Shaytan Bantaur
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Noocyada
قال: الخرافات يا بني وجدت مع الإنسان منذ البداية، وسوف تصحبه إلى النهاية، ولو بلغ من المدنية أقصى غاية، وأظنك عهدت باريز لا تخلو منها، وهي فيما يزعمون عاصمة العواصم، وكرسي التمدن القائم!
قلت: كذاك هي يا مولاي.
قال: لكن هلا أخذت من عبارة المريض أن الأطباء في منفيس ضروب، وأن توزع الأعمال قاعدة التطبيب بينهم؛ فهذا للرأس، وذاك للبطن، وآخر لأمراض العين، ورابع لأدواء الأذن؛ كل على قدر اجتهاده في الفرع الذي وقف نفسه عليه.
وهذا ما صار إليه الطب أخيرا عند الغربيين، وهم يعتقدون أن ذلك بداية النجاح الحقيقي، وفاتحة عصر للعلوم الطبية لا يقف ارتقاؤها فيه عند حد، فلو لم يكن من فضل أطبائنا الحمقى الجهلاء سوى أن القوم أخذوا عنهم هذا المبدأ الجليل، لكفى؛ على أنني عالم بأن الطب لم يتقدم في هذه العاصمة التقدم اللائق بمزلتها في الحضارة، الجدير بمبالغها في المدنية؛ ولهذا الأمر أسباب، أهمها قلة الأمراض في هذه الأمة؛ لأنهم من جهة يعتنون بأمر نظافة الأبدان والملابس؛ إذ من عاداتهم أن يغتسل واحدهم ثلاث مرات بالنهار ومرتين بالليل، فمثلهم كالمتقين منكم معشر المسلمين، الذين يتوضئون خمس مرات في اليوم؛ ومن جهة أخرى لأنهم في الغالب رجال عمل ونهوض وحركة، وإذا كان النشاط في الطباع، سلمت الجسوم من الأوجاع.
وبديهي أن توسيع العلوم يكون بقدر الحاجة إليها، فإذا عظمت عظم الاشتغال بها، وكثر الاختراع فيها، وإذا قلت قل، وأكبر برهان على ذلك ما أشرت إليه من بلوغنا الدرجة القصوى في التحنيط والتصبير، فلولا اعتقاد الأفراد أن الأجسام بعد الموت مقدسة لا ينبغي أن يصل إليها الفساد، لما اجتهد الأطباء المختصون بهذا الفن فيما يمارسون من جليله وحقيره، حتى بلغوا فيه إلى درجة الإعجاز، منساقين برغبة الكافة، ملبين منادي الحاجة العامة.
وما يقال عن التحنيط يقال كذلك عن فن العمارة والإنشاء؛ فليس السبب في رقيه بيننا هذا الرقي المعجز الباهر، إلا مبالغة المصريين منذ القدم في قيمة الآلهة وتصورهم إياهم في منتهى العظمة المؤبدة الأزلية؛ فلا يرفعون لهم من الهياكل إلا ما يليق بمقامهم هذا ويسكنونه إلى الأبد؛ على أنك لو قست دور الأهالي من جميع الطبقات، وما رأيتها عليه من البساطة والاقتصاد في البناء، بالهياكل وما شهدت من فخامتها، واجتليت من زخارفها، لعلمت أن دعواي مبرهنة من نفسها، ولأيقنت أن قصور المصريين في الطب لم يكن عن جهل وقلة ذكاء، لكن عن عدم حاجة ماسة وقلة اعتناء.
قلت: صدق مولاي وأفاد، لكن هذا ميدان الملك، فأين قصره؟
قال: تظل تحلم بالملك! وقد أذكرتني أن لي كلمة أقولها لصائغه الخاص بأمر جلالته، فلنبدأ به الآن.
قلت: الأمر إليك يا مولاي.
فمشى النسر وأنا فوق كتفه، حتى مر بحانوت ضيق المدخل رزي المنظر، فرأيته يهم بالولوج، فقلت: لعلك ضال يا مولاي؛ فمثل هذا الحانوت لا يكون لصائغ الملك!
Bog aan la aqoon