23
يسقى لبنها، وقطيفة قيمتها خمسة دراهم. وكان هذا كله من بيت مال المسلمين، فلما عرف أنه ميت في مرضه ذاك أمر أن يرد هذا كله على الخليفة من بعده، فلما رد هذا على عمر، قال وهو يبكي: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده!
ولا نعرف لأبي بكر شيئا امتاز به عن عمر في سياسة المسلمين الداخلية إلا أمرين اثنين، أحدهما: أن الفيء كان يأتيه بعد انتصار قواده في حروب الردة، وكان يأتيه بعد انتصار خالد في العراق.
كان القواد ينفذون في هذا الفيء أمر الله - عز وجل - في الآية الكريمة من سورة الأنفال:
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير .
فيقسمون أربعة أخماس الغنيمة على الجند، وربما نفلوا أصحاب البلاء من الخمس، ثم يرسلون ما بقي منه إلى أبي بكر، وكان أبو بكر يقسم ما يصل إليه بين المسلمين لا يفرق بينهم في القسمة، وإنما يعطيهم جميعا على سواء، يعطي الرجال والنساء والأحرار والرقيق.
ولما كلم في السابقين إلى الإسلام والمجاهدين مع رسول الله قال: إن أجرهم على ذلك عند الله، وإنما الدنيا بلاغ. وسنرى أن عمر خالف هذا المذهب حين فرض الأعطية للناس.
والأمر الثاني: أنه لم يرم الفرس والروم في العراق والشام إلا بمن ثبت على إسلامه بعد وفاة النبي، وكان يمنع العائدين من ردتهم إلى الإسلام من المشاركة في الفتح عقوبة لهم من جهة، وإشفاقا منهم من جهة أخرى، وسنرى أن عمر قد غير هذا الحكم من أحكام أبي بكر.
وكان أبو بكر فيما عدا ذلك رجلا من المسلمين لا يمتاز منهم في شيء، وقد دعاه بعض الناس: يا خليفة الله! فقال: لست خليفة الله، وإنما أنا خليفة رسول الله.
وكذلك أنفق أيام خلافته راضيا، مرضيا، لم ينكر عليه أحد من المسلمين شيئا، ولم ينكر هو على أحد من المسلمين شيئا، ولقي الله راضيا عن المسلمين والمسلمون عنه راضون.
Bog aan la aqoon