صلى الله عليه وسلم
النهي عن السعي في أذاهم، ولذلك كان الخلفاء الراشدون إذا أنفذوا جندا إلى حرب أوصوهم بأهل الذمة خيرا، ومنعوهم من أذاهم، وأمروهم بالكف عن الكنائس وأصحابها ألا تعلم ذلك؟»
قال هانئ: «نعم أعلمه جيدا ولطالما تحدثنا فيما قام به بعض الخلفاء وأمراء الأندلس من هذا القبيل، وتعاهدنا على منعه.»
قال عبد الرحمن: «فما معنى هجومكم على كنيسة بوردو في هذا اليوم ونهب آنيتها وإيذاء رهبانها؟»
فظهر الغضب على وجه هانئ مع الدهشة، وأطرق لحظة ثم هز رأسه وهو يقول: «قبح الله بسطاما ما أطمعه وما أقل طاعته إني نهيته بنفسي عن هذا الأمر - ونحن في أثناء الوقعة - بعد أن رأيت منه ومن رجاله ميلا إلى النهب في غير تفرقة، وقد علمت بما في كنيسة بوردو من آنية الفضة والذهب، فخشيت أن تسوقه المطامع أو تسوق أحدا من قبيلته إلى نهبها، فاستوقفته في وسط المعركة وقلت له: «احذر أن يسطو أحد من رجالك على الكنائس أو المعابد أو القسس.» فأجابني بالسكوت فبدا لي في تلك الساعة أنه لا ينوي الإذعان للتحذير، لما نعلمه من طمعه وقسوته و ...»
فابتدره عبد الرحمن قائلا: «أتظن أن تلك فعلة بسطام؟»
قال هانئ: «لا أظن أحدا سواه يجرؤ على ذلك بعدما كان من تشديدنا في منعه، وقد رأيته مع بعض رجاله وهم يقتسمون صلبانا من ذهب ومباخر من فضة مما لا يكون في غير الكنائس.»
فصفق عبد الرحمن ونادى غلامه فدخل، فقال: «ادع الأمير بسطاما.» وبعد خروج الغلام التفت عبد الرحمن إلى هانئ، وقال: «لا تخف من غضبي عليه، فإني سأخاطبه باللين لما أعلمه من فظاظته وغلظته وإلا أفسد الجند علينا.»
فقالت المرأة: «مالكم ولهذا النصير الخطير ما كان أغناكم عنه وعن قبيلته.»
فتنهد عبد الرحمن وقال: «لو شئنا أن نستبعد من جندنا أمثال هؤلاء الغلاظ لاقتضى أن نجرده من أشد رجاله وأكثرهم عددا؛ لأن في جملة رايات هذا الجند قبائل من البربر وجماعات من الصقالبة والجرامقة والجراجمة والأقباط والأنباط وغيرهم، وفيهم من لا يزال على اليهودية أو النصرانية أو الوثنية أو المجوسية وإنما يتظاهرون بالإسلام - والبربر من أشجع الأمم لا يهابون الموت ولا يخافون العدد - والحق يقال إنهم هم الذين فتحوا لنا إسبانيا وسلموها إلينا، ولو أردنا الاستغناء عنهم لامتنع علينا هذا الفتح؛ لأن العرب لا يزالون إلى اليوم قليلي العدد بالنسبة إلى مثل هذا المشروع العظيم، فاستخدام البربر في هذه الحروب يفيدنا كثيرا، وكل ما يطلب منا أن نحسن السياسة في معاملتهم لئلا نغضبهم، وهم إنما يرضيهم الكسب من الغنائم ونحوها، وهذا أمر ميسور لهم؛ لأننا كثيرا ما نتنازل لهم عن الغنيمة لنطعمهم في الجهاد لمصلحة المسلمين، وإن لم يكونوا كلهم مسلمين مخلصين.»
Bog aan la aqoon