صلى الله عليه وسلم
وقسوة الحياة المادية عليه، وكان المعروف من خلقه ولا سيما أثناء خلافته أنه لا يثبت على الغضب إذا ذكر بالله أو قرئ عنده شيء من القرآن، مهما يكن غضبه شديدا ومهما يكن موضوع هذا الغضب.
وقد كان أثناء جاهليته يرق قلبه في بعض المواطن، فأما بعد إسلامه فقد كانت رقة قلبه تبلغ به البكاء بل النشيج في أكثر الأحيان، ومن أجل هذا كله كان أثناء خلافته مهيبا كأعظم ما تكون الهيبة، رقيقا كأشد ما تكون الرقة. والذين وصفوا حكمه أثناء خلافته بأنه كان شدة في غير عنف، ولينا في غير ضعف ، لم يبعدوا؛ فقد كان عمر شديدا حتى خافه الناس جميعا، وكان رقيقا حتى رجاه الناس جميعا.
والغريب من أمره أنه كان يعنف بنفسه أشد العنف وأقساه قبل أن يعنف بغيره من الناس، ولا يعرف أنه رق لنفسه أو رحمها في يوم من الأيام على كثرة رقته للناس ورحمته للضعفاء والمحتاجين. وهذا الخلق الذي يأتلف من العنف والرقة هو الذي دفع عمر إلى الصراحة التي لم تعرف لمثله من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم ، فهو كان جريئا حين يرى الرأي ويعتقد أنه الحق، لا يتردد في أن يعترض على النبي نفسه، كما فعل عام الحديبية حين أنكر صلح النبي مع قريش، وقال للنبي في صراحة: لم نعطي الدنية في ديننا؟!
وربما دفعته هذه الصراحة إلى أن يدخل في أشياء لم يكن يدخل فيها غيره من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم ، فهو يتمنى أن تحرم الخمر، وقد كان فيما زعم الرواة صاحب خمر في الجاهلية، ولكنه بعد إسلامه عرف ضرر الخمر فتمنى أن تحرم، وما زال يجهر بهذا الذي كان يتمناه، حتى إذا نهى الله المسلمين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى حتى يعلموا ما يقولون رضي عمر شيئا، ولكن رضاه لم يبلغ الاقتناع، فظل يتمنى أن تحرم الخمر تحريما قاطعا، ويجهر بهذه الأمنية، ويسأل الله أن يبين أمر الخمر بيانا شافيا، فلما أنزل الله قوله الكريم من سورة المائدة:
يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون .
طابت نفس عمر، وكذلك كان موقفه من الحجاب فيما يتصل بنساء النبي
صلى الله عليه وسلم ، لم يكتف بأن يتمنى فيما بينه وبين نفسه أن يحتجب نساء النبي، بل كلم النبي نفسه في ذلك، واشتد في هذا الأمر حتى تحدث الرواة والمحدثون أنه تعرض مرة لسودة أم المؤمنين في بعض طريقها، وقال لها: لقد عرفناك يا سودة. فأحرجها وأحفظها، ولم يسترح حتى أنزل الله آيات الحجاب في سورة الأحزاب، فقال - عز اسمه:
Bog aan la aqoon