تقدير الأشياء
يختلف تقدير الناس الأشياء وتقويمها اختلافا بينا، ولعل اختلافهم - على كثرة وجوهه - يرد في جملته إلى تقدير الظاهر والباطن أو الصور والحقائق. فأهل الظاهر يرون الصور والأشكال والأحجام، فما كان أكبر وأبلغ في اللون وأبين في الشكل كان أقرب إلى إكبارهم وإعجابهم. وكذلك شأنهم في تقدير الأعمال؛ أقواها وأكثرها جلبة أجدرها بإعجابهم. الضرب والقتل والهدم والشنق مثلا من مظاهر القوة الجسمية، يستأثر بهم أكثر من دقائق الأعمال وقوى الأنفس كالصبر والحلم والأناة والدأب. وكذلك تقديرهم الكلام؛ الشعر الأبين حركة في وزنه، والأشد جلبة في لفظه، والأكثر غلوا في معناه، والأجمع للمحسنات اللفظية أدنى إلى أنفسهم، وأظفر باستحسانهم. وقل على هذا القياس في الموسيقى والغناء، بل معجزات الأنبياء ما كان منها تفجيرا للماء من الحجر أو ابتلاع حية عصيا وحبالا أبين في فهمهم من معجزات تتجلى في إدراك أسرار العالم وسنن الأمم، وإصلاح النفوس، وتقويم الجماعات.
وأهل الحقائق لهم أقيسة أخرى وموازين غير هذه، فالتلوين الخافت المناسب، والعمل النفسي الخفي، والمعنى الشعري الدقيق، واللفظ السلس في غير ضوضاء، وآية من القرآن فيها نظر إلى العالم بعيد، أو كشف عن سنن بين ... وهلم جرا، كل أولئك أحرى بالإعجاب والتقدير عندهم. وهم كذلك في إعجابهم أقرب إلى الهدوء والسكون، على حين يصفق أهل الظاهر لما يعجبون به ويصيحون.
الخميس 3 ذي القعدة/17 أغسطس
وذروا ظاهر الإثم وباطنه
نقرأ هذه الآية ونقرأ آية:
قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن
وآيات أخرى تشبهها، فما ظاهر الإثم وباطنه، وما الفواحش الظاهرة والفواحش الباطنة؟
أيراد بالظاهر والباطن ما أعلن به الناس وما أسروه؟ ما اقترفوه جهرة، وما ارتكبوه في خلواتهم؟ ما انتهكوا به الحرمات علانية، وما انتهكوا به الحرمات خفية؟
أم الظاهر والباطن؛ هذه المنكرات البينة التي بان للناس قبحها وشناعتها واجتمعوا على إنكارها، والمنكرات الأخرى التي تختلف فيها الظنون ويتفاوت فيها الإدراك، يحسبها بعض الناس صغيرة وهي كبيرة، ويستهين بها بعضهم وهي غير هينة، كما قال القرآن:
Bog aan la aqoon