صلى الله عليه وسلم ، فقد أقام عمر إذن بمكة بعد إسلامه سبع سنين يجاهد قريشا عن دينه وعن دين غيره من المسلمين، ويمتحن في ذلك بألوان من الأذى والمشقة لم تزده إلا ثباتا على الحق وإمعانا في الجهاد.
ولكن المهم من أمر عمر في هذا الطور من أطوار حياته، هو أن عنفه وشدته كان يمازجهما شيء من الرقة واللين، يظهر في أحيان قليلة حين يرى شيئا من شأنه أن يؤثر في قلب الرجل الحر الكريم، وقد رأيت ما تحدث به الرواة من بطشه بختنه حين أحس منه الإسلام، ومن بطشه بأخته حين أرادت أن تذوده عن زوجها، ورأيت في الوقت نفسه رقته حين رأى الدم يسيل على وجه أخته.
والرواة يتحدثون أيضا بأنه كان يرق للذين يهاجرون إلى أرض الحبشة من المسلمين ويظهر هذه الرقة، وقد ظل عمر على هذا الخلق الذي يأتلف من العنف العنيف والرقة البالغة بعد إسلامه، ولكن الإسلام صفى مزاجه فلطف من عنفه، وحال بينه وبين الإسراع إلى البطش كما كان يفعل قبل إسلامه، وزاد من رقة قلبه فجعله يسرع إلى رحمة الضعيف والبر بالملهوف.
وكان الإسلام خليقا أن يؤثر في خلق عمر هذا التأثير، فهو يدعو إلى القصد، ويكف عن السرف، ولا يسلط أحدا من المسلمين على أحد إلا عند الضرورة الملجئة، وهو بعد ذلك يرغب في الرحمة والبر، ويزين الرفق في القلوب، فكيف إذا صحب عمر النبي
صلى الله عليه وسلم
ورأى إيثاره لليسر في كل ما لا يمس حقا من حقوق الله أو حقا من حقوق العباد؟!
والمعروف أن النبي كان لا يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، فليس غريبا أن يتأثر عمر بسيرة النبي، إلى تأثره بما كان يسمع ويتلو من القرآن الكريم.
وما نعرف أنه بكى أثناء جاهليته في موطن من المواطن، ولكننا نعرف أنه كان سريعا إلى البكاء بعد أن أسلم، كان كغيره من المؤمنين يمتلئ قلبه وجلا إذا ذكر الله، كما نقرأ في الآية الكريمة من سورة الأنفال:
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون .
وكان يبكي كلما قرئت عليه آيات التخويف والترهيب من القرآن أو كلما قرأها، وكان يبكي حين يرى شدة عيش النبي
Bog aan la aqoon