قبيل الغداء بمستشفى ميت غمر، حديث مع زميلة طبيبة مولدة شكت إلي زوجها وعقده، ظهر في «أنا» جديد، حديث مني عن الرجل والمرأة في ضوء حقوق الإنسان، شعارات عصرية مبهرة، الحال النفسية هادئ مرتب الأفكار ... كذاب لإرضاء الزميلة ... خائف من تهمة التخلف ... خيالات جنسية عارية ... (3)
العصر، في حجر الأطباء، بروز «أنا وطني» مائة في المائة، حملة على الاعتداء الثلاثي، تأييد للثورة في محنتها، دفاع عن حكمها الدكتاتوري، تبرير الدفاع بأن لقمة العيش أهم من الحرية لدى تسعين في المائة من الشعب، الحال النفسية خوف من الغازات الجوية، كذب فيما يتعلق بالحرية، العقل مكبوت، الإرادة مفقودة، تمزق بين حب الوطن ورفض أسلوب الحكم. (4)
المساء في النادي مع زميل منحدر من أسرة إقطاعية، تبلور «أنا» رابع، تصريح مني بأن الغزو وإن يكن شرا في ذاته فلن يخلو من خير إذا حررنا من عصابة الضباط، موافقة على رأي الزميل بأن الحكم البريطاني كان أفضل من حكم الثورة، الحال النفسية كذب ونفاق وخوف وتمزق وحزن عميق.
وهكذا يا عزيزي، كل أنا شخص جديد في عواطفه وأقواله وأفكاره ورؤيته للحقيقة، فالإنسان مفقود الوحدة فريسة للكذب والخوف، لذلك يعيش إنسانا بلا إنسانية ...
فقلت منفعلا غاية الانفعال: على هذا الأساس فإن الفرد في الواقع شعب كامل! - نطقت بالصواب ... ولكن لا بد من التسجيل لتتجسد الحقائق، لا تعتمد على التذكر، فهو وهم كالحرية المزعومة وكالصديق المزعوم، وعندما تتجسد الحقائق يعبئ الإنسان إرادته لتغيير ذاته، ولخلق الانسجام والتوافق بين الغريزة والعاطفة والعقل، ليؤدي كل وظيفته الطبيعية بلا كبت ولا طغيان على الآخرين ...
فسألت باهتمام شديد: هل تكفي الإرادة لإحداث هذه المعجزة؟
فقال بهدوء: ثمة شرط أساسي، أن يحدد الإنسان لنفسه غاية عليا! - لا يخلو إنسان من غاية. - وهم جديد يا عزيزي عبد الحميد، الغالبية العظمى من البشر لا تعرف لها غاية عليا، أجل لكل أنا غاية قريبة، وهي غايات متضاربة تخضع لميكانيكية الحياة اليومية، ولا بأس بها ولا ضرر منها إذا هيمنت عليها غاية عليا، ولا وحدة للإنسان إلا بهذه الغاية المنشودة!
فسألته بشغف: وما هذه الغاية يا ترى؟ - عليك أن تجيب على السؤال بنفسك، لقد اجتهدت من جانبي واخترت الحرية كما قلت لك.
فكرت فلم اقتنع وقلت: الإنسان يتميز بالعقل فيجب أن تكون الحقيقة هي غايته العليا.
فقال باسما: لا اختلاف بيننا في الواقع، ألم أقل إن الحرية والحقيقة الموضوعية شيء واحد؟ ألم أقل إن الذاتية هي العقبة الكئود في سبيل الحرية؟ فالعقل الحر وحده هو القادر على معرفة الحقائق.
Bog aan la aqoon