ومرده كذلك إلى ما يسيطر على الإنسان من أفكار؛ تسيطر عليه فكرة خيرة، ومعنى سام، ونزعة عالية فتؤدي إلى أمثالها فتتابع معاني الجمال والخير فتشرق بها النفس ويصفو لها القلب، وينطلق اللسان من سجنه وقيده إلى عالم المعاني غير المحدود. أو تتعلق بالإنسان فكرة خبيثة فيها الحقد والقتل، وفيها المآرب والأهواء، وفيها المنافع الخاصة التي تحبس العقل في مآرب الجسم الدنية، وفي ضيق المادة المظلمة. فهذه المعاني تهوي بالإنسان أسفل سافلين، وتحبسه في محابس من الشر والهوى حتى يكون من الخاسرين.
فليجتهد الإنسان أن ينأى بنفسه عن الحالات الجسمية التي تحبس فكره وخياله، وليتجنب التفكير والتخيل حين تطرأ هذه الحالات، ثم ليطرد من نفسه الأفكار الشريرة، والنزعات الحسية، وليجتهد أن يسمو مع المعاني السامية، ويسرح مع الآمال الواسعة الجميلة، في آفاق لا تحيط بها الأبصار، ودرجات لا تحيط بها الأفكار.
الأحد 3 رمضان/18 يونيو
بغير عنوان
وجدت هذه الصفحة خالية لم تكتب في حينها كما كتب بعض أخواتها، ولا وضع عليها عنوانها كأخوات أخر، قلت: ماذا أكتب فيها ولا عنوان لها؟ سهوت أو شغلت عن كتابة العنوان الدال على الفكرة التي أسطرها في الصفحة. ثم قلت: دعها صفحة بغير عنوان.
إن في منظومات الشاعر الصوفي الفياض فريد الدين العطار منظومة قيمة اسمها «بيسر نامه» أي كتاب لا عنوان له، ولم ينقص هذا من قدرها، ولا ذهب بفائدتها وصار عدم العنوان اسما لها. وقد قرأنا في التاريخ أن أحد الملوك مات له أولاد فأشير عليه ألا يسمي من يولد له من بعد ليعيش، فترك ابنا له بغير اسم فسمي هذا الذي لم يسم «آتسنر» أي غير مسمى، وصار نفي الاسم اسما له.
قلت: أجل، أدعها بغير عنوان ولكن لا أدعها بغير فكرة أسجلها، أسجل فيها أن من الناس من لا عنوان لهم، وهم في تأدية الواجب ونفع الناس وإصلاح الأمة والجدوى على البشر، أصلح عملا وأعظم أثرا من أصحاب العناوين المدوية التي تذهب في الناس كدوي الطبل والطبل أجوف. فاحذر أن يكون همك العنوان، وقصدك الدوي والضوضاء، واجهد أن تعنى بالموضوع ولا تبالي بالعنوان، وأن تعنى بالفعل غير معني بالقول، وأن تطمح إلى الحقائق لا إلى الظواهر، وأن تحرص على أداء الواجب لا على الصيت، وأن تقصد وجه الله، لا وجوه الناس.
كن كتابا مفيدا وإن لم يكن له عنوان، ولا تكن كتابا كله عنوان وليس وراء العنوان شيء.
الإثنين 4 رمضان/19 يونيو
ما أرحم الإنسان وما أقساه!
Bog aan la aqoon