، أنا لا أتعامل مع الجنون المقدس، ولعلي لا أعرف جنونا مقدسا، وأنت فريسة للغضب، فعليك أن تعيد التفكير وأنت هادئ متمالك لانفعالاتك ...
فقال بعد تردد: أرى أننا مختلفان! - كلا، من ناحية الشعور فنحن شخص واحد، لا أفرط فيك رغم الحملات المتتابعة، وفي الوقت المناسب سأقرر مصيري بنفسي، ولكني أرفض المغامرات الجنونية!
بقدر ما حاصره منطقها ثار عليه، وكلما اشتد الحصار اشتدت به الثورة. ولكنه انهزم. على الأقل لم يمض في اندفاعه إلى نهايته. أجل اتخاذ القرار. أجله وهو من القلق والحيرة في نهاية. وهما يغادران الكازينو ضغطت على ذراعه التي تتأبطها إعرابا عن تمسكها به ...
Bog aan la aqoon