أنشأنا مدينة الأوقاف فكم عطلت من زرع وشجر، وكان في الإمكان أن تبنى على حافة الصحراء غير بعيدة من المكان الذي خط لها! ونرى مدينة المعادي، وهي على حافة الصحراء تمتد شطر الشمال والغرب على الأرض الزراعية، وللقوام عليها مندوحة في فسحة الصحراء القريبة. إن الأمر جدير بعناية حكومتنا لتضع خطة تحرم أن يشغل شبر من المزارع بالبناء ما أمكن أن يشغل بدله شبر في الصحراء. فإن ترك الأمر على خطة واستبحر العمران على غير حدود، نقصنا مزارعنا على قدر ما نزيد من دورنا ومصانعنا ومدارسنا، وعمرنا في جانب وأخربنا في جانب آخر.
الأربعاء 30 رجب/17 مايو
الصحراء أفسح للمدن والقرى
وادي النيل طويل ضيق، وهو جنوبي القاهرة يمتد على جانبي النهر بين صحراوين تتقاربان وتتباعدان، وهما في أقصى تباعدهما قريبان. وبعض القرى قائمة على حافة الصحراء ولو بنيت في الصحراء ما اختلف مكانها إلا قليلا.
فإن وضعت حكومتنا خطة بعيدة لنقل مدن الصعيد وقراه والبلاد القريبة من الصحراء في الوجه البحري، إلى الصحراء في عصور طويلة، لا يمض مائة سنة أو مائتان إلا كانت البلاد كلها مرتفعة عن مجرى النيل ونززه، وعن المزارع مياهها ورطوبتها، مستمتعة باتساع الصحراء وصحة الهواء.
إن فعلت الحكومة هذا كان صوابا من الرأي والعمل، وكسبت البلاد سعة ورفعة وصحة، ووفرت الأرض للزراعة، ولم يكن في هذا مشقة على الناس؛ لأن المسافات بين الصحراء وشاطئ النيل قريبة، فإذا مهدت الطرق وكثرت استطاع الفلاح أن يذهب من قريته على حافة الصحراء إلى مزرعته على إحدى ضفتي النهر في زمن قصير.
ولعل كثيرا من الناس يعجبون من هذا الرأي ويسخرون، ولكن التأمل والتروي يردانهم إلى الاعتراف بسداده وصوابه ويدعوانهم إلى الأخذ به والدعوة إليه والعمل له إن شاء الله.
الخميس 1 شعبان/18 مايو
الفراغ والعمل
أمضيت يومي معتكفا لوعكة ألمت بي، وقد قطعت الوقت بالقراءة بين حين وحين، ولكن أوحى إلي التفكير في العمل والفراغ كتابة هذه الكلمة: إن الإنسان يطول عليه وقت الفراغ فيمله، ولكن لا يذكره بعد مضيه، أو يذكر منه شيئا ضئيلا، وهو لا يشعر بمضي الوقت حين يشغله بالعمل، ولكنه يجد له بعد مضيه ذكرى طويلة. وتزيد الذكرى اتساعا إذا اختلف العمل واختلف المكان فتعددت الفكر والصور، فمن يمضي يوما متنقلا بين بلد وآخر يذكر يومه هذا أكثر مما يذكر يوما أمضاه يعمل في مكان واحد. كلما تشابه العمل ومضت الأيام على شاكلة واحدة قل شعور الإنسان بالزمن الماضي، وكلما تجدد العمل واختلفت صوره زاد شعور الإنسان به. ما أشبه الذي يعمل عملا واحدا مكررا بالحيوان الذي يدور بالساقية، يسير طويلا ويعمل كثيرا، ولكنه لا يخرج من هذه الدائرة الضيقة، ولا يشعر بأكثر منها. فإن لم يستطع الإنسان أن يغير عمله بين يوم وآخر فليجتهد أن يغير من صور العمل، ويجدد في أشكاله، ليخلص من هذا التشابه ويشعر بالوقت ويذكره.
Bog aan la aqoon