156

Shaydaanku Wacdigaa

الشيطان يعظ

Noocyada

قصدت دار الكتب لأسأل عن غريب عدنان في إدارة المستخدمين، فأحالني المدير على أقدم موظف في الدار بأرشيف الكتب يدعى الشيخ فرغل بهنس. قدمت نفسي وشرحت له مهمتي ثم قلت: قيل لي إنك خير من يحدثني عن المرحوم غريب عدنان.

رفع الرجل حاجبيه وقال: يا لله ... سبحان من يبعث الماضي بعد موت ... كان - غفر الله له - مأساة وعبرة!

وطلب القهوة لي ثم واصل حديثه: كان مترجما بالدار، شهادته الأصلية البكالوريا، ولكنه سافر إلى فرنسا على حساب أبيه فرجع بشهادة ما أو بلا شهادة ولكن شهد له بإتقان العربية والفرنسية.

وصمت لحظات ليجمع أشتات ذكريات ثم قال: كان أيضا ميسور الحال، ذا مرتب حسن وبيت مكون من عدة أدوار، وعرف بسعة اطلاعه، وكان بوسعه أن يفيد من علمه ترجمة أو تعريبا ولكن الشيطان دفع به إلى أحضان موضة انتشرت في تلك الأيام، أتعرف ماذا كانت تلك الموضة؟

فهززت رأسي نفيا، فقال: موضة الإلحاد والعياذ بالله، قرر أن يكون حر التفكير مثل فلان وعلان ممن أحدثوا بإلحادهم ضجة ونالوا عنها شهرة فكانت الكارثة. - كيف؟ - نشر كتابا عن الدين المقارن ردد فيه عن الإسلام ما يتقوله المستشرقون المتعصبون! - أعطني مثالا. - لم أقرأه، ولا أتذكره، ولكني أعرف تماما أن كتابه لم يحدث ضجة ولا أنشأ شهرة، ولكن أدخله السجن وأفقده الوظيفة. - لم لم ينج كما نجا آخرون؟ - كان وراء الآخرين أحزابهم ولم يكن وراءه إلا الشيطان. - ومات في السجن؟ - أبدا، خرج بعد انقضاء المدة، عاش على ريع بيته عيشة ليست يسيرة، ثم مات بالكبد، وقيل إن الخمر كانت وراء وفاته. - وماذا تعرف عن أسرته؟ - لا شيء يذكر سوى أنه كان صاحب زوجة وأولاد، لم تتجدد علاقتي به بعد الإفراج عنه، لقد قطعته بلا أسف منذ لحقت به لعنة الكفر.

أدركت لم ترددت ست وجدية قبل اضطرارها إلى ذكر اسمه. على أي حال لقد ورثت أسرته البيت، فكيف تدهور بها الحال إلى الربع 21، وأين بقية الأولاد؟ •••

ها هو البيت وها هي الصيدلية. بيت مكون من أربعة أدوار، كل دور شقة واحدة. بيت متوسط الدرجة ولكنه محترم، فضلا عن أنه يعد قصرا بالقياس إلى ربع السد. جلت جولة استكشافية بالكواء والبدال والفران والصيدلي، فاهتديت إلى بغيتي في ساكن الدور الثاني، أما الباقون فسكان جدد. كان موظفا على المعاش يدعى محمد الصياد. استضافني بحذر، ولما علم بمهمتي أدلى إلي بما عنده من ذكريات. قال: غفر الله لغريب عدنان، ولكن ما ذنب زوجته وأولاده؟

ثم أجاب على تساؤله: هي حكمة ربنا على أي حال.

سألته باهتمام: ماذا حصل للأسرة بعد وفاته؟ - الأم كانت ست عاقلة ومدبرة، وجدت نفسها مسئولة عن تربية أربعة ذكور وأنثى، فقررت أن تبيع بيتا ورثوه لتنفقه على تعليمهم، وهي صفقة رابحة على أي حال، وحال يقف أحدهم على قدميه تزول المتاعب. - تفكير سليم، ولكن أين ذهب الأولاد؟ - صبرك، الابن الأكبر وهو في نهاية مرحلته العليا قتل في مظاهرة على عهد إسماعيل صدقي.

انتظرت وأنا أفكر في صحيفة التحريات التي ستعرض على لجنة الخيرات المنتمية في النهاية إلى حكم راهن يستند إلى انقلاب ملكي! قال الرجل: الابن الثاني قامر بمصروفات المدرسة فخسرها ثم انتحر!

Bog aan la aqoon