Shaytan Bantaur
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Noocyada
قال الفتى: هات يا مولاي، فإني مستمع إن شاء الله متبع.
قال: التجارة يا بني آية عصركم هذا الكبرى، أعلى الممالك ما قام عليها، وأوسع الدول ما اتسع منها، وما من ملك ولا أمير ولا حاكم ولا وزير عرف الغنى في هذا الزمن إلا عرفه من طريق التجارة؛ فهي صيد يطلبه الجميع، غير أن الشباك مختلفات.
أغنياء هذا العالم يتاجرون بمالهم في السر، وأنتم معاشر العمال تتاجرون بعملكم في الجهر؛ أنت تعمل لمستأجرك هذا، وهو يعمل لأناس هم أوسع منه تجارة، وهؤلاء يعملون لبيوت التجارة من الطراز الأول في العالم، وتلك تعمل لأصحاب الملايين من بيوت الملك والإمارة وأسر المجد والشرف وجماعة الساسة والقواد وسائر عظماء الرجال، سواء اشتهر عنهم أنهم من أصحاب الأموال، أو خفي أمرهم على الناس. إذا علمت ذلك يا بني عرفت نفسك قدرها؛ إذ يرسخ في اعتقادك أن الملك والتاجر ربما كانا شريكين في تجارة ولا يعلم أحدهما بالآخر، هذا يؤسس الشركة بماله وسلطانه في الخفاء، وهذا يقيمها بعمله وأمانته في الجهر.
ومتى احترم الإنسان عمله تولد عن هذا الاحترام حب العمل، وهو سر النجاح؛ فأحبب يا بني التجارة تجد عناءها مع الحب راحة، وتلف صعبها معه سهلا؛ واجعل الأمانة فيها رأس مالك، ولو كان لك شم الجبال من رءوس الأموال؛ لأن دولاب التجارة يدور بالمال مرة، ويدور بالأمانة والذمة ألف مرة، وكن يا بني في هذا المحل كأنه لك في اعتقاد، وكأنك تمر به مرا في اعتقاد آخر، وبعبارة أصرح: كن كثير العمل، كبير الأمل، لا تقف في الغنى عند نهاية، ولا تتمهل في المجد عند غاية.
واعلم أن كل ما يفيض عن قدر الإنسان وشخصه من سعة الثروة ورفعة الذكر إنما يفيض على وطنه وقومه؛ وإن طالبتني بمثال حاضر فهذا «كارنجي» الأمريكي، جمع بالأمس سفن التجارة في لجج الغرب وبحار الشرق تحت راية أمريكا التجارية؛ مع أن المجد والثراء من أن يستزاد هذا الرجل براء.
وإذا ذكر التوفيق يا بني أو خطرت السعادة على بالك، أو حدثوك عن قيام الجد ويمن الأمر وإقبال الدنيا، فقل: ذلك فضل السماء تؤتيه من تشاء، وكن كربان الباخرة: ملأها فحما، واستوثق من استقامة إبرتها، وسلامة آلاتها، وكمال أدواتها، ثم خرج بها إلى عالم الماء غير آخذ موثقا على الرياح والأنواء، ولا في يده صك بالوصول من القضاء.
قال الهدهد: وبينما الأستاذ ينثر من حلى نصائحه ودرر وصاياه على سمع الغلام، وهو يصغي لما يقول ويفهمه فهم ذكي في طباعه حب الاستفادة، انسلخ رب التجارة من كرسيه ثم تقدم نحونا وسأل الغلام: من هذا الذي شغلك ساعة زمان، وماذا يريد؟
قال: يريد دواة ولا يكاد يجد طلبته.
فاستحوذ على التاجر الغضب وقال يعنف الفتى: أمن أجل دواة تؤخر شغلك ساعة، وتنقطع لهذين دون الجماعة؟
فعبس الأستاذ وتولى، وهمس في أذني بأن قال: هذا يا بني هو الاحتلال!
Bog aan la aqoon