وطوع مرادي كل نفس مريدة
ولا قائل إلا بلفظي محدث
ولا ناظر إلا بناظر مقلتي
ولا منصت إلا بسمعي سامع
ولا باطش إلا بأزلي وشدتي
ولا ناطق غيري ولا ناظر ولا
سميع سوائي من جميع الخليقة
وهكذا عبر ابن الفارض عن الحالة الصوفية «التي يفنى فيها العبد عن صفاته البشرية ليتحقق وجوده بصفات الربوبية.»
ثم اقرأ قولة الحلاج المشهورة «أنا الحق»، التي صاغ بها مذهبه في وحدة الوجود صياغة مختصرة واضحة، فهو يرى أن الإنسان إذا ما طهر نفسه وصفاها بأنواع الرياضة والمجاهدة والزهد، وجد حقيقة الصورة الإلهية التي طبعها الله فيه؛ لأن الله خلق الإنسان على صورته، وهو في ذلك يقول: تجلى الحق لنفسه في الأزل، قبل أن يخلق الخلق، وقبل أن يعلم الخلق، وجرى له في حضرة أحديته مع نفسه حديث لا كلام فيه ولا حروف، وشاهد سبحات ذاته في ذاته، وفي الأزل - حيث كان الحق ولا شيء معه - نظر إلى ذاته فأحبها وأثنى على نفسه، فكان هذا تجليا لذاته في ذاته في صورة المحبة المنزهة عن كل وصف وكل حد، وكانت هذه المحبة علة الوجود والسبب في الكثرة الوجودية، ثم شاء الحق سبحانه أن يرى ذلك الحب الذاتي ماثلا في صورة خارجية يشاهدها ويخاطبها، فنظر في الأزل، وأخرج من العدم صورة من نفسه لها كل صفاته وأسمائه وهي آدم الذي جعله الله صورته أبد الدهر، ولما خلق الله آدم على هذا النحو عظمه ومجده واختاره لنفسه، وكان من حيث ظهور الحق بصورته فيه وبه هو هو.
ونختم حديثنا عن الجانب الصوفي من الثقافة الإسلامية بكلمة عن أبي حامد الغزالي، الذي كثيرا ما قال المسلمون عنه: «لو كان بعد النبي محمد نبي لكان الغزالي ذلك النبي.» وكلنا يعلم كيف بدا له في سن الصبا أن يترك الأخذ بالعقائد والآراء تقليدا لسواه، وكيف أخذ يبحث عن الطريق الحقيقي لتحصيل العلم اليقيني، فلما أعجزه ذلك وقع في غمرة من الشك، حتى اعتراه المرض إلى أن أنقذه الله من ضلاله، وقذف بنوره في قلبه، فاستعاد قواه، وبدأ يفكر من جديد ويبحث من جديد، فكان أن هداه الله إلى كتب الصوفية فوجد فيها طلبته، كما وجد في طريقتهم سبيلا إلى الحق واليقين.
Bog aan la aqoon